No Script

أحمد الخطيب... اللون الخامس

تصغير
تكبير

«تشي غيفارا» طبيب أرجنتيني المولد وكوبي الجنسية نزع رداءه الطبي الأبيض وحمل سماعته الطبية وركب دراجته النارية وجال في كل أميركا اللاتينية ليساعد شعوبها على التخلص من المرض والظلم!

ومثلما كلمة «تشي» تعني في الإسبانية «الرفيق» فقد صار «غيفارا» رفيقاً لكل محتاج وصديقاً لكل صابر ومعالجاً لكل مريض !

في عام 1927 في منطقة (الدهله) بوسط الكويت القديمة ولد (تشي أحمد الخطيب) ليكون هو الآخر رفيقاً لكل محتاج وصديقاً لكل صابر ومعالجاً لكل مريض، والأكثر من ذلك أنه صار سوطاً لمن لا سوط له، وصوتاً لمن لا صوت له!

في كتابه «الكويت من الإمارة الى الدولة» يروي حكايته طفلاً عن المعلم الذي تساءل حول يده وكأنها خرجت من التراب ويقول: وعندما كبرت ودرست الطب علمت بأن الذي كان على يدي ليس تراباً بل سوءا في التغذية!

يحكي عن نصيحة أستاذه في الجامعة الأميركية الذي زجره حين رآه يمشي منحنياً لطول قامته، فأمره بأن يرفع رأسه ويشرئب بقامته حتى لا ينحني ظهره طوال عمره، فكان له ما أراد وظلت هامته عالية ورأسه مرتفعاً في وقت تكورت فيه الهامات وطأطأت على كثرتها... الرؤوس!

في عمارة متهالكة، لونها العنابي القاتم مقابل مبنى الخطوط الكويتية بوسط العاصمة في بدايات الستينات، بداخلها شقة صغيرة، هي عيادة الدكتور «تشي أحمد الخطيب» الجالس على كرسي خشبي أمام طاولة خشبية صغيرة وبرسم علاج لا يزيد على ربع دينار لكل مريض، طفلاً أم صبياً أم شاباً أم رجلاً أم عجوزاً !

كان هناك طفل في الثامنة من عمره إن أصيب بالنكاف أخذته أمه لـ«الخطيب»، وإن عطس في يوم بارد اصطحبه أبوه لـ «الخطيب»، وإن سخنت جبهته أخذه أبوه وأمه الى «تشي أحمد»، فيعطيه تلك الإبرة الساحرة التي كان اسمها يتردد على شفاه الرجال في المجالس، وتمدحها ألسنة النسوة في البيوت ويرتعب من ذِكرها الأطفال، فيزول النكاف ويختفي العطاس وتبرد الجبهة، وكل ذلك بربع دينار نعطيها لذلك الرجل ذو القلب الأبيض!

كبرنا وصرنا في عمر «الطعشات» كما يقولون في لبنان، وهي «ستطعش أو سبعطش أو تمنطعش»، وتألمنا وصرخنا وبكينا معه في ذلك المقر الانتخابي في كيفان عام 1967 حين زُورت الانتخابات وبُدلت الصناديق ووصل الطراد من جزيرة فيلكا قبل الهيلوكبتر محملاً بصناديق مزوّرة بداخلها أكاذيب محاطة بالدموع !

في الثمانينات كانت ديوانية «الطليعة» نهار كل خميس مقر زيارتنا الأسبوعية للقاء «تشي أحمد» ورفاق المنبر سامي المنيس وعبدالله النيباري وأحمد الربعي وأحمد النفيسي وكل أصحاب القلوب البيضاء والنفوس الصافية والذمم النقية!

الدكتور لم يكن مجرد طبيب أو مواطن أو نائب فقط، فإن كان عَلم الكويت بأربعة ألوان فقد كان أحمد الخطيب هو اللون الخامس!!

***

آخر العمود:

رأى «غيفارا» المنكر فحاربه بيده، وعاصر الدكتور أحمد الخطيب المنكر فحاربه بلسانه، وغصنا نحن «قوم مكارى» في المنكر والفساد حتى عظام الرقبة فحاربناه بقلوبنا !

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي