تتجه الحربُ في أوكرانيا بين الولايات المتحدة وروسيا، نحو مراحل أكثر خطورة يمكن من خلالها تحديد مصيرها الذي من المتوقع معه ألا تنتهي المعركة قريباً.

ومع ذلك، فإن الضغط الاقتصادي يتزايد على كل البلدان المتورّطة والمشاركة في الحرب مباشرة أو بشكل غير مباشر حيث يحاول كل طرفٍ الانتصارَ بسرعةٍ وبأقلّ قدر من الأضرار.

لكن يبدو أن النصر وإزالة غبار الحرب لا يزال بعيد المنال، لأنها معركة مصير لكل من روسيا والولايات المتحدة. لذلك، فإن الطرف الذي يحافظ على موقعه على الأرض ويصمد لأطول زمن سيفوز.

لكن الثمن يبدو باهظاً، وخسائره كبيرة خصوصاً بالنسبة لأوكرانيا وأوروبا بغض النظر عن الأضرار الجانبية والمباشرة على القوّتين العظميين.

أثناء حملته الانتخابية في ولاية بنسلفانيا لدعم حزبه الديموقراطي في انتخابات الكونغرس المقبلة، قال الرئيس جو بادين، في أول اعتراف صريح بأن الحرب في أوكرانيا هي حرب بالوكالة مرتبطة بالدفاع عن الأحادية الأميركية وهيمنتها على العالم: «قالوا (الجمهوريون) إذا فازوا، فمن غير المرجح أن يواصلوا تمويل أوكرانيا. هؤلاء الرجال لا يفقهون شيئاً. إنها (الحرب) أكبر بكثير من أوكرانيا. إنها أوروبا الشرقية. إنها الناتو. إنها حقاً نتيجة خطيرة وخطيرة. ليس لديهم أي إحساس بالسياسة الخارجية الأميركية».

بعدما أعلنت البنتاغون، أنها قدم 1.1 مليار دولار إضافية مساعدات عسكرية لأوكرانيا، ما رفع إجمالي الدعم العسكري الأميركي إلى نحو 17 مليار دولار منذ تولي إدارة بايدن السلطة...

أتى الردّ من الجمهوريين، إذ قال الزعيم الجمهوري كيفن مكارثي: «إذا حقق حزبي المكاسب المتوقَّعة في انتخابات التجديد النصفي، فلن يكون هناك شيك على بياض لأوكرانيا».

ومن المرجح أن يصبح مكارثي رئيس مجلس النواب الأميركي إذا فاز حزبه الشهر المقبل.

للمرة الأولى، تقرّ الولايات المتحدة بأن الحرب تدور حول نفوذها في أوروبا الشرقية ووجودها وقيادتها لحلف شمال الأطلسي. والأمر في الواقع يتعلّق بإعادة بسط السيطرة الأميركية في أعقاب الموقف السابق للقادة الأوروبيين - بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - الذين أعربوا عن نيتهم مغادرة حلف شمال الأطلسي.

إذ قال ماكرون إن الناتو «ميت عقلياً» وان «أوروبا يجب أن يكون لها جيشها الخاص للدفاع عن نفسها، بما في ذلك (الدفاع ضد) الولايات المتحدة».

ووفق بايدن، فإن الدعم العسكري والاستخباراتي الغربي غير المسبوق لأوكرانيا لا علاقة له بالدفاع عن دولةٍ طالما اتّهمتْها أوروبا بأنها واحدة من أكثر الدول فساداً في النظام الدولي قبل احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، ولا بالانقلاب الغربي الذي دعمتْه الولايات المتحدة - بمساعدة أوروبا - ضد الرئيس الأوكراني المنتخب فيكتور يانوكوفيتش في 2014 أثناء «ثورة الميدان»، بل يتعلّق بسياسة أميركا الخارجية والمحافظة على حياة الناتو.

علماً أن الغرب كان يستعدّ لمواجهة روسيا عاجلاً أم آجلاً وبدأ في بناء جيش أوكراني قوي وقادر على القتال في 2015 بأمر من الرئيس الأسبق باراك أوباما ومستعدّ للحظة المواجهة العسكرية التي لا بد منها.

