عبدالعزيز العنجري

التصعيد التجاري بين الولايات المتحدة والصين ... بين الاقتصاد والسياسة
تُعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين واحدة من أبرز تجليات التنافس الجيو-اقتصادي بين القوتين العالميتين. ومع فرض واشنطن رسوماً جمركية إضافية بنسبة 10 % على معظم الواردات الصينية، يبدو أن التصعيد لا يتوقف عند حدود الاقتصاد، بل يتجاوز ذلك إلى أدوات الضغط السياسي والإستراتيجي. السؤال المحوري هنا: هل هذه السياسة قادرة على تحقيق أهدافها الاقتصادية أم أنها مجرد تكتيك تفاوضي محكوم عليه بالفشل؟من الناحية الاقتصادية، تستند التعريفات الجمركية إلى مبدأ الحماية التجارية، حيث تسعى الدولة إلى تقليل اعتمادها على السلع المستوردة وتعزيز الإنتاج المحلي. لكن في حالة الولايات المتحدة، فإن معظم السلع الصينية التي تخضع للرسوم الجديدة تُعد مكونات حيوية لسلاسل التوريد الأميركية، خاصة في القطاعات التكنولوجية والتصنيعية. وبالتالي، فإن رفع الرسوم لا يؤدي إلى تقليص العجز التجاري بقدر ما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج للشركات الأميركية، وهو ما يُترجم في نهاية المطاف إلى ارتفاع الأسعار على المستهلك الأميركي.تشير البيانات إلى أن الحروب التجارية السابقة بين البلدين لم تحقق النتائج المرجوة من الجانب الأميركي، بل أدت إلى اضطرابات في الأسواق المالية، وإعادة هيكلة سلاسل التوريد العالمية بعيداً عن الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، خلال التصعيد الجمركي بين 2018 و2020، لجأت العديد من الشركات متعددة الجنسيات إلى تحويل عملياتها نحو دول أخرى في آسيا، مثل فيتنام والهند، بدلاً من إعادة التصنيع إلى الداخل الأميركي.تبرر الولايات المتحدة هذه الخطوة الجديدة بمسألة مكافحة تهريب الفنتانيل، وهو مبرر يثير تساؤلات حول مدى ارتباطه الفعلي بالسياسات التجارية. صحيح أن أزمة الأفيونيات في الولايات المتحدة تشكل تهديداً صحياً خطيراً، إلا أن تحميل الصين مسؤولية انتشار هذه المواد داخل الأراضي الأميركية يتجاهل العوامل الداخلية التي تعزّز هذه الظاهرة، مثل الإفراط في وصف العقاقير المسكنة في النظام الصحي الأميركي، وضعف الرقابة الداخلية على تدفق المواد الكيميائية المستخدمة في التصنيع غير القانوني.على الجانب الآخر، التزمت الصين سابقاً بتشديد الرقابة على صادرات المواد الكيميائية التي تدخل في تصنيع الفنتانيل. ففي عام 2019، أدرجت الحكومة الصينية جميع مشتقات الفنتانيل ضمن قائمة المخدرات المحظورة، مما جعلها أول دولة في العالم تتخذ هذه الخطوة. هذه السياسة جاءت بعد ضغوط مباشرة من واشنطن، ولكنها عكست أيضاً التزام بكين بالتصدي لهذه الظاهرة. ووفقًا لما ذكره مساعد وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأميركي السابق بريت جيروير (Brett Giroir)، فإن هذه الإجراءات كان لها «تأثير واضح في تقليل تدفق المواد الأولية لصناعة الفنتانيل» إلى الولايات المتحدة.رغم ذلك، فإن واشنطن لم تعترف رسمياً بهذه الجهود بشكل كافٍ، واستمرت في استخدام هذا الملف كأداة سياسية. حتى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) أكد أن التشريعات الصينية الأخيرة قد ساعدت في تقليل تدفق الفنتانيل إلى أسواق غير قانونية، لكنه أشار إلى أن تجارة هذه المواد باتت تعتمد أكثر على طرق بديلة، بما في ذلك التصنيع داخل الولايات المتحدة نفسها، وهو ما يضعف السردية الأميركية التي تلقي باللوم الكامل على الصين.إذا نظرنا إلى المشهد من منظور أوسع، فإن التصعيد الجمركي بين الولايات المتحدة والصين لا يقتصر على الاقتصاد فحسب، بل يمتد إلى البنية المالية العالمية. فالاقتصادان مترابطان بشكل غير مسبوق، حيث تُعد الصين أحد أكبر الدائنين للولايات المتحدة عبر حيازتها لسندات الخزانة الأميركية. وبالتالي، فإن أي تصعيد في التوترات التجارية يمكن أن يؤثر على استقرار الأسواق المالية، خاصة إذا قررت الصين تقليل اعتمادها على الدولار الأميركي في تجارتها الخارجية، أو إعادة هيكلة احتياطياتها النقدية نحو أصول أخرى مثل الذهب أو اليورو.كما أن استمرار هذا النهج الأميركي قد يدفع الصين إلى تعميق تحالفاتها الاقتصادية مع شركاء آخرين، مثل الاتحاد الأوروبي ودول جنوب شرق آسيا. فعلى سبيل المثال، عززت بكين في السنوات الأخيرة اتفاقيات التجارة الحرة مع دول «آسيان»، وأطلقت آلية الدفع عبر العملات المحلية في تجارتها مع روسيا ودول أخرى لتقليل الاعتماد على الدولار. بالإضافة إلى ذلك، توسعت البنوك الصينية في تقديم القروض عبر بنك التنمية الجديد (NDB) التابع لمجموعة بريكس، ما يمنح الدول النامية بديلاً عن التمويل الذي يقدمه النظام المالي الذي تقوده الولايات المتحدة.إذا كانت واشنطن تسعى حقاً إلى تقليل الفجوة التجارية مع الصين، فإن الحل لا يكمن في فرض تعريفات عقابية، بل في تعزيز الابتكار الصناعي، وتحفيز الاستثمار في القطاعات التكنولوجية المتقدمة، وتحقيق استقلالية أكبر لسلاسل التوريد دون الإضرار بالعلاقات التجارية العالمية. فالتاريخ أثبت أن السياسات القائمة على «الضغط الأقصى» لا تحقق النتائج المرجوة عندما يتعلق الأمر بدولة بحجم الصين، بل تؤدي فقط إلى تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي، وزيادة حالة عدم اليقين في الأسواق.لذلك، فإن المصلحة المشتركة لكلا البلدين، بل وللاقتصاد العالمي ككل، تكمن في العودة إلى طاولة المفاوضات بأسس قائمة على الاحترام المتبادل والتفاهم الاقتصادي العميق، بدلاً من اللجوء إلى سياسات أحادية تؤدي إلى مزيد من التوترات دون تحقيق مكاسب حقيقية.

عبدالعزيز الفضلي

وثيقة الكويت... والاستنفار المشبوه!
ما إن تقدم الدكتور عبدالله النفيسي مع الدكتور عبيد الوسمي بوثيقة - سميت بوثيقة الكويت - إلى سمو ولي العهد نائب الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح - وقد تحدثت الوثيقة بحسب المسودة المنشورة عن خمسة محاور للإصلاح - حتى رأينا استنفاراً مشبوهاً وغير عادي من أطراف عدة للهجوم عليها، والتشكيك في مقدّميها، والطعن في محاورها! بعض المفسدين هاجم الوثيقة لأنه يرى أنها تهدد مصالحهم وتطالب بمحاربتهم، وتدعو إلى تنظيف البلد من رجس فسادهم. كما هاجم الوثيقة بعض اللّحى المستأجرة والتي أخذت تردد الاسطوانة المشروخة، وهي إثارة الفوضى في البلاد! وهذه الفئة أصبحت مكشوفة ومعلومة لدى معظم الشعب، والذي يرى أن هؤلاء أصبحوا مثالاً سيئاً لطلبة العلم الشرعي، بسبب تسخيرهم للنصوص الشرعية بما يتوافق مع أهوائهم وأمزجتهم، أو بما يمليه عليهم معازيبهم. ودخل على الخط بعض أصحاب التوجهات الطائفية، والذين سعوا إلى خلط الأوراق من خلال اقحام موضوع العفو عن خلية العبدلي مقابل العفو عن رموز وشباب المعارضة المحكومين في قضية دخول المجلس! وهو بذلك يريد المساواة بين شباب وطني مخلص كان يُطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد، وبين مجموعة تخريبية لها ولاء خارجي، جمعت السلاح لاستخدامه مستقبلاً بما يعرض البلاد وأمنها للخطر! هناك فئة رابعة رافضة للوثيقة عبّرت عن إفلاسها، من خلال استخدامها لبعض الألفاظ الخارجة عن الأدب، ضد مقدمي الوثيقة، وشباب المعارضة - وقد طالبت الوثيقة بالعفو عنهم - فهذا الصنف لم يملك الحجة والبرهان في رفضه للوثيقة فلجأ بسبب إفلاسه إلى التجريح الشخصي! نقول لهذه الأصناف وغيرها ممن أساءهم هذا الحراك، والمتمثل بوثائق الإصلاح المقدمة من رموز أو تيارات سياسية، أو استقبالات سمو ولي العهد نائب الأمير لبعض الرموز والتكتلات السياسية، نقول إن هذا الحراك يعتبر مؤشراً إيجابياً نحو الإصلاح، وهو دلالة على حرية التعبير والتي كفلها الدستور، كما أنها تدل على وجود أجواء سياسية صحية بعيدة عن التفرد بالرأي، وتساهم في توثيق العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ما يدعو إلى التفاؤل بمستقبل أفضل. الوطني المخلص سيدعم هذه المبادرات والتحركات الإيجابية، والمفسد الانتهازي هو من سيقف حجر عثرة في طريقها. Twitter:@abdulaziz2002

عبدالعزيز الكندري

لم يرسب أحد!
جاء «كورونا» في صالح البعض ، حيث نجح 38058 طالباً وطالبة في الصف الثاني عشر للعام الدراسي التكميلي 2019/ 2020، واعتمدت وزارة التربية نسب النجاح العامة التي بلغت 99.7 في المئة في القسم العلمي و97.89 في المئة في الأدبي و96 في المئة في التعليم للديني.لم أقرأ عن أي دولة في العالم قامت بهذا الفعل غيرنا، وكما يقولون «نحن غير» فعلاً نتائج الثانوية بهذه الطريقة مهزلة، وقبل سنوات بلغت نسبة النجاح 90 في المئة، ولكن المفاجأة تسرب آلاف الطلاب من الجامعات والبعثات الدراسية، وكل ذلك يحدث بسبب عدم وجود منظومة تعليمية واضحة، وكان الارتباك سيد الموقف ومنذ بداية جائحة كورونا. عن نفسي أتمنّى النجاح والتوفيق للجميع، ولست ضد تفوق الطلاب، ولكن حصول مجموعة من الطلاب على نسب كاملة يبيّن حجم الكارثة التعليمية الموجودة في التعليم العام، وأي مستقبل ينتظر أمة تتساهل في تعليم أبنائها، وهل يعقل المدارس الخاصة تدرس طلبتها 6 ساعات والتعليم في المدارس الحكومية من ساعتين إلى 3 ساعات. التعليم في الكويت يحتاج إلى إعادة نظر، والذي ساهم في خراب جودة التعليم هي الكوادر العشوائية التي تم إقرارها، فأصبح الكثير يبحث عن الشهادة للمنصب والراتب وليس للارتقاء بمستواه والمساهمة في إعمار وطنه. نحن اليوم نتحدث عن عجز في توفير أبسط الأمور للمواطن العادي أو متوسط الدخل، فالمواطن ليس لديه ثقة كبيرة بنظام التعليم فنرى التوجه الكبير للتعليم الخاص، مع أن الإنفاق على نظام التعليم في الكويت أعلى من متوسط الإنفاق في الاتحاد الأوروبي، لكن العائدات أقل بكثير من هذه الدول.ولدينا هدر مالي كبير مع نتائج متواضعة، إضافة إلى عدم مكافأة المواطن المتميز أو الموهوب في العمل، لأن الأساس في التعيين في الإدارة والقيادة قائم على المحاباة والمعارف وليس الأكفأ... والنتيجة ضياع وبطالة. ماذا سنفعل في المستقبل القريب خصوصاً أن غالبية المواطنين هم من فئة الشباب؟! وهناك أكثر من 150 ألف شاب وشابة سيدخلون سوق العمل خلال السنوات المقبلة، وهم الآن يدرسون في الجامعة والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والجامعات الخاصة، وفي هذا العام تم نجاح جميع الطلبة، وهل الحكومة قادرة على استيعاب كل هذه الأعداد؟!وفي الوقت الذي تبدأ عجلة الإصلاح بالتنمية والقطار يسير على السكة، سنشعر بألم كبير وغصة بسبب كل السنوات السابقة التي ضاعت على الكويت، وحجم الهدر المالي الذي كان موجوداً فيها، ولكن يجب أن نعي أننا بحاجة إلى إدارة لديها إرادة صادقة وحصيفة تقوم بالمهمة... والكويت تستاهل.

عبدالعزيز سعود العيسى

رحل صاحب «الابتسامة»
«حتى من يسيء لي لا أرد عليه»... هكذا كان رد أميرنا الراحل الشيخ صباح الأحمد عندما سأله الإعلامي القدير يوسف الجاسم عن سر ابتسامته الدائمة. إنها الابتسامة التي سطر فيها أميرنا الراحل أروع الأمثلة في حسن الرد والتعامل مع الآخرين حتى مع المسيئين منهم، فعاش بفلسفة مبنية على التواضع وحسن التعامل والتزام الحياد والحكمة، التي جعلت الكويت بلداً مؤثراً على العالم أجمع رغم صغر مساحتها على الخريطة، واكتملت هذه الفلسفة بتبني شيخنا الراحل المشاريع الخيرية، وكان الأب الحاضن لهذه المشاريع التي وصلت لشتى بقاع الأرض، حتى أصبح اسم الكويت مقروناً بالعمل الخيري فتمت تسميته (قائداً للعمل الإنساني) والكويت (مركزاً للعمل الإنساني) من قِبل منظمة الأمم المتحدة.رحلت يا «أمير الإنسانية»، ولكن عزاءنا الوحيد هو الأثر الكبير الذي تركته، فالراحلون يرحلون من هذه الدنيا ويبقى أثرهم باقياً للأجيال القادمة، لكي يتعلموا معنى الديبلوماسية الحقيقية وما معنى التزام الحياد لكسب الكل وكيف يجتمع التواضع مع الحكم وهذا ما شعر به المواطن والمقيم على هذه الأرض الطيبة.وأذكر أحد المواقف حينما تواجد أميرنا الراحل بسيارته بين جُموع من المواطنين والمقيمين في فبراير 2018 ليحتفل مع شعبه ويصافح الأطفال من دون حواجز، فيقول المرحوم بإذن الله الدكتور إبراهيم الفقي: (إذا وجدت الحاكم بين الناس من دون خوف أو حراسة فاعلم أنه صالح).رحمك الله يا «أمير الإنسانية»، ونسأله تعالى أن يجعلك باسماً مستبشراً في جنات الفردوس الأعلى، وأن يوفق أميرنا القائد الشيخ نواف الأحمد الصباح، ويرزقه البطانة الصالحة التي تعينه على الخير وتدله عليه، فالآمال والطموحات كبيرة لتكملة مسيرة «أمير الإنسانية»، وقيادة الكويت نحو مستقبل مشرق مليء بالإنجازات والنجاحات. Twitter: @Alessa_815

عبدالعزيز مبارك المعوشرجي

... على خطى والدي
جلست مراراً مع والدي المرحوم بإذن الله، مبارك مزيد المعوشرجي، وهو يبحث في مكتبته ويتصفح أرشيف الصحف ليكتب مقالته في جريدة «الراي». حيث كانت «الراي» تنشر مقالات والدي أسبوعياً، وكانت هذه الزاوية مهمة جداً لأبي، وكان حريصاً جداً على ان يتأكد من جميع المعلومات في مقاله، ويستأذن أي شخص سيكتب عنه سواءً ايجاباً أم نقد بناء. حرص بجد لأن يجعل من زاوية «ولي رأي» ملاذاً للمواطن الكويتي المعتدل، الذي لا تتجاذبه رياح السياسة. ينتقد المجلس تارة، ويعكس حالة اجتماعية تارة أخرى.وكان رحمة الله عليه، يرفض ان يكتب في شهر رمضان المبارك، لأن رمضان شهر خاص بالعبادات وجمعة العائلة يومياً.سنون عديدة وأنا اشاهد أبي كيف يكتب وكيف يبحث... والآن كباحث في دراسات الإعلام، أرى انه عكس أعلى مستويات أخلاقيات الإعلام. حرص على الإعلام المفيد والبنّاء، ورفض استسقاء العاطفة وبث معلومات مغلوطة ليكسب انتباه الجمهور.نرى اليوم طفرة جديدة في الإعلام، فلا يقتصر مفهوم الإعلام على الصحف والتلفاز والإذاعة، بل بات مفهوماً عملاقاً ومطاطاً، يشمل برامج التواصل الاجتماعي، وبرامج المحادثة مثل الواتس آب ومواقع لنشر الفيديوهات مثل اليوتيوب. أصبح اليوم الجميع مرسلاً والجميع متلقياً للرسائل الإعلامية، ولكن كيف نفرق ما بين الحقيقي والدرامي؟ كيف نعلم حقيقة ما وراء الستار الإعلامي؟ في زاوية «ولي رأي» سأتحدث عن «الطلاقة الإعلامية» وهي مصطلح اطلقه على معرفة كيفية استخدام وسائل الإعلام الجديدة وكيفية تفسير ما يجري فيها في جميع أنحاء العالم. من اجندات وإطارات وغيرها من المواضيع الشيقة.إضاءة:رحمة الله عليك يا بومشاري، مثواك الفردوس الأعلى يا رب.

عبدالله خلف

مملكة الفئران
قصة أدبية بليغة للكاتب الكندي تومي دوغلاس Tommy Douglas تحدّث عن عالم آخر، فيه مملكة مستقلة للفئران، كان لها انتخابات ودستور وبرلمان يذهب الناخبون كل أربع سنوات إلى مراكز الاقتراع لاختيار ممثليها لتضع في صدورها أمانة العهد الديموقراطي تدفع كبارها وصغارها لصناديق الاقتراع. شارك الفئران القطط لتكون حكومتهما مؤتلفة، وكانت القطط ذات شخصيات لطيفة... أدارت حكومتها مع الفئران بالعدل في أول الأمر. ثم ساءت لصالح فئة على أخرى وكانت القوانين جيدة للقطط، ولكنها صارت ثقيلة على الفئران، وأخذت الحياة تصعب أكثر فأكثر عندما أخذت القطط تلتهم غذاءها وتطمع في غذاء الفئران، ومن القوانين برغبة أن طالبت القطط أن توسّع جحور الفئران لتدخل بسهولة عليها متى شاءت. لذا كان أصحاب الأرض الأصليون تضيق بهم الحياة وتتأسف على السماح للقطط بمشاركتها الاستيطان ببلاد الفئران. وهكذا ذهبت أعداد كبيرة من الفئران إلى صناديق الاقتراع بعد أن اتفقت لحجب أصواتها عن القطط السوداء، بعد أن كانت مباحة لأجيال، وسمحت فقط للقطط البيضاء، للترشح، وأُقر هذا المطلب بقانون... بعد أن كانت القطط السوداء لها كامل الحرية حسب القوانين ووعي الناخبين. وافق مجلس مملكة الفئران على اتساع جحور الفئران لتتمكن القطط من دخولها متى شاءت. وهكذا حتى ضاقت الحياة بالمواطنين أصحاب المملكة الأصليين من الفئران، وغدت أقسى وأمرّ مما كانت عليه في أي وقت، وعندما لم تعد قادرة على التحّمل حجبت أصواتها عن القطط التي امتلكت البيع والتجارة وأخذت تقذف بفتات الغذاء للفئران أصحاب المملكة الأصليين، وشجعت القطط السوداء التي أبعدتها القطط البيضاء عن المجلس وشؤون المملكة... ونشب الخلاف بينهما، إلى تهديد كيان المملكة. لذا فكر المواطنون بتشكيل حكومة بالمناصفة نصفها من القطط البيضاء ونصفها الآخر من القطط السوداء بعد أن عرقلت البيضاء استمرارية المجلس. تشكّلت الحكومة الائتلافية لتهدأ الأمور... ثم أدخل المجلس قانوناً لضم القطط المرقّطة بالسوداء وساند المرقطة المواطنون الأصليون من الفئران، والحقيقة أن القطط سُرعان ما تتآلف وتُسيطر على حياة المعيشة والانتفاع. وتتوسل المواطنين الأصليين لكسب أصواتهم في الانتخابات، هكذا حتى انبثقت فكرة من فأر صغير عندما فكر بمواطنيه الأصليين. قائلاً لهم ما الذي يجبرنا على مواصلة انتخاب حكومة من القطط... لماذا لا ننتخب حكومة قوامها من الفئران، فصرخت الفئران مذعورة: يا إلهي، إن المعارضين عنصريون، اقبضوا عليهم وجرّوهم إلى السجون... ولكن حبس الفئران لا يؤدي إلى حبس أفكارها ومطالبها الديموقراطية العادلة لتتساوى حقوق الفئران مع القطط الأخرى... ولتزدهر مملكة الفئران...

عبدالله عيسى الحبيل

حكومة التحول الرقمي
مواكبة التطورات تعتبر أمراً مهماً للغاية على جميع الأصعدة، ولكن هناك ما هو أهم من ذلك بكثير حيث يجب بالبداية أن ندرك تماماً ما نريد وفهم هذا الأمر جيداً، ومن ثم المعرفة التامة حول هذا الشيء للتمكن من التعامل معه بشكل متقن ومحترف والوصول لأقصى استفادة، فنقل المصطلحات من الدول المتقدمة لا يعتبر تطوراً بحد ذاته، إنما إدراك الأمر ومعرفة تفاصيله وتطبيقه بالشكل المطلوب، هذا هو الإنجاز. فالرقمنة هي عبارة عن ثلاث مراحل تبدأ في مرحلة Digitization وهي من خلالها يتم تمكين وتأهيل طاقم الموظفين من الانتقال من العمل الورقي إلى العمل الإلكتروني البحت، وهذه المرحلة تحديداً التي ما زلنا نعمل عليها جاهدين آملين الانتهاء منها، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة Digitalization. هنا، نحتاج إلى جهد كبير لتحقيقها، حيث تعتبر المرحلة التي من خلالها يتم العمل على كيفية تأقلم المراجعين سواء كانوا أفراداً أو شركات على التعامل الإلكتروني التام مع الجهة، ولذلك لا بد من وجود أرضية سليمة لتطبيق هذه المرحلة، من حيث السياسات العامة وتوجيهها نحو التعامل الإلكتروني الإجباري، بالإضافة إلى الدور الكبير المطلوب من الجهات المعنية لأنظمة الدولة الإلكترونية، من حيث تطوير الشبكات المستمر والاهتمام بالإنترنت وعمليات الصيانة الشاملة والدورية، وضمان سلامة الإجراءات وتسهيلها وتوضيحها وحمايتها في حال حدوث أي خلل. أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة Digital Transformation، هذه المرحلة بالفعل محتاجة إلى جهد مضاعف لتحقيقها، فهي المستقبل بعينه، حيث تحتاج إلى كفاءات جديدة واعدة ومحترفة تعرف كيف تتعامل مع هذا العنوان الضخم، وهو «التحول الرقمي» فمن خلالها سوف يتم التعامل تعاملاً إلكترونياً كلياً بين الجميع، سواء في ما بين الموظفين أو ما بين الجهة والمعنيين. نتمنى بأن ننتهي بالفعل من المرحلة الأولى انتهاء كلياً وذلك تمهيداً للدخول للمرحلة الثانية والعمل عليها بإتقان وتجاوزها لنتمكن من الوصول إلى ما نرنو إليه وهو للمرحلة الثالثة.

عبدالله محمد العفاسي

الأمير محمد بن سلمان صانع التغيير
لقد شهد العالم انطلاق رؤية 2030 في عام 2016 لولي العهد السعودي، إذناً بالانطلاق نحو التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وبعد مرور خمس سنوات من انطلاق الرؤية فإن الداني والقاصي يشهد لعرابها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بأنه أحدث تحولاً اقتصادياً إستراتيجياً في المنطقة في فترة قصيرة، أزال معه أبرز تعقيدات القضية الإسكانية وتجاوز تحدياتها عندما أسندها إلى القطاع الخاص مبتعداً عن البيروقراطية التي كانت تعيشها وزارة الإسكان والبلديات وخفض نسبة البطالة من 14 في المئة إلى 11 في المئة، بتطبيقه نظام السعودة ونجح في إدخال الإصلاحات في نظام التعليم، بما يحقق أهداف الرؤية وزاد الإيرادات غير النفطية من 166 مليار سعودي إلى 350 ملياراً، ونجح في جذب الاستثمارات الأجنبية ومضاعفتها 3 أضعاف، من 5 مليارات إلى 17 ملياراً. لم يكن الأمر بهذه البساطة أمام القيادة الشابة، بل كان أمامه تحديات حقيقية تتمثل في مكافحة الفساد وأزمة قيادة في الوزراء وقياداتها كما أعلن عنها، 80 في المئة من الوزراء غير أكفاء والخط الثاني شبه معدوم، ولذلك قاد مكافحة الفساد بنفسه مستعيناً بالمؤسسات المختصة، وقام بتنفيذ الرؤية بقيادات شابة لديها الشغف والطموح لتحقيق الرؤية، مستعيناً بالخبرات والمؤسسات العالمية، مدفوعة بالرغبة الصادقة والعزيمة على إحداث الفارق والاستمرار في الطريق نحو تحقيق التنمية المستدامة. ربما لا تعد مجافاة للحقيقة القول إن دولة الكويت تعتبر متأخرة عن ركب التطوير والتحول الجذري الآخذ بالتمدد في المنطقة، لذلك نحتاج إلى قيادات لديها رؤى ليس بينها الاكتفاء بتيسير العمل الروتيني اليومي، لإنجاز المعاملات بل بترجمة تستهدف السياسات العامة التي تتطلب تنفيذ الإستراتيجيات بكفاءة ومقدرة عالية تستقيم مع المأمول من هذه القيادات. الكويت تمتلك كل الميزات والإمكانات التي تؤهلها للخروج من محطة الانتظار، إلى ركوب قطار المنافسة الحقيقية في كل المجالات بحكم بما لديها من إمكانات مادية ودراسات ضخمة وعقول وطنية، قادرة على قيادة التغيير ومشاركة القطاع الخاص القادر على قيادة الاقتصاد. بلا شك أن الأزمات السياسية وموجة المساءلات المستحقة وغير المستحقة، صنعت أزمة أقلام مرتعشة وبات الجميع يخشى المساءلة، وأصبح الكثير من القيادات الوطنية المخلصة يخشى من التطوير والتغيير، خوفاً من التجريح والمساءلة، متبنياً قاعدة (الباب اللي يجيك منه الريح سده واستريح)، لذلك نحتاج لنزع هاجس الخوف من المساءلة حتى نستطيع التغيير. البعض يصوّر الكويت وكأنها خارج سير التطور والتغيير، ويلتفت عن لغة الأرقام وحقيقة الواقع بتشغيل مدينة صباح السالم الجامعية وتطوير الكثير من المباني التي تضم مستشفيات وزارة الصحة وتوزيع مشروع الإسكاني لمنطقة المطلاع، وتطوير شبكة الجسور وغيرها من المشاريع التي تم إنجازها. وبلغة الأرقام بلغ عدد المشاريع التنموية 119 وهي في ازدياد، حيث إن 50 في المئة منها في مرحلة التنفيذ وبعضها في مراحل التسليم النهائية، والباقي في مراحل التجهيز، وهناك مشاريع مستقبلية كإنشاء مدينة الحرير وتطوير الجزر ومشروع المترو وسكك الحديد، وبلا شك أن هذه المشاريع تواجه الكثير من التحديات سواء كان فنياً أم مالياً أم إدارياً، ما أثر على نسب الإنجاز، ولقد كان لفيروس كورونا بتداعياته السلبية الأثر البليغ في تأخر دوران الكثير من المشاريع الحيوية، وتعطل الأعمال ليس في الكويت وحسب بل في العالم أجمع. إن الصدام السياسي الحاصل بين مجلس الأمة والحكومة، والذي يعيش الشعب آثاره السلبية، في حقيقته صراع على عامل الوقت، فالمجلس يريد الإصلاحات بشكل فوري ويريد أن تكون عجلة التطوير سريعة وفي اللحظة نفسها الحكومة تسير في برنامجها الإصلاحي والتطويري، وفق الأدوات المتاحة لها مع ما تواجهه من تحديات ومعوقات داخلياً وإقليمياً. في الواقع لدى الجميع النية الصادقة بأن تحقق الكويت رؤيتها، وتتقدم مع مصاف الدول المتقدمة، لكن عملياً لا يمكن أن يتحقق ذلك بين يوم وليلة ولا سنة أو سنتين ولا في مجلس تشريعي واحد، بل بالفعل الكويت بدأت في تحقيق رؤيتها بخطوات سريعة وتارة بطيئة، لكن الأهم أنها لم تتوقف، وعندما أقول الكويت أعني بذلك كل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية وكل من هو على هذه الأرض الطيبة. لقد منّ الله علينا بقيادة سياسية حكيمة متمثلة بصاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح وولي عهده الأمين الشيخ مشعل الأحمد الصباح، وهذه القيادة الحكيمة يقابلها الشعب الكويتي بالحب والولاء والإخلاص والالتفاف حولها. وأعتقد أن هذا أهم عامل من عوامل النجاح لأي دولة في العالم. نعم سنحقق رؤيتنا وسنتجاوز المحن والصعاب باحترامنا لدولة المؤسسات والتفافنا حول قيادتنا السياسية. وأخيراً نعم لتطوير مثلث التنمية الحقيقي بأركانه المعروفة والمتمثلة في تطوير البنية التحتية، والتطوير التشريعي، وتطوير الموارد البشرية.

