أعلنت إيران تمكنها من إنتاج صاروخ فرط صوتي، وهو قفزة في تطور الصناعة العسكرية، إذ يستطيع استهداف أي هدف والمناورة لتخطي الدفاعات الجوية.
وبهذا أثبتت طهران، امتلاكها «قدرة الردع» ضد أي قوة، ولو على بعد بضعة آلاف الكيلومترات، ما يضعها خارج منطقة الاستهداف العسكري المباشر.
لكن هذا التطور التكنولوجي لم يكن ليحدث من دون الدعم الروسي الذي يبعث بالرسائل، يمنة ويسرى، من خلال تقوية حليفه الإستراتيجي. فما هي هذه الرسائل التي تريد روسيا إطلاقها عبر إيران؟
تمتلك إيران مدناً من الصواريخ تحت الأرض أظهرت بعضها عبر الإعلام، كما كشفت عن تطورها الصاروخي عبر ضربات نفذتها ضد أهداف بعيدة في سورية والعراق في مراحل عدة. وما مشاركتها بتسليح روسيا بالمسيرات، سوى تأكيد على مدى تطورها في مجال الدفاع والهجوم والعلم العسكري.
إلا أن صواريخ الفرط صوتية - التي أعلن عنها قائد القوة الجو - فضائية الجنرال في الحرس الثوري أمير علي حاجي زاده - هي تكنولوجيا توصلت إليها روسيا منذ مدة وأعلنت أميركا عن امتلاكها هذه السنة فقط.
وتمتلك هذه الصواريخ قدرة تفوق سرعة الصوت وقدرة على المناورة والتملص من الدفاعات الأرضية في شكل كبير أثناء تحليقها.
ولهذا قررت أميركا إنفاق 1.3 مليار دولار (ليصل مجموع إنفاقها إلى 2.5 مليار دولار) وبالتعاون مع بريطانيا وإستراليا، لرصد إطلاق الصواريخ هذه أثناء تغيير مسارها وحساب الاتجاه الجديد وتقديم بيانات للقوات التي تطلق صواريخ اعتراضية لمواجهتها.
ومن المقرر أن تنتج الشركات الأميركية 14 قمراً جديداً ضمن برنامج بناء نظام حديث ليتبعه إنتاج آخر لـ28 قمراً ومجموعة ثالثة من نحو 54 قمراً لمتابعة الصواريخ الفرط صوتية التي تصل سرعتها إلى ما بين 5 و20 ماخ (الماخ هي سرعة الصوت التي تصل إلى نحو 1235 كليومترا/الساعة).
وتتجاوز الصواريخ البالستية العابرة للقارات هذا المستوى بكثير. إلا أن مسارها يمكن حسابه واعتراضه لأنها تنطلق لتصل إلى علو مرتفع في مسار على شكل قوس يمكن توقعه واعتراضه وتدميره.
أما الصواريخ الفرط صوتية الحديثة، فهي تنطلق على مسار منخفض وتعدل من سرعتها أثناء التحليق وهي قادرة على بلوغ هدفها في شكل أسرع.
وميزتها هي قدرة التحكم بها أثناء تحليقها ما يزيد من صعوبة تتبعها وتدميرها قبل وصولها إلى الهدف إذا كان بعيداً. أما إذا كان الهدف قريباً من منصة الانطلاق، فمن المستحيل في الوقت الراهن إيقافها.
واختبرت روسيا صواريخ «كينجال» الفرط صوتية في أوكرانيا، لتصبح أول دولة تستخدم هذا النوع وتدخله ضمن المخزون العسكري. وتمتلك الصين القدرة الصاروخية الفرط صوتية، لتصبح إيران الدولة الرابعة بعد كوريا الشمالية التي أعلنت عن امتلاكها هذه الصواريخ.
وتقول مصادر إيرانية مسؤولة لـ«الراي» ان «تسليح أميركا وحلف الناتو المستمر لأوكرانيا ما كان ليمر من دون عقاب روسي، وهذا ينطبق أيضاً على الدعم العسكري والاستخباراتي الذي توافره إسرائيل أيضاً لأوكرانيا ووقوفها ضد روسيا في كل المحافل. وقد ثبت للمسؤولين الروس ان إيران هي الدولة التي لم تغير موقفها من أميركا ولم تتردد في الوقوف مع روسيا وحاربت معها في سورية ولم تتخل عنها في حربها الدائرة منذ فبراير الماضي ضد الأحادية الأميركية على أرض أوكرانيا».
ولم يؤكد المصدر ولم تنف، تعاون روسيا مع إيران في مجال تطوير الصواريخ الفرط صوتية. إلا أن التعاون الذي بلغ 44 ملياراً مع روسيا في مجال الطاقة والذي وقع أخيراً مع شركة «غازبروم» ولتصدير انتاج سبعة حقول نفطية وغازية - يتطور يوماً بعد يوم، خصوصاً بعد تأكيد إيران استدراتها نحو آسيا.
وقد وقّعت طهران العام الماضي عقوداً واستثمارات مع الصين التي وافقت على رفع المستوى الاستثماري إلى 400 مليار دولار في السنوات الـ25 المقبلة لتطوير الاتصالات والمرافئ والنظام المصرفي وسكك الحديد والصحة والتكنولوجيا مقابل النفط الإيراني بأسعار منخفضة.
لم يعد قادة إسرائيل يستطيعون تهديد إيران والتلويح بقدرتها على مهاجمة إيران في شكل مباشر.
وهذا ينطبق أيضاً على أميركا التي استطاعت إيران قصف قاعدتها في عين الأسد في العراق عام 2020 حين أمطرتها بـ16 صاروخاً دقيقاً ولكن برأس متفجر لم يتخط الـ250 كيلوغراماً، بينما تمتلك إيران صواريخ تحمل أكثر من 1000 كيلوغرام في رأسها المتفجر.
الحرب بالوكالة لم ولن تتوقف بين إيران وإسرائيل وأميركا. فهناك ساحات عدة تستخدمها إسرائيل، خصوصاً في سورية التي لم تقرر فرض قوة الردع لغاية اليوم. وتمتلك إيران ساحات عدة للرد، كما تفعل داخل فلسطين، وكما فعلت أخيراً عندما قصفت مركز للاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) في أربيل - العراق.
إنها ضربة قاسية إيرانية - روسية للتحالف الأميركي - الإسرائيلي. ولكنها رسالة روسية للغرب مفادها بأنها تستطيع خرق قواعد الاشتباك واللعبة في ساحات عدة، كما يفعل حلف «الناتو» المجتمع في قاعدة رامستين الألمانية ويدير المعركة داخل أوكرانيا بدعم 40 دولة تخطط وتسلح وتقرر وتهدف إلى كسر روسيا.
لقد توسعت رقعة المواجهة بين روسيا وأميركا، ومما لا شك فيه أن الصواريخ الفرط صوتية ليست بعيدة عن هذه المعركة. فماذا تحضر روسيا بعد لأميركا وفي أي ساحة أخرى، أم تكتفي بهذه الخطوة كإنذار شديد اللهجة؟