هاشم عبدالله / بين ثقافتين

تصغير
تكبير
هناك الكثير من الأخبار المتناثرة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لا تلقى أي اهتمام من المتابعين، لأنهم يتوقفون فقط عند الأخبار التي تبرزها وسائل الإعلام في عناوين عريضة ومثيرة، أما الأخبار الصغيرة التائهة وسط غابة الأخبار الكبيرة فلا تحفز فضولهم للتوقف عندها والتأمل في مضامينها.

لقد توقفت ملياً عند خبر ورد في إحدى وسائل الإعلام مفاده أن المليارديرين الأميركيين وارن بوفت وبل غيتس صاحبي شركة «مايكرو سوفت» يقودان حملة تبرعات استطاعا من خلالها اقناع 34 مليارديراً آخرين للتبرع بنصف ثرواتهم وهم على قيد الحياة لصالح الجمعيات الخيرية، ومراكز الأبحاث العلمية، والمؤسسات ذات الأنشطة والخدمات الإنسانية، وقد بادر بل غيتس فوراً بالتبرع بمبلغ 22 مليار دولار، وهو مبلغ يمثل نصف ثروته!

ما ان سمعت هذا الخبر حتى رحت أقارن بين أثرياء الغرب «الصليبيين» «الكفرة»، والأثرياء العرب «المؤمنين» الذين يقضون حياتهم في أعمال «البر والتقوى» كما يرد في بيانات نعيهم عندما يزورهم ملك الموت، فرغم أن بل غيتس ورفاقه قد جمعوا ثرواتهم بالجد والاجتهاد والمثابرة والعبقرية التي أدت الخدمات العظيمة للإنسان والحضارة، إلا أنهم أبوا إلا أن يشاركهم أبناء مجتمعهم في الاستفادة من هذه الثروات.

أما بعض الأثرياء العرب، فاننا نعرف كما يعرفون أنهم توسلوا بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة في بناء ثرواتهم وتضخيم أرصدتهم، ولا داعي لضرب الأمثلة وسوق الأدلة لأن أخبار الفساد المالي في عالمنا العربي، وأحاديث التطاول على المال العام، وحكايات الرشى، والصفقات المشبوهة، تفقأ العيون وتصم الآذان وتزكم الأنوف.

ان هاتين الظاهرتين تعودان في جذورهما إلى ثقافتين متباينتين هما ثقافة الإيثار في الغرب، وثقافة الأثرة والاحتكار عند الأثرياء العرب، فالثري الغربي يترك شطراً من ثروته لأبنائه وعائلته، ويقدم الشطر الآخر للمجتمع كبادرة لخلق ثقافة مجتمعية متقدمة، أما الثري العربي فانه يحرص على أن تنتقل ثروته بتمامها وكمالها إلى أبنائه فقط (في بعض الأحيان يهضم حقوق الإناث من الورثة وهي العقلية الجاهلية بعينها)، ولأن العربي قد جمع ثروته بالطرق التي أشرنا إليها مسبقاً فسرعان ما تدب الخلافات بين أبنائه، وتنشب بينهم النزاعات والتناحر، فيقودهم في نهاية المطاف إلى أروقة المحاكم، ويكون مصير هذه الثروة إلى جيوب المحامين والحراس القضائيين، ويتبدد ما تبقى منها على الملذات فتصبح وبالاً عليهم في الدنيا ونكالاً في الآخرة... اللهم أغننا بحلالك عن حرامك.

بناءً على ما تقدم فمن يرد من الآن فصاعداً أن يبحث في أسباب تقدم الغرب وتخلف العرب، فعليه أن يأخذ هذه الظاهرة في الاعتبار، فأثرياء الغرب يتبرعون بسخاء غير محدود، ويساهمون بثرواتهم في نهضة بلدانهم ويجعلون من ذلك ثقافة مجتمعية، أما الأثرياء العرب فلم يؤثر عن أحد منهم أنه قدم شيئاً ذا بال من أجل شعبه ومجتمعه.





هاشم عبدالله

كاتب كويتي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي