ياسر صالح / من واقع الحال / القرية الفاضلة للشيطان الأكبر

تصغير
تكبير
عائلتان، على رأس كل منهما شخص شديد الظلم لأولاده وبناته، أحد هذين الشخصين ذو سلوك متزن مع المحيط خارج العائلة، مرتبط بمجتمعات وتجمعات نظيفة ذات مصداقية، أما رب العائلة الآخر فمجرم فاسد داخل في ارتباطات مع شبكات فساد وإجرام كبيرة لا يستطيع منها فكاكاً حتى ولو أراد لطبيعة هكذا نوع من العلاقة التي لا ترحم من يتمرد عليها.

سمعنا ذات يوم عن احتجاجات تقوم بها مجموعة من الأبناء في كل من العائلتين مطالبين برفع الظلم عنهم، ورفع يد رب العائلة عن التحكم بهم وبشؤونهم... هذا كل ما عرفناه عن الحركة المطلبية للأبناء في كل من هاتين العائلتين، فهل يكفي هذا القدر من المعلومات لنقوم بتأييد هذه العملية المطلبية التحررية في العائلتين، وهل مسطرة التأييد يجب أن تكون واحدة ومتطابقة في الحالتين؟

لا شك بأنه وللوهلة الأولى سيحكم موقفنا نداء الفطرة الذي في داخلنا، الرافض للظلم، المؤيد لأي عملية تحرر منه، بل قد تدفع بعضنا الحماسة لاتخاذ خطوات عملية في مناصرة وتأييد وتشجيع هؤلاء الأبناء في كلتا العائلتين، ولكن، ماذا لو تكشفت لنا معلومة إضافية عن محركي التحرر في هاتين العائلتين.. ماذا لو علمنا بأن الابن المتزعم لحركة التحرر في عائلة رب الأسرة المتزن هو ابن ذو توجهات فاسدة، مرتبط بشبكات الفساد، وأن هناك إمكانية جدية في حال رفعت يد رب العائلة عنها بأن يربط هذا الابن أفراد عائلته ويرتهنهم لهذه الشبكات، أما في العائلة الأخرى ذات الرأس الفاسد فالوضع معاكس، حيث ان قيادة الحركة التحررية هي من أبناء متزنين ذوي مصداقية وأن وضع هذه العائلة سيكون بلا شك أفضل لو رفعت عنهم يد الشخص الفاسد المرتبط بشبكات الفساد.

هذه المعلومة الإضافية حين توضع على المشهد، والتي تصف نوعية القيادة المحركة للاحتجاجات وتبين احتمالات المآلات لهاتين العائلتين، ألا تغير من طبيعة موقفنا واندفاعتنا الأولية، ومن ثم تدعونا لنبدأ بالتفريق في طبيعة التعامل مع الحالتين.

التعامل المنطقي العقلاني المنسجم مع الاندفاع الفطري لكلتا الحالتين وهو من خلال مسطرة واحدة وهو أن نؤيد أصل عملية الاحتجاج على الظلم ومحاولة تغيير الواقع للابناء في كلتا العائلتين، ولكننا يجب أن نفرق بين الخطوات التي ينبغي أن تأخذها هذه العملية الاحتجاجية في الحالتين لأن ما كنا نؤيده ونتعاطف معه في الحقيقة هو حصول العائلتين على وضع أفضل بل ومثالي، ولم يكن تأييدنا لمجرد الفعل وإلا كان تأييداً غير هادف، فمن المنطقي إذاً أن نؤيد ونساعد قلب الأوضاع على رب الأسرة المجرم الفاسد في حالة العائلة الثانية، ونعمل على الضغط والمساعدة بالطرق المختلفة على إصلاح الوضع في العائلة الأخرى والحيلولة دون وقوعها في براثن شبكات الفساد والجريمة التي يريد الأخ الفاسد أن يجر العائلة إليها في الحالة الأولى.

هذا هو بالضبط موقفنا في ما يخص المطالب الشعبية في سورية كمثال شبيه وليس مطابقا تماماً للوضع العائلي في الحالة الأولى، وكذلك موقفنا من بقية الثورات والمطالب الشعبية في دول أنظمة «الاعتلال» كمثال مطابق للوضع العائلي في الحالة الثانية.

إننا لا نرى أن هناك فساداً واجراماً أكبر من الارتباط بالشبكة الشيطانية المتمثلة بالحلف الصهيوأميركي المجرم القاتل والمفسد... لذلك فإنه من الواضح أننا إذا رأينا هذا الحلف يقف مع قيادة أو حراك فهذا مدعاة للريبة على أقل تقدير بطبيعة هذا الحراك وارتباطاته، فمن المستحيل أن يقف الشيطان مع الفضيلة والحق إلا إذا كان تمويهاً واستدراجاً، ولذلك نرى أن الموقف المثالي كما يتبناه الحلف الصهيوأميركي هو تشجيع الاحتجاجات التي تصب في مصلحته، ومحاولة حرف والتآمر وتغطية القمع والجرائم بحق الثورات الشعبية الشريفة التي تقع ضد حلفائه في نظم «الاعتلال». هذه هي المعالم الحقيقية للقرية الفاضلة حسب متبنيات هذا الشيطان الأكبر.



ياسر الصالح

كاتب وأكاديمي كويتي

yasseralsaleh@hotmail
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي