محمد الدلال / أفكار / بين ثقافتي البناء والهدم
أكاد أجزم أن الثقافة السائدة في مجتمعنا السياسي حالياً تطغى عليها مفاهيم الهدم لا البناء، فمن يتابع مجريات الشأن السياسي من خلال ما تناقلته الصحافة من تراشقات، وقذائف هجومية، وعبارات جارحة، وتشكيك بالنوايا كلها من دون استثناء، واختلاف في بنية العلاقة بين السلطتين، وتشرذم القوى والتيارات السياسية دليل واضح لهذه الثقافة الهدامة. والمصيبة الأكبر أن هذه المفاهيم والثقافة الخاطئة تقدمت إلى الأمام وأصبحت هي الأساس، وبالمقابل تراجعت مفاهيم البناء والتنمية والإصلاح الجاد للمجتمع أشواطاً عدة في ظل عجز وتردد المصلحين والصالحين ورواد التنمية عن إيقاف هذا المد الهدام، والذي يقضي على الأخضر واليابس في الدولة والمجتمع، وتناسى الكثيرون، والعديد منهم من صناع الرأي أو النخب أو قادة المجتمع، أن الهدم والتشكيك والتخوين وتغليب الأجندات الخاصة على المصلحة العامة لم يبنِ دولة متقدمة في تاريخ البشرية، ولم يحقق رفاهية للشعوب أو يدعم اقتصادها، ولم يمنع فساداً، ناهيك عن مواجهته ولم يطور تعليماً أو يعالج تدهور خدمات الصحة أو يقضي على مشكلة غلاء الأسعار الجنونية المهلكة لذوي الدخل المحدود. وقد قيل إن «آفة الرأي الهوى»، أي أن ثقافة الهدم أو بالأحرى ثقافة كل من يسعى إلى تنفيذ أجندته الخاصة أولاً، وليذهب الجميع بعد ذلك إلى الجحيم، تعتبر من أبرز مآسي طغيان مفاهيم تفضيل الفرد أو العائلة أو التيار أو الحزب أولاً على حساب المجتمع. إنها ثقافة اللاتوازن بين أهواء وحقوق الفرد من ناحية والمجتمع من ناحية أخرى، وفي كلتا الحالين فإن التجربة الإنسانية تشير إلى فشل أيديولوجيات وثقافات غلبت طغيان الفرد على حساب المجتمع، وكذلك فشل طغيان مفهوم المجتمع على حساب الفرد، والخير كله في التوازن والاعتدال بين الحقين. إننا في الكويت بحاجة ماسة إلى وقفات جادة لإعادة التوازن المفقود في إدارة الشأن السياسي، والحاجة أكبر إلى رواد ومصلحين ومن ألوان الطيفين السياسي والاجتماعي كافة يرفعون راية الإصلاح وتغليب المصلحة العامة على الخاصة ويبادرون بخطوات عملية تتجاوز «التحلطم»، والذي أضحى ثقافة سائدة أخرى في المجتمع الكويتي. نعم، نريد تعزيز روح التفاؤل بين أفراد الشعب بأن المستقبل لن يكون لمصلحة أفراد أو أحزاب الهدم، بل أن يبادر منا الصالحون وأهل الحرقة على مستقبل البلد للعمل على ترويج ثقافة البناء وثقافة التوازن وثقافة التنمية.فكرة: ليبادر عدد من المخلصين لتشكيل لجنة تحضيرية للعمل على عقد مؤتمر وطني للإصلاح السياسي ودعم التنمية بمشاركة أصحاب الرأي من ألوان الطيفين السياسي والاجتماعي. محمد الدلالكاتب كويتيFekrah08@gmail.com