No Script
نبيه بري

نبيه بري / ناصر الخرافي ... الصداقة لا تشيخ
| بقلم نبيه بري |في القاهرة، وقبل ان ينكسر قلبه ويندلق عسل محبته للناس، اغمض ناصر الخرافي عينيه على النيل الذي مازال على عهده وعاداته يحمل روحه على كف الماء لِيكتب تاريخا جديدا. في القاهرة اغمض ناصر الخرافي عينيه على مشهد شباب مصر وقد فتحوا الباب لاعادة الالوان الى مدار الوقت، واشعلوا الحنين الذي يسكن قلوبنا الى ايام زمان، وفتحوا من ميدان التحرير المشهد على ثورة يوليو وتأميم القنال والسد العالي وحرب الاستنزاف وحرب رمضان . في تلك اللحظة عبر ناصر الخرافي القنال ومشى خطواته الاخيرة الى استراحته الابدية. - 2 -اعترف اني استغرقت بضع ساعات لالملم نفسي إثر النبأ الصاعق الذي حمل اليّ وفاته بنوبة قلبية . لقد انطفأ القلب الكبير ولم يقو على تحمل العاطفة الجياشة ازاء الموت الكثير والظلم الكبير الذي يصيب فلسطين، وازاء الفتنة وقد بلغت مرحلة توشك ان تعبر عن الانكسار في علاقات الجوار العربية - الايرانية وتوشك ان تضع المسلمين على خطوط تماس مذهبية . اصاب الوجع الحاد ناصر الخرافي وهو ينظر الى المساحة العربية المتصدعة، والى حروب الاستتباع الصغيرة والكبيرة بين مختلف انماط السلطات العربية وشعوبها .- 3 -اعترف انها المرة الاولى التي أُصاب فيها بحزن استثنائي، وانا الذي سبق لي ان اصابتني احزان كثيرة على قادة وابناء استشهدوا في الميدان واهل واخوة واصدقاء فارقوا الحياة .اقول: حزن استثنائي ليس بسبب الموت نفسه، فنحن ان اشرقت علينا الشمس لا نعرف اذا كنا سننتظر مغيبها، ونحن لا نعرف متى نقع على الموت او متى يقع علينا، ونحن نعرف ان الله سبحانه يعطي ويسترد امانته متى شاء .اقول: حزن استثنائي لأن ناصر الخرافي كان صديقا من الاعماق، وشخصية انسانية مثلت ظاهرة مميزة في عالم رجال الاعمال العرب، كان عقله اغنى من ماله ورصيده القومي والوطني اغلى من رصيده المصرفي وقد كانت انسانيته الغالبة هي الجانب الصامت في شخصيته، حيث ان افعاله وعطاءاته كانت تأتي تلقائية وعفوية وبريئة فتضيء كبرق وتسطع كأفق .- 4 -صداقتي وناصر الخرافي اكدت لي يوما بعد يوم حتى لحظة الموت والوداع الاخير، ان الصداقة لا تشيخ بل تتعمّق وتتجذّر وتتعتّق كالعقيق المسحور الذي لا يقدر بثمن .اعرف ان ما كان يربط دولة الكويت «اميرا ودولة وشعبا» ومازال مع لبنان اكثر من الهبات المالية، واسماء القرى المعلقة كالنجوم من حانين الى العرقوب الى اعالي اقليم التفاح والتي اعيد بناؤها، وكذلك المشاريع الصحية والتربوية وشبكة الطرقات والماء والكهرباء . واعترف ان ما اصبح يربط لبنان مع الكويت أكثر فأكثر يد ناصر الخرافي البيضاء، التي اعادت اعمار مارون الرأس التي كانت كرة النار الاسرائيلية قد دكتها خلال ما سمي عملية الليطاني في 14 آذار 1978 وخلال حرب تموز الاسرائيلية على لبنان صيف عام 2006 .- 5 -لقد اختار ناصر الخرافي عن سابق اصرار وتصميم اعمار مارون الرأس، لأنها تستحق ان تبقى مرفوعة الرأس بعد ان شهدت بطولات المقاومين وهم يتصدون لجحافل العدو وقوات النخبة في الجيش الاسرائيلي وجها لوجه، حاكورة حاكورة بيتا «بيتا» وحارة حارة وليس زنكة زنكة كما تعبث بعض الانظمة بدماء شعوبها . وايضا «وايضا» اختار ناصر الخرافي عن سابق اصرار وتصميم ان تنفذ مجموعة الخرافي مشروع الليطاني الذي مولت مخططه وستمول تنفيذه دولة الكويت، لأنه اراد ان يفسر حلم كبير مهندسي العرب ابراهيم عبد العال احلام لبنان بالماء، لعلها تخفف من اوجاع كربلائه الجنوبية . - 6 -ها انا اودع ناصر الخرافي «العم ناصر» كما كان يحلو له ان يسميه محبوه هأنذا امسك بيد اخي جاسم الخرافي رئيس مجلس الامة الكويتي، لعلني ارد عنه بعض الحزن فلا تبقى الاحزان عامرة في ديارنا ولا يستمر الحزن يعبّر عن سعادة شقائنا.وهأنذا اناشد الذين يقفون في دائرة الضوء حيث تزدهر الشمس، ان نعبر سويا «عن وفائنا للراحل الكبير، بأن نلتزم العمل على وأد اي فتنة بين المسلمين، وألا نسمح بتحويل الانتباه عن اسرائيل العدو الرئيسي للامة، وان تبقى بوصلتنا مشدودة الانتباه الى القدس بالذات والى المسجد الاقصى المبارك، حيث ترك ناصر الخرافي عيونه معلقة على حائط البراق بانتظار العائدين غدا» . بقلم نبيه بريرئيس مجلس النواب اللبناني

نجاة الحشاش

نجاة الحشاش / كلمات من القلب / لماذا... العالم على صفيح ساخن؟
لا تحمل الكرة الأرضية على رأسك. أعجبتني هذه الكلمات، وعندما تخيلت هذا المنظر اكتشفت صدق هذه العبارة... فعلاً هناك كثير منا يعيش طوال حياته وهو يضع على رأسه هموما كثيرة ولا يتركها على الأرض، وإن لم يجد ما يهمّه يبحث عن هموم الآخرين لكي يضعها على رأسه! لا لشيء إنما فقط لأنه يجهل فلسفة (الترك)... وهذه الفلسفة باختصار تعني بأن تترك ما لا يعنيك وتنشغل بنفسك، اترك الناس بحالها واترك أصحاب الشأن يعملوا ويجتهدون وانتظر النتيجة، اترك أبناءك يجربون لكي يتعلمون، اترك فرصة لغيرك بالكلام لكي يوضح ويعبر عن رأيه. إن فلسفة (الترك) كبيرة جداً اختصرها الإمام أحمد بن حرب، رحمه الله تعالى حين قال «عبدتُ الله خمسين سنة، فما وجدتُ حلاوةَ العبادة حتَّى تركتُ ثلاثةَ أشياءٍ: تركتُ رضى النَّاس حتَّى قدرتُ أن أتكلَّم بالحقِّ... وتركتُ صُحبة الفاسقين حتَّى وجدتُ صحبة الصَّالحين... وتركتُ حلاوة الدُّنيا حتَّى وجدتُ حلاوة الآخرة». فلم يجد رحمه الله حلاوة العبادة إلا حينما ترك الأمور التي لا تعنيه، فلماذا لا نترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي، ولماذا لا نتركها على الأرض ونحمل همّاً واحداً ونسعى لحله وإنهائه، وبعدها نأخذ الذي يليه؟ هذه التساؤلات تراودني كثيراً وأنا أرى العالم كل يوم يغلي كأنه على صفيح ساخن، نعيش حالة من التوتر، والتأزم... استبدلنا لغة الكلام والحوار بلغة العنف والتطاول باللسان، فأصبحنا نعيش حالة عنف وقلق كأننا نعيش في ساحة قتال، البعض مستعد لشن الهجمات والآخر على وضع الاستعداد للدفاع، فانتقلت حالة العنف إلى المدارس بين الطلاب والطالبات، وإلى البيوت بين الأهالي بعضها بعض، وإلى المساجد بين المصلين، والى الشوارع والسرعة الجنونية في القيادة التي حولت الشوارع إلى حرب دموية، وإلى المجالس النيابية التي تحولت إلى حلبة مصارعة، وحتى المجمعات التجارية والمولات لا تخلو أيضاً كل يوم من حالات العنف بين الشباب.لماذا كل هذا الغليان والاحتقان، لماذا افتقدنا الحب والاحترام، لماذا نظهر العداء ولا نحترم حرية الآخرين بالتعبير عن الكلام، لماذا لا نتبع فلسفة (الترك) وقلة الكلام؟نجاة الحشاشكاتبة كويتية najat67@hotmail.com

نجيب الكواري

نجيب الكواري / الشعب يريد الصباح
خرج شعب الكويت يوم أمس عن بكرة أبيه للاحتفال بأعياد الكويت المجيدة في مسيرة غفيرة لم يسبق لها مثيل، خرج الكويتيون بكل أطيافهم وانتماءاتهم معبرين عن فرحتهم بهذه المناسبة العظيمة حاملين أعلام الكويت، وصور سمو الأمير حفظه الله، وسمو ولي العهد رعاه الله، وسمو رئيس الوزراء أطال الله عمره.خرجت هذه الجموع دون أن يقول لهم أحد اخرجوا، ودون أن يتسلموا رسائل نصية، أو مسجات على هواتفهم النقالة. لم تتسع لهم الكويت بكل شوارعها الواسعة وكباريها العملاقة، لم يتسع لهذه الحشود شارع الخليج، فامتدت مظاهرة الفرح من أمام دار العز دار سلوى، دار القائد الذي أدار هذه البلاد بكل حكمة، حتى أبراج الكويت، لم يستطع أحد الخروج من هذه المسيرة حتى فجر اليوم الثاني فرحا بهذه المناسبة الكريمة.كانت كل القلوب تهتف بحياة الأمير وسمو ولي عهده، لقد خلت المنازل من ساكنيها رجالاً ونساء وشيوخاً وأطفالاً ومعوقين ومعوقات. كلهم قال كلمة واحدة: عاشت الكويت... عاش الأمير. بينما سمو الأمير حفظه الله من الصباح الباكر في مطار الكويت في استقبال ضيوف الكويت من كل دول العالم شرقها وغربها وجنوبها وشمالها، ملبين دعوة سموه حفظه الله لحضور احتفالات دولة الكويت بالذكريات المجيدة: ذكرى مرور خمسين عاماً على استقلال الكويت، وعشرين عاماً على تحريرها من الغزو الغاشم، وخمسة أعوام على تولي سموه حفظه الله مقاليد الحكم.بينما تزينت الكويت واستعدت واستقبل شعبها حشوداً غفيرة من أبناء دول مجلس التعاون رغبة منهم في المشاركة في هذه الأعياد المباركة.هكذا عاشت الكويت بأهلها، وهكذا ستبقى بإذن الله بعيداً عن الحساسيات والطائفيات، هكذا يريد شعب الكويت الوفي أفراحا... لا استجوابات، لا أحزان، لا طائفية. ومسرات الكويت مستمرة إن شاء الله نحو برنامجها الإصلاحي، نحو التنمية والتطوير والتي أرسى دعائمها حضرة صاحب السمو أمير البلاد، إن قلوب أبناء الكويت تنبض حباً لسموه في ترجمة صادقة وتجسيد للروابط التي تجمع بين أبناء الوطن وآل الصباح الكرام، وهنيئاً لقيادتها بهذا الحب الكبير الذي خرج حناجر أهل الديرة: عاش الأمير عاشت الكويت.وبهذه المناسبة المجيدة أناشد رئيس مجلس الأمة والشعب الكويتي القيام باستفتاء شعبي لتسمية سمو الأمير حفظه الله رئيساً للدولة، فالكويت دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، فهي ليست إمارة بل هي دولة كبيرة امتدت علاقاتها على مر الأعوام مع كل دول العالم، كما أن سمو الأمير له احترام وتقدير دولي كبيران، وتؤكد انجازات سموه الجليلة منذ نصف قرن بأنه قائد فذ صاحب رؤية ثاقبة.نجيب الكواري كاتب - مملكة البحرين

ندى العجمي

ندى العجمي / الشخص المناسب في المكان المناسب
كلمة صاحب السمو أمير البلاد إلى الشعب الكويتي الكريم هي نصيحة للناخبين حتى لا نعاني ما عانيناه على المدى الطويل في فترة سابقة علها تكون خيرة لنا، وتبدأ معنا بداية خير وإصلاح لبلد أعطى الكثير، ويحتاج منا الكثير لإصلاح ما أفسده أبناؤه ممن غاب عنهم دورهم الحقيقي، ونسوا أنهم وصلوا عن طريق الشعب لخدمة الوطن والشعب، وتنمية حال البلد الواقف منذ فترة في نزاعات ومصالح شخصية. ولكي يختار الناخب من يمثله في مجلس الأمة المقبل يجب أن يكون ذلك على أسس صحيحة، وبعيدة عن الشخصانية، والطائفية، والقبلية، والحزبية فنحن أبناء الكويت فقط نندمج وننصهر لنكون يداً واحدة في الذود عن الكويت في جميع المحافل. إن الاختيار السليم لنواب مجلس الأمة المقبل سينعكس إيجاباً على العملية التنموية في البلاد في جميع مجالاتها. فيجب على الناخب أن يختار النائب بالدرجة الأولى لانتمائه ومدى اهتمامه بالقضايا التي تهم أبناء بلده. وعامل كفاءة الناخب في اختيار المرشح المؤهل علمياً وعملياً. وإن النزاهة لابد من أن تكون من أولويات الناخب أيضاً لدى اختياره، فالمرشحون الذين ليس عليهم أي تحفظات، أو تساؤلات سواء من ناحية الذمة المالية أو غيرها، هم المؤهلون ليصبحوا نواباً يمثلون المجتمع الكويتي. وعلى الناخب أن يضع لنفسه أهدافا يبني عليها أسس اختياره لمجلس الأمة المقبل بحيث يكون قياسه قائماً على اختيار المرشحين من الذين يدفعون باتجاه الوحدة الوطنية وليس الانقسام، والمدركين كذلك للمتغيرات الإقليمية المحيطة بالكويت.إن بعض المرشحين هم نواب سابقون، وبالتالي فإن اختيار هذا النوع من المرشحين يجب أن يتم بناء على مواقفهم السياسية السابقة، وليس على خدمات صغيرة قدموها ومحصورة في المصالح الشخصية. وإن حكم الناخب على نواب المجلس السابقين يجب أن يكون موضوعياً وليس شخصياً فمنهم من قدم خدمات جيدة للبلاد فيجب الإصرار على إعادة انتخابه مرة أخرى، وإن كان من النواب الذين لم يقوموا بواجبهم ولم يلبوا المطالب الوطنية وابتعدوا كل البعد عن المصالح العامة فيجب ألا تتم إعادة انتخابه.لذلك، نصيحتي لجميع الناخبين بالتروي أثناء اختيار مرشح للمجلس ينوب عنهم لأن اختياره سيكون هو الذي سيجنيه على مدى أعوام أربعة من عمر المجلس المقبل، فإذا اختار على أسس صحيحة فستكون بداية عهد جديد من التنمية والتطوير، ومن يحب الكويت يختر لها الأفضل.ندى العجميNd_alajmi@yahoo.com

نسمات

نسمات / يا قاعدة... اخرجي من العراق / د. وائل الحساوي
اتهمت مؤسسة السحاب للانتاج الفني المختصة بنشر أشرطة القاعدة قناة الجزيرة بتزييف الحقائق والتلاعب بالتسجيل الصوتي الذي بثه زعيم القاعدة أسامة بن لادن بعنوان «رسالة إلى أهلنا في العراق»، حيث نقلت الجزيرة من الشريط ما يفيد تخطيء بن لادن لتنظيم القاعدة وتبرؤه من جهادهم ومن نسبتهم إليه، بينما ضربوا صفحا عن نهيه الفصائل من الدخول في العملية السياسية والأعمال الشركية كالانتخابات والبرلمانات، ودعوته للعشائر بأن تحارب المحتل (كما ذكرت سحاب).لا شك ان ما نشر من الشريط يدل دلالة واضحة على حزن بن لادن لما آلت إليه أمور تنظيم القاعدة في العراق بعدما وجد بأن أهل السنة الذين كان التنظيم يدعي بأنه يدافع عنهم قد انقلبوا عليه وقاتلوه وأخرجوه من ديارهم لا سيما في منطقة ديالى ووسط العراق بعدما ضاقوا ذرعا من أساليبه الوحشية في قتل المدنيين وتدمير المنشآت وايقاع الفتنة بين الناس، ولا يعني ذلك بأن الفتنة قد انتهت، بل مازالت الميلشيات الطائفية المنضوية تحت راية الجيش والداخلية تفتك بالابرياء وتطرد الناس من ديارهم وتحتل بيوتهم، ولئن احتفل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بالامس من تركيا بقرب انتهاء وانحسار الارهاب عن العراق - وهو أمر ملاحظ - ولكن السبب لا يرجع الى بطولة جنوده وشرطته وانما الى الدور النبيل الذي قامت به المدن السنية في طرد فلول القاعدة من ديارها، بينما أصبحت مدن الجنوب وأغلب العاصمة بغداد تحت سيطرة الميلشيات الطائفية، وبذلك انتهت المقاومة في تلك المناطق. ولست اليوم في مجال بيان ما ستؤول اليه الاوضاع في العراق لا سيما في ظل تلك الحكومة المتطرفة التي تضع نصب عينيها تقسيم العراق ونصرة طوائف على حساب طوائف أخرى، فهي أشد تطرفا من بن لادن ومن تنظيم القاعدة، ولكن أردت سؤال بن لادن وقاعدته عن سبب عدم اعتبارهم واتعاظهم مما يدور حولهم في بلدان العالم الاسلامي من فوضى ودمار وتراجع للمسلمين كلما تدخل تنظيمهم لنصرة الدين - كما يدعي -؟! ولماذا يفسرون كل ما يحدث بأنه بسبب اختلافهم أو عدم بذلهم ما يكفي من الجهود؟!ولننظر الى حصيلة ست سنوات منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وكيف تراجعت أوضاع المسلمين في كل مكان على الرغم من الخطابات المفوهة التي يتفنن فيها بن لادن والظواهري في كل مناسبة وتأثيرهما على الشباب المتحمس الذي لا يدرك ما وراء تلك الكلمات المنمقة والأسلوب العذب من كوارث على المسلمين.فليبتعد بن لادن وقاعدته عن بلاد المسلمين قبل ان يتصدى لهم الناس كما فعل أهل ديالى وغيرهم في العراق!د. وائل الحساويwae_al_hasawi@hotmail.com

نوح الهرموزي

نوح الهرموزي / ابن خلدون وأزمة الميزانية الأميركية!
| نوح الهرموزي * |«ارتفاع رهيب لكلفة العيش، تضخم الأسعار، الارتفاع المطرد لنفقات الحكومة التي بلغت في الموازنة الأخيرة ما يناهز 11.5 مليار دينار تونسي، تصاعد نسب البطالة التي بلغت حسب مصادر رسمية 10.8 في المئة التي تمس الشباب أساسا». مؤشرات من بين أخرى، تفيد بفشل الحكومة الحالية التونسية في تنزيل شعارات الثورة. أما النتيجة فسقوط المزيد من الشباب التونسي في براثن اليأس و في فخ الراديكالية والتطرف.للمعطيات الاقتصادية وجاهتها وقوتها، لكن في زيارتي الأخيرة إلى الجمهورية التونسية مهد الحراك العربي هالني منظر آخر. في شارع بورقيبة، الشارع المليء بذكريات وقصص الثورة، حيث عدد من الإدارات والمراكز والمنشآت الإدارية والأمنية، تحاصر الأشواك الحادة من كل جانب تمثال المؤرخ العربي الشهير ابن خلدون، وكتيبة من الجيش التونسي تمنعك من التصوير ومن الاقتراب. كيف؟ ولماذا؟ السلطات التونسية (ومعها عدد من السلطات العربية) تمنع الأشخاص من الاقتراب من التمثال، وقوى كثيرة تجندت لشيطنة أعماله والتعتيم على أحد أبرز معالم الثقافة العربية. فهل تعاقب السلطات الجديدة العلامة على خلاصته الشهيرة والتي مفادها أن «اتساع الدولة (يفضي) أولا إلى نهايته ثم تضايقه (أي الاتساع) طورا بعد طور يفضي إلى فناء الدولة و اضمحلالها». ربما. لكن الأكيد أن ابن خلدون وباعه الطويل في فض النزاعات التي نشبت بصفة دورية بين الدول من أجل الاستحواذ على السلطة وتوسيع نفوذها في القرن 14 الميلادي، فكك وحلل في كتابه «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» بدقة استثنائية الآليات المسؤولة عن تَيَبُسِ جهاز الدول و تَصَلٌبِ الحضارات. خلاصات معايناته ودراساته ومعايشته للممارسات السياسية والحكم وملاحظة طبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني تجعل بن خلدون معاصرا. تمنيت والحالة هذه، صادقا عودة هذا العالم المتخصص في صعود وفساد الدول و اضمحلالها لدق نواقيس الخطر ببلوغ موازنات عدد من الدول في عصرنا الحالي الخطوط الحمراء، وبتراكم مديونياتها في مستوايات جنونية، الشيء الذي يُندر بأزمة اقتصادية شاملة Systemic crisis ومساهمته في فض النزاعات والخلافات الانتخابوية والشعبوية الطاحنة القائمة والمتكررة بين الديموقراطيين والجهوريين حول الميزانية الأميركية التي تهدد إذا لم تُحل بانهيار المنظومة المالية العالمية وإفلاسات بالجملة على شاكلة الكساد العظيم لعام1929.إن أزمات الموازنات المتعاقبة في أميركا منذ بداية القرن الماضي وما نتج عنه من تراكم المديونية وارتفاع الضغط الجبائي لتغطية العجز وسداد الديون أدى إلى تنامي سخط بالغ لدى شرائح متعددة من المجتمع الاميركي و ظهور حركات مناوئة للسياسات الاقتصادية الكنزية للإدارات الاميركية.ألقت السياسات الضريبية وانفجار النفقات الحكومية والمديونية التي بلغت 17 ترليون دولار أي 73 في مئة من الناتج الإجمالي، ولتغطية هذا الدين يتوجب على كل المواطنين الأميركيين حتى الرضع منهم تأدية 54 الف دولار أميركي لتغطية ديون الدولة، ما جعل الولايات المتحدة البلاد الأكثر مديونية في العالم. فقد دفعت هذه الأزمة بعدد من المواطنين في ربيع عام 2009 لمولاة «حزب الشاي» وتنظيم عدد من المظاهرات للاحتجاج على الحكومة الفيديرالية التي تمادت في رفع سقف الانفاق من أجل تمويل عدد من البرامج الاجتماعية كبرنامج التأمين الصحي الجديد الذي تروج له إدارة باراك أوباما Obama Care. كل ذلك علما أن البلد غير قادر بل يلجأ إلى إعادة الاقتراض لسداد فوائد ديونه وفوائد سندات الخزينة الأميركية المملوكة من طرف المستثمرين الأجانب خصوصا الصين التي اشترت قرابة تريليون دولار من سندات الخزينة. يجدر بالذكر أن تسمية «حزب الشاي» تجد جذورها في تمرد المستوطنين الأميركيين سنة 1773 على زيادة الضريبة المفروضة على الشاي الذي فرضتها بريطانيا. و هي أيضا اختصار لـ «Taxed Enough Already» «مفروض علينا ضرائب بما فيه الكفاية». وتتركز مطالب حزب الشاي في عدة مجالات أهمها إصلاح النظام الصحي أو «أوباما كير» مع العمل على خفض عجز الميزانية الفيديرالية ومحاربة فساد النخب السياسية والاقتصادية التي تهيمن على العاصمة واشنطن مدركين أن الولايات المتحدة استدانت مبالغ لن تستطيع يوماً تسديدها، ويرون أن خفض التصنيف الائتماني للبلاد من قِبَل وكالة « ستاندرد أند بورز» للمرة الأولى من المرتبة AAA إلى AA+ التالية هي بمثابة تحذير من أن الآتي أعظم. كما ويعملون على الضعط من أجل خفض الضرائب ودعوة الإدارة الأميركية إلى المزيد من الاستقلالية وعدم التدخل الخارجي في شؤون بقية الدول لما يترتب عن ذلك من آثار اجتماعية وسياسية كارثية وكلفة اقتصادية مرهقة.المأزق الذي وضع باراك أوباما نفسه فيه بعد رفع النفقات الحكومية وتوسيع الدعم والإعانات لكبريات الشركات والبنوك المفلسة رغم مسؤوليتها الواضحة عن أزمة 2007 المالية، مأزق جعل إدارته غير قادرة على تدبير ميزانية الدولة بشكل ناجع ما حدا به لطلب اعتمادات إضافية وقروض إضافية، جاءت لتفاقم العجز الكارثي لمديونية هائلة. لكن الإشكال الذي صادفه هو اعتراض الكونغرس الأميركي الذي رفض التمادي في اللجوء للانفاق، فرفض التصويت بالموافقة على سياسة أوباما.وضع الأباء المؤسسون للدولة الأميركية ضوابط وصمامات أمان صارمة للحفاظ على توازن السلطة والحد من شطط سلطة الرئاسة والبيت الأبيض حيث شرعوا سنة 1789 قانونا يُخضع موازنة الدولة لسلطة ممثلي الأمة المنتخبين، ولا يُنفق الرئيس الحكومة من المال إلا ما يصادق عليه الكونغرس من اعتمادات. وقد سجل التاريخ الأميركي 17 أزمة إفلاس من هذا النوع أي ما يطلق عليه بـ Shut Down أي «فجوات الإنفاق» ابتداء من الرئيس جيرالد فورد مرورا بتجيمي كارتر ورونالد ريغن ثم بوش الأب وبيل كلينتون وصولا إلى الرئيس باراك أوباما. المتأمل لتطور موازنات الدول وانفجار مديونية دول كأميركا وإسبانيا وإيطاليا واليونان وقبرص وإيرلندا ولجوئها لاستجداء البنك الدولي وصندوق النقد بعدما كانت حكرا على الدول النامية، لا يملك إلا أن يستحضر روح بن خلدون ووصاياه بضرورة الحد من نفوذ الساسة والحد من لجوء جلهم عند ممارسة السياسة للتلاعب الشعبوي والانتهازي بأموال الدول وبمصائر العباد سواء في أيام العرب والعجم والبربر أو من عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر!* المقال منشور بالتعاون مع مشروع منبر الحرية minbaralhurriyya.org

