أنذرتْ الولايات المتحدة في شكل واضح بأن تاريخ الخامس عشر من أغسطس، هو الموعد الأخير لقبول الاتفاق النووي من عدمه.

ولم تدرك واشنطن أنها تفاوض بائع السجاد الإيراني الذي لن يرفض صفقة جيدة ولن يقول لا قاطعة، فردّت طهران قبل منتصف الليل بقبول النقاط مرفقة بشروط.

وهكذا فُتح الباب من جديد أمام بازار المفاوضات، عبر ردّ أميركا على الردّ الإيراني، ما يستوجب الردّ من جديد أو جولات مفاوضات جديدة في فيينا، طبعاً بعد أن تأخذ طهران وقتها في درس الرد الأميركي.

وفي هذه الأثناء، يتعالى الصراخ الإسرائيلي الذي لا يجد آذاناً صاغية ولا يلاقي الاهتمام العالمي، لأن خيار الحرب غير مطروح على طاولة المفاوضات، ولأن قدرات إيران الصاروخية وقدرات حلفائها كافية للجم تل أبيب وإفقادها الشهية لتوجيه ضربات عسكرية والاكتفاء بالوعيد والتهديد.

قبل عام 2015، لم تكن إيران تملك قدرات صاروخية وطائرات مسيَّرة متطوّرة مماثلة للترسانة التي تملكها اليوم.

لكن، حتى في ذلك الوقت، أدرك الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه لا يستطيع ردع برنامج إيران النووي على الرغم من قدرات إسرائيل المتطورة وعشرات القواعد العسكرية المنتشرة حول إيران.

وأدت سنوات التفاوض في شأن الملف النووي إلى تحويل انتباه العالم عن مشروع إيران الصاروخي المتطور والذي وصل إلى مستوى غير مسبوق.

وذهبت كل الإدارات الأميركية لتمنح نفسها، فضل احتواء ومنْع برنامج إيران النووي العسكري الذي لا تطمح له أصلاً، ليس فقط بسبب الفتوى الشرعية لولي الفقيه السيد علي خامنئي، لكن لأنها تملك القدرات العسكرية اللازمة لفرض معادلة الردع ضد أعدائها، ولأنها نجحت في دعم وتقوية حلفاء لها في الشرق الأوسط زوّدتهم بالقدرات الصاروخية التي تشكل خطراً حقيقياً على إسرائيل والقوات الأميركية، إذا ما هوجمت إيران.

واستغرق الأمر وقتاً لتدرك إدارة الرئيس جو بايدن، أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ملتزم بالعودة إلى الاتفاق النووي من دون أن يكون على عجلة من أمره، ليسمح لوزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان بالمفاوضات في فيينا، بعد 5 أشهر من تسلُّمه السلطة، هو الذي أكد أنه «لا يعلّق الأمل أبداً» على هذه المفاوضات.

وبعد سنتين من تَسَلُّم بايدن السلطة وجولات مكوكية ومفاوضات مكثفة غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، وصلت الأمور إلى شبه الختام من دون أن يعني ذلك أن الاتفاق واقع لا محالة لأن «الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل».

لن تغلق طهران بابَ المفاوضات الديبلوماسية، ولم تطفئ الأربعين كاميرا المتصلة بالأقمار الاصطناعية والتي تراقب المواقع النووية في شكل مباشر.

ولم تطلب من مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المغادرة، بل أبقت على هؤلاء وعلى أجهزتهم لتقول، إنها لا تخشى شيئاً في شأن برنامجها النووي غير العسكري.

ولا يملك الغرب أي وسيلة قانونية مباشرة لمراقبة برنامج طهران، سوى القرار الإيراني بالموافقة على هذه المراقبة الدائمة، وتالياً يبدو أن أميركا لا تستطيع الذهاب إلى أي خيار آخَر، إذا كانت لا تصدق إيران وتخشى فعلاً امتلاكها سلاحاً نووياً.

إلا أن واشنطن تزعج طهران بالطلب عبر الوكالة الذرية تفسيرات عن ثلاثة مواقع وُجدت فيها آثار شعاعية واتهمت إيران الاستخبارات الغربية الإسرائيلية، بوضعها لتخرّب محاولة إحياء الاتفاق النووي.

ونجحت طهران بتحييد برنامجها الصاروخي الذي لا ترغب بالتفاوض في شأنه، لأنه متعلق بالأمن القومي، ولأن التهديدات الإسرائيلية والأميركية، هي أحد أهم الأسباب التي دفعتها للعمل على تطوير دفاعاتها.

ولذلك فان أي حديث عن قدرات إيران هو خارج التفاوض.

لا يمكن القول إن الديبلوماسية توقفت لأن الطرفين قبِلا بـ «تبادل الرسائل».

وهذا يعني أن التحدث (غير المباشر) لم يتوقف، وان جولات أخرى تنتظر العالم الذي يريد (خصوصاً أوروبا) لإيران العودة إلى أسواق الطاقة، لكنه لا يستطيع فرض رغباته على الولايات المتحدة التي تتعامل وفق مبدأ «أميركا أولاً».