عمار تقي / المشهد الإسرائيلي في ذكرى يوم القدس العالمي
عمار تقيبعيد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، دعا سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني (رضوان الله عليه) المسلمين كافة في شتى بقاع المعمورة إلى اعتبار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس، والذي يصادف حلوله في مثل هذا اليوم.فقد جاءت دعوة الإمام الراحل لتنتشل قضية القدس من دائرة النسيان التي أراد لها الكثيرون أن تدخلها! فقد أراد الإمام (رحمه الله) لقضية القدس أن تبقى حاضرة في عقول المسلمين، وأن تتصدر صلب اهتماماتهم بجعلها قضية المسلمين المركزية. وجاء في الكلمة الشهيرة التي ألقاها الإمام الراحل بهذه المناسبة: «أدعو جميع مسلمي العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوماً للقدس، وأن يعلنوا من خلال مراسيمهم الخاصة دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم».واليوم، نجد أن يوم القدس العالمي لهذا العام يشهد سلسلة تحولات أساسية وجذرية داخل الكيان الصهيوني، وهي تحولات سيكون لها الأثر البالغ على مسيرة الصراع العربي الإسرائيلي، خصوصاً بعد الهزيمة التاريخية التي منيت بها إسرائيل على يد المقاومة الإسلامية في لبنان في يوليو 2006، عندما نجح أبطال «حزب الله» بملاحمهم البطولية الأسطورية أن يقهروا أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأن يكسروا شوكته، وأن يذلوه إذلالاً لا مثيل له في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فالكيان الصهيوني اليوم يعيش أزمة كبيرة جداً داخل قيادته السياسية ومؤسسته العسكرية في أجواء تنامت فيها أزمة الثقة بين الجمهور الإسرائيلي من جهة وقيادته السياسية والعسكرية من جهة أخرى، وهي أزمة لم تشهدها إسرائيل من قبل!أمنون دنكنر، المعلق السياسي في صحيفة «معاريف»، لخص المشهد الإسرائيلي الراهن بقوله: «آفاق إسرائيل تتلبد بالغيوم، والسحب تتجمع في السماء على المديين القريب والبعيد، هذا لم يحدث أبداً في تاريخها باستثناء حرب الاستقلال، وإسرائيل منذ ذلك الوقت لم تواجه مخاطر وجودية كبيرة إلى هذا الحد، إلى جانب مخاطر كنا ذات يوم نصاب بالفزع إذا سمعنا عنها، أما اليوم فنحن نشد الأكتاف ونقول: ليكن هذا قلقنا نحن»!على الصعيد السياسي، نجد أن الكيان الصهيوني مازال يعاني منذ العدوان الأخير على لبنان من سلسلة طويلة من الفضائح التي ضربت بأطناب هذه المؤسسة على مختلف المستويات نتيجة لتفشي ظاهرة الفساد والرشوة والتحرش الجنسي، بالشكل الذي جعل هذه المؤسسة في موقف لا تحسد عليه!أما«الطامة» الكبرى التي مازالت تبعاتها مسيطرة على المشهد الإسرائيلي اليوم فهي تكمن في العاصفة التي فجرها التقرير المرحلي للجنة فينوغراد، وهي اللجنة المكلفة بالتحقيق في إخفاقات العدوان الإسرائيلي على لبنان الصيف الماضي، والتي حمّلت القيادة العسكرية والسياسية في إسرائيل، بعبارات صريحة لا تقبل التأويل، مسؤولية فشل العدوان على لبنان، إذ تلقى رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت صفعة قوية من قبل لجنة «فينوغراد» عندما حملته شخصياً مسؤولية فشل العدوان على لبنان.لكن الجدل السياسي الجاري اليوم داخل الكيان الصهيوني لا ينصب على المطالبة باستقالة أولمرت أو بقائه في منصبه نتيجة لإخفاقه في حرب لبنان أو بسبب قضايا الفساد التي تورطت بها المؤسسة السياسية! الجدل الحقيقي الجاري اليوم في إسرائيل ينصب على نقطة أساسية وجوهرية، وهي الضرر الفادح الذي ألحقته المقاومة الإسلامية اللبنانية في عدوان يوليو 2006 بأصل كينونة وجود الدولة العبرية والمتمثلة في «قوة الردع» الإسرائيلية التي تعتبر العمود الفقري للكيان الصهيوني! ولذلك فإن الجميع في إسرائيل في حالة ارتباك وترقب حذر مع اقتراب موعد صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد الذي سيسلط الضوء على الأسابيع الأخيرة من العدوان الإسرائيلي على لبنان، وكما هو معروف فإن الضرر البالغ الذي أصاب قوة الردع الإسرائيلية جرى في الأيام الأخيرة من العدوان، إذ إنه من المتوقع أن يحدث التقرير النهائي أزمة كبيرة داخل الكيان الصهيوني على المستويات كافة!على صعيد المؤسسة الأمنية، دعونا نستعرض هذا المثال الذي يعكس جانب من الأزمة التي تعصف بهذه المؤسسة التي تشكل العمود الفقري للكيان الصهيوني! فقد أصدر أخيراً المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» تقريراً خاصاً عن قضية التهرب من الجيش الإسرائيلي التي تنامت بعيد العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان. فقد جاء في التقرير الذي نشره موقع المشهد الإسرائيلي أن «الشبيبة الإسرائيلية أصبحت أقل حماسة للتجنّد في صفوف الجيش الإسرائيلي وأقل رغبة في الانخراط ضمن الوحدات القتالية، وذلك في أعقاب عام واحد فقط على حرب لبنان الثانية في الصيف الماضي (2006) وما أسفرت عنه من نتائج كئيبة»! وعلق على هذا الموضوع الجنرال غدعون شيفر، الذي شغل في السابق منصب قائد «قسم القوى البشرية» في الجيش الإسرائيلي، بقوله: «إنه إذا لم تسارع الدولة إلى الاعتناء بهذه المشكلة فإنها ستتسع باطراد، وإنه إذا لم نفعل شيئاً فسنصل في الأعوام القريبة المقبلة إلى وضع لا يؤدي فيه 50 في المئة من شبابنا الخدمة العسكرية الإلزامية»! (المصدر السابق)أما المعلق العسكري غلعاد كاتس، فقد طالب بطرح موضوع الجيش على المجتمع الإسرائيلي بعد عزوف الشباب عن الالتحاق بالجيش! فقد ذكر كاتس: «لقد حان الوقت لأن يتم طرح موضوع مكانة الجيش في المجتمع الإسرائيلي للنقاش العام بصورة جادة». وأَضاف: «في إطار هذا الجدل ينبغي استيضاح ما إذا كان الجيش الإسرائيلي مازال يشكل بوتقة صهر أم أن الحديث يدور عن فكرة عفا عليها الزمان؟ هل واجب التجند الملقى على عاتق جميع شبان إسرائيل مازال ذا صلة، أم أنه ينبغي تحويل الجيش إلى جيش مهنيّ يحظى كل شاب يتجند فيه براتب، كما لو أنه يشتغل في عمل اعتيادي؟».(المصدر السابق)خلاصة القول، إن عزوف الشباب الإسرائيلي عن الخدمة العسكرية واهتزاز ثقة المجتمع الإسرائيلي بجيشه الذي كان يعرف بأنه لا يقهر وبحكومته وبكيانه بهذا الشكل اللافت، بالإضافة إلى المأزق السياسي الذي يعيشه الكيان الصهيوني هذه الأيام، ما كان ليحصل لولا الإعجاز التاريخي الذي صنعته المقاومة الإسلامية في لبنان، التي استلهم أبناؤها من الإمام الخميني ومن مناسبة يوم القدس العالمي روح الصمود والتحدي في وجه الاحتلال الصهيوني بعد أن أخذوا من صاحب هذه الدعوة مبدأ مقاومة المحتل ومقارعة الاستكبار. فقد جاء في خطاب الإمام الراحل: «يوم القدس العالمي ليس فقط يوماً خاصاً بالقدس، إنه يوم المستضعفين مع المتكبرين، إنه يوم مواجهة الشعوب التي عانت من ظلم القوى الكبرى». كاتب كويتيcom.ataqi. www