حاربنا معكم في 73

تصغير
تكبير

اليوم، هو السبت والوقت قبل صلاة العصر، والمكان القاهرة، نجلس بالقرب من المعدية التي تنقل العابرين من الضفة المقابلة لقسم امبابة في منطقة الكت كات إلى شارع ابو الفدا، في الزمالك، مستمتعين بنسيم النيل، نسلي صيامنا تحت ظل شجرة عريضة وارفة الظلال.
تشبعنا بالأكسجين النقي وبوادر الشتاء المنعش لليوم العاشر من رمضان، تزيد شبابنا انتعاشاً واذ بصوت أحد الأصدقاء القاهريين يعلو إلى مسامعنا صارخاً بعلو صوته (عبرنا القنال عبرنا قناة السويس الجيش المصري هد خط بارليف). كانت ملامحه تؤكد لنا صدقه وأسباب فرحته التي رسمت بعد ذلك على كل من كان حولنا من ذاك الشعب الطيب الذي لم اشاهد مثلهم وطنية واخلاصاً وفرحاً. نعم ضجت من حولنا تهاليل الفرح والتكبيرات، وكانت أقل كلمة قالها لسان حالنا في تلك الساعة المباركة «عظيمة يا مصر»، اعادت لذاكرتنا انتصارات غزوة بدر المجيدة التي انتصر بها الرسول صلى الله عليه واله وسلم على طغاة قريش، فلم نجلس مكاننا ذهبنا نسبق الريح لنقل الخبر الجميل واذ بنا نحن آخر من يعلم.

كانت مصر كلها والعالم العربي بأسره يعيش حال الفرح والانتصار بعبور قناة السويس والوصول للضفة الشرقية وتدمير خط بارليف الذي قالت عنه الصهاينة إنه لا يقهر. فرفع العلم المصري على تلالها وفتحت المعابر بالساتر الترابي لتعبر المعدات والأسلحة الثقيلة إلى أرض سيناء المباركة الطاهرة بعد أن حررها خير أجناد الأرض رجال الجيش المصري الباسل رغم أنوف القيادات الصهيونية التي مرغت بالتراب وتحقق للأمة العربية حلماً ما كنا نحلم به لولا أن رأينا وسمعنا وكنا شهود عيان على ذلك الحدث منشدين مع أحرار الأمة نشيد الحماس عالياً من كل القلوب العربية بكل صدق وحب وأمانة وليس فقط من اذاعتها الرسمية، حتى اذاعة مونتو كارلو الناطقة بالعربية من فرنسا كانت تبث عبر الأثير الأخبار المفرحة لنا، فقد كان العرب كلهم دون استثناء في 6 من أكتوبر 1973 يقفون صفاً واحداً يحاربون الغطرسة الصهيونية، في الوقت الذي كانت فيه الجيوش العربية تشارك الأشقاء في مصر انتصاراتهم وترفعنا بأصوات الفرح علواً فخراً وشموخاً وعزةً.
ولم يكتفِ الشعب المصري بهذا فقد كانت الجموع تعانق أي عسكري أو ضابط في القوات المسلحة المصرية، وأعرف صديقاً لي كان والده لا يتقاضى أي أجر من الجنود المصريين والعرب العائدين من الجبهة وهو سائق سيارة أجرة ويوصلهم إلى مبتغاهم، وكم سمعت من بعض الأصدقاء أن محاضر الشرطة خلت ذلك اليوم من أي قضية ولم تسجل ما يعكر صفو البلاد من مخالفات.
كلنا كنا في السادس من أكتوبر 1973 كعرب جنوداً نخدم بعضنا البعض، نتقاسم رغيف العيش، نسأل عن بعضنا رغم ما كنا نعيشه من حالة اقتصادية عصيبة تغلبت عليها فرحة الانتصار الذي حققته الجيوش العربية المشاركة في هذه المعركة التاريخية التي ربطت بين أكتوبر وبدر الذي فيه تنفسنا الصعداء. فلله الحمد والمنة والله أكبر وستعود أمتنا العربية بإذن الله إلى مجدها وعزتها بفضل جهود المخلصين من أبنائنا وكل عام والجميع بخير.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي