قد يبدو لنا حتى هذه الساعة، أنه لا يوجد في المشرق العربي اليوم، كاتب واحد يستطيع أن يتخذ من تأليف الكتب صناعة مستقلة عن غيرها، وقد وُجد في بلاد أوروبا مئات من الكُتّاب يؤلف أحدهم (من السياسيين والمفكرين) كتاباً في كل سنة أو سنتين، ويعيش من بيعه وترجمته عيشة كبار الموسرين!
ويتناقل الناس في ما مضى بمجالسهم، ان أديباً باع كتاباً ببضع مئات من الدنانير، ففغروا الأفواه دهشةً واستعظاماً! لكنهم اذا سمعوا في المجلس نفسه ان مغنياً تناول أضعافاً مضاعفة لذلك المبلغ من أجل أُغنية في عرض سينمائي، فلن يستغربوا خبر الغناء كما استغربوا خبر التأليف!
وقد يبدو لنا أيضاً - حتى دور النشر وهي تعيش من طباعة الكتب وتقتني منها العقارات والضياع - ان تأليف الكتب عمل ليس له حقوق (الملكية الفكرية) وأن المؤلف لا يحق له أن يربح من كتبه ما يقيم أوَدَه!
وإذا تبين أن مؤلفاً أو كاتباً أو دكتوراً في الجامعة يتطلع الى حصة من الربح، دخل في وهم المشتري والقارئ، أنه مغبون وان ذلك المؤلف يختلس منه حقه ويشتط عليه في طلبه وهو على اي حال لا يضيف للكتاب شيئاً غير أنه يعرضه لشاريه أو يرسله لطالبيه!
ومسألة العزوف عن الكتب مع ضعف القراءة وضعف الإقبال على التعلم الذاتي، مسألة هينة اذا ربطناها بعدد النسخ التي تُهدى من الكتب او تُستهدى، لكنها ليست بهينة اذا نظرنا الى دلالتها على قيمة المطالب الفكرية الأكاديمية في بلادنا، وعرفنا منها ان هذه المطالبة لا تدخل بعد عندنا في حساب الضروريات!
فكم وكم من المؤلفات العلمية التطبيقية في جامعاتنا، بذل فيها أصحابها الجهود وتوالي السُّهاد والسهر ثم بعد طباعتها وتقديمها للجهة العلمية لتجد طريقها الى المختبرات او المصانع او دوائر صنع القرار في مجلس الوزراء، نجدها رابضة في المخازن أو مرصوصة في الشاحنات الى مثواها الأخير؟
حقاً إن الكتب يجب أن تنشر بين الأغنياء والفقراء ولكن من المسؤول عن نشرها، خصوصاً بعد هذه الثورة الرقمية التي أضعفت الهمم وفتحت أبواب الكسل والخمول؟ (كتّ وبيست)
ليس المؤلف أو استاذ المادة بطبيعة الحال لأنه لا يعيش من كتبه فضلاً عن ان يتبرع منها بما فوق الحاجة.
وانما المسؤول هو الدولة ووزراء التربية والتعليم العالي والمجلس الأعلى للتعليم والمجتمع الكويتي بكل فئاته وطبقاته.
فعلى الأغنياء مثلاً ان يتبرعوا بشراء الكتب والمقررات الجامعية يدعموها ويقدموها للمكتبات العامة، وعلى مجالس أولياء الأمور، إعادة دور المكتبات في المحافظات التي أُغلقت الى الأبد!
وإذا جاء اليوم الذي تشيع فيه القراءة بين جميع الطلاب والطالبات، وتسارع وزارة التجارة بتحديد الأسعار وملاحقة ارتفاع أسعار لبعض الكتب المقررة الخيالية لضبطها، حتى يستطيع كل طالب شراء المقررات من مخصصات الطلبة - 200 دينار فقط؟ التي بالكاد تفي بالحاجيات الأسرية الكثيرة.
فهنا وهنا فقط نكون منعنا المتاجرة بالكتب المدرسية والجامعية وسرنا في طريق التنمية الصحيح.