عزام الصباح

نظام عالمي جديد... قادم لا محالة
يستفيق العالم في كل يوم على متغيّر جديد يرسم ملامح نظام عالمي مختلف قادم لا محالة، يُشكّل تحدياً لدول تكون جزءاً من حركة صنع التاريخ الجديد أو خارجه. ويبدو جلياً أن القمم المتلاحقة والاجتماعات الكبرى في الفترة الأخيرة، التي ارتكزت على البُعد الاقتصادي والتنموي، وتجاوزت مرحلة التنظير السياسية، لتنطلق نحو تكتلات اقتصادية عملاقة ومشاريع عملية وتحالفات واقعية، تغير المشهد الدولي سياسياً واقتصادياً وجيوسياسياً.فالحرب الأوكرانية كانت لها انعكاسات تظهر تباعاً على مختلف الصعد، سواء السياسية أو الاقتصادية أو غيرها، لكن نقطة التحوّل تكمُن في أن هذه الحرب قد أجّلت ميلاد نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب. واستمرار الصراع يشي بأن ثمة قوى دولية باتت تعمل من أجل إدارة الأزمة الأوكرانية، وليس العمل من أجل وقف نزيف الحرب المستمر، لأهداف وأغراض موجهة سياسياً واقتصادياً. ومن الواضح أن ذلك ألقى بظلاله على قمة مجموعة «بريكس» الأخيرة، وقمة مجموعة العشرين، حيث كانت مساعي المشاركين واضحة في الدفع باتجاه تكتلات اقتصادية جديدة تكون فاعلة بقوة في الأحداث العالمية وتحديد مساراتها.هنا لا يُمكن المرور عرضاً أمام توسّع مجموعة «بريكس» من 5 إلى 11 دولة، مع قرار القمة الأخيرة بدعوة 6 دول للانضمام إليها، هي السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا، فهذه الدول تم اختيارها بعناية بحسب وزنها وثقلها وهيبتها الإقليمية والدولية، وستُشكّل المجموعة بذلك قوة بشرية تمثل نحو نصف سكان العالم، وتعزيز مكانتها الاقتصادية بوجود عمالقة الإنتاج النفطي أيضاً ضمنها.ومثّلت قمة «العشرين» أخيراً حدثاً إضافياً جديداً في المشهد الجديد، وطرحت نموذجاً جديداً في التكامل العالمي، لعل أبرز ما فيه الإعلان عن فكرة إنشاء ممر اقتصادي يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط.وأمام مختلف هذه التطورات المتسارعة، يمضي المشروع الصيني الذي يُركز على جعل الصين قطباً اقتصادياً وتقنياً وعسكرياً ضخماً، سواء من خلال التحالفات الثنائية أو التكتلات الدولية التي ترى في هذا المشروع مستقبلاً لاقتصاديات تبحث عن نجاحات مستقبلية وديمومة، وسط النظام العالمي الجديد الذي يتشكّل.ويُعيد إعلان «العشرين» عن فكرة «الممر الاقتصادي» إلى المشهد «طريق الحرير الصيني» الذي يُمكن وصفه بالقوة المغناطيسية الجاذبة لاقتصاديات العالم نحو الصين، من خلال الاستثمارات المليارية التي يشملها. ودول الخليج عموماً والكويت خصوصاً بجزئها الشمالي ستكون محوراً مهماً من هذا المشروع الذي سيخدم الاستقرار والتنمية.عامل آخر في معالم تشكّل النظام العالمي الجديد، عبّرت عنه موجة الانقلابات العسكرية المتلاحقة التي شهدتها أكثر من دولة أفريقية، في مؤشر على رغبة في التخلّص من الماضي، حيث تخسر قوى دولية دوائر نفوذها لصالح القوى الصاعدة.ولئن كانت ملامح النظام العالمي الجديد تبدو غير واضحة بشكلها النهائي إلى الآن، إلا أن من المؤكد أن الدول تتسارع إلى أن تكون جزءاً من حركة التاريخ الجديد، لتشارك في صنعه ولا تقف على الهامش في موقف المتفرّج، ومن المؤكد أيضاً أن ولادة هذا النظام تتطلّب تحقيق الأمن والاستقرار والسلام، وذلك ما تُوحي به أيضاً خريطة التحالفات على الخريطة السياسية.

علي إبراهيم

سفير الهند يزور مركز إيواء العمالة الوافدة
استقبلت الهيئة العامة للقوى العاملة سفير جمهورية الهند سيبي جورج والوفد المرافق له بمركز إيواء العمالة الوافدة التابع للهيئة، وكان في استقبالهم نائب المدير العام لحماية القوى العاملة الدكتور مبارك العازمي ومراقب إدارة علاقات العمل علي الدلماني ومراقب إدارة العلاقات العامة والإعلام محمد المزيني ورئيس مركز إيواء العمالة الوافدة حمود الديحاني وباحث العلوم السياسةــ إدارة العلاقات الدولية خالد فاضل الصباح. وجاءت الزيارة بهدف التعرف على آلية تسهيل الإجراءات وتقديم الحلول اللازمة للعاملات المقيمات داخل المركز، حيث ناقش الطرفان خلال الزيارة أطر التعاون وتعزيز العلاقات بين البلدين.وأشاد العازمي بدور السفارة الرئيسي خلال أزمة جائحة كورونا والتسهيلات التي تقدمها السفارة للجالية الهندية المتواجدة داخل دولة الكويت.وأعرب السفير جورج عن امتنانه وتقديره للمساعدات الطبية التي قدمتها دولة الكويت للشعب الهندي خلال جائحة كورونا. وفي ختام الزيارة تبادل الطرفان الهدايا التذكارية، وقدم الوفد الشكر العميق للدور الذي يقوم به جميع العاملين بالمركز على جهودهم المبذولة اتجاه العمالة المتواجدة في مركز إيواء العمالة الوافدة.

علي الرز

تريدون العيش يا أولاد (...)؟
في بدايات الثورة السورية العام 2011 انتشرتْ مقاطع فيديو بالصوت والصورة لضباط معروفين في نظام بشار الأسد يعذّبون متظاهرين موقوفين وهم يكررون عبارة: «بدكن حرية يا ولاد (...)» أو «بدكن كرامة يا اخوات (...)». هذه اللازمات اللغوية تجاوزتْ حدودَ «فشات الخلق» إلى رسْم حدودٍ جديدةٍ لطبيعةِ النظام بينها أن مَن يرتكب جريمةَ الحلمِ بالحرية أو خيانةَ الجنوحِ إلى الكرامة مكانه القبر فوراً مع مهانةٍ مباشرة على الهواء... كون السجون ضاقت بمَن فيها ولم تعد تستطيع استيعابَ وافدين. من ذاك المشهد وطبيعته، إلى لبنان وطبائع أهل سلطته الجديدة. فرغم أن النظامَ السياسي والاقتصادي والاجتماعي مختلفٌ، وخصوصاً لجهة الإرث التراكُمي للحريات العامة والخاصة، إلا أن المسارَ التَجاهُلي لمطالب الناس المُحِقَّة، والتي هي بكل وضوحٍ نتاج اعتداء الحُكْم عليهم، يمكن أن يُعتبر جزءاً من منظومةِ قَمْعٍ تتدرج صعوداً لتتماهى يوماً ما مع ممارساتِ دولٍ قريبة، وخصوصاً أن لا شيء يبشّر بخيرٍ أو يشي بأن الحاكمَ الفعلي للبلاد سيتخلّى عن تحويلها إلى نموذج حوثي أو حشْدي أو حماسي. تركتْ المنظومةُ الحاكمةُ في لبنان حريةَ التعبيرِ إلى مرحلةٍ لاحقةٍ وانشغلتْ بسلبِ الناس أموالهم وصحّتهم وتعليمهم ومدّخراتهم وأعمالهم وأحلامهم، ثم أكملتْ عمليةَ الالغاء الاقتصادي بإلغاءٍ جَسَدي عبر نيترات الأمونيوم وبيروتشيما، وأكملتْ الإلغاءَ الجسدي بزرعِ ألغامِ القهْر كي يموت الناس مرتين، مرةً بالتفجير وأخرى بتجاهُل مسبباته وتحديد المسؤوليات عنه... وللمرة الأولى وَجَدَ اللبنانيون أنفسهم أمام «مجرمون وقحون» يردّون على مَن يطالب بحقه بدعوته إلى تبليط البحر أو الهجرة، ويرفعون شعار«نحن أو جهنم». ومع تَغَيُّرِ الأولويات، وعلى طريقة النموذج الذي يعشقه الممانعون، قد يضيق صدرُ الحاكمِ الفعلي للبنان والواجهات المُساعِدة له، وقد يزداد توتّره بسبب الفارق الكبير بين شعارات «النصر والوقت والزمان والصبر الاستراتيجي» وبين العجز الفعلي عن وقْف الضربات على رأس المحور، فيعمد إلى ترجمة ردّه كالعادة ضدّ الحلقة الأضعف، الناس، ويبدأ بمحاسبتهم على طريقة «بدكم دولاراتكم في المصارف يا ولاد (...)؟ وبدكم تحولوا مصاري لولادكم اللي عم يدرسوا برا يا اخوات (...)؟ وبدكم تعْرفوا المسؤول عن تفجير المرفأ وموت أهلكم وأحبابكم يا (...)؟ وبدكم تاكلوا وتشربوا وتتعالجوا بالمستشفيات وتدرسوا بالجامعات الخاصة يا (...)؟ وبدكم الدعم يضلّ على الرغيف والدواء يا (...)؟ وبدكم توقف معابر تهريب المحروقات وغيرها يا خونة وعملا اسرائيل؟ وبالآخِر بدكم حكومة كمان؟ ومِن اختصاصيين؟ وضمان بقاء المبادرة الفرنسية؟ عن جَدّ اللبناني وقح وابن ستين ألف وقح». حتى الآن، «ينعم» اللبنانيون بفارقٍ بسيط في الممارسة بين نظامه الحاكم وأنظمة الممانعة، وهذه «منّة» أو قُل «هبة» مشروطة بحُسن السلوك، فهم ما زالوا يملأون الفضاء صخباً احتجاجاً على بحْر الهلاك، فيما الحاكِمُ الفعلي يتضامن معهم لفظياً ويُغْرِقُهُم فيه عملياً. أما اذا تَمادوا في السباحةِ عكْس التيار فقد تفْقد الـ «هِبةُ» وظيفتَها وقد يُضطر الحاكِمُ «المتفضّل» إلى تغيير سلوكه، فينفذ صبْرُه ويقول «جاري مش أحسن مني»... مع معرفته أن الجارَ عليه الزمنُ جار وكاد يضيع لولا بنادق الإيجار. سيبقى اللبنانيون ينشدون الكرامةَ والعيشَ المحترمَ، ويقاومون من أجل بلدٍ... لا «نجمة» في الهلال المُمانِع.

علي الفيروز

معاقبة من لا يرتدي الكمام!
لم تكن المخالفات الفورية التي يسجلها فريق الاشتراطات الصحية، لمن لا يرتدي الكمام، جاءت من فراغ أو من غير معنى، بل جاءت بعدما ازداد عدد المخالفين بشكل غير عادي، وبنسبة نراها عالية جداً أدت إلى انتشار عدد المصابين بوباء فيروس كورونا في البلاد. فالإصابات الجديدة من كوفيد 19 ما زالت مستمرة يومياً على مدار الساعة، ليرفع بذلك إجمالي عدد الحالات المسجلة لدينا نحو 113 ألفاً، بالإضافة إلى الحالات اليومية التي تتراوح ما بين 300 و700 حالة من دون توقف منذ بداية الموجة، وفي مقابلها زيادة عدد الوفيات الناتجة عن مضاعفات المرض، حتى وصلت اليوم إلى 700 حالة تقريباً. إذاً كيف لنا أن نسيطر على هذه الحالات والأعداد المهولة، من دون أن تكون وقفة صادقة، أو على الأقل أن نكون مستعدين استعداداً كاملاً من دون مجالات وواسطات على حساب صحتنا اليومية ؟! لقد آن الأوان بأن نتعامل بجدية مع المخالفين المستهترين بأرواح الناس، من خلال تطبيق القانون وتحرير المخالفات الفورية على من لا يرتدي الكمام في الأماكن العامة، ولا يلتزم بالاشتراطات الصحية، ففريق تنفيذ الاشتراطات الصحية المتعلقة بمكافحة فيروس كورونا، المشكلّ بقيادة الفريق المتقاعد عبدالفتاح العلي، ويضم كوادر عسكرية وطبية ومدنية ومهنية، سيعمل على تطبيق القانون بحذافيره، حتى يعي المواطن والمقيم مدى خطورة الأوضاع الصحية الحالية. فالعالم لا يزال يترقب الموجة الثانية من هذا الوباء القاتل، الذي دمر العالم من جميع النواحي، وشعوب العالم تضع كل طاقاتها، وتستنجد بالعلاج المناسب في المستشفيات ومختبرات العالم، في استنفار دائم، من أجل اكتشاف لقاح مناسب يعطي قليلاً من الأمل للمرضى، وبالتالي علينا أن نتقبل كل الإجراءات الاحترازية داخل البلاد، من دون كلل أو ملل، في محاولة جماعية لتقليل عدد المصابين على أقل تقدير، فبالعزيمة نقضي على هذا الوباء كلياً ونتجنب الغرامات المالية معاً. ودمتم سالمين، حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه. [email protected]

علي يوسف المتروك

مرثية سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح طيّب الله ثراه
يا صديقي العزيزُ بل يا أميريومُعيني بعدَ الإلهِ القَديرِعِشْرةٌ قُدِّرَتْ بستّينَ عاماًكيف مَرَّتْ فيا لِدنيا الْغُرُورِكلُّ شيءٍ إلى زوالٍ وتَبقىذِكرَياتٌ بالحُزنِ أو بالسّرورِكم تمنيت أنْ تدوَّن أحداثاًكباراً مليئة بالكثيرِفرفضتُ التدوين رفقاً بقومٍسيُدانونَ بين تلكَ السطورِفانطوتْ سيرةٌ يفوحُ شذاهاخُتمتْ بالثناءِ والتقديرِيا أميرَ التواضعِ الَجمِّ هلَّالو تَمَهَّلْتَ في السُرى والعبورِأَفَلَ البدرُ فالظلامُ اعتراهُكيف يُطفِي الظلامُ ضوءَ البُدورِأنت نِعْمَ الأميرُ قولاً وفعلاًمَنْ عَلا صيتُهُ بِمَدِّ الجُسُورِوالأميرُ الإنسانُ ما ضاقَ يوماًبجُهودٍ أو موقِفٍ أو حُضُورِهكذا تَفقُدُ الشعوبُ رجالاًفي المُلمَّاتِ ما لهم من نَظيرِقد بَلَغْتَ الذُّرى ونحن سنمضينُكمِلُ الدَّرْبَ دونَما تَأْخيرِنحنُ شَعْبٌ يَهواكَ (بابا صباحٍ)بقلوبٍ رقَّتْ كماءِ الغديرِسألونا الأطفالُ عنكَ فقلناأنت ضيفٌ على الرحيمِ الغفورِأيُّها العهدُ يطلبُ الشعبُ نَهْجاًوخطاباً يُزيلُ ما في الصدورِتتساوى الحقوقُ فيه جميعاًفازَ فيه الصغيرُ قبلَ الكبيرِلا تقاسُ الأفرادُ فيهِ برأيٍأو قَبيلٍ أو مذهبٍ أو جذورِوسَتبقَى عيونُنا ساهراتٍخشيةً للوقوعِ بالمحذورِيا أبا فيصلٍ وأنتَ أخُوهُوالمرجَّى لكلِّ أمرٍ خَطيرِاِمْضِ فيه مُسَدَّداً بِدُعاءٍلكَ يَزْدادُ يا سُمُوَّ الأميرِ4/ 10 /2020

عمر الطبطبائي

الدّين العام ليس حلاً بل تأجيلاً لفاتورة لم تحسب بعد
في الاقتصاد كما في الحياة، ليس كل دواء شفاء، أحياناً يسكن الألم ليخفي ورماً يتضخم تحت السطح.في ظاهر المشهد يبدو الدين العام كحل مالي أنيق، تستدين الحكومة من البنوك لتسد عجوزاتها وتطمئن الأسواق بأنها قادرة على الوفاء، لكن خلف هذه الابتسامة المحاسبية يكمن وجه الحقيقة الصارخ، فليس كل دين يبنى عليه عمران فهناك دين يبنى على انقاض المستقبل.لا أحد يرفض الدين العام كأداة اقتصادية إذا ارتبط بمشروع إنتاجي واضح وخطة زمنية محكمة وإدارة مالية تراعي الانضباط والشفافية، لكن حين يطرح كخيار وحيد وبلا إصلاح مالي يسبق الاقتراض فإننا لا نحل المشكلة بل نعيد جدولتها على حساب الأجيال القادمة، والأخطر من الدين أن نقنع أنفسنا أننا نصلح الخلل المالي بينما نحن نعيد تدوير العجز ذاته بصيغة قانونية جديدة.أولاً: الدين ليس مالاً جديداً بل مالاً مستعاراً من مستقبل مجهول:كل دين هو تحميل للزمن ما لا طاقة له به والمشكلة ليست في الاقتراض ذاته بل في:• غياب الرؤية الاقتصادية التي تضمن استثمار الدين لا استهلاكه.• غموض الصرف خاصة إذا خصص لسد العجوزات والرواتب لا لمشاريع إنتاجية.• تحوله من أداة استثنائية إلى عادة دائمة في تمويل الميزانية.في بيئة كهذه لا يصبح الدين حلاً بل يصبح وسيلة لتأجيل الحقيقة ودفن الإصلاح المالي تحت أرقام موقتة.ثانياً: الدين يضعف السيادة المالية ويزيد كلفة التبعية:الدين ليس رقماً فقط بل التزاماً سياسياً واقتصادياً، مع كل توسع في الاقتراض ترتفع كلفة خدمة الدين وتضيق مساحة القرار المالي، ومع ارتفاع أسعار الفائدة عالمياً تبدأ فوائد الدين بأكل جزء متزايد من الميزانية على حساب التعليم والصحة والإسكان، فتتحول الدولة إلى مدين يفاوض على شروط لا يملك تغييرها.كما حدث في دول كثيرة مثل اليونان والأرجنتين، تحول الدين من وسيلة دعم الى أداة إملاء خارجي حين فقدت تلك الدول قرارها المالي، وهو السيناريو الذي يجب أن نحذر تكراره.وهذا لا يعني أن الدين العام مرفوض في ذاته، بل إن العديد من الدول استفاد منه حين كان جزءاً من رؤية تنموية شاملة، فالدين العام متى ما ارتبط بمشاريع إنتاجية حقيقية، وأُحكمت آليات صرفه وضبطت أهدافه الزمنية والمالية، يمكن أن يكون رافعة اقتصادية.دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة استخدمتا الاقتراض كوسيلة للنهوض بالبنية التحتية والتعليم والصناعة، لكن ذلك لم يكن وليد قرار عابر، بل نتاج إصلاح مالي «صارم»، و«مؤسسات رقابية قوية»، و«حوكمة عالية الشفافية».الفرق الجوهري ليس في الاقتراض ذاته بل في بيئته، هل هو قرار ضمن خطة؟ أم مجرد ردة فعل لأزمة؟في الأولى يولد النمو، وفي الثانية يولد العجز المقنع!ثالثاً: من العبث الحديث عن اقتراض والدولة لم تسترجع أموالها من نفسها:لا يعقل أن تطلب الحكومة تفويضاً بالاقتراض وهي لم تسترجع مليارات محتجزة في السنوات الماضية في جهاتها التابعة، وحسب بيانات رسمية بلغت الأرباح المحتجزة لدى بعض الجهات ذات الميزانيات المستقلة ما يلي• مؤسسة البترول الكويتية 8.4 مليار دينار.• مؤسسة الموانئ الكويتية 136.2 مليون دينار.• الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات 112.6 مليون دينار.• الهيئة العامة للصناعة 52.5 مليون دينار.بإجمالي يقارب 8.7 مليار دينار، لم ترحل الى خزينة الدولة كما يوجب القانون.فهل يعقل أن نترك أموالنا مجمدة في حسابات الجهات الحكومية، ثم نستدين من الخارج بفوائد تحمل على أبنائنا؟وللأمانة قامت مؤسسة البترول في وقت سابق باسترجاع مبلغ 1.8 مليار دينار من أرباحها المحتجزة وفق خطة مجدولة تم التفاهم عليها مع وزارة المالية، لكن هذه الخطة توقفت بعد ذلك من دون أسباب معلنة!وقد يخرج من يقول إن هذه الجهات تمول مشاريعها من أرباحها وهو كلام نظرياً سليم لكن عمليا ما حدث مختلف تماماً، كان يمكن لمؤسسة البترول وغيرها أن تحتفظ بنسبة من أرباحها لتمويل مشاريعها التشغيلية أو استثمارها بمشاريع جديدة ذات صلة وهذا منصوص عليه قانوناً.لكن تقرير ديوان المحاسبة كشف أن المؤسسة استغلت احتياطاتها في أنشطة استثمارية ذات مخاطر منخفضة مثل شراء الأسهم والودائع والسندات، وهي أنشطة لا تتسق مع الغرض الذي أنشئت لأجله وهو الاستثمار المباشر في العمليات النفطية والانتاجية، بل استخدمت بعض عوائد تلك الاستثمارات لتغطية خسائر مشاريع تشغيلية دون تحويل الفائض الحقيقي الى وزارة المالية «خزينة الدولة»، وهذا تجاوز للمهمة الأصلية وتحول فعلي الى كيان استثماري، يعمل خارج إطار السياسة المالية الحكومية، وتم توجيه جزء من هذه العوائد في ما مضى لصرف بكجات مليونية لبعض قياداتها، ما يعكس خللاً عميقاً في أولويات الصرف وضبابية في معايير الحوكمة، وما لم تفرض رقابة حقيقية، فإن الخلل لن يكون محاسبياً فقط.رابعاً: الدين العام يبعث برسالة ضعف الى السوق:حين تستدين الدولة دون إصلاح فعلي:• تتراجع الثقة في التزامها المالي.• تتأثر التصنيفات الائتمانية.• تقل شهية المستثمرين في القطاع الخاص.• وتخشى البنوك الدخول في تمويلات طويلة الاجل.فالسوق لا تقرأ نوايا الحكومة بل تقرأ بياناتها وحين ترى أنها تستدين دون معالجة الخلل البنيوي تبدأ بتسعير الخطر لا على أساس السوق فقط بل على أساس السياسات.التصنيف الائتماني لا يقيم فقط القدرة على السداد، بل يقيم أيضاً الجدية في الإصلاح، وكل تراجع فيه يرفع كلفة الدين المقبل ويضعف قدرة القطاع الخاص على الاقتراض بثقة.خامساً: الأزمة ليست نقص أموال بل غياب الحوكمة:لو كانت الدولة شركة لرفض مستثمروها ضخ فلس واحد قبل أن تعيد بناء نظام الحوكمة وضبط المصروفات وربط الانفاق بالعائد، الخلل اليوم ليس في الخزينة بل في طريقة الإدارة، فالمال موجود لكن القرار يحتاج إلى تفعيل والمحاسبة معلقة والنتائج مكررة.سادساً: حين يكون القرار المالي صناعة خارجية لا داخلية:في كتاب الاغتيال الاقتصادي للأمم يروي جون بيركنز تجربته في التفاوض مع دول نامية فقال: «كنت أجلس على طاولة التفاوض لكن القرار الحقيقي لم يكن يصنع هناك بل في واشنطن، كنا نلبس الهيمنة ثوب السيادة ونمرر السيطرة باسم التعاون الاقتصادي».وما أشبه اليوم بالأمس، فإن لم نربط الدين بخطة انتاج واضحة ونضع شروطاً صارمة على صرفه ونخضع الجهات المستقلة لرقابة مالية فعلية، قد نجد أنفسنا نوقع على أوراق وندفع كلفتها من مستقبل أبنائنا.كما أن غياب دور الادارة العامة الرشيدة يجعل بعض مكاتب الاستشارات الأجنبية من تضع لنا سقف الاقتراض ومجالات الصرف وشروط السداد.ختاماً، لا نريد توريث العجز لأبنائنا، ولا بد من البدء بحوكمة المال العام.فالدين ليس قراراً محاسبياً، بل قرار يحمل تبعات تمتد لأجيال، ولا يجوز أن يتحول إلى أداة لتأجيل الإصلاح، بينما تستمر بعض الجهات بالتصرف في المال العام دون رقيب أو مساءلة.إن أخطر ما في الأمر، ليس الاستدانة بحد ذاتها، بل الاستدانة في ظل أموال محتجزة، ومصروفات بلا ضبط، ومشاريع بلا عوائد، ومؤسسات مالية بلا رقابة حقيقية.حين تغيب الرقابة المؤسسية لا تبقى المسؤولية موزعة بل تصبح أمانة في أعناق من بيدهم القرار من الحكومة، وتصبح الرؤية واجباً يتجاوز الورقة والرقم، ويتطلع إلى مستقبل هذا الجيل وما بعده.اللهم قد قلنا ما في ضميرنا فكن لنا شهيداً.

عمر صلاح العبدالجادر

في رثاء العادل
ما إن نُشر خبر وفاته في الصحافة، ونعاه المجلس الأعلى للقضاء، وتناقل مآثره أهله وزملاؤه القضاة في مواقع التواصل، حتى حدّثتني نفسي أن أكتب هذا المقال عن رجل عملت معه لخمسة أعوام، فما رأيت منه إلا خيراً، وما سمعت منه إلا أطايب القول، وما أصدر حُكماً حتى استرشدت به بعملي القانوني.كان المستشار عادل الكندري - رحمه الله - بالإضافة إلى عمله كقاضٍ إداري في محكمة الاستئناف، يشغل منصب رئيس مجلس التأديب في هيئة أسواق المال، وهو مجلس يحتكم إليه من رصدت الهيئة مخالفته لقانونها أو لائحتها التنفيذية، ومن توفيق الله تعالى أن أُسند إليه هذا المكان في وقت كانت الهيئة فيه تخطو خطواتها التنفيذية الأولى، الأمر الذي جعل من قراراته التي سطّرها بقلمه تغدو المبادئ المفسّرة للقانون ولائحته.لذلك، فليعلم الجميع أن المستشار عادل، هو المفسِّر الأول لقانون هيئة أسواق المال الكويتي، وبناء على تلك التفسيرات تعمل الهيئة ويحكم القضاء ويتصرف المخاطبون بهذا القانون إلى يوم الناس هذا.كنت أثناء عملي أقرأ قراراته نهاية كل أسبوع عمل، فتلفتني عقليته القانونية الفذة القادرة على النسج من المواد الرقابية الجامدة، تفسير عادل يوازن بين مصلحة الدولة والأشخاص الخاضعين لرقابتها، ولا غرو فهذه العقلية ارتحلت معه من محراب القضاء الإداري الى مجلس التأديب.فالقضاء الإداري قضاء - بطبيعته - خلّاق يحتاج إلى قاضٍ مبدع، ينسج من المبادئ العامة للقانون أحكاماً تحافظ على المصلحة العامة للدولة دون أن تبخس حق المتقاضي، كما أن من مهامه الكبرى تفسير المبهم من نصوص القانون، والتي تكون في العادة موطن نزاع بين أطراف الدعوى، فإن أحسن القاضي غدت أحكامه مبادئ راسخة يسير عليها من بعده. وهكذا يكون القضاء في حالة تطور دائم حسب النصوص الجديدة والنوازل المستجدة والبراعة الفكرية للقاضي الذي ينظر الدعوى.أما هذه الاخيرة فكانت متأصلة عند الراحل (بو عبداللطيف)، وهذه حقيقة يعلمها كل من عمل معه أو قرأ أحكامه بعيون الفاحص المتخصص، لذلك سأقولها بكل فخر إني درست القانون الإداري في الجامعة، إلا إني تعلّمته من المستشار العادل عادل الكندري، رحمه الله.ولإدراكي لهذه الحقيقة، ومن فرط فضولي بحثت عن أحكامه التي كتبت عنها الصحافة، فوجدت خبراً قديماً بعض الشيء حول إلغاء القضاء الإداري لإحدى لوائح جامعة الكويت التي تفرّق بمعدلات القبول لكلية الطب بين الطلاب والطالبات، وقد كان خبراً صحافياً مقتضباً ذُكر فيه اسم رئيس الدائرة المستشار عادل الكندري، فتحينت الفرصة ظهر الخميس حيث يباشر عمله بالهيئة في غرفة مجاورة لمكتبي، فما ان خرج حتى سألته عن ذلك الحكم وأساسه القانوني! فابتسم، وأحسبها ابتسامة فخر، ثم أسهب بسرد قصته، إذ اختصمت إليه طالبة استكملت شروط القبول لكلية الطب إلا أن التفريق بين الطلاب والطالبات في شروط القبول منعها من دخول الكلية، فانتصر لها وأنصفها وألزم الجامعة بقبولها في كلية الطب، ثم استطرد بوصف مشهد أبيها يوم صدور الحكم إذ ذرفت دموعه فرحاً بالانصاف الذي ناله من القضاء.حينها تراءى لي جانب ضمني في هذه القضية. أن الحِمل الشديد الملقى على عاتقه، والمجهود الذهني المطلوب منه والذي ينوء به الرجال، لا يمكن أن يُؤدى بهذا الاتقان ما لم يدفعه دافع عظيم كإقامة العدل، ولعَمري، فإنه لا أسمى من إقامة القِسط بين الناس، ولا أجل من ذلك غاية ومأرباً.لذلك أعتقد أن القضية التي روى لي قصتها محفورة في ذهنه، ولها أثر بالغ في نفسه، وآية ذلك ما تبعها من مسيرة قضائية برد المتعسف عن تعسفه، وإعادة الحق لمن سلب منه جوراً وظلماً.ولي في نهاية قولي رجاء من المجلس الأعلى للقضاء، في أن يفرد مُؤلفاً يشمل الأحكام التي أصدرها المستشار عادل الكندري، والتي أسست لمبادئ سار عليها القانون والقضاء من بعده، كما أتمنى أن يكون هذا الإصدار بالتعاون مع هيئة أسواق المال، حيث إن أحكام مجلس التأديب برئاسته تمثل التفسير الرئيسي لقانون الهيئة منذ إصداره إلى اليوم.وفضلاً عن واجب الوفاء للراحل، فغني عن القول، إن تلك الأحكام تحوي فائدة علمية لا تضاهيها فائدة في هذا الباب من أبواب القانون الكويتي.فرحم الله الفقيد،،،ولعل يصدق فيه قول رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم،:(لا حَسَدَ إلّا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً، فسَلّطَه على هَلَكَتِه في الحقّ، ورجل آتاه الله حِكمَة، فهو يقضي بها ويُعَلّمُها).

