يستعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لزيارة إسرائيل، في محطة تحمل رمزيةً وهدفاً إستراتيجياً. يريد أن يكون هناك ليستغل الأضواء السياسية وينسب لنفسه الفضل في هذا الإنجاز. بالنسبة إلى ترامب، هذه لحظةٌ لاستعراض هيمنته: لإظهار أن الولايات المتحدة، بقيادته، فرضت النظام حيث سادت الفوضى.
أما بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو، فالأسباب مختلفة. فقد دعا ترامب إلى إلقاء كلمة في الكنيست ليُقدم نفسه كرئيس وزراء لا غنى عنه، الرجل الذي يضمن نفوذه الدولي مصالح إسرائيل.
يسعى الرجلان إلى الصورة عينها، ولكن لغايات متباينة. يريد ترامب أن يظهر كصانع القرار في إسرائيل؛ بينما ينوي نتنياهو إثبات أنه مازال يتمتع بمصداقية أقوى رجل في العالم.
إلا أن العلاقة بينهما، أصبحت متوترة. عندما أعلن ترامب عن المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار، أضاف عبارةً نزلت كالصاعقة على نتنياهو: «ستُعامل جميع الأطراف بإنصاف».
وللمرة الأولى منذ أعوام، كان رئيس أميركي يُلمّح إلى المساواة - وليس الامتياز - بين إسرائيل وخصومها.
نتنياهو، الذي بنى مسيرته المهنية على افتراض قدرته على التلاعب بصناع القرار الأميركيين ودعم واشنطن غير مشروط، أدرك فوراً قسوة الموقف. كانت العبارة تأكيداً على عدم ارتياح الولايات المتحدة وتوبيخاً لإفلات إسرائيل من العقاب. لقد أضرّت بصورة نتنياهو السياسية ودفعت حكومته إلى الإسراع للحد من الضرر.
أدرك نتنياهو منذ فترة طويلة أن الإطراء والامتنان المُصطنع والتصديق المستمر هي مفاتيح الحفاظ على انسجام ترامب مع المصالح الإسرائيلية. لكن هذه المرة، قد لا يكون الإطراء كافياً. بالنسبة إلى إسرائيل، فإن سماع أن الولايات المتحدة «ستُعامل جميع الأطراف بإنصاف» ليس مخيباً للآمال فحسب؛ بل إنه قطيعة مع أسطورة الاستثنائية التي رسخت عقوداً من السياسة العسكرية المفتوحة.
ومع ذلك، سارع رئيس الوزراء إلى تصوير المرحلة الأولى من الاتفاق على أنها نصر: إعادة الرهائن، والوعد الضمني بتفكيك سلطة «حماس»، وضمان استمرار المفاوضات في شأن النقاط الـ 19 المتبقية مع بقاء القوات الإسرائيلية في غزة وإخفاء تفاصيل اتفاق مبهم.
رسالة نتنياهو للجمهور هي أنه ضمن كل ما هو ضروري - السيطرة على خطوط الانسحاب، والتوقيت، ووتيرة العمليات - وأن إسرائيل ستتصرف وفقاً «لاحتياجاتها الأمنية»، وليس الضغط الأميركي.
لكن انتصار نتنياهو المعلن، جزئي في أحسن الأحوال. كان ترامب، الذي تولى منصبه في يناير 2025، قد منحه في البداية كل ما أراده. رفع القيود التي فرضتها إدارة جو بايدن، وأفرج عن الذخائر المحتجزة، وأيد استئناف إسرائيل للحرب الشاملة. كما دعم «عملية جدعون 2»، الهجوم على مدينة غزة، وحمى إسرائيل دبلوماسياً باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد كل قرار للأمم المتحدة يدين أفعالها. غضّ الطرف عن المجاعة التي صنعها الحصار الإسرائيلي، بل ردّد صدى خطط ما يُسمى «ريفييرا غزة»، وهي رؤية لإعادة الإعمار قائمة على تهجير الفلسطينيين.
فسّر نتنياهو كل هذا على أنه تصريح مفتوح لمواصلة الحرب إلى أجل غير مسمى. كان يعتقد أنه يستطيع الاعتماد على تساهل ترامب طالما حافظت إسرائيل على سردية التقدم ضد «حماس».
انهار هذا الوهم عندما فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهداف الحكومة في 730 يوماً بعد قتل 76 ألف فلسطيني، وجرح أكثر من 210 آلاف، وتدمير أكثر من 80 في المئة من القطاع.
أدرك ترامب أنه ونتنياهو أصبحا معزولين في شكل متزايد - رجلان يتحدّيان الرأي العام العالمي، ومتهمان بإدامة حرب يعتبرها العالم الآن كارثة أخلاقية وسياسية.
في العواصم الغربية والشوارع العربية على حد سواء، حوّل الغضب الشعبي إزاء دمار غزة إسرائيل من رمز للصمود الغربي إلى كيان منبوذ. ووصف أحدث تقرير للأمم المتحدة الوضع في غزة بأنه إبادة جماعية.
بالنسبة إلى ترامب، تغيرت الحسابات: لم يعد استمرار الحرب استعراضاً للقوة، بل مسؤوليةً تُستنزف شرعيته الدولية ومكانته المحلية. أصبح انهاء الحرب ضرورياً لزيادة فرصه في الفوز بجائزة نوبل للسلام التي يتوق إليها بشدة.
