موسى بهبهاني

وداعاً أحبتي... سامي وعلي
أشد ما يمر به الإنسان هو ألم فراق الأحبة... ففي الأسبوع الماضي اختار المولى عز وجل، الصديقين المرحومين بإذنه تعالى، (سامي القطان وعلي الداوود).خبران مؤلمان كسرا القلب وسبّبا ألماً كبيراً، ألم الفراق كبير خصوصاً إذا كان مفاجئاً ودون مقدمات.وأنا أكتب هذه المشاعر الصادقة النابعة من القلب المنكسر، أتألم عندما أسبق اسميهما بكتابة كلمة (المرحومان)... إنما هكذا هي الحياة، فالله هو الذي يعطي... ويمنع... ويمنح... ويأخذ... ويفرق ويقرب...{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }فالموت حق وهو المصير المحتوم لكل حي، مهما كان صغيراً أو كبيراً، غيّب الموت الصديقين العزيزين على قلوبنا، فكان المرحومان (سامي القطان وعلي الداوود) متميزين بخصال طيبة عدة، منها الأخلاق الحسنة، والابتسامة التي لا تغادرهما، وحسن المعشر، محبين لأسرهما وأصدقائهما، امتازا بالشخصية الطيبة والمحبوبة والتواضع والإيجابية، وكل من عرفهما أحبهما، انتقلا من دار الفناء إلى دار البقاء تاركين أثراً طيباً بعد رحيلهما من هذه الدنيا الفانية.المرحوم / سامي سلمان القطان (بوسلمان)من أبرز ما يتحلى به أنه كان مبادراً لإصلاح ذات البين، ويتألم كثيراً عندما يرى خلافاً بين الأصدقاء أو بين أفراد الأسرة الواحدة، فعندما يسمع بذلك يحاول بشتى الطرق المتاحة أن يجد وسيلةً لإصلاح هذا الخلاف، وقد رأيت منه هذا الفعل في حالات كثيرة جداً، حتى يصل به الأمر أن يشتد غضبه على الأصدقاء حين يقع بينهم الخلاف ولا يغادر المكان إلّا بإصلاح ذات البين.هذا الإنسان الطيب تميّز بالابتسامة العفوية، فلا تكاد تراه يوماً تغادر الابتسامة محياه، وبضحكته المميزة والتي تلفت الأنظار إليه، ويداعب الآخرين لينشر بين الأصدقاء البهجة والفرحة بالدعابة المحمودة.لقد صادفته في إحدى الدول، فلما التقينا بالصدفة، فإذا به يبادر بدعوتي إلى تناول وجبة الطعام مع عائلته الكريمة دون تردد، وهذا لا يتحلّى به إلا القليل من الأفراد.نعم، الأصدقاء الحقيقيون يعتبرون جزءاً من الأهل، فهم ليسوا مجرد معارف بل يصبحون من ضمن العائلة باختيارنا، لأنهم يرتبطون بالقلب والروح أكثر من الدم، وهم سند وعون لنا في الحياة ويُعتبرون كنزاً ثميناً.المرحوم / علي حسين الداوود (بوحسين)محب للرياضة ومتعصبٌ للمنتخب الوطني، محبٌ للكويت، من خصاله أنه متواصل مع عائلته وأصدقائه، وقد رأيته في الكثير من المناسبات الاجتماعية يقوم بالتواصل مع جميع أطياف المجتمع دون تفرقة، فينظر إلى الجميع كمواطنين على حد سواء، وما يلفت النظر أنه تمكن من إعالة أسرته (والدته وشقيقته) وتحمّل مسؤولية العائلة عندما كان صغيراً بعد وفاة والده، تحمّل تلك المهمة الصعبة كاملة وبجدارة.فكلا المرحومين، سامي القطان وعلي الداوود، مُبادر بالتواصل وحضور المناسبات الاجتماعية، سواء كانت أفراحاً أو أحزاناً، وذلك جوهر الإنسانية، وهي شيمة الأخوة التي تعكس التعاطف والترابط الإنساني، وتقوي الروابط الاجتماعية، وتعزّز التعاون والتماسك المجتمعي.رحلتم يا (سامي وعلي) بجسديكما لكن ذِكراكما الطيبة ستظل في قلوبنا، لن ننساكما من دعائنا في كل الأوقات.{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }اللهم لا اعتراض على قضائك وقدرك، وندعو المولى عز وجل أن يشمل المرحومين (سامي القطان وعلي الداوود) بعفوه ورحمته، وأن يجعلهما مع النبيين والصّديقين والشهداء، وأن يجعل الجنة مثواهما، وأن يلهم أسرتهما الكريمة ومحبيهما الصبر والسلوان.ولنا ذكرياتٌ مع من غابوا عنا بأجسادهملكن الروح لا تنسى من أَلِفَت وهامت بهم حباََ وشوقاََ..فسلام على أرواح عانقها الموت وغفت بلحاف من تراب..سلام لمن سكنوا القبور وفارقوا الأهل والدور.«إنّا لله وإنّا إليه راجعون».

محمد ناصر العطوان

فيلم «الست»... أشباح «المثنى» وثلاث تذاكر إلى الوراء
«الليل وسماه ونجومه وقمره... قمره وسهره... وأنت وأنا...»هكذا، ومن حيث لا يحتسب المرء، وفي غفلة من هذا الزمن الذي حوَّلنا إلى «تروس» صدئة في ماكينة الحياة العملاقة، تأتي «الطلعات» المباغتة من أصدقاء السلاح القدامى لتكون هي طوق النجاة الوحيد من الغرق في شبر مياه المسؤوليات.بلا مقدمات، وبلا «غروبات واتساب» تتحول إلى جلسات مجلس أمن لتحديد موعد يناسب الجميع، وبلا استخراج «تأشيرات خروج» معقدة من وزارة الداخلية (الزوجات)... رن الهاتف.المتصل: «أديب الأدباء».الهدف: عملية سطو مسلح لاختطاف «شهبندر التجار»، والتوجه فوراً لمشاهدة فيلم «الست».الزمان: الآن... ولا عزاء للمسوفين، ولا مكان للمعتذرين.وخلال ساعة واحدة -يا مؤمن- كنا قد نفضنا عن كواهلنا المسؤوليات وشبكة العلاقات، وارتدينا ملابسنا، ووصلنا إلى «المول».التقينا عند باب السينما، ثلاثة أصدقاء، جمعتهم الشاشة الكبيرة قبل أن يجمعهم المكان، وكأننا عبرنا بوابة زمنية أعادتنا إلى تلك الأيام الخوالي في «مجمع المثنى»... تذكرون تلك الأيام؟ حين كنا نلتقي كل يوم، ونفكك «كلاكيع» السياسة والأدب والتاريخ، ونعيد تركيب الكون على مزاجنا... كنا نحلم بأماني بحجم السماء، وبأن نكون يوماً ما «ما نريد».قبل أن تبتلعنا دوامة «الزواج والأولاد» والقروض، كنا نجلس هناك، في «جمهورية المثنى»، ترتفع أصواتنا ونبقى... ونبقى... حتى يأتي الحارس المسكين ليبلغنا بلهجة يائسة أن الأبواب ستغلق، وأن علينا أن «ننصرف» لنترك العالم يرتاح من نظرياتنا.دخلنا القاعة، وبدأت الرحلة بحفلة كوكب الشرق في باريس...!هنا تجلى «الثالوث الإبداعي»... المخرج مروان حامد، الذي رسم بالكاميرا وكأنه ينسج سجادة فارسية، والكاتب أحمد مراد، الذي ينبش في التاريخ بمشرط جراح ليجعلنا نرى أم كلثوم «اللحم والدم» لا الصنم، ومنى زكي، تلك التي لم تكن تمثل، بل كانت في حالة «تحضير أرواح» حقيقية لروح الست.نحن الثلاثة أيضاً نشبه هذا الثالوث، جالسون في الظلام، حيث لم نكن نشاهد فيلماً عن «فاطمة بنت الشيخ إبراهيم البلتاجي» فحسب، بل كنا نشاهد «أنفسنا».ذلك «التأثيث البصري والسمعي» المتقن جعلنا نشعر بدورة حياة كاملة تدور أمامنا... كيف تبدأ الأشياء صغيرة خائفة، وكيف تكبر وتتوحش، وكيف تصل إلى أوجها، ثم كيف تنتهي... أو تتحول.شريط حياتنا كان يمر بالتوازي مع شريط الفيلم، عندما ظهرت «أم كلثوم الكاتبة»، رأيت صديقي «أديب الأدباء» تلمع عينه في الظلام، وكأنه يستعيد معارك قلمه وإهداءاته وأحلامه الأدبية ونصوصه الخالدة التي تعلمنا منها جميعاً وناقشناها طويلاً تحت سقف المثنى.وعندما ظهرت «أم كلثوم رائدة الأعمال»، التي تدير إمبراطوريتها بذكاء ودهاء ومفاوضات شرسة، رأيت «شهبندر التجار» يهز رأسه طرباً، لا للنغم، بل لـ «نغمة» الإدارة والسيطرة، متذكراً صولاته وجولاته في دهاليز السوق.أما أنا... فبين «أم كلثوم الإنسانة» التي تحب وتتألم وتكابر، وبين الفلاحة التي غزت القصور، كنت أقتطع جزءاً من ذاكرتي، وأربطه بجزء من حياتي الحالية.لقد أدركنا في تلك الساعات القليلة أننا، ورغم الشيب الذي بدأ يحتل الرؤوس، ورغم استوائنا على عرش «الأربعينات» الملتهب، ورغم أننا أصبحنا «آباء» و«مسؤولين» ولنا وقار مصطنع، ما زلنا في العمق أولئك الشباب الثلاثة، تغيرت الديكورات، وتبدلت الأماكن من «بلاط المثنى» إلى مقاعد المول الوثيرة، ولكن الروح واحدة.الفيلم لم يكن حكاية مطربة، بل كان مرآة عاكسة... رأينا فيه أن النجاح ليس مجرد صدفة، بل هو «معجنة» من التعب والدهاء والموهبة، ورأينا أن الصداقة الحقيقية هي التي تتحمل «فجوات الزمن»، وتعود لتلتحم في لحظة صفاء، لنكتشف أننا ما زلنا نفهم بعضنا من «نظرة»، ونضحك على نفس «الافيهات»، ونلعن «سنسفيل» الدنيا التي تشغلنا عن بعضنا.خرجنا من الفيلم ونحن ندندن، لا بأصواتنا، بل بأرواحنا التي اغتسلت بماء النغم والذكريات، لسان حالنا يردد مع الست وهي تختصر كل هذا العمر وكل هذا الشوق في مقطع واحد:«وعايزنا نرجع زي زمان... قول للزمان ارجع يا زمان...»وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر... وكل ما لا يُراد به وجه الله... يضمحل.

خيرالله خيرالله

الامتحان الحقيقي في سوريا...
لابدّ من العودة إلى السؤال الأوّل والأهم. إنّّه السؤال المتعلق بنجاح أحمد الشرع، في داخل سوريا وليس الاكتفاء بالنجاحات الخارجية، وهي نجاحات لابدّ من الاعتراف بأنّها مرموقة. كان الانتهاء من «قانون قيصر» آخر النجاحات التي تحققت على الصعيد السوري. لم تعد سوريا تحت عقوبات أميركيّة وتستطيع بذلك إعادة بناء علاقتها مع العالم، العالم الغربي خصوصاً من دون عقد. لكنّ المهمّ ما حجم التغيير في الداخل السوري الذي سعى نظام الأسد إلى تدميره؟ هل تعود سوريا دولة طبيعية، دولة مساواة بين مواطنيها كما وعد أحمد الشرع...؟بكلام أوضح، هل تستطيع سوريا التصالح مع نفسها بدءاً بالتخلي عن شعارات من نوع تصديق أنّّها «قلب العروبة النابض» في منطقة لا يحتاج فيها أي بلد إلى دروس في الوطنية من بلد آخر؟في هذه الأيّام، تمرّ الذكرى الأولى لفرار بشّار الأسد إلى موسكو. لم يكن الأمر مجرّد فرار لديكتاتور دموي كان يعتقد أنّ في استطاعته توريث سوريا لنجله كما حدث مع والده حافظ الأسد، لدى وفاته في العام 2000. يتعلّق لأمر بتغيير كبير على الصعيد الإقليمي.ما تبين بعد سنة على تخلّص سوريا من نظام أقلّوي، تحكّم بالسوريين، بين 1970 ونهاية 2024 أنّ ليس في الإمكان الاستخفاف بالتحديات التي تواجه النظام الجديد في سوريا، بما في ذلك مستقبل أبناء الطائفة العلويّة ومنطقة الساحل السوري. توجد مشكلة علويّة في سوريا. هذا واقع لا مفرّ من الاعتراف به. لكن هل في استطاعة بقايا النظام السابق تحويل المشكلة العلويّة إلى قضيّة علويّة؟ من الواضح أنّ بقايا النظام تسعى إلى ذلك عن طريق إسرائيل التي حمت النظام الأسدي منذ قام. لم ترفع الغطاء عنه إلّا بعدما ارتكب بشّار الأسد في أواخر العام 2024 غلطة العمر المتمثلة في السماح بنقل أسلحة متطورة إلى «حزب الله» عن طريق الموانئ السوريّة.إلى أي حدّ يمكن أن تذهب إسرائيل في دعم المجموعات التي تعمل من أجل خلق قضيّة علويّة؟ من الصعب الإجابة عن مثل هذا السؤال. لكن الأكيد أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب، تقف أقلّه في المدى المنظور، حاجزاً في وجه إسرائيل ولديها مصلحة في المحافظة على وحدة سوريا. عند هذه النقطة تلتقي الإدارة الأميركيّة مع تركيا التي تدعم بدورها النظام الذي على رأسه أحمد الشرع.سيتعمد الكثير في المستقبل على قدرة النظام السوري الجديد على أن يكون مختلفاً. لا يكون ذلك سوى بالابتعاد عن ممارسات حافظ وبشّار الأسد، خصوصاً لجهة كيفية التعاطي مع الأقلّيات بدءاً بالدروز وانتهاء بالعلويين مروراً بالأكراد. من واجب النظام السوري الجديد قطع الطريق على إسرائيل المستعدّة للربط مع بعض الجهات العلوية والمساعدة في تحويل مشكلة هذه الجهات إلى قضيّة.لا يمكن تجاهل وجود آلاف الضباط والعسكريين العلويين في بيوتهم. ليس أسهل من لجوء إسرائيل في دعم هؤلاء في غياب استيعابهم بطريقة أو بأخرى. لا يمكن تحميل كلّ العلويين مسؤولية ارتكابات حافظ وبشّار الأسد وجعل المواطن العلوي، الذي عانى بدوره من ممارستهما، يدفع الثمن. من الضروري التذكير بأنّ حافظ الأسد، بعقله الجهنمي، أفقر عن سابق تصوّر المناطق العلوية كي بجبر أبناء هذه المناطق على الالتحاق بالجيش والأجهزة الأمنيّة التي كانت العمود الفقري لنظامه.لا شكّ أن هناك علويين من نوع ماهر الأسد ورامي خلف وكمال حسن، آخر مدير للمخابرات الجويّة، يتآمرون على سوريا ويحلمون باليوم الذي يصبح فيه العالم يتحدّث عن قضيّة علوية. لكن مما لا شك فيه أيضاً أن على النظام الجديد في سوريا واجبات تجاه كلّ مواطن سوري بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو قوميته. لن يكون الغطاء الأميركي والتركي وحتّى العربي كافياً في المدى الطويل من أجل حماية سوريا من المخاطر التي تتهدّدها في الجنوب والساحل والمناطق التي يوجد فيها الأكراد. لا يحمي سوريا ووحدتها في نهاية المطاف غير المساواة بين المواطنين.يبقى أنّ العبارة الأهمّ التي تصلح شعاراً قابلاً للتحقيق في المرحلة المقبلة، هي عبارة تصالح سوريا مع نفسها. الإنجازات التي تحققت في الخارج مهمّة جدّاً، لكن لا قيمة لها في حال غياب التغيير الداخلي على كلّ صعيد. يشمل ذلك في طبيعة الحال تفادي قيام طبقة أو مجموعة متميزة على حساب مصالح الشعب السوري بكل فئاته بغض النظر عن الطائفة والمذهب والقوميّة. ذلك هو الامتحان الحقيقي أمام النظام السوري الجديد في ظلّ معطيات إقليميّة مختلفة جذريا عن الماضي القريب.

سالم النخيلان

كلّنا كاذبون؟
يعيش الإنسان حياته اللامثالية متطلعاً إلى المثالية، أو باحثاً عنها، أو تعيساً بصعوبة الوصول إليها. لا يدرك بعقلٍ أو قلبٍ أن المطلوب منه ليس المثالية، بل الرضا بالقصور وعدم الكمال ذاتهما.يصارع الإنسان نفسه في حربٍ شعواء، نهايتها الكآبة والهمّ والغمّ والحزن، لعدم استطاعته الوصول إلى تطلعاته اللامنطقية، مدّعياً المنطقية، جاعلاً إيّاها مراده للوصول إلى غاياته اللامتناهية. فيحاول خداع نفسه باختيار صداقاتٍ أقلّ منه موهبة، أو أكثر منه خيبة، أو بصناعة شماعاتٍ مجتمعية من القيود والعادات والروتين والمسؤوليات الحياتية والزوجية، لتبرير الخيبة. أو قد يلجأ إلى المجتمع الوهمي اللامثالي في عالم وسائل التواصل الاجتماعي الوهمي، لينظر إلى مدّعي الإنجاز، وبشيءٍ من الحسد الخفي، وبحثاً في المقارنات المؤدية إلى ما يراه، فيرتطم بالخذلان ويوقظه الواقع. فيغلق الهاتف ويلعن الواقع، وتثور في داخله براكين إرادة التمرّد على الحياة، فيلجأ إلى الدوران حول رحى الخيبة والخذلان والفشل.الظاهرة الاجتماعية قد لا يُجبر عليها الإنسان بقدر ما تُساق لها القِلّة، لتجدها الكثرة طريقاً لهم دون تفكيرٍ في ما إذا كان هذا الطريق يصلح لهم أم لا. وفي هذا قد تكون الظاهرة صالحة أو فاسدة أو مضرّة، لا يهمّ، بقدر ما تُتَّبع ثورة داخلية وقنبلة موقوتة تم ضبطها خفيةً وهماً، لتنفجر حقيقةً في العلن بادعاءات عقلانية.قد لا يعرف الإنسان من أشكال الكذب إلا تغيير الحقيقة قولاً، أو قول ما لم يحدث على أنه قد حدث. بينما مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، قد يكذب الإنسان بادعاء ما ليس فيه، والتخلّق والاتصاف بما ليس من صفاته، أو التفاعل شعورياً بما لا يحرّك مشاعره. وقد يظهر بصورةٍ مفبركة أو محسّنة ليكون على صورةٍ تُضاهى بالتفاعل المُلقى، فترضى نفسه الأمّارة بالسوء ليكون كما يريد، دون إصلاح واقعه الخَرِب. ما يجعل المشاهدين والمتفاعلين يظنّونه كما رأوه، وعند الاقتراب ينخدع فيه الفارغون، وقد يدرك العقلاء أنه لا كمال لبشر إلا بالنقصان، فيقبلونه على نقصه، ويقتربون منه تصالحاً ورضاً به وبعيبه. لكنه لا يرضى لنفسه القبول من الآخرين بالكمال والنقص، بل يبحث عن نفسه الكاذبة كما أراد لها، وكما أعلنها، وكما زُيّنت له وتزين لها. فيُبعد الصادقون عن دائرته ليبحث عمّن غُشيت أبصارهم وراء الشاشات، ظنّاً منه بقبولهم له بما فيه، فيلتم المنحوس على خائب الرجاء، فلو علموا منه نقصاً ما أطاقوه، ولو علم هو أنهم التفّوا عليه من فراغهم لما قبلهم.ملأت وسائل التواصل الاجتماعي حياتنا وهماً وكذباً اصطنعناه وألبسناه ونصّبناه في منصب الحقيقة والواقع، فكبر حجمه وتحكّم بنا كما أردنا له ورضينا بذلك. وألجمنا عقولنا الناقدة، وأرواحنا الطاهرة، وقلوبنا النقية بلجام الغفلة، وتدثّرنا بالهموم والكآبة والخيبة. ورضينا بأي قولٍ يدغدغ عواطفنا، ويحرّك مشاعرنا، ويوهم عقولنا. فدغدغنا مشاعر الآخرين، وحرّكنا عواطفهم، وأوهمناهم بما نريد أو نتمنى أن نكون. أو لعلّنا جرّبنا ما يثير التفاعل والإعجاب، فرضينا أن نكونه دون الارتطام بواقع أن ذلك كذب، قد يتجاوز بضرره كذب القول، متّبعين بوسائل التواصل الاجتماعي سنن من كان قبلنا شبراً بشبر، وذراعاً بذراع.الواعي هو من يعطي نفسه لحظاتٍ من الصمت ليسمع صوته الداخلي المتجرّد من المتابعين والفارغين في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن أهواء نفسه المنتظرة لتقييمهم وإعجاباتهم، ليعرف من يكون وما دوره في الحياة. ويتعامل مع ضوابط الحياة ومسؤولياتها بذكاءٍ وإدارةٍ لواقعه، راضياً كلّ الرضا، مسلّماً تمام التسليم بعيوبه، ساعياً إلى إصلاحها، وإن لم تُصلَح. فكماله يكمن في عين نقصه، مدركاً أن أول واجباته في الحياة ليس الوصول إلى الكمال، وأن الطريق إليه هو الرضا بالنقص ومجاهدته، لا محو العيوب كلياً، تلك التي زيّنها لنا العالم الافتراضي، فأصبحت عيوبنا قيوداً لعقولنا عن معرفتها، وقلوبنا عن الرضا بها، فتثقل أرواحنا عن إدراك عالم الكمال بالرضا بعين النقص.

عبدالله خلف

معلقة امرئ القيس وجامعة السوربون
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلبسقط اللوى بين الدخول فحوملفتوضح فالمقراة لم يَعْفُ رسمهالما نسجتها من جنوب وشمألأماكن يقع بينها ومنزل الحبيبة.أرادت جامعة السّوربون الفرنسية أن تتحقق من هذه المواقع إن كانت كما ذكرت بتسلسلها المذكور.. فاختارت وفداً كبيراً من الجامعة ومن درس فيها من العرب ومن رأت من يصلح للتحكيم مثل الأستاذ حمد الجاسر والشيخ علي عبدالمنعم (أزهري) كان يخطب في جامع ثانوية الشويخ عند حداثة المدرسة والجامع المسجد، وهو كان يفقه اللغة الفرنسية كطه حسين، وحافظ إبراهيم، وكثير من رواد الأدب في مصر أول القرن العشرين، والدكتور زكي مبارك، ومن أدباء الجزائر وشمال أفريقيا، فثبت بعد التحكيم صحة المواقع وتسلسلها من مقدمة المعلقة:قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلبسقْط اللوى بين الدخول فحوملفتوضح، فالمقراة لم يعف رسمها...الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله أسمعنا في زيارة تشرفنا بلقائه في وفد من رابطة الأدباء الكويتيين قال لنا إن أسرتي من (المقراة)..وقوفاً بها صحبي عليّ مطيهميقولون لا تهلك أسىً وتحملوالمعلقة طويلةومن أبياتها:ويوم عقّرتُ للغدارى مطيتيفيا عجباً من كورها المتحمل(مطية الشاعر وهي ناقة)فظل العذارى يرتمين بلحمهاوشحم كهداب الدمقس المفتل(هداب الدمقس: أطراف الحريرالمفتل: المفتولالخدْر هنا الهودج...وعنيزة: اسم المحبوبة)ويوم دخلت الخدر خدر عُنيزةفقالت لك الويلات إنك مرجليأي فاضحي بين الرجالتقول وقد مال الغبيط بنا معاًعقرت بعيري يا امرأ القيس فانزلأغرك مني أن حبك قاتليوأنك مهما تأمري القلب يفعلوأنك قسمت الفؤاد فنصفهقتيل ونصف بالحديد مكبلفإن تك قد ساءتك مني خليقةفسلي ثيابي من ثيابك تنسل(الخليقة: السّجية، والسجية: الطبيعة، والثباب هنا القلب)وتنسُل: تسقط، والمعنى: إذا ساءتك خصلة مني فسلّي قلبي من قلبك.والثياب هنا: القلب، وتنسل هنا: تخرج.إذا ما الثريا في السماء تعرضتتعرض أثناء الوشاح المفصلفجئت وقد نضَّت لنوم ثيابهالدى الستر إلا لبسة المتفضل

حمد الحمد

محفّظ خصوصي... لماذا؟
لا أذكر حتى فترة السبعينات وكنت طالباً في المرحلة الثانوية، أننا قد سمعنا بمصطلح (مدرس خصوصي)، لهذا كنا نعتمد على أنفسنا في الدراسة، وقد نتعثر ونسقط، لكن نعود أقوى وأقوى، لأن الرسوب غالباً ما يكون أكبر درساً للإنسان، أذكر في المرحلة المتوسطة كان لدينا في المدرسة مدرس مرعب اسمه (كامل)، حيث كان أفضل هواية له، هي الضرب على ظهر اليد بالعصا في يوم بارد، وكان يدرّسنا مادة الدين، وكنا نعيش في وقت صعب جداً عندما يحين درسه، خصوصاً إذا قال (سمّع يا ولد)، بمعنى تسميع سورة قصيرة أو حديث، هنا الكارثة كطفل صغير أكون في مأزق، حيث أعرف أنني إن سمّعتُ وأخطأتُ سأضرب لا محالة وأبكي أمام التلاميذ، وهذا محرج جداً، لهذا خشية أن أرتبك عند التسميع أضطر أن أقول (لم أحفظ)، هنا أسلمُ من البكاء والتلعثم والإحراج.بالسابق، كان نظام الكتاتيب بمعنى تعليم غير نظامي، مثلاً الملا هو المعلّم، وكان التسميع والحفظ الجزء الأهم في التعليم، لهذا عندما انتقلنا إلى التعليم النظامي من مدرسة المباركية إلى يومنا هذا، ما زال التسميع والحفظ هو الأهم، وليس الفهم بمعنى لم نترك أسلوب الكتاتيب.والعائلات حالياً تعاني ليس في تدريس الأبناء وجلب مدرس خصوصي ودفع مبالغ ومبالغ تستنفد ميزانية الأسرة، إنما انتقلت إلى أمر جديد، وهو للمرة الأولى أسمع بمهنة (محفظ خصوص)، وهو إنسان متخصّص أو متخصصة يأتي للمنازل لتحفيظ الأطفال السور أو الأحاديث أو القصائد... هنا أمر جلل حيث أصبح الحفظ جزءاً من التعليم، رغم أن الفهم أهم من الحفظ دون فهم، لأن لا معنى للحفظ من دون الفهم.أنا درست حتى السبعينات في المراحل الثانوية ولا أذكر في يوم أن طلب المدرس مني أن أقف أمام السبورة وأُلقي درساً (برزينتيشن)، إنما كنا أجساداً صامتة، دورنا هو أن نسمع، أو حتى ألا نتحاور في موضوع ما، وكان في صفنا طالب (نزق ) كثيراً ما يسأل مدرس التاريخ أسئلة خارج المنهج، وكان رد المدرس بما معناه (يا ابني اسمع واسكت).ابنتي، حفظها الله، أبلغتني قبل تخرجها بأنها ستقدم (برزينتيشن) في جامعة الكويت مع زميلة لها، وهنا فرحت وحضرت، حيث هذا أمر لم نعهده في زمننا، وابني، حفظه الله، أبلغني أنه في أول يوم دراسي في جامعة أميركية بالخارج، أنه كان في موقف محرج جداً عندما طلب منه الدكتور أن يقف ويلقي (برزينتيشن) بمعنى يحاضر عن الموضوع الفلاني، كان موقفاً محرجاً حيث لم يعتد على ذلك من قبل في مدارسنا، وأخبرني أن التعليم هناك يربط بالحياة، مثلاً الدكتور يقول لك (اذهب للسينما وشاهد فيلماً عن حرب فيتنام وحاضر عنه)، أو تكون المفاجأة أن يطلب الدكتور أن نكتب قصيدة بالإنكليزي رغم أننا ندرس التمويل، وكان القصد أن يكتشف مواهب مخفية لا نعلم عنها.لا أعرف لماذا كان الحفظ والتسميع جزءاً من تعليمنا وأصبح له تكلفة، والنتيجة لا حفظنا ما حفظنا... ولا فهمنا ما فهمنا، وديننا حسب علمي لم يأمرنا بالتوسع بالحفظ كما هو متداول حالياً، حيث يقول الشيخ عثمان الخميس، في إحدى جلساته التالي: (أما السورة التي بعد الفاتحة فهي سُنّة إن لم تقرأها فليس عليك إثم)، وفي موقع الشيخ بن باز، ذكر: (أما قراءة سورة بعد الفاتحة فهو مستحب).لكن مع هذا حفظ القرآن وسوره له فائدة كبرى وأجر عظيم، لكن مقدرة الناس على الحفظ تتفاوت، فإنسان عندما يسمع قصيدة للمرة الأولى يحفظها، وآخر حتى أبسط الأرقام مثلا رقمه المدني لا يحفظه، وفي أخبار جهينة، البرنامج الإذاعي ذكر أن الأميركي المدعو بن بيك، لا هو عالم ولا مخترع، شهرته أنه إذا قرأ صفحة يعيدها بعد ثوانٍ كاملة لفظياً ويستطيع الترنم بأغنية سمعها قبل 40 سنة، لهذا شهرته أن يحفظ فقط ولم يقدم شيئاً آخر للبشرية... بمعنى الحفظ قدرات ليس لدى الجميع.وأخيراً لو كان الأمر بيدي لألغيت الحفظ والتسميع وجعلت الفهم هو الأهم.لو... ثم... لو... وننسى مصطلح محفظ خصوصي الجديد!

حسين علي الطرجم

رصيف
بعد سبع سنوات من المعاناة في شوارع مدينتنا، ما بين تطاير الحصى، وكثرة الحفر التي كدتُ أعتقد أنها لوحةٌ تراجيدية، ثبتت لتدخل في قائمة اليونيسكو، وبعد هذا الانتظار الطويل، أخيراً أغلق الفريج، ودخل العمال والمعدات كالفرسان، ليقتلعوه من أساسه، ويعيدوا إعماره.سبقهم منشورات التنبيه، بضرورة التعجيل بإخلاء الفريج من السيارات، لمباشرة الأعمال.واستجاب السكان لأوامر «الأشغال»، رغبة في سرعة الإنجاز والإصلاح.ويغلب المستأجرون في الفريج، فكثرة السيارات تسببت في ازدحام المواقف والطرق، وتساءلت... أين أركن سيارتي؟ تركت الأمر للحظ، فيومٌ قريبة وأيامٌ بعيدة.وسمعنا أصوات المعدات التي كدنا ننساها، ومع أصواتها دخل الفرح الفريج كأنه يومُ عيد، فانهالت الضيافةُ كغيمةٍ تهطل من ذاكرة الأجداد.وبدأت الأعمال، فأزيل الأسفلت من أساسه، وأصبح لزاماً عليَ ألا أمشي إلا على رصيف معبد، سهل الممشى، يوصلني إلى البيت.فما وجدت!فاضطررت للمشي وسط الشارع المكتظ بالسيارات، مع حذرٍ شديد في الصباح، خوفاً من المسرعين، وما إن دخلت الفريج حتى اضطررت للمشي على الرمل، وصولاً إلى البيت.واستمر الحال حتى كدت أعتاد على الحال، وإذ هاهم العمال يسكبون البيتومين وفاحت رائحته في الأرجاء حتى اخترق الجدران، وهذا كله تمهيد ليوم الفرش العظيم.وتعقد الأمر، فالرصيف مسدود، والشارع غارق بالبيتومين، فكيف الوصول؟ فكرت وتفكرت، واقتنعت أنه لا وسيلة للوصول إلا بالعبور، فمضيتُ أقطع الطريق، متحملاً مشقة السير، وتلف الحذاء، فواصلت حتى وصلت، وتطلعت من حولي وتأملت، وقلت هل فعلاً كل مدننا بلا رصيف؟ هو موجود... لكنه ليس للمشي!

