لم تمرّ انتهاكات إسرائيل المتكررة للقانون الدولي من دون عقاب فحسب، بل غالباً ما تدعمها القوى الغربية بنشاط لتبرئتها.

هذا الإفلات من العقاب ليس مصادفة، بل هو نتيجة تحالفات إستراتيجية ومصالح جيو- سياسية، وفي إطار سردية مُحكمة تُصوّر إسرائيل كضحية دائمة، بغض النظر عن أفعالها.

نمط من الانتهاكات

على جبهات عدة - إيران، غزة، الضفة الغربية ولبنان - ارتكبت إسرائيل أفعالاً تُطابق التعريفات القانونية لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. في الحرب الأخيرة على إيران التي استمرت 12 يوماً، شنّت إسرائيل ضربات استهدفت البنية التحتية المدنية: مبنى تلفزيون، وسجناً، وسبعة مستشفيات، ومناطق سكنية كثيفة.

وكانت النتيجة: ما يقارب من 1070 قتيلاً، بينهم 700 مدني، وأكثر من 5000 جريح. وكان من بين القتلى نحو 20 عالماً نووياً.

خلال حرب الـ 12 يوماً، حاولت إسرائيل ما يُعادل ضربةً قاضيةً على القيادة السيادية الإيرانية بإلقاء ست قنابل على مبنى يستضيف إجتماعاً لمجلس الأمن القومي. وشملت الأهداف الرئيس مسعود بزشكيان - الذي أُفيد عن إصابته في ساقه - ورئيس البرلمان، ورئيس السلطة القضائية.

ينتهك هذا العمل العدواني السافر ينتهك المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة، ويشكل جريمة حرب بموجب المادة 8 من نظام روما الأساسي، ويُصنف كجريمة ضد الإنسانية. إذ يُعتبر القادة السياسيون الذين لا يشاركون مباشرةً في الأعمال العدائية مدنيين محميين بموجب القانون الإنساني الدولي. فقصفهم أثناء اجتماع ليس حرباً - بل محاولة اغتيال غير قانونية واعتداءً مباشراً على أسس سيادة الدولة.

لم تكن هذه عملية دفاعية - بل كانت محاولةً مدروسةً لقطع رأس الدولة الإيرانية. لم يكن القصد تحقيق نصر عسكري، بل إبادة هيكل قيادة الدولة لإنشاء دولة فاشلة أو تغيير نظام الحكم وشل قاعدتها العلمية. وبموجب القانون الدولي، لا يُشكل هذا عدواناً فحسب، بل اغتيالاً سياسياً مُستهدفاً، وتالياً هو أمر غير قانوني صراحةً بموجب ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف.

وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً، أنه أمر باغتيال علماء نوويين إيرانيين في الماضي وخلال حرب الأيام الـ 12 الأخيرة.

تُعتبر هذه الأعمال بموجب القانون الدولي غير قانونية، فالعلماء النوويون، لم يشاركوا في شكل مباشر في الأعمال العدائية، وهم مدنيون ويتمتعون بالحماية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر «الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله»، وتُشكل عمليات الاغتيال المُستهدفة لهؤلاء الأفراد جرائم حرب بموجب المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تُجرم «توجيه هجمات عمداً ضد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية».

بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر هذه الأفعال عمليات قتل خارج نطاق القضاء، وهي محظورة بموجب المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يُؤكد على الحق في الحياة. عندما تكون عمليات القتل هذه جزءاً من سياسة مُمنهجة، فقد تُشكّل أيضاً جرائم ضد الإنسانية، كما هو مُعرّف في المادة 7 (1) (أ) من نظام روما الأساسي.

في عام 2011، دان المقررون الخاصون للأمم المتحدة اغتيالات العلماء الإيرانيين باعتبارها انتهاكات للقانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان، مُوضّحين أن هذه الأفعال تُعدّ جرائم تستوجب الملاحقة القانونية الدولية، وليست أعمال حرب مشروعة.

غزة و... الانتهاك اللانهائي للقانون الدولي

في غزة، الوضع أكثر فظاعة. منذ بداية حملتها الأخيرة، قتلت إسرائيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، غالبيتهم العظمى من المدنيين والأطفال والنساء. دُمّرت المستشفيات عمداً. قُطعت المياه والكهرباء ودُمّرت بنيتها التحتية بالكامل. هُجّر الناس قسراً إلى ما يُسمى «المناطق الآمنة» التي تُقصف بعد ذلك. أُزيلت أحياء بأكملها من الوجود. أكثر من 80 في المئة من غزة أصبح أنقاضاً.

وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها تحدثت عن أوامر للجيش بإطلاق النار على المدنيين الجائعين الذين يقتربون من مراكز توزيع الغذاء. وأظهرت لقطات من طائرات من دون طيار مقتل مدنيين دون أي استفزاز، وقُصفت شاحنات المياه، ودُمّرت المؤسسات الدينية والتعليمية - كنائس ومساجد ومدارس وجامعات - في شكل ممنهج. والآن، تفيد التقارير بأن إسرائيل تبني ما يمكن وصفه بمعسكر اعتقال في رفح، مُصمّم لاحتجاز 600 ألف فلسطيني قبل عمليات ترحيل جماعي محتملة.

يُنفّذ كل هذا علناً، وغالباً بتصريحات علنية من كبار المسؤولين الإسرائيليين. وقد استخدم كلٌّ من نتنياهو ووزير الدفاع سابقاً يوآف غالانت لغةً مهينة، حيث وصفا الفلسطينيين بـ«الحيوانات البشرية». وكلاهما يخضع لمذكرتي توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومع ذلك، لقد استُقبلوا في واشنطن وباريس وبرلين ولندن وروما كضيوف شرف.

درع الغرب

كيف تُفلت إسرائيل من العقاب على ما تركتبه من فظائع؟

يكمن الجواب في دعم حلفاء أقوياء، خصوصاً الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا. لقد وفّرت هذه الدول القنابل ومكونات الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية والغطاء الدبلوماسي. إنها ليست متواطئة فحسب؛ بل هي مُمكّنة.

ينص المبدأ القانوني «مسؤولية القيادة» على أن القادة السياسيين والعسكريين مسؤولون ليس فقط عن الأوامر المباشرة، ولكن أيضاً عن عدم منع أو معاقبة انتهاكات المرؤوسين. ووفقاً لهذا المعيار، فإن الدول الغربية التي تُسلّح إسرائيل وتُموّلها وتحميها سياسياً تُحاسب أيضاً بموجب القانون الدولي.

وتلعب الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، دوراً محورياً. فهي تُقدّم أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً كمساعدات عسكرية لإسرائيل، وأضافت مليارات عدة أخرى منذ 7 أكتوبر 2023، وتستخدم حق النقض (الفيتو) ضد جميع قرارات الأمم المتحدة تقريباً التي تسعى إلى محاسبة إسرائيل.

وقد عرقلت جهود المحكمة الجنائية الدولية، بل وهدّدت بفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الذين يُحقّقون في الجرائم الإسرائيلية.

ما زالت ألمانيا، متذرعةً بذنبها التاريخي، فهي من أشدّ المؤيدين لإسرائيل، حيث تزودها بالغواصات والأسلحة المتطورة.

وتحذو المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا حذوها، مقدمةً غطاءً ديبلوماسياً أسلحة حتى في ظلّ أدلةٍ دامغة على جرائم الحرب.

وطالبت إسبانيا وايرلندا وهولندا وبلجيكا والسويد ودولٌ أخرى في الاتحاد الأوروبي رسمياً الاتحادَ الأوروبي بتعليق اتفاقية التجارة التفضيلية مع إسرائيل، مشيرةً إلى انتهاكاتها المنهجية للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان في غزة.

وتشترط الاتفاقية - بموجب المادة 2 من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل - على كلا الطرفين احترام حقوق الإنسان «كعنصرٍ أساسي». وتجادل هذه الدول بأن إسرائيل تنتهك هذا البند انتهاكاً واضحاً، وأن استمرار تعاون الاتحاد الأوروبي يُعدّ تواطؤاً.

التأويلات القانونية والمعايير المزدوجة

يُستخدم الادعاء بأن إسرائيل «تدافع عن نفسها» فحسب، كمبررٍ شاملٍ لأفعالها، بغض النظر عن نطاقها أو سياقها. ولكن بموجب القانون الدولي، لا يمنح الدفاع عن النفس الحق في ارتكاب جرائم حرب، ولا يسمح بالاستخدام غير المتناسب أو العشوائي للقوة. لا يمكن تبرير استهداف المستشفيات والمنازل والمدنيين في أي إطار قانوني.

لا تتمتع أي دولة أخرى بهذا النوع من الإفلات من العقاب القانوني. روسيا، على سبيل المثال، واجهت عقوبات شاملة وإدانة دولية وإجراءات من المحكمة الجنائية الدولية بسبب حربها في أوكرانيا.

ازدواجية المعايير

تُمثل إسرائيل بؤرة استيطانية إستراتيجية للمصالح الغربية في الشرق الأوسط. إنها حقل تجارب للتكنولوجيا العسكرية، وشريك في المراقبة والأمن السيبراني، وقوة موازنة لإيران ودول أخرى غير منحازة. ما دامت إسرائيل تخدم هذه المصالح، فسيتم تبرير أفعالها، إن لم يكن تأييدها.

ما هي التكلفة؟

لا يتحمل الفلسطينيون أو الإيرانيون أو اللبنانيون وحدهم تكلفة إفلات إسرائيل من العقاب - بل هي تكلفة يدفعها النظام القانوني الدولي بأكمله. عندما تُطبق القوانين في شكل انتقائي، فإنها تفقد شرعيتها. عندما تُعاقب بعض الدول بينما تُحمى دول أخرى، تُصبح العدالة أداة قوة لا مبدأ.

إن الدمار في غزة، والاغتيالات في إيران، والتفجيرات في لبنان، كلها أعراض لنظام عالمي يكون فيه القانون الدولي اختيارياً للبعض ومطلقاً للبعض الآخر.

الطريق إلى الأمام

إذا أُريد للقانون الدولي أن يكون له أي معنى، فلا بد أن تكون المساءلة عالمية. يجب احترام أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، بغض النظر عن جواز السفر الذي يحمله المتهم. يجب وقف المساعدات العسكرية للدول التي ترتكب جرائم حرب. يجب السماح باستمرار التحقيقات من دون عوائق.

والأهم من ذلك، يجب على المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة ومنظمات حقوق الإنسان مواصلة توثيق هذه الجرائم وكشفها. فالصمت تواطؤ، ويجب مقاومة تطبيع هذا العنف - سياسياً أو قانونياً أو خطابياً - على كل المستويات.

الخلاصة

إن أفعال إسرائيل في غزة وإيران ولبنان، ليست حوادث معزولة. إنها جزء من نمط طويل الأمد من الانتهاكات تحميه شبكة من التواطؤ الغربي.

لقد تم توسيع أسطورة الدفاع عن النفس إلى حد لا يمكن التعرف عليه. وتلاشت المبررات القانونية. وما تبقى هو هيكلٌ مكشوفٌ للسلطة يحمي دولةً تتحدى القوانين التي تدّعي احترامها مراراً وتكراراً.

إن لم يُفكَّك هذا الهيكل، فلن يدفع الفلسطينيون أو الإيرانيون وحدهم الثمن، بل ستدفعه فكرة القانون الدولي ذاتها، والأمل في أن تتحقق العدالة عبر الحدود.