فؤاد الهاشم

أحمد الخطيب... اللون الخامس
«تشي غيفارا» طبيب أرجنتيني المولد وكوبي الجنسية نزع رداءه الطبي الأبيض وحمل سماعته الطبية وركب دراجته النارية وجال في كل أميركا اللاتينية ليساعد شعوبها على التخلص من المرض والظلم! ومثلما كلمة «تشي» تعني في الإسبانية «الرفيق» فقد صار «غيفارا» رفيقاً لكل محتاج وصديقاً لكل صابر ومعالجاً لكل مريض ! في عام 1927 في منطقة (الدهله) بوسط الكويت القديمة ولد (تشي أحمد الخطيب) ليكون هو الآخر رفيقاً لكل محتاج وصديقاً لكل صابر ومعالجاً لكل مريض، والأكثر من ذلك أنه صار سوطاً لمن لا سوط له، وصوتاً لمن لا صوت له! في كتابه «الكويت من الإمارة الى الدولة» يروي حكايته طفلاً عن المعلم الذي تساءل حول يده وكأنها خرجت من التراب ويقول: وعندما كبرت ودرست الطب علمت بأن الذي كان على يدي ليس تراباً بل سوءا في التغذية! يحكي عن نصيحة أستاذه في الجامعة الأميركية الذي زجره حين رآه يمشي منحنياً لطول قامته، فأمره بأن يرفع رأسه ويشرئب بقامته حتى لا ينحني ظهره طوال عمره، فكان له ما أراد وظلت هامته عالية ورأسه مرتفعاً في وقت تكورت فيه الهامات وطأطأت على كثرتها... الرؤوس! في عمارة متهالكة، لونها العنابي القاتم مقابل مبنى الخطوط الكويتية بوسط العاصمة في بدايات الستينات، بداخلها شقة صغيرة، هي عيادة الدكتور «تشي أحمد الخطيب» الجالس على كرسي خشبي أمام طاولة خشبية صغيرة وبرسم علاج لا يزيد على ربع دينار لكل مريض، طفلاً أم صبياً أم شاباً أم رجلاً أم عجوزاً ! كان هناك طفل في الثامنة من عمره إن أصيب بالنكاف أخذته أمه لـ«الخطيب»، وإن عطس في يوم بارد اصطحبه أبوه لـ «الخطيب»، وإن سخنت جبهته أخذه أبوه وأمه الى «تشي أحمد»، فيعطيه تلك الإبرة الساحرة التي كان اسمها يتردد على شفاه الرجال في المجالس، وتمدحها ألسنة النسوة في البيوت ويرتعب من ذِكرها الأطفال، فيزول النكاف ويختفي العطاس وتبرد الجبهة، وكل ذلك بربع دينار نعطيها لذلك الرجل ذو القلب الأبيض! كبرنا وصرنا في عمر «الطعشات» كما يقولون في لبنان، وهي «ستطعش أو سبعطش أو تمنطعش»، وتألمنا وصرخنا وبكينا معه في ذلك المقر الانتخابي في كيفان عام 1967 حين زُورت الانتخابات وبُدلت الصناديق ووصل الطراد من جزيرة فيلكا قبل الهيلوكبتر محملاً بصناديق مزوّرة بداخلها أكاذيب محاطة بالدموع ! في الثمانينات كانت ديوانية «الطليعة» نهار كل خميس مقر زيارتنا الأسبوعية للقاء «تشي أحمد» ورفاق المنبر سامي المنيس وعبدالله النيباري وأحمد الربعي وأحمد النفيسي وكل أصحاب القلوب البيضاء والنفوس الصافية والذمم النقية! الدكتور لم يكن مجرد طبيب أو مواطن أو نائب فقط، فإن كان عَلم الكويت بأربعة ألوان فقد كان أحمد الخطيب هو اللون الخامس!! *** آخر العمود: رأى «غيفارا» المنكر فحاربه بيده، وعاصر الدكتور أحمد الخطيب المنكر فحاربه بلسانه، وغصنا نحن «قوم مكارى» في المنكر والفساد حتى عظام الرقبة فحاربناه بقلوبنا !

فؤاد شاتيلا

الـ «open-minded» وتحريرُ القطيع!
مشكلتنا نحنُ- أصحاب الأذهان المُنفَتِحة الـ «open-minded»- أننا نرفض التسليم بالأفكار دون تفكير!فنحنُ أشخاصٌ فضوليّون بطبعنا، نريد دائماً معرفةَ المزيد...البحثَ عن الأصل.معرفة السّبب والمقاربة المنطقيّة التي بُنِيَت عليها فكرة ما، ثمّ نقرّر بعدها جدوى تبنّي تلك الفكرة، من عدمها!عادةً ما تجِد الواحد منّا لا يمانع الجلوس مع «تقليديّ» في محاولاتٍ لم تبلغ مرحلة اليأس بعد - وهُنا لا أُخفي أننا نقوم بذلك أحياناً لِنختبر فهمنا، علّنا نجدُ دليلاً أقوى، فنغيّر قناعاتنا، وأحياناً أخرى لِنُثبت لأنفُسِنا المسافة التي قطعناها في رحلة انفتاحنا الفكريّ- محاولين مواجهة ذلك «التقليديّ» بأسئلةٍ بدهيّة، لعلّه يجد في بحثه إجابات ما قد وجدناه، فيتفتّحُ -نتيجةً لذلك- ذهنه المُغلَق!نحنُ الـ«open-minded» نسير حيثُ يقودنا الدّليل... بعكسِ «التقليديّ» الذي يسير حيثُ يقودُه «المرياع»!والمِرياعُ... خروفٌ جميل المظهر، كثيرُ الصّوف، يتمُّ «تشذيبُ» قَرنيه بشكل دائم كي لا يدخل في أيّ صراعات، فيبقى محبوباً من جميع الخِراف، لا يُلهيه شيءٌ عن وظيفته الأساسيّة... وهي قيادة القطيع عبر جرسٍ يعلَّق في رقبته، تتبعُ الخِرافُ صوتَه حيثُما توجّه!وهُنا لا أشبّه التقليديين بالــ (خروف) -لا سمح الله-، فنحنُ الـ«open-minded» -ورغم استصغارنا للكثير من مفاهيم الـ«تقليديين»، نحترم أشخاصهم بقدرِ احترامهم لذاتهم- لكنّ الاستعارة في هذا المقام ما هي إلّا لتقريب الفكرة وتبسيطها!... وفي هذا السّياق، أودّ تصحيح بعض المفاهيم «التقليدية» عن الخِراف؛ فهي بعكس ما يعتقد الكثيرون، حيوانات على قدر كبير من الذكاء. فطبقاً لدراسة علميّة نشرتها الـ «bbc» على موقعها بتاريخ 2 مايو 2017، تتمتّع الخِراف بقدرات إدراكيّة مُذهِلة!ويذكر المقال (هذه الكائنات البيضاء المغطاة بالصوف، التي نراها تسير على غير هُدى في الحقول، أو تتوسط موائد العشاء، هي في الحقيقة ذكية وبارعة واجتماعية أيضاً، وهي صفات تنسب عادة للبشر، ولم نعتقد يوماً أن الخِراف قد تتصف بها).فإذا لم تكن مشكلتنا مع القطيع... فأين هي إذًا؟ الجواب واضح... مشكلتنا الرئيسية تكمن في «المِرياع»!فخِرافُ القطيع كما أوردنا، لا تهتدي سوى بصوت جرسه، وتتبع بالتّالي رغبة راعيه!ونحن هُنا، لسنا في صدد تحديد الرّاعي ومن يكون، فكلّ ما يهمّنا معرفته، أنه كما أتقن لعبة المرياع، تمكّن الرّاعي أيضاً من سرقة وسم «الأذهان المنفتحة» منّا، وإلصاقه بكلّ ما هو «تقليدي»! ثمّ أوكل بعد ذلك مهمّة ترويجه للمرياع!ففي مجتمعاتنا، أصبح الشخص الذي يمشي على غير هُدى، مقلّداً أقواماً لا تربطه بهم حضارة، ولا ثقافة، ولا صلة دم... يفعل ما يفعلون، يميل إن مالوا، ويبتهج إن ابتهجوا... «open-minded»!نعم، فبعد تدقيق وتمحيص، يتبيّن أنّ هذا الوسم لم يعد لأصحاب العقول المستنيرة على الإطلاق، بل أصبح حصراً على من يقبل التقليد الأعمى دون أدنى تفكير!فالــ «open-minded» في زماننا هو باختصار شخصٌ تأثّر بمرياعٍ هنا أو آخر هناك... جلجَل بجرسه معزوفة الرّاعي...‏«open-minded»..تعيّد أعياداً وثنيّة؟...‏«Open-minded»تحتفل بمناسباتٍ شيطانية؟..‏ «Open-minded»تلبس ملابس وتسرّح تسريحات وتُعامل زوجتك وأمّك وأولادك كما يفعل أولئك الذين لا نعرف عنهم سوى التفكّك الأسري والكآبة الاجتماعية؟..‏«Open-minded»تفكّر؟ تسأل؟ تُحلّل؟...أنت حتماً تقليديّ!تقليدي!ما عليك لتصبح «Open-minded» بحسب ما يروّجه مرياعهم سوى التّقليد... مجرّد التقليد!وبالرغم من أننا نحنُ أصحاب الأذهان المنفتحة الحقيقيون،لكن لا بأس، سوف ندع الوسمَ لكم...أنتم الــ «open-minded»ونحنُ الرّاسخون، الثابتون على المنطق وما أظهرهُ الدّلّيل...لن نخوض أي معركة لاستعادة ذلك الوسم... فمعركتنا الحقيقية فكريّة... معركتنا لن تكون مع القطيع أبداً، بل ستبقى دائماً مع المرياع!فكما يجلجل بجرس الرّاعي، ستكون أسئلتنا مجلجلة أيضاً...سنسأل دائماً، وبصوتٍ عالٍ، موجّهين أسئلتنا لمن تأثّر بأجراس المِرياع...لماذا تفعل ما تفعل ؟ما دليلك؟من قال إنه عليك فعل ذلك؟من يكون لتقلّده؟ستكون أسئلتنا مدوّية، مدوّية جداً، ستكون أعلى من صوت أجراس المرياع، علّها تنفذُ إلى أذهان الـ «Open-minded»، فتتفتّح، فيتحرّرون، ويتوقّفون -نتيجة لذلك -... عن التقليد!

فهد عماش الجبري

«وفقاً للمادة 44 من الدستور»
مما لا شك فيه أن الدستور الكويتي هو الضامن الأول لحقوق وحريات الشعب والذي استقى بعض مواده من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد فرّقت المادة 44 من الدستور الكويتي بين الاجتماعات الخاصة والعامة. أما الاجتماعات الخاصة للأفراد فقد تركها الدستور مطلقةً غير مقيدةٍ بشرط قانونيّ أو إذنٍ أمنيّ والتي جاء نصها في النصف الأول من المادة ذاتها «للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن أو إخطار سابق ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة». أما الاجتماعات العامة فقد قيّدها الدستور بالشروط التي بيّنها القانون وعلى أن تكون أهدافها سلميةً وغير منافيةٍ للآداب، وقد كان نص النصف الثاني من المادة ذاتها «والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقاً للشروط والأوضاع التي بيّنها القانون على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تُنافي الآداب». والقانون الذي أشارت المادة إلى التزام التقيّد به هو قانون التجمعات العامة رقم 65 لسنة 1979 والذي وإن كانت المحكمة الدستورية في مايو 2006 قد أبطلت الكثير من مواده إلا المادة 13 لم تبطل وما زالت نافذة والتي تنص على «لا يجوز قيام المواكب أو المظاهرات أو التجمعات قبل الساعة الثامنة صباحاً ولا يجوز استمرارها بعد غروب الشمس إلّا بإذن خاص من المحافظ»، وكذلك المادة 14 من القانون ذاته والتي أعطت الحق المطلق لوزارة الداخلية في اختيار مكان التجمع، وهذا نصها «لرجال الشرطة حضور الموكب أو المظاهرة أو التجمع والسير فيها... ولهم ان يختاروا المكان الملائم لوجودهم...». ولمَنْ أراد أن يستزيد بإمكانه الرجوع إلى التفسير الذي أوردته المذكرة التفسيرية وشرحت فيه بإسهاب كل ما يتعلّق بنص المادة 44 من الدستور. وأخيراً... فقد قيل «الحق أبلج والباطل لجلج» وأن النصوص الدستورية واضحةٌ جليّة لمَنْ {ألقى السمع وهو شهيد} ولم تكن شاردة ولا واردة إلّا بيّنتها وشرحتها المذكرة التفسيرية أو فصّلت بها الأحكام الدستورية.فهد عماش الجبري Fahad_aljabri@

كامل عبدالله الحرمي

النفط في ارتفاع لكن أين الطلب العالمي؟
دائماً ما تُطرح أسئلة في الشأن النفطي مفادها: لماذا تتردّد أوبك بلس في زيادة الإنتاج، وهل ستوقف السعودية من الخفض الأحادي والبالغ مليون برميل في الاجتماع القادم، أم تنتظر حتى أبريل المقبل. وهل سيتواصل الارتفاع في سعر النفط إلى معدل أعلى مع وقف المملكة التزامها بخفض الإنتاج مع نهاية الشهر المقبل. وهل ستعلنه في اجتماع مرتقب. مع المتابعة والمراجعة لمعرفة تأثير الأسواق النفطية، وهل ستتماسك الأسعار؟ فالارتفاع الحالي القوي، نتيجة لموجة البرد، أدّى إلى توقّف إنتاج النفط الخام ما بين برميل إلى 1.200 مليون في اليوم، وتوقّف الطاقة الإنتاجية للمصافي بأكثر من 3 ملايين برميل يومياً لولايات تكساس الأميركية - أكبر ولاية منتجة للنفط والمشتقات النفطية - كما أثّر ذلك على الولايات الأميركية الأخرى وسحب نحو 40 في المئة من النفط من السوق الأميركية الأعلى في العالم. مما أثر على أسعار البرميل وبدأ يلامس معدل 65 دولاراً حالياً، والوصول إلى هذا الارتفاع لم يحدث منذ أكثر من 13 شهراً. فالمعدل الحالي للنفط سيساعد التوجّه السعودي الحالي بضخ مليون برميل تطوّعي إلى الأسواق العالمية، لكن بترقّب حذر منعاً واجتناباً لأي تغيير في سعر النفط وانخفاضه. عند هذا المعدل بدأت البيوت المالية تُخمّن وتُعلن عن احتمال وصول سعر النفط إلى معدلات أعلى من 100 دولار، مع نهاية جائحة كورونا، حيث سيتّجه العالم نحو قفزة وطفرة في معدلات الاستهلاك - حسب التقارير والتوقعات الصادرة من «غولدمان ساكس ومورغان ستانلي» الأميركتين - لكن من دون تحديد زمن معيّن، لكن قبل نهاية «عهد النفط» وقد يتجاوز معدل 140 دولاراً. وما علينا سوى انتظار موعد اجتماع أوبك بلس القادم في أوئل الشهر المقبل والقرار السعودي، ونرى توجّه الأسعار وزيادة وتكثيف جرعات اللقاحات المختلفة، ونجاحها في العالم وتأثيرها على اقتصاديات العالم، والخروج من هذه الجائحة المدمرة في كل بيت ومنزل وكل مدينة وقرية عالمية، والسؤال: متى سترجع الحياة الطبيعية العالمية وتفتح الحدود والمطارات وتعود العمالة والموظفون إلى أعمالهم ووظائفهم إن وجدوها. بالإضافة إلى عودة ورجوع أطفال العالم إلى مدارسهم وحياتهم الطبيعية؟ طبعاً هناك تردّد وتخوّف من دول المنظمة لأي تغيير في معدل الإنتاج دون التأكد من وجود طلب فعلي مؤثّر، وزيادة ملموسة في الحركة التجارية، واستمرارها في جميع مجالات الحياة، كي لا يؤدي إلى ضعف في معدل النفط ولذا وجب الاحتراس والاحتراز. وقد يكون هذا هو الدافع وراء التكهنات باحتمال عودة السعودية لضخ مليون برميل من النفط التطوعي مع بداية شهر أبريل المقبل، والإعلان عنه في الاجتماع القادم فقط، تأكداً وضماناً لنطاق سعري مناسب، لكن من دون تحديد الرقم المناسب. فأي معدل يفوق 60 دولاراً يكون مقبولاً للمنتج وللمستهلكين أيضاً. [email protected]

كمال الخرس

النظام التعليمي المدرسي بعد «كورونا»
لقد جالت جائحة «كورونا» العالم ولم تمضِ بعد، وقد ملأ عجاجها الآفاق، فلم تسلم منها بقعة جغرافية مأهولة، وخيّمت بظلالها على غالبية الأنشطة والأعمال التي يُمارسها الناس، وأثّرت بشكل مباشر على حركتهم اليومية وعلى علاقاتهم الاجتماعية فانقطع التزاور، ولزم التباعد ومنعت القبلات والأحضان بين الأحباب، فكان الجفاء شراً لا بد منه، وأصبحت الأقنعة زينة للرجال والنساء. ولم يسلم التعليم بالعالم من هذه الجائحة، بل كان من أكثر من تأثر بها، فلم تبق مدرسة بالعالم تقريباً لم يطلها الإغلاق وتعليق الدراسة، حتى في الحروب العالمية لم يحدث إغلاق عالمي للمدارس، فبرزت الحاجة مع امتداد هذه الأزمة إلى التعلم عن بُعد باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة. وفي الحقيقة، أن التعلم عن بُعد باستخدام الوسائل التكنولوجية لم يسد الحاجة عن الحضور المباشر، إلا أنّه في الوقت نفسه أظهر بعضاً من الفعالية للتعليم عن بُعد، وإعطاء دور مشارك للمنزل في التعليم، ونمّى العلاقة وتفهم الحاجة التعليمية والتربوية بشكل مباشر بين أولياء الأمور في البيت، وبين المدرسين في المدرسة. هنا يجب أن يكون درس أزمة «كورونا» أداة للمسؤولين في التعليم والأساتذة، وواضعي الخطط التربوية للمدارس إلى إعادة النظر بشكل كامل في النظام التعليمي المدرسي بالكويت، وخصوصاً في المراحل الابتدائية، ثم المتوسطة. هناك حاجة لإعادة النظر في الموارد وفي تنظيم الفصول، وتهيئة المدرسين للتعامل مع الجيل الجديد من التلاميذ الصغار، ومراجعة الموارد للمعلمين والأخصائيين، ويشمل ذلك وسائل التحفيز لهم والدورات التدريبية والاستفادة من تجارب الدول المتطورة في أنظمتها التعليمية. فما زالت هناك أساليب تعليمية قديمة من حيث النوع، وهناك أساليب تعليم عنيفة وإن تم منع التعنيف البدني فما زال العنف اللفظي سارياً، في زمن قد تغير وزاد فيه الذكاء العاطفي للأطفال. أما المباني المدرسية، فما زالت بشكلها التقليدي القديم بطوابقها وفصولها، والتلاميذ الصغار تائهون في ساحاتها الكبيرة تتم ملاحقتهم وصفهم في الساحة كأنّهم طوابير من المجندين. لقد طلّقت الدول المتطورة علمياً وتعليمياً وسائل وأساليب ونظم التعليم القديمة السارية عندنا منذ زمن بعيد، خصوصاً في أوروبا، ولحقتها حسب حاجاتها دول في آسيا، كاليابان وسنغافورة. سنغافورة التي كانت دولة فقيرة قليلة الموارد قبل نصف قرن أصبحت دولة صناعية ومركزاً تجارياً حيوياً، ويعود جزء من نجاحها عبر تركيزها على وضع نظام تعليمي مدرسي مجدٍ، فقد أصبحت المناهج أقل والتعلم أكثر وقامت بتشجيع التعلم الجماعي. وفنلندا التي كانت دولة أوروبية قليلة الموارد قبل عقود، وضعت نظاماً تعليمياً فعالاً غير جامد، وقامت بالتركيز على التعليم الجماعي لطلبة المدارس وحل المشاكل العلمية جماعياً، والتعليم عبر طرق مختلفة بشكل غير مباشر، وزيادة الأنشطة المرحة وروح المرح ووضع المنهج بشكل محبب للتلاميذ الصغار، وبعدها أصبحت من الدول المتطورة في التعليم، ونتج عن ذلك تطور فنلندا بشكل عام. في حديث خاص مع إحدى الأخصائيات الاجتماعيات المخضرمات في التعليم الابتدائي، تقول إنها تشعر بتثاقل بالذهاب للمدرسة واتباع نظامها الذي لم يتغير منذ عقود، وإنها والكلام للاخصائية تشعر كأنها في الجو نفسه الذي كانت فيه عندما كانت طالبة، بسبب الرتابة والروتين المدرسي، وأوامر المديرة ونائباتها وعدم إيمانهن ولا إيمان بعض المدرسات بالاقتراحات التربوية، وحاجات التلاميذ الصغار في عصرنا الحالي.