/>لم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية عن قصف وتدمير مدينة غزة يومياً ومن دون كلل تحت أنظار العالم، خصوصاً الغربي، الذي يدعم إسرائيل بلا خجل رغم الإبادة بحق الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين، وخرق إسرائيل جميع حقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة ومقرراتها والقوانين الدولية.
/>إنها ليست حرب بل «تنظيف» فلسطين من سكانها وتطهير عرقي وإبادة وعقاب جَماعي، وسط اقتناعٍ بأن شهيةَ اسرائيل على التوحش، لم تكن لتُفتح لولا ثقتها بأن يدها مطلقةً لارتكاب المجازر ضد المدنيين الفلسطينيين وتدمير دور العبادة والمباني والمخابز والمدارس والمستشفيات والأسواق التجارية المكتظة.
/>وقد أرجأت إسرائيل عملية الغزو البري لغزة المحاصَرة بسبب «الطقس» ابتداءً، لتعود وتسرّب أخباراً عن رغبة أميركا بالتريث، حتى تنتهي الخطط اللازمة لـ «هزيمة حماس»، كما يدّعي المسؤولون في تل ابيب. فهل يستطيع التحالُف الإسرائيلي - الأميركي تحقيق هدفه المشترَك؟
/>لم تكتفِ واشنطن بإرسالِ حاملات طائراتها والآلاف من قوات البحرية والمشاة لدعم إسرائيل، وكذلك توجيه رسائل في اتجاهات عدة لإيران ولبنان طالبةً عدم دعم غزة لتُريح الجيش «الذي يُقهر» وكذلك المستوطنون الذين فَقَدوا الثقة بجيشهم وحكومتهم ويَعتبرون انهم لم يعودوا آمنين في الأرض المغتصَبة التي سُلخت من الشعب الفلسطيني، بل أرسلت واشنطن نائب قائد المارينز جيمس غلين، لتقديم المشورة للإسرائيليين مع مجموعة كبيرة من الضباط المختصين بحرب المدن، نظراً إلى خبرتهم في المعارك مع «داعش» في العراق.
/>وهذا يدلّ على تدني ثقة الجيش الإسرائيلي الذي يملك أكبر آلة تدميرية ويلقى دعماً من دولة عظمى ومن دول أوروبية ولكنه مرتبك ويتردّد في اجتياح أقل من 360 كيلومتراً مربعاً.

/>ويدل ذلك على نقاط أخرى، عدا عن عجز إسرائيل عن خوض الحرب على جبهات عدة. فالتحدّي الذي يخشاه الجيشان الإسرائيلي والأميركي هو فشلُ الأهداف الموضوعة والتي تتمثل باجتثاث «حماس»، ناهيك عن تظهير مدى انخراط واشنطن في جميع ما يحصل لسكان القطاع من تدمير بسبب «إشراف الضباط الأميركيين وتقديم أفضل النصائح حول الخطط العسكرية وأفضل السبل لتحقيق النتائج المرجوّة».
/>ولا تستطيع إسرائيل شنّ أي حرب من دون الدعم الأميركي اللا محدود إعلامياً وعسكرياً واقتصادياً. فقد أنشئ جسر جوي لملء مخازنها بالقذائف الثقيلة الدقيقة التي لم تشهد مثيلاً لها مدينة غزة في الحروب السابقة لشدّة انفجارها والحرائق وأعداد الشهداء التي تسبّبت بها.
/>لكن إسرائيل تحتاج للمال أيضاً الذي لن يصل من أميركا قريباً رغم وعد الرئيس جو بايدن به (14 مليار دولار) بسبب تخبط الكونغرس وعدم وجود رئيس له في الوقت الراهن.
/>كما تحتاج للمال لدعم اقتصادها المهتز، خصوصاً بعدما قررت إنشاء مدينة من الخيم في إيلات الساحلية تضم أكثر من 150 ألف خيمة بسبب إجلاء أكثر من 50 ألف مستوطن عن الحدود مع لبنان وأكثر من 120 ألفاً على الجبهة الجنوبية مع غزة وغلافها بسبب عدم توقف الفصائل الفلسطينية عن قصف المستوطنات يومياً رغم السيطرة الجوية وقوة تدميرها الهائلة.
/>علماً أنه لم يحدث أبداً منذ 1948 أن يُهجر المستوطنون ويتجرّعوا من الطبَق نفسه، الذي أذاقوه للفلسطينيين لعقود طويلة.
/>ومع تَجاوُز عدد الشهداء الذين سقطوا في غزة منذ بداية الحرب الـ6000 والجرحى أكثر من 15 ألفاً، بسبب وجود عدد كبير من المدنيين تحت الأنقاض، فإن تدمير المربعات السكنية وتغيير المعالم الجغرافية لن يدمّر قدرات الفصائل التي بنت الأنفاق تحت المدينة وخطّطت للهجوم على المستوطنات يوم السابع من أكتوبر، كما خطّطت للدفاع عن غزة.
/>وتالياً فإن سياسة التدمير تهدف لفتْح الطريق أمام الجيش الإسرائيلي عند دخول غزة ولإفراغ المدينة، أو على الأقل جزء منها، من المدنيين ودفْع الذين لم يعد لديهم طاقة للعيش في حروبٍ مستمرة إلى ترْك أرضهم كلياً، كما يحصل في جميع النزاعات التي تولد هجرة طوعية من السكان وهجرات متلاحقة بسبب افتقار المدن المصابة لفرص العيش.
/>لكن الأهداف المتمثلة في «اقتلاع حماس» لم تنجح في الحروب السابقة ضد غزة في 2008 و2012 و2014 و2021، وفق ما كان مخطَّطاً له. ولا توجد أي مؤشرات إلى أنها ستنجح الآن، عام 2023، خصوصاً أن خبرة القتال والإمكانات والقدرات القتالية لدى الفصائل تطورت أكثر بكثير من السابق.
/>فمثلاً، بعد حرب يوليو 2006 وعدت حكومة رئيس الوزراء إيهود أولمرت بسجن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، لينتهي أولمرت في السجن وتخرج «لجنة فينوغراد» لتحاسب أخطاء الجيش الذي بدأ ضعفه يظهر للعيان، فيما اشتد عود الحزب لدرجة ان إسرائيل سارعت بعد «طوفان الأقصى» لطلب الدعم الأميركي للجبهة الشمالية (والجنوبية) حتى ولو ان الحرب على الجبهة اللبنانية لا تزال ضمن الحدود المُسيطَر عليها وضمن مسافة الخمسة كيلومترات فقط عمقاً.
/>ومنذ ذلك الحين، وصلتْ إلى غزة عشرات الأسلحة المتطوّرة التي اشترتْها إيران من أفغانستان، والتي تركتْها القوات الأميركية هناك، مثل المضادات للدبابات FGM-148 Javelin و«كورنيت» الليزري المضاد للدبابات والمسيّرات التي امتلكتها الفصائل في السابق ولم ترِد إظهارها في الحروب الماضية لتظهر فعاليتها في حرب شاملة مثل التي تحدث اليوم في المدينة المنكوبة والمحاصرة. وتالياً، فإن مفاجآت كبيرة وكثيرة تنتظر إسرائيل ومخططيها الأميركيين يوم ينضج وقت الاجتياح.
/>لذلك ما زالت الخطط تُدرس والهجوم يؤجَّل لأكثر من أسبوع بسبب عدم جهوزية الجيش ولرغبة إسرائيل بالتدمير أكثر لأنها لن تستطيع القصف بحريّة عندما يتدخل لواء المدرعات والمشاة داخل المدينة التي تستعدّ للصمود ولقتال الشجعان.
/>وكلما يتجهز المخططون الإسرائيليون والأميركيون، تتحضّر من جهتها قيادة المقاومة لتحوّل كل بناء مدمر إلى فخ ومقبرة للقوات المتقدمة التي تفتقر إلى روحية القتال، خصوصاً بعدما هُزم الجيش يوم السابع من أكتوبر، وقتلت إسرائيل عدداً كبيراً من الفلسطينيين عن بُعد ومن دون التحام الطرفين.
/>ومن المفترض ان يكون هذا أشبع غريزة المستوطنين من دماء المدنيين الغزاويين. ولذلك، فإن إراقة المزيد من دماء الإسرائيليين خلال اقتحام غزة، عدا عن الذين سقطوا في اليوم الأول من «طوفان الأقصى» لا يشجع الإسرائيليين، لمعرفتهم ان اقتلاع غزة عن بكرة أبيها لن يكون هدفاً واقعياً وسهل التحقيق وان «حماس» و«الجهاد» في انتظارهم لتشفيا غليل سكان المدينة الذين فقدوا الآلاف من أعزائهم بالقصف الإسرائيلي.
/>ليست أميركا الشريكة الوحيدة في قتل الفلسطينيين، بل ان أوروبا، التي تدعي احترامها للقانون والعدالة، تدعم إسرائيل من دون حدود ولا تحرّك ساكناً إزاء خرقها القوانين الدولية وارتكابها جرائم حربٍ ولا تتدخّل لوقف المجازر وفرض اتفاق وقف النار، حتى ولو ان جميع الدول الداعمة تعلم ان القضاء على «حماس» مهمة غير قابلة للتحقيق.
/>منذ 2008 ولغاية 2023، قتلت وجرحت تل أبيب أكثر من 110 آلاف فلسطيني، بينما قُتل وجرح نحو 6 آلاف إسرائيلي، وهي معادلة تدفع العالم ظلماً لإدانة الفلسطينيين عندما يثور هؤلاء ضد جلّاديهم.
/>ولذلك، فإن فلسطينيي غزة والضفة، شبعوا من قتْل ذويهم على يد المحتل بدعمٍ غربي لا محدود. وغزة تنتظر الغزاة، إذ لم يسجل التاريخ يوماً انهزام المقاومة ضد قوات الاحتلال في نهاية المطاف ولن يتغيّر التاريخ على يد إسرائيل، رغم محاولتها البائسة لذلك. ويبقى العالم في انتظار المفاجآت الآتية التي ستسطرها المقاومة في غزة.