فاروق حجي مصطفى / ما زال الوقت مبكراً عن سقوط النظام السوري...!

تصغير
تكبير
منطقياً، وهذا التصور موجود في ذهن كل شخص سوريا كان أم غير سوري أن هذا النظام (السوري) لا يسقط إلا بوسيلة غير سوريّة (دوليّة كانت أم عربيّة)، لأنّ الوسائل السورية المستخدمة من قبل المتظاهرين والمعارضة وهندستها يعرفها النظام ويعرف إمكاناتها ومداها، ويعرف كيف (ومتى) يتم القضاء عليها، عبر حيّل مدرب عليها منذ عقود من الزمن. جاوزت الـ (40) عاماً على بناء دولة على مقاسها، وأسس مجتمعاً، مشكوك بذاته، ومن حوله، وقام بتحويل هذا المجتمع إلى وضع شبيه بوضع السمك الذي لا يعيش إلا في بيئة تفوح منها رائحة الشموليّة. لم يتعوّد مجتمعنا السوري رؤية الصح إلا من خلال ما يقول له نظامه، والنظام أوقع هذا المجتمع في وضع لا يسمح له رؤية ذاته إلا من خلاله: أي يضيع عندما يخفي الراعي (ثقافة القطيع)، وذلك ليُسهل على نفسه مهمّة تدمير روح وشروط القوة الواردة من مصادرها الداخليّة لكي لا يبقى غير هذا الخيار الموجع وهو خيار الاستنجاد بمصادر (القوة) الخارجيّة (العربيّة كانت أم أجنبيّة) للمجتمع، هذا فضلاً عن أن قوة النظام الأمنيّة والعسكريّة والإعلاميّة تعيق السقوط مهما تكن قوة ارتدادها من مصادرها الخارجية (المعارضة السياسيّة في الخارج) أو داخلية (الغليان الشعبيّ) ما يدفع بالمجتمع إلى البقاء في خانة الخوف ليس من القمع فحسب إنما من المستقبل أيضاً هذه المرة. لذلك نرى انّ السوريين قبلوا بالمبادرة العربيّة ورأوا فيها فرصة سانحة للنظام حتى يترك السوريون وشأنهم، ولعل المبادرة العربيّة الأولى كانت ورقة مهمة للنظام قبل الشعب، حيث لو قَبِل النظام بها لخرج منتصراً، والشعب السوري بل حتى المعارضة قبلت بالمبادرة لأنهم يريدون تجنيب أنفسهم من ويلات الحروب في وقت يستحق فيه السوريون الحرية واستعادة الكرامة. فالسوريون يعرفون انّ تعريب أزمتهم يعني لهم:

أولا: يحافظون على الصبغة الوطنيّة للحراك ويضحدون فكرة المؤامرة، وتالياً يزيلون صفة العمالة عن المعارضة في الخارج، هذا فضلاً عن تعريب المسألة السوريّة (ربما ) يحقق نوعا من التوازن في المشهد السياسيّ الداخليّ الذي يتأثر ويُؤثر في المشهد السياسيّ الإقليميّ. أما ثانيا: يُجنَب السوريين من ويلات الحروب، ومن تواجد العنصر الأجنبي (الغربي) بشكل مباشر هذا إذا تم التدخل الخارجي.

بيئة التدخل الخارجي...

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو، هل هناك رغبة حقيقيّة لدى الغرب بدخول سورية عسكرياً؟ حتى الآن لا وربما على المدى المنظور أيضاً يصعب التدخل الخارجي. وبعيداً عن العامل الإسرائيلي، ووضع سورية الجيوبوليتيكي وأهميّة النظام الأمنيّ كونه يمتلك الخبرة (والمقدرة) في تفاصيل دقيقة في الأمور السياسيّة والأمنيّة في الشرق الأوسط لذا الغرب يجاهر بالقول وبشكل صريح وجليّ بانّهم «لن ندخل سورية عسكرياً» لأنّ الظروف والشروط المواتية للتدخل لم تنضج بعد. والحقّ انّ سورية ليست ليبيا. ليبيا على طرف الوطن العربيّ، وهي أفريقيّة في جغرافيتها وسكانها، ونحن نعلم أهميّة أفريقيّة بالنسبة للغرب خصوصاً بعد التواجد الصيني الكثيف في هذه القارة. إذاً وجود «الناتو» في تلك المنطقة له ضرورة استراتيجيّة قبل أي اعتبار آخر غير أن سورية التي هي في عمق العرب وفي عمق بحر من التوتر الأمنيّ والسياسيّ والمجتمعيّ. العراق (مثلاً) ما زال يعاني من سوء أحوالها الأمنيّة، ولبنان في حالة لا الحرب ولا السلم بين مكوناتها عملياً لكنه في حالة من التأهب، ويبدو انّه على مرمى حجر من حرب داخلية مدمّرة. ويتراءى للجميع انّ ثمّة أطرافا تعد العدة للدخول في معركة الصراع التناحري بين مكوناتها المجتمعيّة. إسرائيل وان كنا نسمع منهم تصريحاً من هنا و هناك بـ «زوال النظام السوري قريباً» إلا انّ لا موقف رسميا مباشرا من الأزمة السوريّة سمعناه منهم، ومن يدري ربما لن نسمعه أبداً. ولعل هذا الموقف الضبابيّ والغامض من قبل إسرائيل يُفهم بانّ الغرب لم يحسم أمره بعد في «رحيل الأسد» أو بقائه. وإذا كان ثمة من يقول العكس ان الغرب قال كلمته وهو :الرحيل، فانّ المعطيات تقول: لا، وكل الكلام الغربي عن «رحيل الأسد» هو إسكات الرأي العام (الغربي) ليس إلا.