وهذا يشير إلى أن الغرب كان يعلم أن موسكو لن تعرّض أمنها القومي للخطر ولن تسمح ببناء جيش مستعدّ لمواجهتها ويملك قدرةٍ رادعة على حدودها.

وأشار التقييم الأميركي إلى أن الجيش الروسي لم تكن لديه القدرة العسكرية لمواجهة جميع دول «الناتو» في حربٍ كلاسيكية عسكرية (كما هو الواقع اليوم في مواجهة 40 دولة غربية في الحرب من خلال قيادة المعركة من قاعدة رامشتاين الألمانية) ما لم يستخدم بوتين التكتيك العسكري السوفياتي المعتاد المتمثل في حرق الأرض قبل الاشتباك مع أي جيش عدو.

إلا أن الرئيس الروسي أَهْمَلَ الأسلوب السوفياتي المدمر، لاعتقاده أن أوكرانيا لن تقاوم وستختار التفاوض الديبلوماسي، وستعلن حيادها وستضع حداً لقصف مقاطعات دونباس الذي أودى بحياة ما بين 13000 إلى 14000 من المتحدّثين بالروسية.

لذلك، كان الأمر يستحق أن تحاول الولايات المتحدة دفْع روسيا على أمل ألا يخوض بوتين معركة شرسة.

وقد أصبحت هذه الحرب بالوكالة غير مريحة لبايدن، الذي يعرف نيات الجمهوريين بتقليل أو إنهاء الدعم اللامحدود لأوكرانيا.

وهذا يعني أن أمام الإدارة الأميركية سنتان لكسب الحرب في أوكرانيا أو التوصل إلى اتفاق مع روسيا وقبول الأمر الواقع إذا احتفظت موسكو بموقفها وبالسيطرة على الأقاليم والمدن الأربعة التي ضمّتْها إليها أخيراً.

وإذا انتصرتْ إدارةُ بايدن في الحرب، فإن سقوطَ بوتين مرجَّح للغاية بعد هزيمة روسيا.

وقد يؤدي ذلك إلى انسحاب موسكو من الساحة الدولية. ولكن ذلك سيتطلب إرسال المزيد من الأسلحة التي تغير قواعد اللعبة إلى كييف، والزج ببعض قوات «الناتو» في ساحة المعركة لدعم الجبهات الأوكرانية (وهذا غير مطروح اليوم)، واستمرار الدعم المالي الغربي لعشرات الملايين من الأوكرانيين المهاجرين والذين لا يزالون في بلدهم وهذا ما سيستنزف الغرب اقتصادياً.

ويعتقد خبراء عسكريون أن بوتين أراد الخروج من المعركة بعد إعلان استفتاءٍ على ضم دونباس وخيرسون وزابوريجيا إلى روسيا.

ومع ذلك، فإن نجاحَ القوات الأوكرانية في شمال خاركيف ثم الهجوم في جنوب خيرسون - في محاولة لقطع الطريق بين المقاطعات المحميّة من روسيا وجزيرة القرم - مَنَعَ روسيا من الاستمتاع بانتصاراتها وإنهاء الحرب.

ويرى الخبراءُ العسكريون أن أداء الجيش الروسي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب أدى إلى استنتاجٍ مفاده بأن قادة «الناتو» العسكريين يمكن أن ينقلوا الجيش الأوكراني من موقع دفاعي إلى موقع هجومي.

إذ أن طول الجبهة الروسية - الأوكرانية (1000 كلم) وقلة عدد المهاجمين الروس (واحد مقابل واحد بينما على المهاجمين أن يتفوّقوا عددياً ثلاث مرات عن أعداد المدافعين) سمح للقوات الأوكرانية بالتقدم وتحقيق انتصارات تكتيكية شجّعت الدول الأوروبية على الاستمرار في تقديم المعدات والدعم العسكري لأوكرانيا لأطول فترة ممكنة.

ومع ذلك، يبدو أن القيادة العسكرية الروسية الجديدة تُغَيِّر تكتيكاتها للدفاع عن الأراضي المحتلة والاحتفاظ بالأرض وإنشاء خطوط دفاع قوية لإلحاق المزيد من الخسائر بالمهاجمين واستنزاف الموارد الغربية.

ويبدو أن الكلمة الأخيرة لا تزال بعيدة المنال للطرفين.