/>يتحضر الجيش الإسرائيلي لتشديد الحصار على غزة في ظل قصف متواصل عليها وإخلاء المستوطنات في غلافها (35 – 40 كيلومتراً) تحسباً لاحتمال دخول المدينة. إلا أن المقاومة الفلسطينية لن تتوقف عن قصف إسرائيل لأشهر طويلة وفي شكل يومي، رغم خرق إسرائيل للقوانين الدولية التي ارتقت لمستوى «جرائم حرب» في ظل دعم أميركي وبريطاني وألماني لأفعالها مهما بلغت من وحشية.
/>ولذلك تبقى الأمور مفتوحة على مصراعيها إذا أرادت إسرائيل تغيير الوضع في قطاع غزة في ظل توعُّد وزرائها بتدمير المقاومة وسحقها.
/>وقد تراجع الرئيس الأميركي جو بايدن عن روايته الأساسية حول انه «شاهد صور أطفال قُطعت رؤوسهم»، ليؤكد البيت الأبيض أن الخبر أتى من مصادر إسرائيلية من دون أدلة. وهذا يعني أن واشنطن لم تأخذ في رأي استخباراتها ولا جنرالاتها الموجودين في إسرائيل والذين يدعمونها في حربها، بل أرادت تغطية إسرائيل في قصفها المروع لمدينة غزة وقتْلها المدنيين بالآلاف ومنْع وصول المساعدات الغذائية والطبية عن المدينة.
/>بل إن وزير الطاقة إسرائيل كاتس أكد بتفاهم مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أنه «لن يستمع لأحد يلقي الدروس على إسرائيل»، و«لن تمر قافلة المساعدات إلى غزة بل سنضربها ولن تحصل المدينة على ماء أو كهرباء أو فيول إذا لم يُطلق سراح محتجزينا»، وهذا المطلب ليس بجديد إذ هو شبيه بما شهدتْه غزة في الحروب الماضية عندما احتُجز إسرائيليون في المدينة وتعرّضت للقصف ولم يُنفذ طلب تل أبيب.
/>ولكن من المستغرب أن يدعم بايدن ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلايين «جرائم الحرب» (وفق تصنيف ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي) بقتل المدنيين وقطع الماء والغذاء والكهرباء. وتالياً فإن هذا الباب سيُفتح على مصراعيه في الحروب الأخرى، أو حتى في حرب أوكرانيا الدائرة إذا حوصرت مدينة ما في المستقبل.
/>لكن ما يحدث في غزة أكبر من ذلك بكثير. فقد توعّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بأنه سيمحو المدينة عن بكرة أبيها وأن جميع أعضاء ومسؤولي «حماس» أصبحوا أهدافاً مشروعة، وهذا يؤكد أن المعركة طويلة. ولكن هل ستصمد غزة من الناحية الإنسانية؟
/>أعداد القتلى تفوق قدرة المستشفيات ولم تعد توجد أسرّة للجرحى في ظل انهيارِ النظام الصحي حيث امتلأت الأسرّة وغرف العمليات لتتحول المستشفيات إلى مقابر للمصابين والمرضى خصوصاً في ظل انقطاع المياه والتيار الكهربائي واحتمال نفاد الوقود بعد بضعة أيام فقط.
/>ووُضعت جثث القتلى خارج أبواب المستشفيات ودُفنت عائلات بأكملها في مكان واحد وبسرعة خوفاً من القصف الذي لم يتوقف منذ بدء المعركة. وهناك خوف كبير من مزج مياه الصرف الصحي مع مياه الشرب في ظل انقطاع الكهرباء. وهذا ينذر بكارثة صحية أمام عيون العالم.
/>وقطعت إسرائيل المياه والكهرباء عن أكثر من 5000 سجين، لتضيف إلى جرائمها وخرْقها لاتفاق جنيف المعني بحقوق الأسرى والسجناء.
/>وقد نجح نتنياهو في جذب الدعم الغربي إلى جانبه رغم ضربه عرض الحائط بالقوانين الدولية عبر ترويجه لأخبار «قتل واغتصاب ومجازر» لم يقدّم أي دليل عليها، بل تلقفها الإعلام الغربي وكأنها حقيقة ليؤكد وقوفه جنباً إلى جنب مع إسرائيل.
/>كذلك نجح نتنياهو في جذب المعارضة له بإقناع وزير الدفاع السابق بيني غانتس بالانضمام إلى حكومته بسبب خبرته العسكرية – حيث لا يوجد خبراء عسكريون بين الحكومة الحالية – وليشارك الجميع في النجاح أو الفشل في ما ستقوم به الحكومة في الأيام والأسابيع المقبلة وإدارة الحرب الحالية.
/>من الطبيعي ألّا تعمّر هذه الحكومة طويلاً بعد أن تتوقف الحرب بسبب الخلاف الحاد بين الطرفين، ولأن الشعب يتّهم نتنياهو بالمسؤولية عما حصل له في معركة «طوفان الأقصى» التي وصلت صواريخها إلى حيفا وتل أبيب.
/>ويراهن غانتس على خطة «تغيير الوضع في غزة» عبر الاستمرار بالقصف حتى إخراج «حماس» منها وتسليم سلاحها. وهذا سيتسبب بدخول «محور المقاومة» إلى خط المعركة مباشرة لأن أي تغيير لن يُسمح به. ولكنه ليس مستغرَباً أن ترفع إسرائيل سقف التهديد لوجود أكثر من 150 أسيراً إسرائيلياً في غزة.
/>على أن «حماس» و«الجهاد الإسلامي» المنخرطتيْن في المعركة تعلمان أن إسرائيل تتخبط في هذه الحرب. فقد عجزت منظومة الصواريخ المعترضة عن منع وصول الصواريخ الفلسطينية إلى أماكن عدة في إسرائيل.
/>وتتضارب القيادة الإسرائيلية في الإعلان أن منطقة «غلاف غزة» أصبحت «نظيفة» من المهاجمين لتعلن من جديد عن اشتباكات دائرة في المنطقة نفسها. ويطلق الجيش النار على مجموعات من جيشه بسبب قلة التنسيق، ويقتل عمّالاً لصيانة الكهرباء عن طريق الخطأ وتُطلق صفارات الإنذار في كل أنحاء إسرائيل بسب الطيور المهاجرة التي رآها الإسرائيليون كطائرات مسيّرة.
/>اعتقدت إسرائيل أنها هي البادئة في الحروب، وتالياً تستطيع أن تخطط وتنفذ أي معركة من دون تسرع، لكنها أثبتت أنها ليست أفضل من أي تنظيم برد فعلها أمام معركةٍ تُباغِتُها. وكانت تعتقد أنها بطائراتها وسلاحها الثقيل تستطيع إخافة أي طرف وثنيه عن تشكيل خطر عليها، ولكنها لم تتحضّر لمعركة في الجبهة الداخلية رغم سنوات التدريب التي أجرتْها خوفاً وتَحَسُّباً ليوم مماثل. كما وجدت نفسها في موقع الدفاع وليس الهجوم لتعتمد على سلاح الطيران وتطلب النجدة من الولايات المتحدة كي لا تُفتح جبهات أخرى عليها خارجة عن قدرتها.
/>لكن «حماس» و«الجهاد» لن تتوقفا عن إطلاق الصواريخ التي بحوزتهما. وبحسب المعلومات، فإن التقديرات تشير إلى أن المعركة ستستمر لـ 6 أشهر، وهو ما يعني أن التنظيميْن يستطيعان الاستمرار بالقصف لمدة طويلة، على عكس ما يعتقده المحللون.
/>وسبق لمستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان أن أعلن أن «الشرق الأوسط لم يكن يوماً أهدأ مما هو عليه اليوم منذ سنوات عدة عاشها في الإدارات الأميركية». وهذا دليل على أن إسرائيل وأجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية لم تعلم بما خَطط له «محور المقاومة» لأشهر طويلة، واعتمدت على سنوات القهر والاذلال التي تسببت بها إسرائيل للفلسطينيين لتعتقد أن هذه الفرضية (المبادرة المباغتة والمهاجمة) لن تحصل أبداً.
/>أما «طوفان الأقصى» فقد دفع الجميع للاستيقاظ على القضية الفلسطينية، لتصبح هذه المعركة درساً سيبقى لسنوات طويلة يخضع للتحليل وأخذ العِبر منه.
/>لكن هل سيكون «طوفان الأقصى» كافياً لدفع إسرائيل للتفاوض على إعطاء الفلسطينيين حقوقهم؟
/>لا يبدو ذلك، لكن ما كان قبل الطوفان لن يكون كما بعده. وقد تلقّت إسرائيل ضربة لن تنساها لأجيال طويلة، من دون أن تتعلّم معنى السلام، ما دام العالم الغربي يقف خلفها ويدعمها من دون المحاسبة على أفعالها.