نونوي أوبلاس

نونوي أوبلاس / الملكية الفكرية... حماية نفسك ومالك
تنزيل أغانٍ غير مرخصة من شبكة الإنترنت شيء رائع. الموت من دواء مزيّف ليس كذلك. لكن، القرصنة وتطبيق القانون بشكل غير فعال يعطيانك شيئاً، وأيضاً يعطيانك شيئاً آخر، فهناك حكومات كثيرة ومجموعات إنسانية ستقول لك إن هذا شيء جيد.البرازيل وكينيا وتايلند ومنظمتا «أكسفام» و«أطباء بلا حدود» ومنظمة الصحة العالمية يقولون إن براءات الاختراع تحرم الفقير من الأدوية المهمة، وإنه يجب إلغاؤها باسم الصحة العامة.في الحقيقة، هذه الامتيازات هي التي جلبت هذه الأدوية إلى الوجود، بالإضافة إلى الملايين من المنتجات الأخرى، منها الرائعة ومنها العادية: شعار «المرضى قبل الامتيازات» سيؤذي الفقراء أكثر من غيرهم وذلك بحرمانهم من الاختراعات الجديدة. لنقل إنك في فرقة موسيقية غير معروفة تعزف في الحانات. ألّفت بعض القطع الموسيقية التي أعجبت جمهورك. فجأة تم تسجيل أغانيك وترخيصها باسم شخص آخر من دون ذكر اسمك ومن دون أن يدفعوا لك مقابل التأليف. كيف ستشعر؟لو كنت باحثاً أو اكاديمياً وقدّمت بحثاً في مؤتمر. وبعد بضعة أشهر، ترى دراسة منشورة في إحدى المنشورات تشمل غالبية ما قلته، من منهجك العلمي والمعلومات والنتائج والاستنتاجات. كيف ستشعر؟أنت اخترعت آلة يمكنها أن توفر في استهلاك الوقود ما نسبته 35 في المئة، وأنت تقوم ببيعها مقابل دولارات قليلة لأنه ليس لديك شبكة تسويق واسعة، أو لأنه ليس لديك القدرة على الإنتاج بكميات كبيرة. ثم، بعد بضعة أشهر، تجد آلتك مع بعض التغيير في التصميم والشكل الخارجي قد تم تسجيلها باسم شخص آخر، وبيعها بسعر عالٍ من دون ذكر اسمك. كيف ستشعر؟كيف سيشعر المستهلكون عندما يحصلون على منتجات مزيفة ومقلدة؟ إذا اشتريت كتاباً أو قرصاً مدمجاً غير مرخّص، واتضح أنه من نوعية سيئة، تكون فقط قد خسرت مالك. لكن، إذا اشتريت دواء غير مرخص، فقد تخسر صحتك، وحتى حياتك. اكتشفت كينيا هذا العام 20 ألف جرعة من دواء مزيف للملاريا (ديو كوتكسين)، وهو واحد من أدوية كثيرة مزيّفة في سوق خارج عن السيطرة، إذ يموت 35 ألف شخص بسبب الملاريا سنوياً. الدواء المزيف، وهو غالباً من الصين، لا يفشل في علاج المرض فحسب، بل يزيد من مقاومة الجسم للدواء، فيزيد حالة المرضى سوءاً. وتقول منظمة الصحة العالمية إن الدواء المزيف الذي يباع في أفريقيا يصل إلى ما نسبته 30 في المئة، وإن تزوير الدواء هو تجارة عالمية يبلغ قيمتها 32 بليون دولار وفي نمو سريع.كما أن الدول الفقيرة ليست الوحيدة التي تعاني. بعد عيد الميلاد المجيد من هذا العام، أصبحت مارشيا بيرجييرون الضحية الأولى في كندا لأدوية مزيفة تم شراؤها عبر الإنترنت. وحسب قول المحقق من مقاطعة بريتيش كولومبيا في سبب الوفيات المشتبه بها: الأدوية القادمة من أوروبا الشرقية تحتوي على الألمنيوم والزرنيخ.وفي الولايات المتحدة، تسببت الأدوية المزيفة لأمراض فقر الدم والسكري والكولسترول المطروحة في الأسواق في سحب كميات ضخمة من السوق في السنوات القليلة الماضية.لكن الأطراف المذنبة ليست مجرد أشخاص يسعون للثراء السريع: الحكومات أيضاً لها صلة بالأمر. بعضها لا يحمي الملكية الفكرية، والبعض الآخر يعاني من الفساد الكبير ولا يفرض قوانينه بالقوة، والبعض يقرر أنه سيخالف التراخيص ويصنع نسخه الخاصة. تعتبر تايلند منذ وقت طويل مأوى للتقليد التجاري وتنتج حقائب ماركة غوتشي وساعات رولكس مزيفة. لكن، الحكومة أيضاً أصدرت رخصاً إلزامية لتقليد الأدوية الغربية المرخصة، مدعية أن الفقراء بحاجة إلى أدوية رخيصة: واحدة من بين محاولاتهم لتقليد دواء للإيدز أدت إلى زيادة مقاومة جسم المريض للدواء مما أذى المرضى وساعد على انتشار المرض.والآن تقترح منظمة الصحة العالمية اتفاقية لإزالة الامتيازات من الشركات بحيث تسيطر الجهات الرسمية على الأبحاث والتطوير، وكل ذلك بحجة تخفيض الأسعار. وتحب الحكومات في أنحاء العالم أن تلعب دور البطل وذلك بالوعد بتخفيض الأسعار بتحديد الأسعار أو بخرق الامتيازات، لكن، نادراً بتخفيض الضرائب!وتفرض جنوب إفريقيا ضريبة مبيعات مقدارها 14 في المئة على الأدوية، وفي إندونيسيا تصل الضرائب إلى أعلى من 20 في المئة، والموزع الحكومي في إثيوبيا يفرض «عادةً ما بين 20 في المئة و40 في المئة كمبلغ إضافي على سعر الجملة للأدوية المستوردة» كما تبيّن تقارير منظمة الصحة العالمية.وإذا أرادت حكومة ما تخفيض أسعار الأدوية، أو الأرُز، أو الملابس، أو السماد، أو ماكينات الزراعة أو أي شيء ضروري للحياة وللنمو الاقتصادي، فأول ما يجب فعله إزالة الرسوم على الواردات والضرائب عن المبيعات التي تضر الفقراء أكثر من غيرهم، وليس إزالة الامتيازات. فالعقود المدنية للملكية الفكرية، مثل سندات الملكية، تعزز التجديد والابتكار والنمو، بالإضافة إلى الحريات السياسية والشخصية.ويدعي النشطاء بأن إلغاء تراخيص الدواء سيضر خصوصاً شركات الأدوية الكبيرة، وهذا صحيح، لكنّ الفقراء هم من سيتضرر أكثر من المنتجات السيئة، ومن الركود الاقتصادي.نونوي أوبلاسمزارع ومنتج تلفزيوني وكاتب من الفيليبين. هذا المقال برعاية «مصباح الحرية» www.misbahalhurriyya.org

نيكولا لامي

نيكولا لامي / الاقتصاد الإيراني في ظل نظام «الباسداران»
تقع إيران حالياً في قلب الحدث السياسي بسبب برنامجها النووي. وعلى الرغم من الاضطراب السياسي الناجم عن أزمة الملف النووي الإيراني يجب أن لا ننسى المحنة الاقتصادية الحقيقية التي يعيشها المجتمع الإيراني. فإذا سلطنا الضوء على المعطيات الكَمية للاقتصاد الإيراني نصل إلى خلاصة مفادها أن 85 في المئة من البنية الإنتاجية الإيرانية مملوكة من قبل النظام الحاكم. وعلى غرار الاقتصاديات الموجهة، فالقرارات لا تصدر بدون موافقة السلطات المعنية الشيء الذي يضعف الحريات الاقتصادية ويشجع اقتصاد الريع. ففي إيران، قام النظام الحاكم القائم على ولاية الفقيه بتفويض إدارة شؤون البلاد الاقتصادية للحرس الثوري «الباسداران» مقابل توفير الحماية للنظام. مما أدى إلى سيطرة «الباسداران» بقيادة الجنرال سفافي على جزء كبير من الاقتصاد الإيراني، وما نتج عنه من تضييق على حرية ممارسة التجارة، وعرقل نمو وتطور البلاد بشكل واضح. تعتبر تركيبة نظام الحكم في إيران تركيبة معقدة. إذ أن الجمهورية الإيرانية الإسلامية تقوم، كما ينص الدستور الذي وضع بعد الثورة الإسلامية سنة 1979 وعدل سنة 1989 بعد وفاة أية الله الخميني، على ركيزتين أساسيتين: الإسلام من جهة، والنظام الجمهوري من جهة أخرى. فشرعية السلطة مزدوجة وهي تُستمد من الإرادة الإلهية «مادة 2» من جهة، ومن إرادة الشعب «مادة 1، ومادة 6» من جهة أخرى. كما أن الدستور يولي أيضاً أهمية خاصة لمؤسسة ولاية الفقيه. فالمرشد الأعلى للثورة يعتبر العمود الفقري للنظام الإيراني. فهو يشرف على السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويحافظ على حسن سير المؤسسات، ويضع الخطوط العريضة لتوجهات البلاد السياسية والاقتصادية والأخلاقية. وتوزيع الريع من قبل الدولة، والذي يشكل أداة لدعم الاقتصاد الفارسي، لا يستفيد منه إلا الأشخاص الذين يؤمنون بمبادئ الثورة.ويعتبر جهاز الحرس الثوري الإيراني «الباسداران»، الذي أسسه الإمام الخميني في بداية الثورة في إيران، من أقرب الأجهزة من المرشد الأعلى للثورة. فحتى نهاية الحرب ضد العراق كان «الباسداران» يُعتبر جيش تحرير. بعد ذلك قاموا بتنظيم أنفسهم وأصبحوا تنظيماً عسكرياً واستخباراتياً حقيقياً، لا يتوانى عن التدخل في الشؤون المدنية، كالتصنت على المكالمات الهاتفية، والتجسس على المعارضة الموالية للغرب، وذلك من أجل حماية مبادئ الثورة. وبعد ذلك تحول حوالي اثنا عشر ألفا من عناصر «الباسداران» إلى التجارة مستفيدين من السلطة المطلقة التي يتمتعون بها. فالرئيس الإيراني الحالي، السيد أحمدي نجاد، وعدد من وزرائه ينتمون إلى «الباسداران». ومن البديهي أن يصبح من السهل حصول التجار المنتمين إلى «الباسداران»، على مشاريع الدولة الكبيرة، كمشروع تطوير حقل بارس الجنوبي للغاز المقدر بـ 1.56 مليار يورو، حوالي 2.10 مليار دولار.إن الاقتصاد الإيراني الحالي يعيش على الإعانات المالية الضخمة التي يقدمها النظام الحاكم. فرجل الأعمال الذي ينجح في إيران هو الذي يتلقى دعم الدولة. نحن أمام نظام مبني على الفساد، والبحث عن المكاسب المالية. اقتصاد غير قابل للتطور في ظل هذه الظروف. فككل مجموعة ضغط، حول «الباسداران» دعمهم للثورة إلى امتيازات. إذ عُهد إليهم الأمن الداخلي والخارجي، وجميع الصناعات العسكرية والنفطية والزراعية فأصبحوا يسيطرون على الاقتصاد بدون أي منافس. وشكل «الباسداران» في العديد من القطاعات التي يسيطرون عليها اتحادات احتكارية، فأصبحوا بذلك المُسيرين الجدد للاقتصاد الإيراني على حساب حرية ممارسة التجارة، وديناميكية السوق. ويعتبر الاقتصاد الإيراني في الوقت الحالي فريسة للتخلف. فالناتج المحلي الإجمالي الإيراني يقارب الـ 196.3 مليار دولار. والدخل الوطني الإجمالي (بمقياس القوة الشرائية للعام 2005) وصل إلى 545 مليار دولار، أي ما يقارب الـ8050 دولار للفرد الواحد. أما بالنسبة لمؤشر التنمية البشرية، فتحتل إيران المركز الـ 96 بين دول العام بمعدل 0.74. كما أن التضخم، الذي تصل نسبته إلى 15 في المئة سنوياً، يعرقل بدوره مشاريع الفاعلين الاقتصاديين. يضاف إلى ذلك نسبة بطالة مرتفعة تطال 20 مليون نسمة من سكان إيران الذين يصل عددهم إلى 70 مليون نسمة. كما أن سوق العمل حاليا مشبع ولا يمكنه أن يحتوي الـ 800.000 شاباً الوافدين إليه سنوياً. يعتمد الاقتصاد الإيراني بشكل أساسي على الصادرات النفطية. فالذهب الأسود يشكل 85 في المئة من إجمالي الصادرات. صحيح أن العائدات النفطية ارتفعت من 32 مليار عام 2004 إلى الـ 50 مليار عام 2006 . إلا أن غياب التنوع في نشاطات التصدير يضر بالاقتصاد لأنه يقوم على التخصص في قطاعات أولية غير متطورة، وغير قادرة على مواجهة المنافسة. كما أن الضعف التكنولوجي للاقتصاد الإيراني يفرض عليه التموين من الخارج خاصة وأن ذوي الكفاءات يهاجرون إلى الغرب مما يزيد من حدة ظاهرة ضعف التنوع الاقتصادي.إن الاقتصاد الفارسي يعيش حالة من الازدواجية لأن الاقتصاد المقنن يصطدم مع اقتصاد السوق السوداء الذي يتمثل بالتجار الصغار الأحرار. فالسوق السوداء، أو الاقتصاد الموازي، يشكل ما بين 20 في المئة و30 في المئة من الاقتصاد الحقيقي في إيران. هذه الازدواجية تعكس الشغف بالتجارة المعروف عند الإيرانيين. شغف يتم اضعافه وإهماله من قبل «الباسداران»، الساعد السياسي والاقتصادي للمرشد الأعلى، وأصحاب القرار الجدد في إدارة الاقتصاد الإيراني. نيكولا لاميباحث في مركز الدراسات الاقتصادية في جامعة بول سيزان في مرسيليا. وهذا المقال برعاية «مصباح الحرية» www.misbahalhurriyya.org

نيكولاس باس

نيكولاس باس / دول الرقابة الجديدة
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك، وهجمات الحادي عشر من مارس 2004 في مدريد، وتفجيرات لندن في السابع من يوليو 2005، كثيراً ما يذكرنا الساسة بخطر الإرهاب المستمر وبأنهم يحتاجون إلى مزيد من الصلاحيات لحمايتنا. أنا أعيش في مدينة يعمها السلام في بلجيكا، والذعر أصابنا نحن أيضاً. بدأت مدينة آنتويرب أخيراً بوضع كاميرات مراقبة على مدار الساعة في الساحة الرئيسية في حرم الجامعة. لا عجب أن عامة الشعب مستعدون لإعطاء الصلاحيات للحكومة لوضع مقاييس مراقبة قمعية تهدد الحرية بشكل كبير. وبدلاً من أن تجعل الناس أكثر أماناً، يحدث العكس: يستغلون الاستياء الاجتماعي لاكتساب النفوذ السياسي ويفاقمون شعور الخوف بين الناس. إننا نرى المزيد والمزيد من كاميرات الشرطة معلقة في الأماكن العامة. لكن، لا يوجد أي دليل على أنها تجعلنا أكثر أماناً.إن السياسيين الشعبويين، حتى الذين تتوقع مناوءتهم لمزيد من السلطات الحكومية، يدافعون عن الحالة الجديدة من المراقبة المستمرة على أساس افتراضات لا أساس لها من الصحة وملاحظات كاذبة ومخاطبة التوجهات الديماغوجية التي تسببها حالة الهستيريا الجماعية. النتيجة هي تآكل الحريات المدنية. واحدة من الافتراضات التي لا أساس لها هي أن الكاميرات ستمنع العمليات الإجرامية من الحدوث، لكن، ببساطة هذا غير صحيح. لا تتوقف العدوانية ولا العنف حيث توجد الكاميرات: تصل الأجهزة الأمنية دائماً متأخرة، وأحياناً عندما تكون الحادثة قد حدثت. فهل منعت الكاميرات تفجيرات لندن؟ المسؤولية لا تقع على السياسيين وحدهم؛ سلبية المواطنين أيضاً تساهم في انخفاض الحرية بسبب تزايد الكاميرات. مواطنون كثيرون يفكرون «أنا لست مجرماً، فماذا عليّ أن أخبّىء؟» الثقة العمياء بالدولة عند بعض المواطنين مثيرة للذعر. في النهاية، الدولة ليست أكثر من نظام يعهد إلى بعض الأفراد احتكار سياسة الإكراه. نفس هؤلاء الأفراد لهم مصالحهم الخاصة، ومن أهم هذه المصالح الاحتفاظ بالسلطة. الحقيقة هي أن الحكومات الحديثة التي تمتلك قوى بوليسية فائقة قتلت وقمعت أعداداً من الناس أكثر بكثير مما تسبب به المجرمون الذين تحمينا الدولة من عنفهم. نحن نحتاج إلى أن تحمينا الدولة من المجرمين، لكننا نحتاج إلى أن نحمي أنفسنا من إكراه الدولة. المواطنون الأحرار لا يستطيعون أن يكونوا سلبيين تجاه الحكومة. يجب علينا كمواطنين، واعين ومنتبهين، التأكد من أنه لدى الحكومة فقط السلطات الضرورية لحماية حريتنا، وأن هذه السلطات محدودة بحيث لا تصبح تهديداً لهذه الحريات. هذا يعيدني إلى الكاميرات المعلقة بالساحة قرب منزلي. عندما لاحظت في بداية الأمر وجودها وما هي بالضبط، غضبت لأن كثيراً من الناس المسالمين كانوا تحت مراقبة الشرطة. حتى في دولة مسالمة مثل بلجيكا، يجب ألاّ نفترض أبداً النوايا الحسنة وراء سلطات الدولة. الادعاء بـ «النوايا الحسنة» لا يكفي لتبرير سياساتهم: الجميع يعتقد أن نواياهم جيدة، لكن، عندما يكون لدى السلطات حق احتكار سياسة الإكراه، يستطيعون أن يفرضوا آراءهم على بقيتنا. السلطات ترغب دائماً السيطرة على تحركات الناس. يجبرونك على حمل وثائق صادرة عن الدولة لتثبت هويتك، يسجلون تاريخ دخولك إلى البلد وتاريخ خروجك منه، يريدون معرفة مكانك وماذا تعمل، والكاميرات هي الأسلوب الأفضل لتحديد مكان المواطنين! إنها لا تنام أبداً! تسجل كل شيء، ومع برامج الكمبيوتر الحديثة للبحث عن المعلومات والبرامج التي تتعرف على الوجوه والقامة، سيتمكنون من ملاحقة أي شخص إلى أي مكان تقريباً. وإذا سقطت مثل هذه المعلومات في أيدي الأشخاص الخطأ، فستكون النتائج دراماتيكية. كما يقول تقرير من قناة الـ «بي بي سي»، قامت الحكومة في بريطانيا العظمى بوضع كاميرات يقوم موظفون مدنيون بالعمل عليها في غرف تحكّم. يشاهدون المواطنين وهم يعبرون الشوارع ويتنزهون في الأحياء. إذا لم يستخدم أحدهم المكان المخصص لعبور الشارع أو رمى قمامة على الأرض، يوجه الموظف المدني له رسالة بأنه ارتكب إساءة وأنه يجب أن يعدّل سلوكه. يصعب تخيّل هذا في بلد أنتجت «الماغنا كارتا» ووثيقة الحقوق! تبدو كأنها هلوسة من كتاب جورج أورويل 1984، لكنها بريطانيا العظمى اليوم. هذا لم يحدث في بلجيكا بعد... لكن ظهور مزيدٍ من الكاميرات في أي بلدٍ كان شيئاً مقلقاً يجب على المواطنين الأحرار مقاومته. نيكولاس باسمحلل سياسي بلجيكيهذا المقال برعاية «مصباح الحرية» www.misbahalhurriyya.org

هاشم عبدالله

هاشم عبدالله / بين ثقافتين
هناك الكثير من الأخبار المتناثرة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لا تلقى أي اهتمام من المتابعين، لأنهم يتوقفون فقط عند الأخبار التي تبرزها وسائل الإعلام في عناوين عريضة ومثيرة، أما الأخبار الصغيرة التائهة وسط غابة الأخبار الكبيرة فلا تحفز فضولهم للتوقف عندها والتأمل في مضامينها. لقد توقفت ملياً عند خبر ورد في إحدى وسائل الإعلام مفاده أن المليارديرين الأميركيين وارن بوفت وبل غيتس صاحبي شركة «مايكرو سوفت» يقودان حملة تبرعات استطاعا من خلالها اقناع 34 مليارديراً آخرين للتبرع بنصف ثرواتهم وهم على قيد الحياة لصالح الجمعيات الخيرية، ومراكز الأبحاث العلمية، والمؤسسات ذات الأنشطة والخدمات الإنسانية، وقد بادر بل غيتس فوراً بالتبرع بمبلغ 22 مليار دولار، وهو مبلغ يمثل نصف ثروته!ما ان سمعت هذا الخبر حتى رحت أقارن بين أثرياء الغرب «الصليبيين» «الكفرة»، والأثرياء العرب «المؤمنين» الذين يقضون حياتهم في أعمال «البر والتقوى» كما يرد في بيانات نعيهم عندما يزورهم ملك الموت، فرغم أن بل غيتس ورفاقه قد جمعوا ثرواتهم بالجد والاجتهاد والمثابرة والعبقرية التي أدت الخدمات العظيمة للإنسان والحضارة، إلا أنهم أبوا إلا أن يشاركهم أبناء مجتمعهم في الاستفادة من هذه الثروات.أما بعض الأثرياء العرب، فاننا نعرف كما يعرفون أنهم توسلوا بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة في بناء ثرواتهم وتضخيم أرصدتهم، ولا داعي لضرب الأمثلة وسوق الأدلة لأن أخبار الفساد المالي في عالمنا العربي، وأحاديث التطاول على المال العام، وحكايات الرشى، والصفقات المشبوهة، تفقأ العيون وتصم الآذان وتزكم الأنوف.ان هاتين الظاهرتين تعودان في جذورهما إلى ثقافتين متباينتين هما ثقافة الإيثار في الغرب، وثقافة الأثرة والاحتكار عند الأثرياء العرب، فالثري الغربي يترك شطراً من ثروته لأبنائه وعائلته، ويقدم الشطر الآخر للمجتمع كبادرة لخلق ثقافة مجتمعية متقدمة، أما الثري العربي فانه يحرص على أن تنتقل ثروته بتمامها وكمالها إلى أبنائه فقط (في بعض الأحيان يهضم حقوق الإناث من الورثة وهي العقلية الجاهلية بعينها)، ولأن العربي قد جمع ثروته بالطرق التي أشرنا إليها مسبقاً فسرعان ما تدب الخلافات بين أبنائه، وتنشب بينهم النزاعات والتناحر، فيقودهم في نهاية المطاف إلى أروقة المحاكم، ويكون مصير هذه الثروة إلى جيوب المحامين والحراس القضائيين، ويتبدد ما تبقى منها على الملذات فتصبح وبالاً عليهم في الدنيا ونكالاً في الآخرة... اللهم أغننا بحلالك عن حرامك. بناءً على ما تقدم فمن يرد من الآن فصاعداً أن يبحث في أسباب تقدم الغرب وتخلف العرب، فعليه أن يأخذ هذه الظاهرة في الاعتبار، فأثرياء الغرب يتبرعون بسخاء غير محدود، ويساهمون بثرواتهم في نهضة بلدانهم ويجعلون من ذلك ثقافة مجتمعية، أما الأثرياء العرب فلم يؤثر عن أحد منهم أنه قدم شيئاً ذا بال من أجل شعبه ومجتمعه.هاشم عبداللهكاتب كويتي

هيام الجاسم

هيام الجاسم / في الصميم / أنتم على ثغور التنمية البشرية!
مثلما نشد على يد من هم على كل ثغر من ثغور العمل الخيري، فكذلك نحن نشد ونؤازر بقوة من هم على كل ثغر من ثغور التنمية البشرية، صناعة الفكر لا تعدلها صناعة، تعديل السلوك نحو الصحة أشرف الصناعات وأفضلها في دنيا الناس، النفس البشرية حينما تكون سوية صحيحة لا عليلة، ويساهم قائد التنمية في صناعتها، فتلك أشرف الأعمال، فكيف لو كانت نفوس من تبنيهم تعاني الخراب المركب الذي ليس لهم يد فيه؟ فإن جهدك بقدر ما يكون مضاعفاً في التعب والمثوبة معاً إلا أنه في المقابل داخلاً ضمن شرف ورفعة قدر أعلى مراتب البشرية المتمثلة في التميز في الإعجاز والإنجاز، تلك المرتبة التي في تصوري تفوق مرتبة الامتياز والشرف عند المتفوقين دراسياً، بل وتفوق التميز الإبداعي عند العاملين، إنها حقاً مهارة سامية لا يقدر على الديمومة بها، ولا المرابطة عليها إلا من أوتي جوامع الاصطبار والابتكار مجتمعان في قالب التوفيق والسداد من عند خالق مستثمري التنمية البشرية ممن أخذوا على عاتقهم حمل مسؤولية تغيير مسالك البشر بشرائحهم كافة، بل إنهم يتحملون كيل الاتهامات التي يوصمون بها بأنهم تجاريون، وغير مؤهلين، وغيرها، من التهم التي تلقى جزافاً. لماذا يا ترى هم متهمون؟ فقط لأن شريحة جزئية من هؤلاء قد أساؤوا استغلال المفتقرين لتنمية ذواتهم وضحكوا على ذقونهم وخانوا الأمانة معهم!تلك الاتهامات لا محل لها من الإعراب، ولا موقع لها في عقول أصحاب المدارك الواسعة، فهم قادرون على أن يميزوا بين اللبيب حقاً في التنمية البشرية، والصادق في مهنته التنموية هذه، وبين من يتخذها غاية تجارية فقط!طبعاً فرق شاسع بين الأمانة والخديعة، وبين الصدق والكذب، وبين العطاء التطوعي والربح التجاري... أكيد وبلا شك فروق ومسافات شاسعة، وهذا التفاوت نفترض في المجتمع الواعي أن يدركه ويقيم الصناع الحقيقيين، ويميزهم عن الصناع الورقيين المزيفين!لقد اقتربت في تعاملي في دنيا الناس من أناس كثر ممن حولي بعدوا أو قربوا، شهدت التفاوت الكبير والبون الشاسع بين من يعيش ليأكل ويشرب ومبدؤه «السبهللا»، لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة، المصالح رأس ماله وديدن تفكيره ودوافعه، وشهدت في المقابل قيمة أناس آخرين يلتقمون حب العطاء التقاماً، والعمل الإنساني يلتحفهم التحافاً، والإنجاز غذاؤهم ودواؤهم، وصناعة البشر ديدن أوقاتهم.عزيزي القارئ شتان وألف شتان بين من آثر في نفسه وتعاهدها نحو الإعجاز والانجاز في صناعة النفس البشرية، وبين من يعيش لينام ويضحك ويأكل ويفغر فاه لفقاعات دنياه!أنا عندما أزور دوراً يقطن بها المسنون ممن عجز ذووهم عن إيوائهم، وحينما أستطلع أحوال الأيتام ومجهولي الوالدين في أماكن سكناهم، وكذلك المعاقون بأنواع شرائحهم شتى في دورهم، حينما أزورهم لا أدري لماذا ينتابني شعور الألم، ليس لأحوالهم فتلك أقدار الله بهم، وإنما لأني أدرك عظم الأمانة والمسؤولية التي تناديني وأمثالي لصناعة شيء لهم، لا أقصد إلباسهم ولا إطعامهم فذلك مما تكفلت به الدولة مشكورة ومأجورة، وإنما أنا أتألم لأني مدركة أن في كل ذات إنسانية عقل وقلب وجوارح لهم حق علينا في تأهيلها جميعاً، بل وتغذيتها عقدياً وفكرياً، شعورياً ومسالكياً، عندما أزور أقف متأملة متألمة لا أقدر على أن أسطّح عقلي، ولا أستطيع أن يطوف الموقف هكذا داخل أعماق ذاتي، وإنما أجد نفسي واقفة مبهوتة، يا ترى هل تمت التغذية الفكرية والشعورية القلبية والتوعية المسالكية بالقدر المشبع للذات البشرية لكل واحد من هؤلاء من ذوي الاحتياجات الخاصة؟ أنا لست متأكدة ولا متيقنة من تحقيق كل تلك الإشباعات.أنا لا أنقص من قدر الطاقات العاملة هناك خلف الأسوار، ولكني أطمع بمزيد من استثمار بشري، وتنمية ذاتية لكل من أشهدنا الله على حمل رسالة الإيواء له في دور رعاية جماعية. الأجدر والأولى بالمسؤولين أن يتجهوا برعايتهم رعاية ذات طابع خصوصي، ورعاية فردية على غرار مثيلاتها من دور رعاية في دول أخرى قد نجحت نجاحا باهرا في الرعاية الخاصة لا الجماعية. لكل فرد من أفراد الفئات الخاصة يحق لأفرادها أن يحظوا برعاية خصوصية فردية فائقة الاستثمار لذاته، فلقد زرت دوراً وبيوتاً وقرى في المملكة الأردنية الهاشمية ترعى وتؤهل ذوي الاحتياجات الخاصة وفق مبدأ الاحتفاظ لكل امرئ بذاتيته العزيزة عليه.هل يا ترى نحن مارسنا ونمارس التنمية البشرية مع هذه الفئات بأعلى مراتبها الاستثمارية استثمارا ذاتيا؟هيام الجاسمكاتبة كويتية

وسام العثمان

وسام العثمان / رأي محاسبي مهني في شأن وقف المطيري
استغربت بشدة، كما استغرب الكثيرون، خصوصاً ممن يعملون في حقل المحاسبة والرقابة المالية الحكومية، مما أثير عن موضوع وقف المرحوم هلال المطيري، وعلاقة الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف بالحساب المفتوح لإدارة هذا الوقف. وباطلاعي على المستندات الرسمية ذات العلاقة، وبحكم عملي وخبرتي في ميدان المحاسبة والرقابة المالية الحكومية تبين لي الآتي: أولاً: سلامة الإجراءات الإدارية والمالية التي اتبعها الأمين العام للأوقاف، حيث بنيت على سند قانوني معتبر صادر بحكم محكمة الاستئناف. ثانياً: إجراء المعاملات المالية بالصفة القانونية لا بالصفة الشخصية، وهو ما التزم به الدكتور محمد بن عبد الغفار الشريف، الأمين العام للأوقاف، وتثبته المستندات الرسمية الصادرة من بيت التمويل الكويتي والأمانة العامة للأوقاف.ثالثاً: لا يمكن أن تجرى المعاملات البنكية، من صرف وإيداع، وبيع وشراء للعقارات لتنمية هذا الوقف، والصرف منه، إلا بتوقيع الطرفين: حمد هلال المطيري، والدكتور محمد عبد الغفار الشريف، بصفته الرسمية والقانونية، وهي الأمين العام للأمانة العامة للوقف، أو من يفوضه في ذلك.رابعاً: يتبين لكل محاسب مبتدئ، أو ممن لديه أدنى معرفة بالمعاملات المالية، سلامة وضع الأمين العام للأوقاف، ووضوحه، ودقة اتباعه للإجراءات القانونية والإدارية والمحاسبية السليمة.وأخيراً: فإن المحلل لهذا الوضع يتبين له أحد أمرين: إما أن الذي أثار الشبهة على الأمين العام للأوقاف في شأن الحساب البنكي لا يفهم في هذا الميدان أصلاً، وبالتالي عليه ألا يقحم نفسه في مثل هذه الموضوعات لأنه قد ارتكب خطأً فادحاً، أو أنه يعي تماماً ما يقول، وبالتالي فإن الأمر وراءه ما وراءه. فإذا كان هذا حال الأمين الشريف، في بلدنا فأين يذهب الأمناء؟ وسام العثمان

وضحة المضف

وضحة أحمد جاسم المضف / الرسم بالكلمات / كاتبة في راهن أحمق
عندما وقعت في حب القلم سطرت أول مقال نشر في جريدة «السياسة» أواخر الثمانينات علمت قدوتي وتاج راسي والدتي بفعلتي النكراء على حد ظنها، نهرتني قائلة بعفوية «ما عندنا بنات يكتبون بالجرايد». والآن هي تفتخر وتتباهي بأن لها ابنة كاتبة وكثيراً ما تطالبني بالكتابة عندما يستفزها أمر ما.الكتابة بالنسبة لي مثل الأوكسجين وأختنق بحق إن فارقت القلم فهو الرفيق... يبكي إن بكيت ويفرح إن فرحت، وأعتقد أني لن أتخلص من هذا القلم إلا إن فارقت الحياة «وأقسم بالله وأنه قسم لو تعلمون عظيم»، ولكن ليس كقسم بعض الوزراء والنواب، إن نضب حبر قلمي سأسقيه دمي وسأعاود الكتابة من جديد مستنهضة الحرف الحبيس، رغم من محاولات بعض المنظرين القابعين في البروج العاجية الواقعة مكاتبهم على السيف الذين يجيدون الكيد وملحقاته لكسر القلم وحبس الكلمة ولن يفلحوا... فكلما أحكمت دائرة تعتيمكم وإعاقتكم حولي أدركت بحق نجاحي أكثر في زمن غادر تسيدتم فيه، وسأظل أقاوم الشر بسن القلم ما دمت أنبض. وأستحلفكم بالله كفى... فقد أكلتم الناس بالغيب فافعلوا شيئاً للذاكرة، واحجزوا لكم كلمة واحدة «والنعم» على متن صفحات التاريخ قبل أن تزدريكم الأجيال.كثيرون اتهموني بأني اتجهت للكتابة لأن لدي طموحا للترشح لعضوية مجلس الأمة، وإن كان هذا حق مشروع، فدعوني اليوم أخطها مكبرة لن يكون ضمن حساباتي الترشيح بتاتاً، ولا يستهويني العمل السياسي البرلماني لسببين... لا أود أن تلوثني السياسة لإيماني بأن ما خلقت عقود السياسة إلا لنكثها، وإني لم أترب على نكث العهود هذا أولاً. ثانياً لدي زاويتي «الرسم بالكلمات» التي حملتها فوق ظهري مرتحلة بها إلى مرابع أكثر من صحيفة فكم أتعبتني وأتعبتها «والله ينتقم من اللي في بالي الذي دائماً يمشي خلف سيده ويمضغ العلكة بقسوة في الصباح الباكر»، أتناول في هذه الزاوية الوزير والنائب والمسؤول للتصحيح لا التجريح، ولم يسبق أن تعديت على الأشخاص بل انتقدت الأداء، وسأواصل الانتقاد رافعة هامتي بالقلم أمام أُناس أدمنوا طمر الرؤوس بالوحل متحدين النعام بخلقته، في راهن أحمق يجتر الخيبة بعد أن تفنن البعض بلبس الأقنعة ودخلوا فخ المزاد، سأسيل حبر قلمي أسبوعياً بمساحة النور هذه على صفحات «الراي» الغراء شاكرة ثقتهم بي، مع التأكيد أن الكاتب بمفرده لا يشكل فارقاً، ولكن إن كان هناك من يقرأك ويسمعك ويتفاعل معك أعتقد أنه هو الغاية من الكتابة، وإن كانت الغاية الأسمى والأعظم هي تحقيق الذات وإرضاؤها قبل الآخرين لكن «من دون القراء» الكاتب لا يشكل فارقاً... سيسعدني التواصل مع القراء وسأقرأ تعليقاتهم باهتمام.وضحة أحمد جاسم المضفwalmudhafpen@hotmail.com

وليد ابراهيم الاحمد

وليد إبراهيم الأحمد / أوضاع مقلوبة / تكفون... (one-way)!
لو كان لدى نواب معارضتنا ذرة (دم) لقدموا استقالتهم من عضوية مجلس (الغمة) اليوم قبل غد بعد أن ازعجونا بتلميحات الاستقالة منذ ظهور بدعة إلا الدستور!ولو كان لدى حكومتنا الرشيدة ذرة احساس ومسؤولية لأعلنت الرحيل قبل أن يرحل علي عبدالله صالح بعد تقديم أكثر من عشرة استجوابات لسبع حكومات متتابعة!ولو كان لدى كتابنا شيء من الانصاف لعبروا عن آرائهم الحرة بعيداً عن الاصطفاف الحزبي العنصري - القبلي - السني - الشيعي - التنموي - الشعبي و(الدمبكجي)!لقد ضعنا وضاعت البلد وتبدل قطار تنميتنا إلى دراجة هوائية من دون إطارات!هناك من يعرج (مسكيناً) على مواقف الكتل السياسية فيحلل وينصدم وينظر فيتفلسف علينا فتتداخل أوراقه حيراناً من دون أن يفهم أن علم السياسة علم يفوق الوصف والخيال كونه يسير بلا شوارع، أو أعمدة إنارة، أو إشارات ضوئية فكل من يصادفه في سيره قد يحمله معه أو يصدمه او يتفاداه! بالأمس رقصت الحكومة رقصة الـ (25) نائباً على الفوز بالثقة وذهب نواب القناعة و(القبض) للتهليل والتكبير بالنصر المؤزر والتطور الذي تعيشه البلاد من ناطحات سحاب بمواقفها (متخربطة) الأدوار، وجامعة الشدادية التي من المتوقع أن تخرج أول دفعة لها العام 2050، وشوارعها غير المحفرة، وجسورها الممتدة من دوار فهد السالم حتى فيلكا، وحركتها الاقتصادية التي ظهرت في محلات أسواق القرين!مقابل (لطم) نواب المعارضة الـ (18) وتطاير شرر الغضب من أدمغة وعيون وأنوف البعض حتى ظهر استجواب جديد كان ينتظر أن يأخذ دوره منذ زمن بعيد أمام (مخبز) الحكومة يهدف بالصدق والأمانة قسراً لعلاج الحالات المرضية المستعصية والسياحية منها في الخارج، وزيادة مرتبات النواب (الغلابة) الذين (يصايحون) ويحرقون دمهم في سبيل الوطن والمواطن والدستور لتنمية البلاد والعباد كي يأخذونا إلى مصاف الدول المصنعة للـ (باجلا) والمنتجة للـ (برسيم)!باختصار لتأخذ الحكومة بيد المجلس ويرحلا سياسياً في رحلة طويلة هذا الصيف (one-way) قبل الزحمة!على الطايرليسمح لي زملائي كتّاب الصفحة أن أزاحمهم المساحة، وقراء «الراي» أن أقتحم مملكتهم الفكرية بعد أن حط بي الرحال بينهم بدءا من اليوم بعد مشوار إعلامي بدأ في منتصف الثمانينات من القرن الماضي كاتباً ومحرراً بالزميلة «الوطن» وبعد ثلاثة أعوام من التحرير كاتباً يومياً بالزميلة «الأنباء» حتى قبل أربعة أعوام عندما انتقل بي القلم للزميلة «الوسط» واليوم يحل عليكم ضيفاً عزيزاً لتتحملوه!ومن أجل تصحيح هذه الأوضاع بإذن الله نلقاكم!وليد إبراهيم الأحمدكاتب كويتيwaleed_yawatan@yahoo.com

وليد الجاسم

صبخٌ وثمار
بعيداً جداً عن وجهات النظر العاطفية والمباشرة تجاه مسألة الدعم الكويتي للعراق وتبني إعادة إعماره رغم ما اقترفه بحق الكويت، وبعيداً جداً عن محترفي «توتير» الأجواء، خصوصاً من الطرف العراقي الساعين إلى إذكاء النيران وتذكير الكويتيين بـ «الأفعال الشائنة» متمثلة بالغزو العراقي للكويت وما رافقه من سلب ونهب وسفك للدماء والأعراض والكرامات، وصولاً إلى تحرير العراق نفسه من براثن حزب البعث والمقبور غير المأسوف عليه صدام حسين والنكران العراقي لأهمية الدور الكويتي المحوري المهم في إسقاط هذا الديكتاتور، والذي بفضل سقوطه طالت ألسن ما كان لها أن تطول وارتفعت هامات ما كان لها أن ترتفع وجهرت أصوات ما كان لها إلا أن تهمس بنبرات مرتجفة ونظرات مضطربة وأنفاس خائفة... لكن المؤسف أن كثيراً من هذه الألسن والهامات والأصوات بدلاً من أن تستغل بلاغتها اللغوية في شكر الكويت، وجدناها صوبت الكويت بسلاطة لسانها ورداءة أفكارها وفجور خصومتها وكأنها تتعمد ترسيخ قناعة لدى الكويتيين بأن «الصبخ» أو الأرض السبخة لا ينمو فيها زرع مهما اعتنيت فيه، فهي بيئة غير خصبة ولا تفعل غير افساد كل ما يبذر فيها من خير وحب وسلام.بعيداً عن هذه النتيجة التي يراد إيصالنا إليها، بل بعيداً عن العراق نفسه وهذا الاستفزاز المتعمد الذي لا يتم لجمه عراقياً... هناك مكاسب أخرى للكويت رأيتها تتجلى مع تصريح عضوة مجلس اللوردات البريطاني المبعوثة التجارية لرئيسة الوزراء البريطانية البارونة إيما نيكلسون التي قالت: «إن الكويت حجر زاوية في أمن المنطقة واستقرارها».عندما نسمع ونقرأ مثل هذه التصريحات والمواقف، يمكن لنا أن ندرك الأبعاد التي يعرفها صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، وهو أستاذ الديبلوماسية الكويتية ومهندسها الأول.فلو كانت بعض الأراضي التي نبذر فيها الخير «صبخة» لا تقبل الزرع، فهناك مناطق أخرى في العالم أكثر أهمية من العراق، بل هي دول يرجع إليها القرار الأول في حفظ السلم والأمن الدوليين، تتقبل ما نبذره وينمو ويورق فيها حتى يثمر. وثمارنا الحقيقية هي هذه الشهادات العالمية المهمة في حق الكويت ودورها الذي لا يمكن القفز عليه أو تجاوزه في المنطقة.ليس هذا فحسب، بل يكفيك ككويتي اليوم أنك مرحّب بك أينما يممت شطر وجهك، اذهب إلى إيران أو العراق أو اليمن أو سورية أو لبنان أو تونس أو مصر... اذهب إلى روسيا أو أميركا... إلى بريطانيا أو فرنسا... إلى دول الخليج التي قاطعت قطر أو إلى قطر... أينما حللت حللت أهلاً وأينما رحلت رحلت سهلاً، وهذا بالتأكيد ليس نتاج صدفة، بل هو نتاج رؤى ديبلوماسية متزنة وضعها معلم الديبلوماسية الأول الشيخ صباح الأحمد حفظه الله... ولهذا تحققت المعادلة العجيبة... ابذر في العراق... تجني ثمارك في العالم كله.

وليد الرجيب

وليد الرجيب / أصبوحة / طلعت حرب الكويتيين
|وليد الرجيب|محمد طلعت حرب باشا، ولد في 25 نوفمبر 1867، وتوفي في 1941م، وهو اقتصادي مصري، لعب دوراً متميزاً في تمصير الاقتصاد، وتحريره من التسلط الأجنبي، أو الانكليزي بالتحديد، وهو أول من أنشأ بنكاً مصرياً خالصاً، هو بنك مصر، كما أنه صاحب مبادرات لانشاء شركات ومصانع مصرية، مثل شركة الغزل والنسيج المصرية، كان طلعت حرب نموذجاً للانسان الوطني، الذي نذر حياته من أجل اقتصاد وطني مستقل.ومناسبة هذا الحديث، أن هذا اليوم 19 مايو يصادف الذكرى الـ58، لتأسيس بنك الكويت الوطني، في العام 1952م، وذلك بعدما اجتمع مجموعة من رجالات تجار الكويت، لتأسيس أول بنك كويتي، وتوجهوا الى المغفور له أمير الكويت الأسبق الشيخ عبدالله السالم، بطلب تأسيس بنك كويتي، فقال لهم: ان الاتفاقية القائمة مع البنك البريطاني للشرق الأوسط، تمنعنا من الترخيص بانشاء بنك آخر، الذي كان البنك الوحيد آنذاك في الكويت، ولكن التجار أوضحوا للأمير أن الاتفاقية تلزم بعدم الترخيص بانشاء بنك أجنبي آخر، الى جانب البنك البريطاني... وهنا وافق الشيخ عبد الله السالم على طلبهم، وخاصة أنه كانت لديه توجهات وطنية، وقدم دعماً للبنك الوطني الوليد بمليون جنيه استرليني، ومليون دولار أميركي كوديعة من دون فوائد.لعل لهذا المشروع الوطني دلالة مهمة في الشخصية الاعتبارية الكويتية، فهو يعني من ناحية، النزعة الكويتية للتحرر من السيطرة الأجنبية، كما يعني من نواح أخرى، اهتمام فئة التجار بالشأن الكويتي الوطني المستقل، وبالأخص عندما كانت فئة التجار، هي المعني الأساسي بمصالح الوطن، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.اليوم، ومع هذه الذكرى التي أعتبرها مجيدة ومشرقة، في تاريخ بلادنا، عندما كان التفكير بالوطن ومصالحه أولاً، مثلما كان هم طلعت حرب في مصر، في نهاية القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، أتساءل، ألا نجد تحولاً في توجهات الفئة التجارية وانتقالها، من توجهات وطنية تاريخية، الى توجهات تعيد التاريخ والتسلط الأجنبي، على مقدرات وثروات بلادنا، ومن استعادة تأميم النفط في عام 1975، الى عودة ارتهان اقتصادنا الوطني، الى الهيمنة الأجنبية، والقطاع الخاص المرتبط عضوياً، بالرأسمال الأجنبي، هذه مجرد تساؤلات.osbahatw@gmail.com

وليد بن إبراهيم آل إبراهيم

وليد بن إبراهيم آل إبراهيم / الربعي... سمّى «العربية» ورحل
تذكرني حياة الفيلسوف والمناضل والكاتب والنائب والوزير الصديق الراحل احمد الربعي بحياة الكبار في تاريخنا، ولعل تخصصه في الفلسفة ودخوله غمار السياسة والكتابة والأدب والإعلام والفن، يسمح لي بتشبيهه بالفيلسوف والطبيب والعالم أبو بكر الرازي، فهو يشبهه إلى حد بعيد في مهارة التجريب والإبداع، والسعي إلى زرع الفضيلة وحسن الخلق في نفوس تلاميذه ومجايليه، فضلاً عن اشتراك الاثنين في قصر الحياة مع عظمة حصيلتها، فمن صدف التشابه بينهما أن الرازي كان دائماً يردد «اللهم ارزقني حياة عريضة، ولا ترزقني حياة طويلة» وقد استجاب الله له فمات وهو لم يكمل الستين من عمره تاركاً خلفه تراثاً علمياً وطبياً عظيماً، واحسب أن احمد الربعي كان يردد الدعوة ذاتها فمات وهو لم يكمل عقده السادس، لكنه عاش حياة تشبه سير أبطال الروايات السياسية، فعلاوة على شدة ذكائه وسرعة بديهته، وقدرته على العمل بلا كلل، استطاع أن يجعل سيرة حياته جزءا من سيرة وطنه الكويت، فمن يقرأ حياة «أبو قتيبة» التي بدأت في الخمسينات من القرن الماضي، يجد أنها تسجيل دقيق للحياة السياسية والثقافية والفكرية والإعلامية في الكويت، وهذا الامتزاج بين الوطني والذاتي عند الربعي لا يقوى على فعله إلا القلائل من الرجال واحمد الربعي واحد من أبرزهم في تاريخ هذه المنطقة.تفتق وعي الربعي وبلاده تخرج للتو من الاستعمار وسط المد الناصري والقومي فكانت أروقة جامعة الكويت تضج بشعارات التحرر والوحدة والثأر من الاستعمار، وكانت التنظيمات القومية واليسارية العربية تنشط في الكويت، وفي تلك الفترة شهدت الكويت ولادة منظمة التحرير الفلسطينية، فانخرط الربعي في النضال السياسي، وتعرض للاعتقال في غير بلد عربي، ومارس المقاومة على الأرض، فحارب في صفوف الرفاق في فتح، وكان اسماً مهماً في مؤتمرات وندوات الناصريين والقوميين واليساريين.في أواخر السبعينات من القرن الماضي بدأ الفصل الثاني من حياة بطل الرواية الكويتية فسافر إلى الولايات المتحدة، وعاش في مجتمع صفوة الليبراليين في جامعة هارفارد، وفي منتصف الثمانينات عاد «بطل الرواية الكويتية الحديثة» إلى الوطن. كان هذه المرة أكثر تنظيماً وتحديداً ووعياً، فدخل مجلس الأمة الكويتي ليعبر عن أرائه من منبر سياسي وطني، وبدأ الدكتور أحمد الربعي هذه المرة أكثر قرباً من المناخ السياسي في بلده من حيث الإطار واللغة والتوجهات، فلفت إليه نظر القيادة السياسية، فترك كرسي المعارضة إلى منصب الوزارة، فأحدث نقلة في مفهوم شخصية الوزير وعمله، لكنه لم يستمر طويلاً فهو اعتاد أن يكتب ويفكر على نحو مستقل، وبرغم أن الربعي يصنف على التيار الليبرالي في الكويت ألا انه يحسب ألف حساب لجذوره المحافظة، ويرفض التغيير بتهميش الآخرين أو القفز على ثوابت الناس وتقاليدهم، فضلاً عن رفضه المطلق لممارسة العنف ضدهم، ايا كانت درجة هذا العنف، وكان لا يفتأ يردد اننا مجتمعات محافظة، ويجب أن نمنح الآخرين فرصة للتعبير عن أنفسهم، فالمجتمعات لا تتغير بالرعونة والقسرية.في الفصل الثالث من حياة الربعي استيقظ الكويتيون على مدافع جيش صدام حسين تدك كل جزء من مدينة الكويت الوادعة، فوجد فقيدنا نفسه في إشكالية تجعل الحكيم حيران، فهذا الغزو البربري دخل الكويت تحت شعارات طالما حارب عنها الربعي، ومعه كل بلاده وصحافتها ومثقفيها... هاهم الرفاق الذين قاتل الى جانبهم فقيدنا يرفعون شعارات النصر باحتلال الكويت، وها هو الراحل ياسر عرفات الذي احتضنته الكويت، وسهلت له إطلاق حلم المقاومة، وقاتل معه الربعي وسجن من اجله يردد على الملأ: استمر يا صدام و «يا جبل ما يهزك ريح»... يا الله أي شعور هذا الذي أحسه الربعي ومعه ملايين الكويتيين في تلك اللحظات العصيبة.لكن الربعي مثقف من طراز خاص ولا يشوب وطنيته شائبة... فانطلق المناضل القديم بصوته وقلمه وعلاقاته من جدة إلى القاهرة ودمشق وعواصم الشرق والغرب، يدافع عن وطنه فصار امة في رجل. وحين تحررت الكويت، عاد الربعي سيرته الأولى، يقيم حواراً مع العراقيين والفلسطينيين والمناضلين القدامى، فبقي وفياً إلى سعيه في زرع الفضيلة وحسن الخلق، وعاد يكتب عن قضايا الأمة وهمومها، وكان بحق من أكثر المثقفين الكويتيين قدرة على تجاوز الشرخ الذي أحدثه الغزو.في عام 2003 كنت اخطط لإطلاق قناة «العربية»، وكان الصديق الراحل احمد الربعي من اقرب المثقفين العرب مني شخصياً، وكنت أستشيره، واستفيد من خبرته السياسية والإعلامية، واذكر في احد اجتماعات البحث عن اسم للقناة الوليدة، طرح الزملاء أسماء كثيرة، لكنها لم تلفت نظري، وكان احمد الربعي صامتاً، ثم التفت إلي وقال : يا ابو خالد الآن هناك قناة إخبارية اسمها «الجزيرة»، هي الجزيرة ونحن «العربية»... قناتنا اسمها «العربية»... قلت له يا أبا «قتيبة» هذا الاسم يليق فعلاً بالجهد الذي بذلناه في الإعداد... على بركة الله... اسمها «العربية» وأنت من سماها.وبعد فإن شعارات العروبة التي ناضل من اجلها احمد الربعي و احتلت وطنه يوماً ما، لم تغير من معدنه العربي الأصيل، فكان على الدوام مثل وطنه اكبر من أصحاب الشعارات، ففصل العروبة عن أهل الشعارات، وتمسك بها، وحين فكر في اطلاق اسم على قناة إخبارية تخاطب العرب فكر بعروبته التي لم تتغير يوماً... فجسد حبه للعرب والعروبة باسم «العربية»... رحمك الله يا ابا قتيبة... سنبقى نتذكرك يا صاحب الاسم الجميل والأصيل.* رئيس مجلس إدارة مجموعة mbc

ويليام هيغ

ويليام هيغ / لِمَ يحق لنا القلق تجاه برنامج إيران النووي؟
| بقلم ويليام هيغ وزير الخارجية البريطاني |أعلن رئيس هيئة الطاقة الذرية في ايران، السيد فريدون عباسي دواني، في 8 يونيو (حزيران) عن عزم ايران زيادة قدراتها لإنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20 في المئة الى ثلاثة أضعاف، وتحويل نشاط التخصيب من مفاعل ناتانز الى فوردو. داخليا في ايران، أثار هذا الاعلان من قبل نظام فقد مصداقيته القليل جدا من التعليقات، وسرعان ما طغت عليه أحداث المسرح السياسي المحلي المتمثلة بالنزاع الأخير رفيع المستوى بين القائد الأعلى للثورة خامنئي والرئيس أحمدي نجاد. لكنه كان اعلانا مهما لأنه يوضح جليا أن برنامج ايران النووي ليس مخصصا لأغراض سلمية بحتة.لدى ايران محطة طاقة نووية واحدة مخصصة للأغراض المدنية، وهي تسعى لبناء المزيد. وهذه المحطات كافة بحاجة ليورانيوم مخصب لدرجة 3.5 في المئة كوقود لها. وبالتالي فان خطط رفع نسبة التخصيب لما هي أعلى من ذلك تثير تساؤلات مشروعة.لليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة بعض الاستخدامات المدنية، لكن ليس في محطات الطاقة النووية للاستخدامات المدنية التي تزعم ايران أنها ترغب بها. بل انه مستخدم عموما كوقود لمفاعلات الأبحاث التي تنتج نظائر للاستخدامات الطبية، الى جانب غير ذلك من استخدامات. وهذه مادة عالية الكفاءة: حيث ان مفاعل أبحاث واحداً في بلجيكا قادر على انتاج تقريبا كافة النظائر الطبية التي تحتاجها جميع دول أوروبا الغربية.كما أن لدى ايران مفاعلاً واحداً للأبحاث. والخطط التي أعلن عنها السيد دواني سوف توفر أكثر من أربعة أضعاف الاحتياجات السنوية من الوقود. الا أن هذا المفاعل قادر حاليا على انتاج نظائر مشعة تكفي لإجراء مليون بحث طبي كل عام - وهذا يعادل احتياجات المملكة المتحدة، ويفوق كثيرا ما تحتاجه ايران. كما تتطلب الخطة الجديدة تحويل ما لا يقل عن نصف الانتاج السنوي الحالي لايران من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المئة، ما يعني بالتالي حرمان محطات الوقود النووي الايرانية منه. اذا كانت ايران جادة في تطوير طاقة نووية للأغراض المدنية، فما الذي يدعوها لتحويل موارد ومواد محدودة عن الاستخدام في برنامج للطاقة المدنية بهذا الشكل، بينما ترفض بازدراء عروض من العالم الخارجي - بما في ذلك من دول المجموعة الأوروبية الثلاثية + 3 المؤلفة من المملكة المتحدة والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة - لتقديم مساعدات تقنية للاستخدام السلمي للطاقة النووية في ايران؟الا أن هنالك غرضا واحدا واضحاً لهذا اليورانيوم المخصب. فالتخصيب من اليورانيوم الطبيعي ليصل لنسبة 20 في المئة يستغرق الكثير جدا من الوقت ويعتبر خطوة تستهلك موارد مكثفة تصب تجاه انتاج اليورانيوم عالي التخصيب اللازم لتطوير سلاح نووي. ولدى تجميع كميات كافية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة تحت الأرض في قم، سوف يمكن تحويله في غضون مجرد شهرين أو ثلاثة الى مادة تستخدم في الأسلحة. سوف تبقى هناك تحديات تقنية الانتاج الفعلي لقنبلة نووية، الا أن ايران ستكون قد اتخذت خطوة كبيرة في ذلك الاتجاه. من المحتمل قيام ايران بتخصيب اليورانيوم عالي الكثافة في موقع سري سابق مخفي بعمق تحت الجبال. وقولها إنها سوف تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمراقبة لا يعتبر ضمانا في الوقت الراهن. حيث ان لدى ايران تاريخاً متواصلاً من التهرب والتعتيم في علاقاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فقد رفضت السماح للوكالة بالاطلاع على مواقع أو مواد أو وثائق أو الالتقاء بأشخاص ذوي صلة. كما أنها لم تجب عن أسئلة طرحتها عليها الوكالة بشأن شرائها لمواد لها علاقة بالمادة النووية وطبيعة عملها الذي يمكن أن يكون مفيدا فقط في تطوير سلاح نووي - من قبيل مُفَجّر متعدد النقاط لإطلاق عبوة متفجرة بشكل نصف دائري - أو باللغة المبسطة: مفجرات للاستخدام في قنبلة نووية. فإيران ناشطة في برنامج تطوير الصواريخ الباليستية، بما في ذلك تطوير صواريخ يفوق مداها الألف كيلومتر، وقد أجرت بالفعل عدة تجارب صاروخية خلال شهر يونيو (حزيران). وأي مراقب عاقل لا يسعه سوى الربط بين الأمرين. هذه ليست قضية مجردة أو نظرية: فبرنامج ايران النووي قد يؤدي لسباق تسلح في الشرق الأوسط، وهي منطقة متقلبة الأوضاع أصلا. وسيكون من السذاجة وتنصل من الواجب - مرة أخرى - افتراض حسن نية ايران. لهذا السبب صدرت حتى الآن ستة قرارات عن مجلس الأمن الدولي تطلب من ايران تعليق برنامج التخصيب فورا، لكنها تجاهلتها جميعها. وقد رفضت ايران حتى الآن الدخول في أي مفاوضات بشأن برنامجها النووي ما لم ترفع المجموعة الأوروبية الثلاثية + 3 كافة العقوبات وتعترف فورا بحق ايران بالتخصيب. لكن ليس هناك منطق لرفع العقوبات ما لم تدخل ايران في مفاوضات لتبديد مخاوف تستند على قرائن بشأن برنامجها النووي. وحتى الآن كان رد فعل ايران عكس ذلك. وهذا الاعلان الأخير يؤكد الأهمية العاجلة لزيادة الضغوط، والمملكة المتحدة على استعداد لاتخاذ اجراءات: فقد وافقت بالفعل في الشهر الماضي على اضافة 100 جهة أخرى لقائمة العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، وأعلنت خلال الأسبوع الماضي عن فرض المزيد من اجراءات حظر سفر ضد جهات معروفة مساهمتها في انتشار الأسلحة النووية. ربما تأمل ايران بأن التغيير غير المسبوق المصاحب للربيع العربي سوف يحول أنظار العالم عن برنامجها النووي. لكننا عازمون على أن ذلك لن يحدث. (خاص «الراي»)

