كارولين بوين / الحكومات والأمن الغذائي
يصيب الجوع المزمن نحو 850 مليون شخص في العالم، بينما يتسبب الجوع والفقر معاً بحصد أرواح 250 ألف شخص يومياً. لتذكيرنا بهذه المأساة غير المقبولة، قامت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة بالاحتفال بيوم الغذاء العالمي الشهر الماضي رافعة شعار «حق الحصول على الطعام». لكن، كان يجب على المنظمة التركيز على الحقوق التي تهم «المزارعين الذين لا يملكون أراض وسكان الأحياء الفقيرة في المدينة والأشخاص شديدي الفقر» وإعطاؤهم حق التملّك ونقل الملكية والحق بالمتاجرة بحرية محلياً وعالمياً.النوايا الحسنة ليوم الغذاء العالمي فشلت في تحديد الأسباب الحقيقية للجوع، والمجاعات والفقر. وتساءل المدير العام للمنظمة جاك ديوف «إذا كان عالمنا ينتج طعاماً كافياً لإطعام جميع السكان، فلماذا هناك 854 مليون شخص مازالوا ينامون ومعداتهم فارغة؟» الجواب هو سياسات الحكومات الهدّامة.باسم المزارعين الذين يعيشون حياة الكفاف والجائعين، قامت حكومات كثيرة بالسيطرة على الزراعة فقط لتدميرها وتركها بلا أرباح. هيئات تسويق الغذاء والعوائق التجارية لحماية الإنتاج الوطني والتعرفة الجمركية العالية كلها جعلت المزارعين أشد فقراً وقللت المحاصيل الزراعية وآذت المستهلكين.تمنع هذه العوائق المزارعين من بيع إنتاجهم بربح، وبالتالي تجعل كلاً من المزارع والمستهلك يعانون من الجوع. أثناء أزمات الغذاء والمجاعات، يصبح الضرر الذي تسببه العوائق الاعتباطية على الصحة والحياة واضحاً. أثناء المجاعة التي حدثت في كينيا السنة الماضية، كانت المحاصيل ذات وفرة في الجزء الغربي من البلاد، بينما كان الناس متضورين جوعاً في الشمال. هذا شيء ليس نادر الحدوث، وللأسف سيتكرر إلى أن يُسمح للأسواق بالعمل وأن تتحرر من سياسات الحكومات.كما أن العوائق التجارية تمنع المزارعين من الوصول إلى التكنولوجيا الزراعية، كالمبيدات والسماد والبذور المهجنة التي يمكنها أن تحد من العمل الشاق إلى حد كبير وتحسين المحاصيل الزراعية. ففي الموسم الزراعي الواحد يستغرق المزارعين الموجودين في جنوب الصحراء الكبرى ما بين 60 و120 يوماً لتنظيف الحقل من الأعشاب الضارة.في الحقيقة، لا يوجد مكان يضع تعرفة جمركية لاستيراد المنتجات الزراعية أعلى من تلك التي في جنوب الصحراء الكبرى حيث معدل ارتفاع الأسعار وصل 33.6 في المئة، أي بعيدة عن متناول من هم في أمسّ الحاجة إليها؛ وهم الـ 70 في المئة من الناس الذين يعيشون من إنتاج الأرض.يكلف السماد الأفريقيين ستة أضعاف السعر العالمي. قام رؤساء الدول والحكومات لأكثر من 40 دولة ممن هم أعضاء في الاتحاد الإفريقي بالموافقة على «إجراء فوري لإزالة الضرائب والتعرفات الجمركية عن السماد ومواده الأولية»، وذلك في قمة أبودجا في يونيو 2006. وقد مضى أكثر من عام ومازال لا يوجد هناك أي تقرير يدل على التحسّن، ومازالت العوائق التجارية على كل المنتجات من بين الأعلى في العالم. يصيب الجوع كل قطاعات الحياة من دون غذاء كاف، يصبح الناس غير قادرين على العمل وعلى تربية عائلاتهم وعلى الذهاب إلى المدارس، وأيضاً غير قادرين على مقاومة الأمراض. إن أفضل طريقة للوصول إلى الأمن الغذائي هي التأكيد على حرية الناس وحقهم في تأمين الغذاء لأنفسهم ولعائلاتهم. ويتوجب على الحكومات ليس فقط وقف التدخل بالزراعة ووهم الاكتفاء الذاتي، بل يجب عليها أيضاً أن تدرك أن الإنسان يكون أكثر قدرة ومسؤولية عندما يكون حراً.الحق في التملّك وتبادل الأموال سيشجع المزارعين على استثمار وقت ومال أكثر في أرضهم. وسيزداد عدد المزارعين الذين يستخدمون التكنولوجيا الزراعية إذا كانوا واثقين من أنهم سيحصلون على عوائد من استثمارهم. التملّك الآمن للأرض سيتيح أيضاً للمزارعين أخذ قروض بنكية باستخدام أرضهم كضمان. هذا سيتيح لهم الاستثمار لتحسين عملهم الزراعي، للبدء بمشاريع جديدة أو ببساطة توفير الصحة الجيدة والتعليم والرفاه لعائلاتهم.إن دعم حقوق الملكية وتمكين الناس من العمل في مشاريع من أجل بيع المنتجات والخدمات سيقلل من الجوع بشكل كبير. قد تبدو هذه السياسات غير مرتبطة بموضوع الغذاء، لكنها مرتبطة جداً بحريّات المزارعين لإنتاج الطعام وجني المال. وبالمقابل، فإن التدخل المستمر من الحكومات والوكالات العالمية ترك المزارعين جوعى وغير منتجين، مما يتسبب أيضاً بملايين الجوعى من الناس.منظمة الأغذية والزراعة على حق عندما تقول «إنه على الحكومات خلق بيئات ملائمة وآمنة ومستقرة وحرة ومزدهرة، بحيث يقوم الناس بإطعام أنفسهم بكرامة». لكن، هذا يعني زيادة سيطرة الناس على حياتهم وأرضهم وعملهم من دون سيطرة الحكومات.كارولين بوينباحثة في برنامج البيئة لشبكة السياسة العالمية، وهو مركز أبحاث مقره لندن. هذا المقال برعاية «مصباح الحرية»www.misbahalhurriyya.org