احتفلت المقاومة الفلسطينية في غزة، بحلول السنة الجديدة بقصف تل أبيب ومحيطها بوابل من الصواريخ، ضاربةً الكيان الإسرائيلي في صميم أعماله الحربية المستمرّة منذ نحو ثلاثة أشهر، لتقول للحكومة والجيش والمستوطنين ان جيشكم فشل في تحقيق أيٍّ من أهدافه، خصوصاً ان غالبية الصواريخ انطلقت من شمال غزة التي أعلن جيش الاحتلال أنها أصبحت تحت احتلاله وسيطرته.

وتالياً، فإن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تجد نفسها محرجة أمام المستوطنين وكذلك أمام الدولة العظمى التي تحميها في كل أعمالها الحربية، أميركا، والتي ترغب في إنهاء هذه الحرب التي تؤثر سلباً على انتخاباتها الرئاسية وكذلك على سمعتها بفعل تأمينها الغطاء لكيان عنصري يقوم بمجازره على التلفاز وأمام العالم من دون أن يأبه للعواقب.

وتتحدث الحكومة الإسرائيلية عن الانتقال للمرحلة الثالثة من الحرب بتسريح عشرات الآلاف من متطوعي الاحتياط بسبب الضغوط التي تتعرض لها من أهالي هؤلاء ومن الاقتصاد الذي ينوء تحت عبء شديد تكبّدت معه إسرائيل نحو 18 مليار دولار بسبب الحروب وتكلفتها.

وتعتقد تل ابيب ان تخفيف عدد الاحتياط خطوة تدل على ان الحرب لن تتمدد لدول أخرى وانها لا تحتاج لأعداد كبيرة داخل غزة تصبح أهدافاً سهلة أمام ضربات المقاومة الفلسطينية المستمرة، علماً أنه في حال توسُّع الحرب، يستطيع الجيش معاودة استدعاء هؤلاء.

وكذلك تقول إسرائيل إنها بدأت بإنشاء منطقة عازلة بعمق كيلومتر إلى كيلومترين حول غزة.

وهذا تأكيد على ان أهدافها المعلنة بالقضاء على «حماس» وتحرير السجناء الإسرائيليين أصبحت غير واقعية ولم يستطِع جيش الاحتلال تنفيذها.

من هنا، فإن إنشاء منطقة عازلة لن يمنع إطلاق الصواريخ في اتجاه المستوطنات والمدن الإسرائيلية في المستقبل، ولن يمنع كذلك إنشاء خنادق هجومية مستقبلية مجهّزة.

وقد أعلنت إسرائيل أيضاً انها تريد العودة إلى ممر فيلادلفيا على الحدود بين غزة ومصر والذي تخلّت عنه عام 2005. إلا ان هذه الأفكار دقيقة التنفيذ وتحتاج لقرارات دولية لتجنب إحداث خرق لاتفاقيات السلام الدولية. ولكنها دليل آخَر على عدم وضوح الرؤية لدى القيادة الإسرائيلية.

علاوة على ذلك، أعلن وزير المال بتسلئيل سموتريتش أنه لن يقبل بأقل من احتلال كامل غزة وعودة المستوطنين الإسرائيليين إليها. وهو كان هدد مع وزير الأمن ايتمار بن غفير بالخروج من الحكومة إذا لم يُقض على الجميع داخل غزة وتنتهي الحرب بتدمير المدينة، ما يُسْقِطُها ويعرّض نتنياهو للمساءلة والسجن.

ولكن مطالب السياسيين تبدو متعثرة أمام أداء الجيش داخل غزة. فتارةً تعلن قيادتُه انها أنهت سيطرتها على مخيم جباليا وجحر الديك ومناطق الشمال التي دخلتْها في 27 اكتوبر. إلا ان الأخبار المتأتية من الجيش نفسه تدلّ على أنه ما زال يقصف هذه المناطق ويقوم بانسحابات تكتيكية بسبب عدم سيطرته على الأرض وعدم تمكنه من البقاء داخل المناطق التي يحتلها.

ولكن إسرائيل نجحتْ بتدمير مناطق عدة وأزالتْ معالم شوارع بأكملها عن الوجود، وما زالت تقتل المدنيين وتدمّر البنية التحتية وتزيد من الخسائر البشرية والمادية لغزة.

إضافة إلى ذلك، فإن الجيش استطاع اختراق مناطق عدة لأنه يملك جيشاً وأسلحة تخوّله ذلك في قطاعٍ صغير. إلا ان الانتشار الواسع لجيش الاحتلال يقدم أهدافاً أكثر للمقاومة التي هي الأخرى لم تتوقف يوماً عن قصف مناطق غلاف غزة ومهاجمة الجيش الإسرائيلي وإشغاله داخل غزة.

لا يستطيع نتنياهو وقف الحرب لأن ذلك من شأنه إعطاء الضوء الأخضر لبداية نهاية إسرائيل وهجرة المستوطنين الذين فَقدوا الأمن والأمان والثقة في حكومتهم وجيشهم. وهذا ما سيدفع نتنياهو لإطالة أمَد الحرب لأطول مدة ممكنة علّه يصطاد انتصاراً ما يستطيع التعويل عليه للهروب من فشله المستمر.

لكن ذلك لا يصبّ في مصلحة أميركا والديموقراطيين الذين يجابهون انتخابات مفصلية والذين سيؤدي دعمهم اللا مشروط لإسرائيل إلى خسارتهم. ولربما هذا ما يتمناه نتنياهو، إذا أطال أمد المعركة لسنة كاملة، لرؤية مرشّحه المفضّل دونالد ترامب رئيساً لأميركا.

ولكن إطالة أمد الحرب ليس بالأمر السهل، فقد أصبح الشعب الفلسطيني يتعايش مع فكرة الدمار والقصف، وتملك المقاومة السيطرة على الأرض التي خبِرتها جيداً وتَعْلَمُ خفاياها. وأظهرت عشرات الفيديوهات التي سجّلتْها المقاومة أن كل مُقاتِل يتجه نحو هدفه وهو يعتبر أنه شهيد، فيقترب من «مسافة صفر» لوضع عبوةٍ على دبابة أو يهاجم نقطةً عسكرية بإمكانات متواضعة، لكن على قلب واحد وهدف واحد على عكس إسرائيل التي يخوض رئيس وزرائها معركةً شخصيةً لبقائه في الحُكْم.