دون شك ثمّة تطور حاصل في الموقف الغربي من النظام السوري، وهذا مؤشر ايجابي ينعكس إيجابا على معنويات الثائرين والمعارضة السوريّة. هذا التطور في الموقف الذي يختلف عن موقفه في السابق (ما بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق وفي فترة ربيع دمشق) حينذاك كان الغرب يطلب من النظام السوري تحسين سلوكه، وحينما كان يُسأل منهم هل تريدون إسقاط النظام السوري كانوا يقولون: لا... جوابهم فقط كان يدور حول: نريد تغيير سلوك النظام؟ حتى شروط وزير الخارجية الأميركية الأسبق كولن باول (ما بعد سقوط بغداد) لم يتضمن سقوط النظام السوري انّما تضمن تعاون النظام مع النظام العالمي الجديد، وهذا ما ينبغي تغيير سلوك ومواقف سورية من بعض الأشياء الداخليّة والإقليمية. أما الآن، فالوضع مختلف. دخل في الخطاب السياسيّ الغربي مفردة جديدة وهي «رحيل الأسد» حتى وان كان الغرب غير جاد في هذه، فإن لهذه المفردة دلالاتها، ولعل أهم دلالة تشير إلى انّ النظام على شفا حفرة من الرحيل. وهذا ما ُسرّب أخيراً، إذ قال الأميركيون للنظام السوري: «كل الاحتمالات موجودة على الطاولة».

موقف الغرب... من الكرد والفلسطينين

والحقّ انّ الأميركيين لم يحسموا موقفهم من رحيل أو عدم رحيل الأسد، وهذا الموقف ليس نابعا من مواقف الروس القابلة للتغيير فور ما يقولوه الأميركيون لهم: «حقكم محفوظ». من الواضح انّ الأميركيين لم يتفقوا حتى الآن مع إسرائيل. وسيُصعب التفاهم بين الاسرائيليين والأميركيين لحين حدوث تطور في موقف حركة «حماس» من إسرائيل، وهذا صعب جداً في ظل تردد «حماس».

ولا نستغرب انّه حتى البارحة (زيارة اسماعيل هنية لتركيا في الأسبوع الماضي) نرى انّ «حماس» وجهت رسالة غير مباشرة لتركيا مستغلاً وضع الكرد بانّها: مازالت تسبح في بحر إيران، إذ قال رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة اسماعيل هنيّة أثناء لقائه مع مسؤولين كرد في تركيا: «ديار بكرة حرة... والقدس تنتظر صلاح الدين الأيوبي الجديد...!!». إذاً ثمّة قضيتان تقفان عقبتين جديدتين أمام سقوط النظام السوري، القضيّة الفلسطينيّة، والقضية الكرديّة. وفي القضيتين ثمّة أطراف لا تحبّذ العلاقة مع الغرب. حتى وان تواجد في الباطن الكردي شيء اسمه «نتعامل مع الشيطان إذا كان هذا الشيطان يريد خلاصنا من الاضطهاد» إلا انّ في العموم الشعب الكردي يريد الحفاظ على العلاقة الحسنة مع الشعوب التي يتعايشون معها. ويعرف الكرد انّ لهذه الرغبة أثمانا باهظة إلا انّهم أمام مسؤوليّة أخلاقيّة ووطنيّة. هناك قاعدة لا يمكن القفز عليه وهي انّ الشعوب باقيّة والأنظمة راحلة، ولذلك في أثناء الصراع الطائفي في العراق تمنى الكرد من الكرد العراقيين أن يأخذوا في الاعتبار قاعدة مفادها: إذا كان للكرد العراقيين مثلث سني، فان للكرد في تركيا وسورية محيطا سنيا أيضا، وهذا يترتب عليهم التزامات ومسؤوليات لذلك سيقف الكرد إلى جانب الشعوب هذا مجتمعياً، أما سياسيّاً فهل يستطيع الكرد أن يُسحبوا أنفسهم من التجاذبات السياسيّة، هذا يتطلب ظروفا محددة!؟ فما دام الأتراك يتحسسون من شيء اسمه الكرد، فانّ الكرد لن يكونوا إلى جانب تركيا ومع من يسبح في بحرهم!!

ما قلنا في أعلاه مفاده أن الوضع الداخليّ السوريّ صار مهيئاً جداً أن يعيش دون نظام عمره (40) عاماً إلا انّ الوضع الإقليمي السوري ما زال يترنح بين أن يبقى النظام وبين أن يرحل النظام. وهنا ينتظر السوريون أمرين، إما أن تخاطر إسرائيل نفسها وتوافق على الصيغة الغربيّة بإزالة النظام دون حدوث تغيير في موقف حركة «حماس»، أو يغض الكرد الطرف عن الموقف التركي القامع لتوجهات الكرد، وهذا العامل ليس له أهميّة مثل أهميّة حدوث تطور في علاقة «حماس» مع إسرائيل...!!

بقي القول انّ هناك ملامح ضعف النظام واضحة وجليّة يراها كل من المؤيدين والمعارضين في الداخل السوري، وذلك من خلال استهتار الموظف بمهامه كموظف، وفقدان المواد الأساسيّة مثل الغاز والمازوت والبنزين والمواد الأوليّة الأخرى. وصار يشعر كل سوري بفقدان الأمان، وهم يحسبون أنهم معرضون لكل طارئ سيئ، هذا في الوقت الذي يُستهلك الوقت من قبل من يبحث عن الحلول في فلك «تعريب» المسألة و«تدويلها»، والنظام الذي يفعل كل شيء لكي يبقى عمراً آخر ليدمر حياة الناس السوريين مرة أخرى...!!



* المقال منشور بالتعاون مع مشروع منبر الحرية



فاروق حجي مصطفى

www.minbaralhurriyya.org
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي