ارتفع مستوى الخطر في الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة وحلفاء غزة، في تصعيدٍ غير مسبوق في العراق وسورية ولبنان واليمن. فبعدما قامت أميركا بـ 85 هجوماً صاروخياً على أهداف داخل العراق أوقعتْ 16 قتيلاً، وكذلك داخل سورية وسقط فيها 7 قتلى، ردت المقاومة العراقية بقصف مواقع أميركية في منطقة شمال شرقي سورية، تسيطر عليها أميركا والميليشيات الكردية ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى في صفوف المقاتلين الأكراد.

وفيما جاء هذا التطور كردٍّ أولي على الهجمات الأميركية والتي من شأنها أن تتصاعد من كلا الطرفين في الأيام المقبلة، فإن البارزَ أن واشنطن تنقل الرسائلَ لإيران بأنها لا ترغب في التصعيد، بينما تَضرب قواتُها الجوية والبحرية أهدافاً تابعة لحلفائها، ما يضع أميركا في المكان الذي تتمناه طهران بحيث تراقب انغماسَها في وحول الشرق الأوسط من دون أن تتكبّد أي خسائر مباشرة في مقابل أضرار كبيرة للولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فقد شنّت أميركا وبريطانيا أكثر من 300 ضربة على مواقع في صنعاء وصعدة والحديدة في الساعات الأخيرة بهدف «تدمير صواريخ موجَّهة نحو البحر الأحمر». إلا أن الحوثيين أعلنوا أن قواتهم ستستمر بضرب البوارج الأميركية والبريطانية، وقد حشدت قيادتهم القبائل والقوات للاستمرار بإغلاق البحر الأحمر أمام السفن الإسرائيلية والأميركية والبريطانية، وخوض معارك أخرى في سبيل رفع الحصار عن غزة المستمرّ منذ أكثر من 4 أشهر.

وتالياً فإن جميع الضربات الأميركية - البريطانية لم ولن تثني الحوثيين عن مواصلة أهدافهم التي لم يغيّرها استعراض القوة ونتائج الضربات التي فشلت في تحقيق أهدافها، بل حوّلت البحر الأحمر ساحة حرب ومواجهة أشرس من قبل، ما أبطأ وعطّل جزءاً كبيراً من الملاحة الدولية من آسيا إلى الشرق الأوسط وأوروبا والتي تبلغ نسبتها بين 13 و15 في المئة من التجارة العالمية.

أما في العراق، فقد ضربت الصواريخ الأميركية مواقع حدودية تعود إلى الحشد الشعبي الذي يملك قواعد على الحدود السورية في المنطقة التي تنشط فيها «داعش». وتسببت الضربات الأميركية بعاصفة سياسية في بغداد أحرجت رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي اعتبر أن «أميركا تشكل خطراً على أمن العراق»، بينما رأى وزير الخارجية فؤاد حسين أنه «يرفض أن يتحول العراق ساحة حرب بين إيران وأميركا».

وتوعّد قائد الحشد الشعبي فالح الفياض بأن «الضربات الأميركية التي أوقعت قتلى عراقيين لن تمر مرور الكرام».

إلا أن العراق يجد نفسه بين المطرقة والسندان. فهو لا يملك القوة لوقْف أميركا أو إيران عن هجماتهما، ولا يستطيع فرض مغادرة القوات الأميركية بلاد ما بين النهرين. إذ إن أي تدبير أو إجراء تتخذه الولايات المتحدة يتسبّب بتقلُّب سعر الدولار ويفاقم الأزمة الاقتصادية ويزيد الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي تعقيداً، تحت ذريعة منْع تهريب الدولار إلى لبنان وسورية وإيران التي تنوء تحت عقوبات اقتصادية أميركية مشدَّدة.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية فرضت عقوبات على 19 مصرفاً عراقياً، وقننت من تسليم بغداد الكميات المطلوبة من الدولارات النقدية إلى النصف، وهي أموال عراقية تودع في مصرف أميركي وتمثّل نحو 100 مليار من عائدات النفط التي فُرض على بغداد إيداعها في واشنطن منذ الاحتلال عام 2003، ما يسمح للولايات المتحدة بالسيطرة على جميع أموال البنك المركزي العراقي حتى ولو كانت مملوكة للدولة العراقية التي تعتمد بنسبة 90 في المئة من عائداتها على النفط وإيراداته.

وتعتقد مصادر إيرانية قيادية عبر «الراي»، أن «التصعيد الأميركي يمثل رسالة غير مباشرة لرغبتها في رؤيةٍ تقليصٍ للعمليات العسكرية ضد قواتها في العراق وسورية أو أقله تحييد الجيش الأميركي وعدم مهاجمة قواته المنتشرة في الشرق الأوسط».

إلا أن المصادر تؤكد أن «المقاومة في لبنان والعراق واليمن لن تأخذ في الاعتبار التهويل أو الضربات الأميركية، بل على العكس فإن القصف الذي طاول العراق وسورية أعطى الضوء الأخضر للمقاومة لرفع مستوى الضربات وزيادتها إلى حين توقُّف الحرب على غزة. وكلما تشتدّ المعارك في جنوب القطاع،ارتفع منسوب الضربات الأكثر فتكاً والتي من المتوقع أن تطول أهدافاً جديدة لم تدخل حتى الآن ضمن حسابات أميركا وحلفائها، لأن من غير المسموح القضاء على المقاومة في قطاع غزة».

وتعتقد المصادر أن «أميركا لن تهاجم إيران لأسباب عدة. إذ إن أي ضربة موجهة لإيران مباشرة ستتسبب بإغلاق مضيق هرمز وباب المندب والبحر المتوسط وستضع جميع القواعد الأميركية تحت مرمى الصواريخ الدقيقة الإيرانية وكذلك مسيّراتها الانتحارية. وهذا من شأنه اشعال الشرق الأوسط برمّته دون القضاء على مقدرات إيران وحلفائها الذين سيكونون جزءاً لا يتجزأ من المعركة إذا وقعت، وهذا مستبعَد في الوقت الراهن. ولذلك فإن أميركا تتلقى الضربات (أكثر من 170 هجوماً على مواقعها منذ بدء الحرب) ويقع ضمن صفوفها قتلى وجرحى من دون أن يحصل الشيء عينه في إيران من خلال هجمات مباشرة، عدا الضربات الإرهابية داخل إيران والتي لا يمكن فصلها عما يحدث في غزة والصراع الأميركي - الإيراني بالوكالة».

لقد قبلت أميركا بالانجرار للحرب ووضعتْ نفسها حيث أرادتْها إيران لتَغْرَق رويداً داخل مستنقع الشرق الأوسط ووحوله لأنها لم تتمكن من وقف إسرائيل عن تدميرها لغزة. وتالياً فإن استمرار الحرب على الشعب الفلسطيني يزيد احتمالات التصعيد وتوسُّعه خصوصاً أن واشنطن تبدو عاجزة عن لجم حرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشخصية للبقاء في السلطة حتى ولو كلّف ذلك خسارة أصوات العرب – الأميركيين في الانتخابات الرئاسية التي يخوضها الرئيس جو بايدن والتي يحتاج لها في مواجهته لخصمه القوي دونالد ترامب.

إنها حرب مباشرة وبالوكالة يرتفع منسوبُ الخطر فيها لأن إسرائيل مصممة على تحقيق أهدافها بالقضاء على الفلسطينيين وآمالهم بالحياة، فقط لأنها لم يسبق أن تعرّضت لضربات موجعة تدفعها للتفكير ملياً قبل شن حروب مدمّرة على الآخرين.

وهي أظهرت قدرتها على تجاهل نداءات العالم بما فيها الأمم المتحدة وأوروبا وأميركا وأمعنت بتدمير غزة من دون أن يستطيع أحد محاسبتها على جرائمها.

وتالياً فهي لن تعارض توسّع الحرب لتشمل أميركا بالمباشر بل تتمنى ذلك. إلا أن حسابات إيران وحلفائها مختلفة وتهدف لوقف الحرب الإسرائيلية بالنار مهما امتدّ لهيبُها وهي مستعدة لتوسّع رقعتها إذا فُرضت عليها من دون أن تَدفع الأمور بهذا الاتجاه.