د. منى عبدالمحسن الشمري

أوضاع التمريض بين حانا ومانا
لم يعد خافياً علينا أن مهنة التمريض في الكويت تعاني اليوم من غياب الدعم الحقيقي رغم أنها تمثل العمود الفقري لأي نظام صحي متكامل. ذلك «الترند» الذي رافق الجائحة ورفع من مكانة المهنة بشكل غير مسبوق، بدأ يتلاشى تدريجياً، وكأن الأزمة انتهت فانتهى معها الاهتمام والعرفان. ومع الأسف، ما كان يُتوقع أن يتحول إلى نقطة انطلاق نحو تعزيز المهنة وتطويرها، عاد ليتلاشى وسط روتين الإهمال المزمن. نعم هناك إقبال كبير على دراسة التمريض والانخراط فيها إلا أن الاهتمام بتطويرها علمياً وعملياً ليس بكاف.الأدهى من ذلك أن الرؤية، بكل ما حملته من طموحات مستقبلية، لم تُشر إلى مهنة التمريض إلا في أسطر معدودة، رغم أن تطوير منظومة صحية عصرية لا يمكن أن يتحقق دون تمكين التمريض وتطوير كوادره المهنية والأكاديمية.ولم يقف الأمر عند غياب الدعم المؤسسي، بل شهدنا خلال السنوات الأخيرة تسابقاً محموماً من جهات ليست من أهل المهنة لمحاولة تبني التمريض، سواء في التعليم أو في الممارسات العملية وعلى أرض الواقع، ما أدى إلى تقديم صورة سطحية وشاملة في الوقت نفسه، تخلو من الفهم الحقيقي لخصوصية وتحدّيات المهنة. وفي المقابل، ازدادت هيمنة المهن الطبية على التمريض، وكأننا عدنا إلى المعادلة القديمة التي تضع التمريض في المرتبة الثانية، رغم أن العالم تجاوز هذه النظرة منذ عقود.كثيرون من أبناء المهنة ظنّوا، ولو لوهلة، أن التمريض في الكويت «غدا شره»، وأنه مقبل على مرحلة نهضة وتنافس حقيقي مع بقية المهن الصحية المساندة. لكننا وجدنا أنفسنا نعود إلى نقطة الصفر، نصعد الجبل بشغف وإصرار، ثم نسقط مرة أخرى، لنعاود المحاولة. ولسنا هنا لنُحبط أبناءنا وزملاءنا الذين يحملون راية المهنة بكل فخر، بل لنقول الحقيقة كما هي:إن التجاهل المستمر لأهمية التمريض، بدأ ينعكس سلباً على الحلم الذي لطالما سعينا إليه... حلم الارتقاء بالمهنة ووضعها في موقعها المستحق.هكذا وجد التمريض نفسه «ضاع بين حانا ومانا»؛ بين جهات تتسابق لتبنّيه إعلامياً دون معرفة حقيقية بطبيعة المهنة، وبين من يهمّشون دوره عند التخطيط ووضع الرؤى المستقبلية. لقد ضاع بين «حانا ومانا»، وضاعت معه آمالنا التي تعبنا على بنائها.ومع ذلك، سنظل نحاول، وبقوة أكبر، أن نرفع راية التمريض عالياً، مهما كانت الرياح معاكسة.

مقالات

د. نادية الخالدي

عن العام الجديد
نهاية العام ليست تقويماً... بل جلسة علاج جماعية مع الذات. في كل نهاية عام، ينشغل الناس بكتابة الأهداف، وتنظيف البيوت، وشراء المفكرات الجديدة، وكأنهم يحاولون محو ما مضى بلمسة ديكورٍ موسمية. لكنّ الحقيقة النفسية أعمق من ذلك بكثير، فالنهاية في جوهرها ليست حدثاً خارجياً، بل عملية إدراك داخلي يعيشها العقل والجسد كنوعٍ من المراجعة الشاملة للذات.ومن وجهة نظري كدكتورة ومعالجة نفسية، نهاية العام تشبه جلسة علاج جماعية مع النفس، لحظة مواجهة صادقة بين ما كنا نظنه نحن، وما كنا عليه فعلاً. هذه المرحلة تُحرّك فينا واحدة من أقدم الغرائز النفسية التي تحدث عنها كارل يونغ، وهي «غريزة التوازن»، فالنفس بطبيعتها تسعى لتصحيح اختلالاتها عبر التأمل والمراجعة، تماماً كما يُعيد الجسد توازنه بعد المرض.في علم النفس المعرفي يُعتبر الزمن أداة تقييم ذاتي، ولهذا يربط الدماغ بين نهاية العام وبين فكرة التقييم الشامل للذات، حيث يُراجع الفرد أفكاره وقراراته وعلاقاته ليحدد ما يجب أن يستمر وما يجب أن يتوقف. لكن البعض يقيّم نفسه بزاوية قاسية، يفتح دفتر الأيام ليعدّ الخسائر فقط: ما أنجز، ما فاته، من خذله، ومن غادره.وهذه المقاربة، بحسب دراسات جامعة شيكاغو عام 2021، تزيد الشعور بعدم الرضا بنسبة 46 % لأنها تُغذّي منطقة اللوزة الدماغية المسؤولة عن استحضار الذكريات المؤلمة بدلاً من معالجتها. في المقابل، الأشخاص الذين يمارسون ما يُعرف بـ«إعادة بناء القصة الشخصية» يعيدون صياغة تجاربهم بطريقة أكثر رحمة واتزاناً، ما يخفض معدلات القلق ويزيد شعورهم بالمعنى. فبدلاً من أن يقول الشخص «فشلت بزواجي»، يمكنه أن يقول «تعلمت من تجربة الزواج كيف أحدد احتياجاتي وحدودي»، وبدلاً من «خسرت أصدقائي»، يقول «عرفت من يستحق البقاء في حياتي».التغيير في الجملة بسيط، لكنه تغيّر في الطاقة والمعنى. أتذكر إحدى قصص العيادة النفسية إحداهن التي كانت تكتب كل نهاية سنة قائمة خيباتها وتبكي وهي تقرأها، فطلبت منها أن تكتب بدلاً منها قائمة الوعي، تسجل فيها كل المواقف التي جعلتها تفهم نفسها أكثر حتى وإن كانت مؤلمة.بعد شهر أخبرتني أن نظرتها للحياة تغيّرت بالكامل، لم تعد ترى الألم كعقوبة بل كدرس. وهنا تتجلّى النقطة الفارقة في العلاج النفسي: الوعي لا يُلغي الألم لكنه يُحوّله إلى معنى. فالدراسات الحديثة من جامعة هارفارد حول العقلية النامية تؤكد أن الأشخاص الذين يعيدون تفسير التجارب الصعبة كفرص للتعلم يحققون نمواً ذاتياً أكبر بنسبة 60 % مقارنة بمن يغرقون في جلد الذات.لا أرى في كتابة الأهداف عادة تنظيمية فحسب، بل طقساً علاجياً إن أُنجز بوعي. فعندما نكتب «أريد أن أكون أكثر هدوءاً» نحن في الواقع نُعيد برمجة أدمغتنا على التركيز على السلوك الهادئ، وعندما نمزق ورقة كتبنا عليها «ما أريد أن أتركه» فإن الرمزية تُحفّز الجهاز العصبي على الشعور بالتحرر.الدماغ لا يفرّق بين الرمز والواقع، لذلك تُستخدم هذه الطقوس في العلاج السلوكي الجدلي كوسيلة فعالة لتفريغ المشاعر. حين نحرق ورقة كتبنا فيها الألم، لا نحرق الحبر بل نحرق أثراً نفسياً عميقاً. إنّها جلسة تصالح رمزية مع الذات، تشبه الغفران بعد علاقة مؤذية أو فشلٍ موجع. وهنا يتحول ديسمبر من شهر مزدحم بالمشتريات إلى شهر مزدحم بالمغفرة.من المهم أيضاً مراجعة العلاقات في نهاية العام. فالكثيرون يواصلون علاقات لم تعد صالحة للنمو، مدفوعين بالخوف من الفقد أو الشعور بالذنب. في العلاج النفسي يُسمى هذا النمط بالتعلق المتناقض، حيث يعيش الفرد بين رغبة في القرب وخوف من الهجر. ودراسة من جامعة أكسفورد عام 2023 بيّنت أنّ مَن يقومون بمراجعة سنوية لعلاقاتهم ويضعون حدوداً صحية تقل لديهم مؤشرات القلق الاجتماعي بنسبة 50 %. وهنا أقول إن النضج النفسي لا يعني أن تبقى بل أن تختار. فبعض العلاقات يروينا، والآخر يُنهكنا، ومهمتنا أن نميّز بين الاثنين.علم الأعصاب الحديث يصف نهاية العام بمرحلة الإغلاق المعرفي، إذ يسعى الدماغ لإيجاد نهاية منطقية للتجارب قبل الانتقال إلى فصل جديد. يقل نشاط اللوزة الدماغية المسؤولة عن الخوف ويزداد نشاط القشرة الجبهية الأمامية المسؤولة عن التحليل، فنصبح أكثر هدوءاً واستعداداً للتأمل واتخاذ القرار. ولهذا نشعر في ديسمبر برغبة في الترتيب والتنظيف والتسامح. إنها ليست صدفة بل آلية عصبية طبيعية لإعادة ترتيب الفوضى الداخلية قبل بداية جديدة.ومن وجهة نظري كدكتورة، لا أؤمن بفكرة «عام جديد... حياة جديدة» بالشكل التجاري السطحي. فالحياة لا تتغير بتبدل التاريخ، بل بتبدل الوعي. من لم يتصالح مع نفسه سيحمل معاركه نفسها إلى كل عام جديد. ولذلك، نهاية العام فرصة علاجية نادرة لأن العقل يكون في أعلى درجات استعداده للتغيير. أنصح بثلاث خطوات: الاعتراف الصادق بما لم ينجح دون جلد، والامتنان لما جعلنا أقوى، والنية الواضحة لما نريده في القادم. فالنوايا هي التي تصنع الاتجاه، لا القرارات وحدها.في نهاية العام لا تسأل نفسك كم ربحت، بل كم نضجت، كم غفرت، وكم أحببت نفسك رغم العثرات. الوعي هو الثروة الحقيقية التي لا تُسجل في دفاتر الحساب بل تُكتب في القلب. وكل عامٍ جديد لا يولد من التقويم بل يولد حين نضع أيدينا على قلوبنا ونقول لأنفسنا: لقد عشت وتألمت وتعلمت، والآن حان وقت أن أزهر من جديد.

عبدالعزيز الكندري

اثنا عشر جاراً... وبداية جديدة!
قبل سنوات عدة، قام أحد الأثرياء ببيع شركته التقنية بأكثر من 300 مليون دولار، وبعد أخذه المبلغ توقّع البعض أنه سيشتري أموراً رفاهية له ولكنه لم يشترِ الكندي مارسيل لابرون، يختاً ولا قصراً، ولكنه أنفق ملايين عدة لبناء قرية صغيرة فريدة في مدينة فريدريكتون اسمها: «12 Neighbours» (اثنا عشر جاراً).والقرية الفريدة من نوعها تتكوّن من 99 منزلاً صغيراً مجهزاً بالكامل: مطبخ، حمام، سرير، أثاث، وألواح شمسية، بالإضافة إلى كهرباء ومياه وإنترنت مجانية، ولكن الأهم أنه أنشأ مركزاً للتدريب والعمل يحتوي على مقهى وورشة طباعة حريرية يديرها السكان أنفسهم، ليحولوا أنفسهم من مشردين إلى منتجين وجيران حقيقيين يعيشون بكرامة. ويقول لابرون: «لم أرد أن أعطيهم سقفاً فقط، أردت أن أعطيهم بداية جديدة».وفي المقابل نرى كثيراً من الأثرياء المسلمين ينفقون الملايين على أمور ثانوية وشراء بعض الحيوانات بمبالغ فلكية من أجل الصيت، وبعضهم ينفق الملايين على حفلات باذخة وسيارات فارهة، بينما الفقراء في أرجاء مختلف دول العالم يبحثون عن لقمة العيش، بل احتياجاتنا الأساسية بالنسبة لهم أحلام.ولدينا العديد من الأثرياء الذين يستحقون أن نضع المجاهر الفاحصة على حياتهم ونخرجهم ليكونوا قدوات مثل عثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، وحين طلب النبي صلى الله عليه وسلم، تجهيز جيش العُسرة، لبّى نداء النبي في غزوة تبوك التي كانت في وقت عُسر، وقدم أموالاً وبعيراً وخيولاً ومتاعاً للجيش حتى اكتمل، فقال النبي: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم». ودعا له النبي: دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالمغفرة والرضا، وقال:«اللهم اغفر لعثمان وارض عنه» بعد كل مرة يتبرع فيها، وختمها بقوله: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم».وقدِم عبدالرحمن بن عوف، إلى المدينة، آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، وكان سعد من أثرياء المدينة، فقال لعبدالرحمن: «إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم لك نصف مالي». لكن عبدالرحمن أبى وقال: «بارك الله لك في مالك، لكن دلني على السوق». ثم خرج إلى سوق بني قينقاع فجاء بشيء من سمن وأقط، فباع واشترى فربح.وحينما سُئل عن سبب ربحه الكثير، ونجاح تجارته قال إنه لم يرد ربحاً قط، أي مهما كان هذا الربح قليلاً من وجهة نظر التجار، إلا أنه لم يرده، وكان يستغل الفرص. فبدأ في سوق المدينة بشيء يسير فبارك الله له، حتى أصبح من أغنى أغنياء الصحابة. وهذا يدل على أن الفرصة الصغيرة اليوم، قد تفتح لك أبواباً لن تتخيلها غداً، فلا تستهن بربح بسيط أو خطوة متواضعة.لو قام كل ملياردير بالصدقة والتبرّع بـ5 بالمئة من ثروته لمشاريع تخدم الفقراء والمسلمين، لتحوّلت العديد من بلدان المسلمين إلى نموذج يُحتذى به بدلاً من الاستعراض والبذخ، ولأن الصدقة من أسباب نجاح تجارة عبدالرحمن بن عوف، حيث اشتهر عبدالرحمن بن عوف، رضي الله عنه، بالكرم والجود، وكان كثير الإنفاق في سبيل الله. ورُوي أنه باع أرضاً بأربعين ألفاً وأنفقها على فقراء المسلمين، وأمهات المؤمنين.وقال ابن المبارك: أنبأنا معمر، عن الزهري، قال: تصدق ابن عوف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، وحمل على خمس مئة فرس في سبيل الله، ثم حمل على خمس مئة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة.والحياة التجارية لعبدالرحمن بن عوف، جمعت بين الورع والفطنة، والصدقة والكسب الحلال، والصدق والذكاء التجاري، ولم يخشَ الخسارة أو الإنفاق يوماً. ومن أجمل ما قيل عن هذا التاجر الصادق الصدوق:«أهل المدينة جميعاً شركاء لابن عوف في ماله، ثُلثٌ يقرضهم، وثُلثٌ يقضي عنهم ديونهم، وثلثٌ يصِلهم ويُعطيهم».

د. عيسى محمد العميري

... وسقط قناع الحقد الأسود
... وسقط قناع الحقد الأسود الذي لطالما عاث في الأرض فساداً وعلى منصات التواصل الاجتماعي الإلكترونية... فانكشف الغطاء الذي كانوا يتسترون به، ويمعنون بمهاجمة الأشراف. ويتلطون كما أسلفنا وراء حجج ومتاريس وهمية دون أن يظهروا أنفسهم إن كانوا فعلاً مقدّرين، ولكنهم بالنهاية هم أدوات لغيرهم هدفهم المصلحة المادية فقط دون غيرها، دون أن يتسموا باحترام أنفسهم.أولئك هم مَنْ كشفهم موقع إكس، وقدرهم تقريباً بأكثر من 23 ألف حساب وهمي استهدفت دول الخليج العربي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية. واستخدموا في حربهم كل الأدوات القذرة. واستخدموا الأقنعة الواهية من دول خارج دول الخليج العربي.ولكن نقول، بأن الحقيقة واضحة كالشمس، حيث إن المراقب لأوضاع منطقة الخليج العربي والأحوال الاجتماعية فيها يجد أن الأوضاع هي على عكس ما روج له أولئك الذباب الإلكتروني خلال الفترة الماضية ومازال البعض.وبالتالي فإن استقرار الأحوال الاجتماعية هو سمة واضحة وظاهرة لكل مَنْ يزوّر المنطقة، ويرى مدى تطور الحياة الاجتماعية والرفاه الذي وفّرته الدول الخليجية للمواطن، بل ووفرت العيش الكريم وفتحت أبوابها للوافدين إليها وإلى كل مَنْ يرغب بكسب لقمة عيشه فيها.وبالتالي نقول، بأن تلك الجهود من قبل الذباب الالكتروني لا قيمة لها سوى الخزي والعار. وكانت جميع محاولاتهم لبث الإشاعات والفوضى باءت بالفشل وسواد الوجه، واصطدمت بواقع ثبات المجتمع الخليجي والرفاه الذي يعيشه والجهود التي قامت بها دول الخليج لما فيه مصلحة مواطنيها، فهي أكبر سد منيع لوحدة شعوبها ضد جيش الذباب الالكتروني.وفي الختام هنا نقول، بأن محاولات الخبثاء الذين تسوؤهم رؤية الاستقرار الاجتماعي في دول الخليج العربي كما يسوؤهم أن يروا مواطني دول الخليج العربي في أفضل حال، وبذلك هم يسعون لتدمير ذلك. وبالتالي فإن المحاولات لن تقف عند حد معين، فكلما حققت دول الخليج العربي التطور والنهضة والتنمية بأعلى معدلاتها، كلما رأينا ذلك الذباب الإلكتروني يزداد في فجوره وأذاه. حفظ الله دول الخليج العربي. والله الموفق[email protected]

د. عادل فهد المشعل

متحف مصر الكبير
تمتلك جمهورية مصر العربية سلسلة طويلة من المتاحف ليس في القاهرة فقط بل في المحافظات كافة، تبعاً لطبيعة كل محافظة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.ولقد تابع العالم أخيراً حضور الكثير من ملوك ورؤساء العالم افتتاح متحف مصر الكبير الذي كانت ليلة افتتاحه تظاهرة ثقافية أدهشت العالم، ولقد تمت مراعاة التقنيات الحديثة، وآخر الأفكار المتبعة في تشييد المتاحف على مستوى العالم.وشهد حفل الافتتاح حضوراً متميزاً لكوكبة من الأكاديميين والإعلاميين والفنانين المصريين الذين يمثلون نخبة المجتمع المصري، كما أن شخصيات ثقافية عالمية حضرت حفل الافتتاح عكس قدرة جمهورية مصر العربية على تنظيم تلك التظاهرة الثقافية العالمية لأنها تمتلك خبرة تراكمية في تنظيم الفعاليات العالمية.ويأتي هذا المتحف ليكون إضافة غير معهودة إلى بقية متاحف جمهورية مصر العربية، حيث إنه تفوّق على الكثير من المتاحف العالمية نظراً لأنه اتبع آخر التقنيات المتبعة ببناء المتاحف الحديثة.وبعد فترة معينة سمحت الدولة بزيارة المتحف فكان هناك إقبال كبير من قبل المواطنين والعرب والسياح الأجانب الذين حرصوا على معرفة عناصر المتحف الكبير الذي بحاجة إلى وقت طويل للتعرّف على مكوناته.ومثلما كانت مصر أهم دولة سياحية في الشرق الأوسط فإن معدل السياحة سوف يزداد تدريجياً خاصة من قبل الأوروبيين الذين يعشقون الآثار المصرية.إن الموقع الجغرافي المتميز الذي تتمتع به جمهورية مصر العربية يجعلها محطة مهمة كونها تقع في قارة أفريقيا قريبة من آسيا، وتقابل قارة أوروبا، ناهيك عن التاريخ والمكانة المرموقة التي تتمتع بها عبر عقود من الزمن متى ما تحدثنا عن العلاقات السياسية المعاصرة بينها وبين دول أوروبا بعد دول آسيا وأفريقيا، كما أنها كانت ومازالت محور الحلول الدبلوماسية.وأتمنى أن يتم تطوير دخول الأماكن السياحية لغير المصريين بأن تكون بأسعار معقولة، حيث إن بعض الأجانب عبّروا عن امتعاضهم كون سعر دخول المتحف مبالغاً فيه مقارنة بالمواطن المصري، بينما رأى البعض الآخر أنه مرتفع نسبياً لكن لا بأس به كون المتحف متطوراً وحديثاً وكلّف الحكومة المصرية مليارات من الدولارات على مستوى المبنى والبنية التحتية والخدمات.ولقد كانت هناك تغطية إعلامية مصرية وعربية وعالمية حول هذا الحدث الثقافي العالمي يجب أن يتم اقتناص الفرصة ليكون ضمن تعاون مع المؤسسات الثقافية والمجلات والقنوات التلفزيونية العالمية التي تُعنى بالنتاج الثقافي العالمي ليمتد إلى منح الفرصة لتصوير بعض الأفلام العالمية التي تضم أحداثها بعض المشاهد في مقر المتحف ليمتد إلى الدور المنتظر من قبل رئيس اليونسكو الحالي الدكتور خالد العناني، الذي تولى المنصب كمدير عام لليونسكو في الخامس عشر من نوفمبر الماضي، وهو أول مدير عربي للمنظمة التي تتبع الأمم المتحدة وهي تُعنى بالتربية والعلم والثقافة، وبالتالي فإن مصر سوف تكون على رأس الأولويات لتشهد سلسلة طويلة من الأنشطة الثقافية التي تتناسب مع مكانة مصر المرموقة.إن الإنجازات الثقافية لجمهورية مصر العربية السابقة وكذلك المتحف الكبير تضاف إلى رصيد مصر التي كانت ومازالت تمتلك عناصر ثقافية وفنية ومبدعين لتكون قِبلة لما يُسمى السياحة الثقافية.

د. أريج السنان

الحذر من المتلونين
في كل مجتمع، هناك أشخاص يعيشون بطريقتين متناقضتين: وجه يظهر للآخرين، ووجه آخر يخفيه عن الأنظار. هؤلاء المتلونون يسعون لتحقيق مصالحهم الشخصية، وغالباً ما يخفي سلوكهم دوافع خَفية تهدد الثقة والراحة النفسية. فيظهرون ودّاً أمام الناس، بينما يخططون في الخفاء مكائد وخداعاً لتحقيق أهدافهم.الضحايا الأكثر تأثراً هم أصحاب المبادئ المستقلة الذين لا يرضخون لمحاولات السيطرة، وقد يواجهون ضغطاً نفسياً مستمراً نتيجة تصرفات هؤلاء الأشخاص. كالصديق الذي يبدو مخلصاً قد ينقل كلامك للآخرين، أو موظّف يظهر أمام مديره كشخص متعاون وهادئ، يوافق على كل القرارات، لكن بين الزملاء ينتقد المدير بشدّة ويحرّض الآخرين ضد قراراته.هذه الأمثلة توضح أن الحكم على الأشخاص يجب أن يكون مبنياً على الأفعال وليس الأقوال فقط، ومراقبة التفاصيل الصغيرة تمنح قدرة على فهم الجوهر المخفي وراء المظاهر.تأثير هؤلاء الأشخاص يمتد إلى الحياة الاجتماعية والمهنية، ما يخلق حالة من الريبة والحيطة، ويجعل الآخرين غير مرتاحين في إبداء آرائهم.وجودهم قد يولد ضغطاً نفسياً دائماً، ويشوه القيم حين يصبح الالتزام بالمظاهر مجرد واجهة تخفي النفاق والاستغلال. لذلك، يصبح الوعي بكيفية التعامل معهم أمراً ضرورياً للحفاظ على الاعتدال النفسي والاجتماعي.لمواجهة هؤلاء، من الضروري مراقبة الأفعال أكثر من الأقوال، اختيار الحدود، والتعامل التدريجي مع الآخرين، مع التمسك بالقيم الحقيقية بعيداً عن الزيف والنفاق.الحذر لا يعني فقدان الثقة بالآخرين، بل هو جمع بين حسن الظن واليقظة، يحمي النفس من التأثيرات السلبية، ويضمن علاقات أكثر مصداقية واستقراراً.مع هذا الوعي، يصبح الإنسان قادراً على حماية نفسه وفهم الدوافع الحقيقية للآخرين، وبناء علاقات طيبة قائمة على الصدق والاحترام، بعيداً عن المظاهر الزائفة والخداع المستتر.aaalsenan @

سلطان ابراهيم الخلف

الكيان الصهيوني ومسابقة يوروفيجن 2026
يحاول الكيان الصهيوني بشكل دائم المشاركة في المناسبات الدولية، أو الإقليمية، من أجل الاندماج في المجتمع الدولي، للتغطيّة على سياساته الاستعمارية، التي لايزال ينفذها بمنهجية إجرامية، منذ سبعة عقود على إنشائه في فلسطين المحتلة. لكنه يواجه في أغلب الأحيان رفضاً، لمشاركته فيها، حتى لا تفقد المناسبة أهميتها، وتتحوّل إلى دعاية تدعم كيانه الخارج على القانون الدولي والمعادي لحقوق الإنسان.في 2024، رفض عمدة مدينة نجازاكي، شيرو سوزوكي، مشاركة الكيان الصهيوني في الذكرى 79 لإلقاء القنبلة الذرية على المدينة. وكان ذلك غاية في الإحراج للكيان الصهيوني، الأمر الذي دفع سفراء كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي إلى عدم حضور مراسم الاحتفال، احتجاجاً على تمسّك العمدة سوزوكي بقراره، رغم الضغوط الكبيرة التي مارسوها، لكن دون جدوى. هذا الموقف من العمدة الياباني كان له صدى كبير في تشويه سمعة الكيان الصهيوني، ورفض تبييض جرائمه في فلسطين المحتلة.لكن الأكثر إثارة، هو موضوع الخلاف العميق بين دول الاتحاد الأوروبي، حول قبول مشاركة الكيان الصهيوني في مسابقة اليوروفيجن للعام المقبل 2026، بسبب حرب الإبادة التي شنها الكيان على غزة. فبعد قرار «اتحاد البث الأوروبي» EBU عدم الدعوة إلى التصويت بشأن قبول أو عدم قبول الكيان الصهيوني في المشاركة، هدّدت كل من إسبانيا، بلجيكا، السويد، أيسلندا، فنلندا، سلوفينيا، وهولندا بالانسحاب من المسابقة إذا تم قبول الكيان الصهيوني بالمشاركة في المسابقة.الدولة الوحيدة هي ألمانيا التي كان موقفها مغايراً، فقد هدّدت بالانسحاب من المسابقة إذا تم رفض قبول الكيان الصهيوني في المسابقة، وهذا يرجع إلى شعور ألمانيا بالذنب بارتكابها الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية، لكنها لا تشعر بالذنب في دعم الكيان الصهيوني بالسلاح وتشجيعه على ارتكابه هولوكوست غزة الذي تشاهده جميع شعوب العالم. وهو موقف يغلب عليه النفاق، والخشية من الكيان الصهيوني، رغم أن ألمانيا من الدول الكبرى الفاعلة في سياسات الاتحاد الأوروبي.محاولات الاتحاد الأوروبي في جعل مسابقة الأغنية الأوروبية بعيدة عن السياسة باءت بالفشل الذريع. فقد تم توجيه تهم النفاق باستخدام معايير مزدوجة إلى اتحاد البث الأوروبي، الذي رفض مشاركة روسيا في المسابقة بسبب غزوها للأراضي الأوكرانية.لا يخفى أن حرب الإبادة التي يشنها الصهاينة على سكان غزة تركت بصماتها واضحة في مسابقة اليوروفيجن، حيث فضحت جرائم الصهاينة، وأدت إلى الانقسام الذي تشهده الساحة الأوروبية، والذي تجاوز انقسام مسابقة السنة الماضية، بانضمام المزيد من الدول الأوروبية المعارضة لمشاركة الكيان الصهيوني، الأمر الذي سيدفع الصهاينة لممارسة المزيد من الضغوط، من أجل المشاركة، بل ودفع المزيد من الرشاوى في حال المشاركة من أجل كسب المزيد من الأصوات التي تؤهلهم إلى مراكز متقدمة، كما فعلوا في السنة الماضية، فيما كانت الرشاوى أحد الأسباب التي دفعت بعض الدول الأوروبية إلى الانضمام إلى المطالبة بطرد الصهاينة من المسابقة.هذه من تجليات العزلة الخانقة التي يعاني منها الكيان الصهيوني في العالم، بل وفي عقر أوروبا التي يتباهى بأنه جزء منها!

عبدالعزيز الفضلي

ما بعد الثامن من ديسمبر!
أعتقد بأن الملايين من أبناء هذه الأمة، والأحرار في العالم قد شعروا بسعادة مشابهة لتلك التي غمرتني وأنا أتابع احتفالات الأشقاء في سوريا يوم الاثنين الماضي الموافق 8 / 12 بمناسبة الذكرى الأولى لفتح دمشق وسقوط نظام الأسد.فرحنا ونحن نرى السعادة التي غطت الوجوه، والابتسامات التي ارتسمت على الشفاه، ودموع الفرح التي اغرورقت بها العيون.كيف لا يفرح أهل الشام وقد انزاحت عن صدورهم جبال من الهَمّ والحزن والظلم والأذى والجراح والآلام!إنّ انتصار الثورة السورية إنما هو تأكيد لقول النبي عليه الصلاة والسلام (إنّ الله ليُمْلي للظالِم فإذا أخَذَهُ لم يُفْلِته).وهو نموذج يدفع كل مظلوم للثقة بأن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، وبأنه لا يضيع حق وراءه مطالب.لقد سقط نظام الأسد بسرعة أدهشت العالم، ولم يتوقعها حتى الثوار أنفسهم، وكأنها تقول لنا أنّه إذا أراد الله شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، وتذكّرنا بقول الله تعالى: «وظَنّوا أنّهُم مانِعَتُهُم حُصونُهُم مِنَ اللهِ فأتاهُم اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبوا وقَذَفَ في قُلوبِهِم الرُّعْب...».في اعتقادي أن فتح دمشق وزوال نظام الأسد إنما هو مقدمات - بإذن الله - لتحرير المسجد الأقصى وفلسطين.فلقد سمعنا هتافات الجيش السوري خلال الاحتفالات وهو يردد أثناء المسير (يا غزة حنّا معاك للموت) و(غزة شعار... قصف ودمار... ليل ونهار).وسوريا مجاورة لفلسطين، والحكومة الحالية ذات خلفية إسلامية جهادية، بخلاف النظام السابق والذي كان حامياً للاحتلال.كما أن الحكم الحالي يحظى بدعم عسكري كبير من جمهورية تركيا والتي تتطلع كذلك إلى إنهاء الاحتلال الصهيوني.لقد أشعلت معركة طوفان الأقصى شرارة التحرير، وأظهرت ضعف الكيان الغاصب، وكان لصمود أهل غزة أبلغ الأثر في لفت الانتباه وكسب التأييد العالمي ونبذ الكيان الصهيوني.وبإذن الله كما فرحنا بفتح دمشق وزوال النظام البائد، سنفرح بتحرير المسجد الأقصى وطرد الكيان المحتل من كل فلسطين، وما ذلك على الله بعزيز «واللهُ غالبٌ عَلى أمْرِهِ ولكِنّ أكْثَرَ الناسِ لا يَعْلَمون».X: @abdulaziz2002

سلطان حمود المتروك

سلامٌ على أهلنا في فلسطين
شعبٌ عاش على النضال وهو يدافع عن أرضه وكيانه بكل ما أُوتي من قوة.يتقاطر أهلهُ صغاراً وكباراً، رجالاً ونساء، كهولاً وشباباً، من أجل الدفاع عنه وحماية أرضه، وهم يجدّون الخُطى ليصدوا أناساً لا يعرفون للإنسانية سمة ولا يوجد في قلوبهم للرحمة مكان، يتمسكون بالحق ويبذلون كل شيء من أجل إسقاط الباطل والقضاء عليه.لا يهمهم في ذلك أزيز طائرات العدو وقنابله وأصوات دباباته وصنوف العتاد العسكري.كل هذا لا يثني من عزيمتهم شيئاً، إنما يزيدهم قوة ويدفعهم إصراراً على مواصلة القتال لصد العدو والقضاء على فلوله.مهما ضخمت فهي صغيرة في أعينهم، لأن نور البطولة يسري في قلوبهم، ولا تنظر أعينهم إلا على أنماط كثيرة من التحدي للقضاء على العدو الآثم، ومن أجل مؤازرة هذا الشعب المناضل جعلت المنظمة الأممية التاسع والعشرين من نوفمبر من كل عام، يوماً دولياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني.هذه المناسبة التي تبنتها وتنظمها الأمم المتحدة بناءً على قرار الجمعية العامة رقم (408/ 32) في ديسمبر 1977، وهو احتفال رسمي في ذكرى صدور قرار الجمعية العامة رقم (181 - د - 2)، في 29 نوفمبر 1947 الذي ينص على تقسيم فلسطين.تشكل مناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني فرصة أمام الفلسطينيين للفت انتباه المجتمع الدولي وتثقيف الجمهور على حقيقة القضية الفلسطينية لا تزال عالقة ولم تحل على الرغم من مرور عشرات السنين وصدور العديد من القرارات الدولية ذات الصلة، وأن الشعب الفلسطيني لم يحصل بعد على حقوقه غير القابلة للتصرف على الوجه الذي حددته الجمعية العامة وحشد الإرادة السياسية والموارد العالمية للوصول إلى حد تقرير المصير أُسوة ببقية شعوب الأرض.ولا يزال الفلسطينيون يناضلون ويبذلون أرواحهم من أجل تحرير أراضيهم من براثن العدو الصهيوني الآثم، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، وحق الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أُبعدوا عنها.في اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني يخفق كل قلب غيور في حب فلسطين ويناصر أبناء الشعب الفلسطيني ويقدم كل ما يملك من أجل دحر العدو الغاشم واستبداد الأرض المغتصبة.تحية للأبطال الذين ضحوا من أجل وطنهم وقدّموا كل ما يمتلكون حتى يدحروا فلول الصهاينة وألا تدنس أرجلهم أرض بيت المقدس الشريف.قُمْ إلى الأبطال نلمسْ جرحهملمسة تسبحُ بالطيب يداناقم نجع يوماً من العمر لهمهبْهُ صوم الفصح.. هبهُ رمضاناإنما الحق الذي ماتوا لهحقنا.. نمشي إليه أين كاناعاشت فلسطين أبيّةوعاش أهلها الأحرارولتكن هلالاً ينثر الحريةوالكرامة والإباء