بالنسبة إلى الفلسطينيين، تُمثل المرحلة الأولى من وقف النار انهيار الخطة الأميركية - الإسرائيلية لإخلاء غزة من سكانها. تم تأجيل الاحتلال طويل الأمد المُتوخى للقطاع، على الأقل في الوقت الحالي.
لم يعد بإمكان نتنياهو مواصلة الحملة الشاملة التي وعد بها ائتلافه اليميني المتطرف. تبخر حلم إنشاء المستوطنات على أرض غزة ومحو الوجود الفلسطيني. ومع ذلك، بالنسبة إلى نتنياهو، هذه ليست نهاية المناورة، بل بداية لعبة جديدة.
انتخابات مبكرة!
ستختبر زيارة ترامب غرائز نتنياهو للبقاء السياسي. إذا أدى إطلاق سراح الرهائن إلى زيادة موقتة في شعبية إسرائيل، فقد يدعو نتنياهو إلى انتخابات مبكرة لتعزيز سلطته. سيتمكن نتنياهو من تطويق شركائه المتطرفين في الائتلاف. ستكون هذه خطوة مدروسة لإعادة ضبط سلطته، ونسب الفضل لنفسه في عودة الرهائن، وتصوير نفسه على أنه القائد الوحيد القادر على تأمين مصالح إسرائيل.
لكن إذا أثارت عواقب الحرب غضباً شعبياً بدلاً من ذلك - بسبب إخفاقات الحرب، ومقتل الرهائن الذين كان من الممكن إطلاق سراحهم قبل عام عندما وافقت «حماس» على خطة مقترحة مماثلة، والمطالبة المتزايدة بالمساءلة - فسيتراجع نتنياهو إلى التحالف مع وزرائه الأكثر تطرفاً.
في هذه الحالة، سينتظر الفرصة المناسبة، متجنباً الانتخابات حتى يتمكن من اختلاق أزمة أخرى: مواجهة في الضفة الغربية، أو استفزاز في لبنان، أو ضربة ضد إيران، أو خرق لاتفاق غزة لأسباب لا حصر لها يمكن أن يدعيها في الأسابيع المقبلة.
ما يجعل هذه اللحظة غير مسبوقة هو أن اتفاق وقف النار - رغم أنه مازال هشاً ومحدوداً في مرحلته الأولى - كسر وهم نتنياهو بالسيطرة الكاملة. لقد قوّض تصريح ترامب حول «معاملة جميع الأطراف بإنصاف» فكرة أن إسرائيل دولة لا يمكن المساس بها.
الرئيس الأميركي الذي سلّح نتنياهو وحماه سابقاً يُطالب الآن بضبط النفس والمعاملة بالمثل. يكشف هذا التحول عن أعمق مخاوف نتنياهو: زعزعة المكانة الخاصة التي سمحت له بتحدي العالم، مدعياً مباركة أميركا، ومُراقباً كيف نجحت الدول العربية في التأثير على قرار ترامب بإنهاء الحرب.
من الضروري أن نتذكر أن وقف النار الحالي لا يُمثل سوى الخطوة الأولى من اتفاق أوسع. أما المراحل المتبقية - مواد إعادة الإعمار، وتبادل الأسرى، والمساعدات الإنسانية، وترتيبات الحكم، وضمانات الحدود، وقبل كل شيء، الجدول الزمني للانسحاب الكامل - فستتكشف مع مرور الوقت، والوقت قد يكون في صالح الطرفين.
بالنسبة إلى إسرائيل، يُتيح التأخير فرصاً لإعادة التفسير والتفاوض. أما بالنسبة إلى الفلسطينيين في غزة، فالوقت يعني المهمة البطيئة والمؤلمة المتمثلة في انتشال الأحبة من بين الأنقاض، ولمّ شمل العائلات المُشتتة، ولمّ شمل ما تبقى من مجتمع مُمزق.
العالم ليس في سلام تام، بل هو مُتوقف موقتاً. هدأت المدافع، لكن بنية العنف مازالت قائمة، تنتظر الشرارة التالية.
غرائز نتنياهو السياسية هي غرائز البقاء والمواجهة؛ لم يقبل قط بنهاية لا يملك زمامها. إذا صمد وقف النار، فسيكون ذلك رغماً عنه، لا بفضله. وإذا انهار، فسيكون ذلك ذريعةً له لإعادة إشعال النار، وإطلاق العنان - كما فعل مراتٍ عدة من قبل - لموجةٍ أخرى من الدمار تحت لواء الأمن القومي. بالنسبة إلى غزة، تأتي إعادة الإعمار أولاً، ولعق الجراح الجسدية والنفسية العميقة هو الأولوية لإعادة بناء المجتمع المُدمّر بعد 733 يوماً من الحرب المدمرة والدمار والمعاناة والإذلال.
حتى الآن، توقف القتل لكن السلام مازال هشاً، ويواجه تحدياتٍ عدة. نتنياهو يبحث بالفعل عن وهمه التالي - الأزمة التالية التي سيستدعيها، الأرنب التالي الذي سيسحبه من قبعته، العدو التالي، الأزمة التالية، الذريعة التالية لاستعادة ما يسميه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لإبقاء السلطة على قيد الحياة لفترةٍ أطول.
قد تبدو الخطوة الأولى لوقف النار بمثابة نصر. في الحقيقة، قد يكون هذا بداية هزيمته السياسية أو خطوةً لإظهار مهاراته التخريبية.