تأجيل الموعد المرتقب لانتخابات الاستحقاق الرئاسي في بيروت، افسح المجال أكثر لمزيد من المشاورات والاتفاق على الاسم الذي سيتحمل مسؤولية جسيمة في بلد لا يزال يعاني من انقسامات حادة بين تياراته السياسية، وما تشهده أرضه من حروب الآخرين، إضافة إلى استمرار مسلسل الاغتيالات الدموية التي لم تعد تطال الشخصيات السياسية، بل تعدتها إلى عموم المواطنين اللبنانيين. لهذا، فالمسألة ليست بسيطة بأن يترشح أحد الساسة لهذا المنصب الحساس في وضع سياسي متوتر ومحتقن بسبب تدخلات خارجية في الشؤون اللبنانية الداخلية، وما يشوبها من تصفية حسابات وترسية صفقات على حساب المواطن اللبناني البسيط. إن دخول وطن كلبنان ذي تاريخ طويل من الوفاق السياسي بين مختلف وجميع طوائفه في صراع مصالح بغيض، ليزيد من قلق وتخوف أجيال هذا الوطن من مستقبله الغامض، لا سيما وأن أشباح الماضي لا تزال تطل برؤوسها من نوافذ محطمة نتيجة التراشق السياسي، فقد مل أبناء هذا البلد الجميل هذا التكالب على امتصاص رحيقه الوطني، وما قد يكون ثروة مخزنة لأجيال قادمــــة، لأن هذا التـــنافس سيؤدي إلى تنامي حـــــركات الهجرة من أبناء لبنان بحثاً عن الاســــــتقرار وبناء حياة آمنة خارج حدود لبنان، وكأن العملية منظمة لتهجـــــيرهم، بما يـــشكل ضــــغـــطاً نفــــسياً على الباقيـــن في مثل هذا الوضع الساخن الذي خلقه العداء السياسي بين تيارات لبنان، رغم رغبـــة الغالبية الكبيرة في عدم الانجرار نحــــو أعمال عنف مسلحة.
إن ما يتعرض إليه لبنان من استباحة لشؤونه الداخلية ناتج عن فتح الأبواب لمثل هذه التدخلات الأجنبية، وغلق أبواب الحوار الوطني الداخلي، ومتى ما استمع أبناء الوطن الواحد لأصوات خارجية زادت هوة الفرقة والخلاف بينهم، إلى جانب أن هناك من يلعب على وتيرة حماس الشباب، ويجند طاقاتهم لتحقيق مآربه في خلق جو مشحون من المناوشات والصدامات بين بعضهم البعض، مما قد يكون ذريعة لانتقال الصدام إلى داخل أروقة المؤسسات التعليمية والحكومية والأهلية، وهناك من يحاول تمزيق وحدة المؤســـسة العسكرية التي أثبتت حيادها، حتى الآن، في مواجهاتها في نهر البارد، وهو ما يجب استغلاله بصورة فعلية إيجابية في أن الجيش هو الدرع الحصين والوحيد للبنان.
إذاً المهمة شاقة جداً على من سيتحمل مسؤولية الرئاسة المقبلة، لأنها لن تكون شرفية بقدر ما أنها تكليف صعب في استعادة لبنان ثانية إلى أحضان الأمن السلمي والاستقرار والعمل على تعزيز الدور الوطني في إدارة وصيانة شؤونه الداخلية، وتطوير القطاعات الاقتصادية بما يعيد المهاجر اللبناني، ليستثمر طاقاته وكفاءته في وطنه، فتخرس كل الأقلام الناعقة على هواها وكل الأصوات النشاز التي يشوبها التعصب الطائفي والحقد الأعمى على لبنان والتي لا تزيد الوضع إلا تشاؤماً وتمزيقاً للوطن الواحد، مع يقيننا بأن القناعة والثقة بعودة لبنان هي بيد اللبنانيين دون غيرهم، فهم وحدهم الذين يملكون حق تقرير مصير وطنهم ومستقبلهم، فلبنان للبنانيين فقط. والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
فهد توفيق الهندال
إعلامي وكاتب كويتي
[email protected]