ياسر إبراهيم المزروعي

ياسر إبراهيم المزروعي / ذهب الذين يُعاش في أكنافهم
قبل أيام قلائل فقدت دولة الكويت عالما من علمائها الذين كان لهم دور بارز في تنشئة طلبة العلم بعلوم الآلة، وهو فضلية الشيخ مولوي عبدالباسط ملا صالح، والذي وافته المنية يوم الأثنين بعد صلاة الظهر 15 رمضان 1429هجرية الموافق 15/9/2009 ميلادية، مؤذن مسجد الحمد بمنطقة المرقاب، والذي عرف بإتقانه وتميزه لعلوم الآلة النحو، والصرف، والمنطق، والبحث والمناظرة، وأصول الفقه، والفقه الحنفي، والتفسير، والفرائض، وما ألحق بها من علوم، ويعد من القلة المتقنين لهذه العلوم والفنون من المشايخ بدولة الكويت، وهو من بلاد أفغانستان. وكان قدومه لدولة الكويت في منتصف السبعينيات، وله معرفة تامة في الكتب والطبعات القديمة النادرة وكذا المخطوطات، إذ يُعد ممن له خبرة كبيرة فيها وله شوق كبير للكتب واقتنائها، ويرجع هذا الأمر إلى أيام شبابه إذ إنه كانت لديه مكتبه في بلادة هيرات بأفغانستان لبيع الكتب، وكان يسافر إلى بيروت وسورية وإيران والعراق ومصر لجلب الكتب وشراء الأعداد الكثيرة من الطبعات البيروتية التي كانت تعرف بجودة طباعتها. ابتدأ العلوم كعادة طلبة العلم حيث قرأ العلوم الأولية وقراءة القرآن الكريم على والده الحاج ملا صالح محمد، ثم تنقل في قراءة العلوم الأخرى وتوسع بها على كل من المشايخ: الحاج ملا عبدالرحمن، الحاج ملا عبدالحبيب، الحاج مولوي محمد قسيم المعروف بجناب مولوي صاحب رحمهم الله جميعاً، والعالم النبيل الفاضل مولوي عبيد الله حفظه الله.ومنذ قدم الكويت عين فيها مؤذناً في كثير من المساجد في منطقة القبلة وشرق والمرقاب واستقر به الأمر أخيراً بمسجد الحمد بالمرقاب حيث كان فيه أكثر من عشرين عاماً إلى قبل وفاته، إذ توفي في المسجد نفسه، وهو نائم بعد أن صلى الظهر في مسجده نفسه رحمه الله.إضافة إلى عمله بالأذان في المساجد التي عمل بها، كان يدرس للطلبة ولم ينقطع عن تدريس العلوم حتى وقت وفاته، إذ كان أحد الطلبة ينتظر درسه بعد صلاة العصر، وما إن علم الطالب بهذا الأمر إلا بادر بالاسترجاع وهو الذي قام بتبليغ حالة الوفاة.واستفاد من الشيخ كذلك إدارة المخطوطات بوزارة الأوقاف بدولة الكويت لكشفه الكثير من المخطوطات التي كانت تعد من المجاهيل في الفنون أو المؤلفين، فقام رحمه الله بتبين نوع الفن وما هو الكتاب واسم مؤلفه من خبرته في الفنون والمؤلفين، كما عمل في تحقيق بعض الكتب وتبييض بعض المخطوطات المهمة التي كان يستعين بها في تدريس العلوم والقراءة بها، لكن لم يخرج له شيء من مؤلف أو تحقيق.وكان رحمه الله كثير الشغف للمخطوطات، وكان دائم المرور على مكتبة وزارة الأوقاف للمخطوطات ومكتبة جامعة الكويت ودار الوثائق والمخطوطات بالجابرية وغيرها من الأماكن التي عرفت بالمخطوطات بدولة الكويت، وكان لا يأتي معرض الكتاب إلا وتجده من أوائل الزائرين له ويجلس في المعرض من أوله ما يفتح صباحاً، حتى المساء، فيتعرف كل ما في المعرض من كتب جديدة إن استطاع اشتراها وإلا علم بطباعتها وأوصى من يعرفه بشرائها، لتكون قريبة منه.وتتلمذ على يدي الشيخ عبدالباسط رحمه الله - واستفاد منه - الكثيرون من طلبة العلم بدولة الكويت ولكثرتهم يخطئهم العد، ممن كان يدرس عنده النحو أو الصرف أو المنطق أو البحث والمناظرة أو أصول الفقه أو الفقه الحنفي أو التفسير أو المواريث ونحوها من العلوم، وأذكر منهم الذين استطعت أن أذكرهم: كل من كاتب هذه الأحرف والدكتور أنور شعيب عبدالسلام، والدكتور وليد عبدالله المنيس، والدكتور خالد عبدالله الشعيب، والدكتور عبدالرؤوف محمد الكمالي، وكثيرون غيرهم. وممن كان له ارتباط وقرب منه، وكان الشيخ يثني عليه الخير على خدمته له وتسهيل الصعاب، وكذا استمر على هذه الحال بعد وفاة الشيخ، إذ قام بالسعي والوقوف مع الجنازة حتى آخر أمرها، وهو فضيلة الشيخ ذاير فارع هليل المطيري. وأرجو المعذرة ممن لم أتمكن من ذكرهم من طلبة الشيخ رحمه الله وأسكنه أعلى فراديس الجنان.ياسر إبراهيم المزروعي

ياسر صالح

ياسر صالح / من واقع الحال / القرية الفاضلة للشيطان الأكبر
عائلتان، على رأس كل منهما شخص شديد الظلم لأولاده وبناته، أحد هذين الشخصين ذو سلوك متزن مع المحيط خارج العائلة، مرتبط بمجتمعات وتجمعات نظيفة ذات مصداقية، أما رب العائلة الآخر فمجرم فاسد داخل في ارتباطات مع شبكات فساد وإجرام كبيرة لا يستطيع منها فكاكاً حتى ولو أراد لطبيعة هكذا نوع من العلاقة التي لا ترحم من يتمرد عليها.سمعنا ذات يوم عن احتجاجات تقوم بها مجموعة من الأبناء في كل من العائلتين مطالبين برفع الظلم عنهم، ورفع يد رب العائلة عن التحكم بهم وبشؤونهم... هذا كل ما عرفناه عن الحركة المطلبية للأبناء في كل من هاتين العائلتين، فهل يكفي هذا القدر من المعلومات لنقوم بتأييد هذه العملية المطلبية التحررية في العائلتين، وهل مسطرة التأييد يجب أن تكون واحدة ومتطابقة في الحالتين؟لا شك بأنه وللوهلة الأولى سيحكم موقفنا نداء الفطرة الذي في داخلنا، الرافض للظلم، المؤيد لأي عملية تحرر منه، بل قد تدفع بعضنا الحماسة لاتخاذ خطوات عملية في مناصرة وتأييد وتشجيع هؤلاء الأبناء في كلتا العائلتين، ولكن، ماذا لو تكشفت لنا معلومة إضافية عن محركي التحرر في هاتين العائلتين.. ماذا لو علمنا بأن الابن المتزعم لحركة التحرر في عائلة رب الأسرة المتزن هو ابن ذو توجهات فاسدة، مرتبط بشبكات الفساد، وأن هناك إمكانية جدية في حال رفعت يد رب العائلة عنها بأن يربط هذا الابن أفراد عائلته ويرتهنهم لهذه الشبكات، أما في العائلة الأخرى ذات الرأس الفاسد فالوضع معاكس، حيث ان قيادة الحركة التحررية هي من أبناء متزنين ذوي مصداقية وأن وضع هذه العائلة سيكون بلا شك أفضل لو رفعت عنهم يد الشخص الفاسد المرتبط بشبكات الفساد.هذه المعلومة الإضافية حين توضع على المشهد، والتي تصف نوعية القيادة المحركة للاحتجاجات وتبين احتمالات المآلات لهاتين العائلتين، ألا تغير من طبيعة موقفنا واندفاعتنا الأولية، ومن ثم تدعونا لنبدأ بالتفريق في طبيعة التعامل مع الحالتين.التعامل المنطقي العقلاني المنسجم مع الاندفاع الفطري لكلتا الحالتين وهو من خلال مسطرة واحدة وهو أن نؤيد أصل عملية الاحتجاج على الظلم ومحاولة تغيير الواقع للابناء في كلتا العائلتين، ولكننا يجب أن نفرق بين الخطوات التي ينبغي أن تأخذها هذه العملية الاحتجاجية في الحالتين لأن ما كنا نؤيده ونتعاطف معه في الحقيقة هو حصول العائلتين على وضع أفضل بل ومثالي، ولم يكن تأييدنا لمجرد الفعل وإلا كان تأييداً غير هادف، فمن المنطقي إذاً أن نؤيد ونساعد قلب الأوضاع على رب الأسرة المجرم الفاسد في حالة العائلة الثانية، ونعمل على الضغط والمساعدة بالطرق المختلفة على إصلاح الوضع في العائلة الأخرى والحيلولة دون وقوعها في براثن شبكات الفساد والجريمة التي يريد الأخ الفاسد أن يجر العائلة إليها في الحالة الأولى.هذا هو بالضبط موقفنا في ما يخص المطالب الشعبية في سورية كمثال شبيه وليس مطابقا تماماً للوضع العائلي في الحالة الأولى، وكذلك موقفنا من بقية الثورات والمطالب الشعبية في دول أنظمة «الاعتلال» كمثال مطابق للوضع العائلي في الحالة الثانية. إننا لا نرى أن هناك فساداً واجراماً أكبر من الارتباط بالشبكة الشيطانية المتمثلة بالحلف الصهيوأميركي المجرم القاتل والمفسد... لذلك فإنه من الواضح أننا إذا رأينا هذا الحلف يقف مع قيادة أو حراك فهذا مدعاة للريبة على أقل تقدير بطبيعة هذا الحراك وارتباطاته، فمن المستحيل أن يقف الشيطان مع الفضيلة والحق إلا إذا كان تمويهاً واستدراجاً، ولذلك نرى أن الموقف المثالي كما يتبناه الحلف الصهيوأميركي هو تشجيع الاحتجاجات التي تصب في مصلحته، ومحاولة حرف والتآمر وتغطية القمع والجرائم بحق الثورات الشعبية الشريفة التي تقع ضد حلفائه في نظم «الاعتلال». هذه هي المعالم الحقيقية للقرية الفاضلة حسب متبنيات هذا الشيطان الأكبر.ياسر الصالحكاتب وأكاديمي كويتيyasseralsaleh@hotmail