الـ «open-minded» وتحريرُ القطيع!

تصغير
تكبير

مشكلتنا نحنُ- أصحاب الأذهان المُنفَتِحة الـ «open-minded»- أننا نرفض التسليم بالأفكار دون تفكير!

فنحنُ أشخاصٌ فضوليّون بطبعنا، نريد دائماً معرفةَ المزيد...

البحثَ عن الأصل.

معرفة السّبب والمقاربة المنطقيّة التي بُنِيَت عليها فكرة ما، ثمّ نقرّر بعدها جدوى تبنّي تلك الفكرة، من عدمها!

عادةً ما تجِد الواحد منّا لا يمانع الجلوس مع «تقليديّ» في محاولاتٍ لم تبلغ مرحلة اليأس بعد - وهُنا لا أُخفي أننا نقوم بذلك أحياناً لِنختبر فهمنا، علّنا نجدُ دليلاً أقوى، فنغيّر قناعاتنا، وأحياناً أخرى لِنُثبت لأنفُسِنا المسافة التي قطعناها في رحلة انفتاحنا الفكريّ- محاولين مواجهة ذلك «التقليديّ» بأسئلةٍ بدهيّة، لعلّه يجد في بحثه إجابات ما قد وجدناه، فيتفتّحُ -نتيجةً لذلك- ذهنه المُغلَق!

نحنُ الـ«open-minded» نسير حيثُ يقودنا الدّليل... بعكسِ «التقليديّ» الذي يسير حيثُ يقودُه «المرياع»!

والمِرياعُ... خروفٌ جميل المظهر، كثيرُ الصّوف، يتمُّ «تشذيبُ» قَرنيه بشكل دائم كي لا يدخل في أيّ صراعات، فيبقى محبوباً من جميع الخِراف، لا يُلهيه شيءٌ عن وظيفته الأساسيّة... وهي قيادة القطيع عبر جرسٍ يعلَّق في رقبته، تتبعُ الخِرافُ صوتَه حيثُما توجّه!

وهُنا لا أشبّه التقليديين بالــ (خروف) -لا سمح الله-، فنحنُ الـ«open-minded» -ورغم استصغارنا للكثير من مفاهيم الـ«تقليديين»، نحترم أشخاصهم بقدرِ احترامهم لذاتهم- لكنّ الاستعارة في هذا المقام ما هي إلّا لتقريب الفكرة وتبسيطها!

... وفي هذا السّياق، أودّ تصحيح بعض المفاهيم «التقليدية» عن الخِراف؛ فهي بعكس ما يعتقد الكثيرون، حيوانات على قدر كبير من الذكاء. فطبقاً لدراسة علميّة نشرتها الـ «bbc» على موقعها بتاريخ 2 مايو 2017، تتمتّع الخِراف بقدرات إدراكيّة مُذهِلة!

ويذكر المقال (هذه الكائنات البيضاء المغطاة بالصوف، التي نراها تسير على غير هُدى في الحقول، أو تتوسط موائد العشاء، هي في الحقيقة ذكية وبارعة واجتماعية أيضاً، وهي صفات تنسب عادة للبشر، ولم نعتقد يوماً أن الخِراف قد تتصف بها).

فإذا لم تكن مشكلتنا مع القطيع... فأين هي إذًا؟ الجواب واضح... مشكلتنا الرئيسية تكمن في «المِرياع»!

فخِرافُ القطيع كما أوردنا، لا تهتدي سوى بصوت جرسه، وتتبع بالتّالي رغبة راعيه!

ونحن هُنا، لسنا في صدد تحديد الرّاعي ومن يكون، فكلّ ما يهمّنا معرفته، أنه كما أتقن لعبة المرياع، تمكّن الرّاعي أيضاً من سرقة وسم «الأذهان المنفتحة» منّا، وإلصاقه بكلّ ما هو «تقليدي»! ثمّ أوكل بعد ذلك مهمّة ترويجه للمرياع!

ففي مجتمعاتنا، أصبح الشخص الذي يمشي على غير هُدى، مقلّداً أقواماً لا تربطه بهم حضارة، ولا ثقافة، ولا صلة دم... يفعل ما يفعلون، يميل إن مالوا، ويبتهج إن ابتهجوا... «open-minded»!

نعم، فبعد تدقيق وتمحيص، يتبيّن أنّ هذا الوسم لم يعد لأصحاب العقول المستنيرة على الإطلاق، بل أصبح حصراً على من يقبل التقليد الأعمى دون أدنى تفكير!

فالــ «open-minded» في زماننا هو باختصار شخصٌ تأثّر بمرياعٍ هنا أو آخر هناك... جلجَل بجرسه معزوفة الرّاعي...

‏«open-minded»..

تعيّد أعياداً وثنيّة؟...

‏«Open-minded»

تحتفل بمناسباتٍ شيطانية؟..

‏ «Open-minded»

تلبس ملابس وتسرّح تسريحات وتُعامل زوجتك وأمّك وأولادك كما يفعل أولئك الذين لا نعرف عنهم سوى التفكّك الأسري والكآبة الاجتماعية؟..

‏«Open-minded»

تفكّر؟ تسأل؟ تُحلّل؟

...أنت حتماً تقليديّ!

تقليدي!

ما عليك لتصبح «Open-minded» بحسب ما يروّجه مرياعهم سوى التّقليد... مجرّد التقليد!

وبالرغم من أننا نحنُ أصحاب الأذهان المنفتحة الحقيقيون،

لكن لا بأس، سوف ندع الوسمَ لكم...

أنتم الــ «open-minded»

ونحنُ الرّاسخون، الثابتون على المنطق وما أظهرهُ الدّلّيل...

لن نخوض أي معركة لاستعادة ذلك الوسم... فمعركتنا الحقيقية فكريّة... معركتنا لن تكون مع القطيع أبداً، بل ستبقى دائماً مع المرياع!

فكما يجلجل بجرس الرّاعي، ستكون أسئلتنا مجلجلة أيضاً...

سنسأل دائماً، وبصوتٍ عالٍ، موجّهين أسئلتنا لمن تأثّر بأجراس المِرياع...

لماذا تفعل ما تفعل ؟

ما دليلك؟

من قال إنه عليك فعل ذلك؟

من يكون لتقلّده؟

ستكون أسئلتنا مدوّية، مدوّية جداً، ستكون أعلى من صوت أجراس المرياع، علّها تنفذُ إلى أذهان الـ «Open-minded»، فتتفتّح، فيتحرّرون، ويتوقّفون -نتيجة لذلك -... عن التقليد!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي