«لقد حان الوقت لإعادة السلاح النووي الأميركي الموجود في أوروبا إلى أميركا»... بهذه الكلمات لخص وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «خريطة الطريق» الروسية في أوكرانيا وما بعدها.

وهذا يعني أن موسكو أطلقت حربها لأن أميركا تملك قوات نووية إستراتيجية في قواعد «الناتو» المنتشرة في القارة الأوروبية، إضافة إلى تركيا، التي تملك وحدها 50 قنبلة نووية في قاعدة أنجرليك التي تديرها أميركا.

وهذا يعني أن الخيارات المقبلة أصعب بكثير من الحرب على أوكرانيا لأن الدول التي تهدف روسيا إلى «نزع» سلاحها النووي جميعها أعضاء في «الناتو»، الذي لن يقبل بالتأكيد التخلي عن أهدافه الأساسية انطلاقاً من اعتباره روسيا «دولة عدوة»، كما هو منشور على موقع صفحته الرسمية.

ليس من الصعب التأكد إذا كان لافروف يرفع سقف المطالب أم هو جاد في كشف إصرار روسيا على مطالبها بنزع السلاح الأميركي من عشرات القواعد التي تنتشر في أوروبا... فإذا كان هذا هو المخطط الذي يصبو إليه الكرملين، فإنه يتطابق مع الدعوة التي أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين عشية الحرب إلى «الناتو» للعودة إلى ما قبل عام 1997، يوم كان يقتصر عدد أعضائه على 12 فقط، أي أنه يطالب بخروج 61 عضواً (باستثناء تركيا) انضموا إلى حلف شمال الأطلسي بعد عام 1999.

ومن غير الواضح، كيف ينوي بوتين تطبيق رؤيته وأهدافه المستقبلية التي يوحي بجديتها، وهو الذي طلب من القوة الإستراتيجية النووية بأن تتحضر بكامل جهوزيتها رداً على مبادرات دول غربية مد أوكرانيا بالمزيد من السلاح.

ويلاحظ من خلال تصريحات القادة الروس، التصميم على المواجهة والتضامن خلف بوتين، على خلاف ما يتمناه الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يركز الحملة على شخص زعيم الكرملين.

فعندما فرضت أوروبا العقوبات المتتالية على روسيا، خرج الرئيس السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديميتري ميدفيديف للقول «أعلنتم الحرب الاقتصادية على روسيا. احذروا ألسنتكم ولا تنسوا أن الحرب الاقتصادية غالباً ما تتحول حرباً حقيقية (عسكرية)».

وبرزت ملامح تراجع في اندفاعة أوروبا بعدما أعلنت بولندا أنها لن تسمح بمرور الطائرات والأسلحة الفتاكة إلى أوكرانيا، علماً أن أميركا تمتلك قاعدة داخل بولندا ضمن «الناتو»، وأن هكذا قرار بتبريد الأجواء من غير المستبعد أن يكون صدر عن قيادة مشتركة، كان لأميركا الدور الأكبر فيها، علماً أن البنتاغون أعلنت أنها تساعد أوكرانيا على إدارة وإطالة أمد الحرب - لأن نتيجتها محسومة - ضد روسيا.

غير أن روسيا آخذة بإظهار جديتها عبر مسعاها للسيطرة على المفاعلات النووية الأوكرانية والتي تبلغ أكثر من 15 مفاعلاً منتشرة في الجنوب والشرق والوسط والغرب.

وأعلنت ان أميركا كانت تخطط لإعادة تشغيل بعض المفاعلات للحصول على يورانيوم مخضب لإنتاج القنبلة النووية بهدف منع روسيا مستقبلاً من التدخل في أوكرانيا، وتالياً فان الكرملين اعتبر أن الخطر اقترب من روسيا كثيراً وهي تمتلك اليوم القوة اللازمة لمجابهة التوسع الأميركي من خلال «الناتو».

لم يشهد العالم أزمة مماثلة لما يحدث الآن إلا عام 1962 عندما غزت أميركا «خليج الخنازير»، ونشرت قيادة الإتحاد السوفياتي صواريخ بالستية متوسطة المدى في كوبا، على مسافة قريبة من الشواطئ الأميركية.

وفي أكتوبر من ذاك العام، اكتشفت الولايات المتحدة ان روسيا تبني قاعدة للصواريخ النووية في كوبا، تماماً كما أعلن بوتين أن أميركا تخطط له في أوكرانيا.

إلا أن أزمة اليوم أكبر بكثير مما كانت عليه حينها لأن الأسلحة تطورت وأصبحت أكثر دقة، ولأن الأسلحة النووية انتشرت في أماكن عدة من العالم ولم تعد تقتصر على بعض الدول الغربية وروسيا فقط... إنها أوقات صعبة يعيشها العالم في انتظار إنتهاء الحرب في أوكرانيا والكشف عن الخطة الغربية التي تلي دخول موسكو إلى كييف.