ياسر إبراهيم المزروعي / ذهب الذين يُعاش في أكنافهم

تصغير
تكبير
قبل أيام قلائل فقدت دولة الكويت عالما من علمائها الذين كان لهم دور بارز في تنشئة طلبة العلم بعلوم الآلة، وهو فضلية الشيخ مولوي عبدالباسط ملا صالح، والذي وافته المنية يوم الأثنين بعد صلاة الظهر 15 رمضان 1429هجرية الموافق 15/9/2009 ميلادية، مؤذن مسجد الحمد بمنطقة المرقاب، والذي عرف بإتقانه وتميزه لعلوم الآلة النحو، والصرف، والمنطق، والبحث والمناظرة، وأصول الفقه، والفقه الحنفي، والتفسير، والفرائض، وما ألحق بها من علوم، ويعد من القلة المتقنين لهذه العلوم والفنون من المشايخ بدولة الكويت، وهو من بلاد أفغانستان.
وكان قدومه لدولة الكويت في منتصف السبعينيات، وله معرفة تامة في الكتب والطبعات القديمة النادرة وكذا المخطوطات، إذ يُعد ممن له خبرة كبيرة فيها وله شوق كبير للكتب واقتنائها، ويرجع هذا الأمر إلى أيام شبابه إذ إنه كانت لديه مكتبه في بلادة هيرات بأفغانستان لبيع الكتب، وكان يسافر إلى بيروت وسورية وإيران والعراق ومصر لجلب الكتب وشراء الأعداد الكثيرة من الطبعات البيروتية التي كانت تعرف بجودة طباعتها.
ابتدأ العلوم كعادة طلبة العلم حيث قرأ العلوم الأولية وقراءة القرآن الكريم على والده الحاج ملا صالح محمد، ثم تنقل في قراءة العلوم الأخرى وتوسع بها على كل من المشايخ: الحاج ملا عبدالرحمن، الحاج ملا عبدالحبيب، الحاج مولوي محمد قسيم المعروف بجناب مولوي صاحب رحمهم الله جميعاً، والعالم النبيل الفاضل مولوي عبيد الله حفظه الله.
ومنذ قدم الكويت عين فيها مؤذناً في كثير من المساجد في منطقة القبلة وشرق والمرقاب واستقر به الأمر أخيراً بمسجد الحمد بالمرقاب حيث كان فيه أكثر من عشرين عاماً إلى قبل وفاته، إذ توفي في المسجد نفسه، وهو نائم بعد أن صلى الظهر في مسجده نفسه رحمه الله.
إضافة إلى عمله بالأذان في المساجد التي عمل بها، كان يدرس للطلبة ولم ينقطع عن تدريس العلوم حتى وقت وفاته، إذ كان أحد الطلبة ينتظر درسه بعد صلاة العصر، وما إن علم الطالب بهذا الأمر إلا بادر بالاسترجاع وهو الذي قام بتبليغ حالة الوفاة.
واستفاد من الشيخ كذلك إدارة المخطوطات بوزارة الأوقاف بدولة الكويت لكشفه الكثير من المخطوطات التي كانت تعد من المجاهيل في الفنون أو المؤلفين، فقام رحمه الله بتبين نوع الفن وما هو الكتاب واسم مؤلفه من خبرته في الفنون والمؤلفين، كما عمل في تحقيق بعض الكتب وتبييض بعض المخطوطات المهمة التي كان يستعين بها في تدريس العلوم والقراءة بها، لكن لم يخرج له شيء من مؤلف أو تحقيق.
وكان رحمه الله كثير الشغف للمخطوطات، وكان دائم المرور على مكتبة وزارة الأوقاف للمخطوطات ومكتبة جامعة الكويت ودار الوثائق والمخطوطات بالجابرية وغيرها من الأماكن التي عرفت بالمخطوطات بدولة الكويت، وكان لا يأتي معرض الكتاب إلا وتجده من أوائل الزائرين له ويجلس في المعرض من أوله ما يفتح صباحاً، حتى المساء، فيتعرف كل ما في المعرض من كتب جديدة إن استطاع اشتراها وإلا علم بطباعتها وأوصى من يعرفه بشرائها، لتكون قريبة منه.
وتتلمذ على يدي الشيخ عبدالباسط رحمه الله - واستفاد منه - الكثيرون من طلبة العلم بدولة الكويت ولكثرتهم يخطئهم العد، ممن كان يدرس عنده النحو أو الصرف أو المنطق أو البحث والمناظرة أو أصول الفقه أو الفقه الحنفي أو التفسير أو المواريث ونحوها من العلوم، وأذكر منهم الذين استطعت أن أذكرهم: كل من كاتب هذه الأحرف والدكتور أنور شعيب عبدالسلام، والدكتور وليد عبدالله المنيس، والدكتور خالد عبدالله الشعيب، والدكتور عبدالرؤوف محمد الكمالي، وكثيرون غيرهم. وممن كان له ارتباط وقرب منه، وكان الشيخ يثني عليه الخير على خدمته له وتسهيل الصعاب، وكذا استمر على هذه الحال بعد وفاة الشيخ، إذ قام بالسعي والوقوف مع الجنازة حتى آخر أمرها، وهو فضيلة الشيخ ذاير فارع هليل المطيري. وأرجو المعذرة ممن لم أتمكن من ذكرهم من طلبة الشيخ رحمه الله وأسكنه أعلى فراديس الجنان.
ياسر إبراهيم المزروعي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي