أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنفسه، بدء المعركة العسكرية في منطقة دونباس الحدودية، والتي اعترفت بها موسكو يوم الإثنين، «مقاطعة مستقلة».

ودخلت الآلة العسكرية الروسية إلى دونباس في الوقت الذي ضربت فيها الصواريخ الدقيقة مراكز القيادة والسيطرة الأوكرانية وأخرجت بسهولة سلاحها الجوي المتهالك من المعركة.

إلا أنها ليست حرباً لاحتلال كل الأراضي الأوكرانية، بل هي «معركة ردع» روسية، لأوروبا وأميركا وفرض «الخطوط الحمر» والدعوة للتفاوض تحت النار. ومن المتوقع ألا تذهب القوات الروسية أبعد من منطقة دونباس في الأيام المقبلة، وبالطبع فإن حكومة كييف لن تكون عرضة للاحتلال العسكري المباشر.

من هو المستفيد من هذه الحرب؟

رغم تحذيرات بوتين المتكررة من أن انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي يشكّل خطراً على أمن روسيا القومي لن يسمح به، لم تستطع الديبلوماسية الأوروبية فعل أي شيء لتغيير القرار الأميركي بالاستمرار في تحدي روسيا وإكمال مسيرة التصعيد وإرسال مئات الأطنان من الأسلحة بمليارات الدولارات.

وما العملية العسكرية في دونباس، إلا رسالة من بوتين لأوروبا لتأخذ مخاوفه بجدية، وإلا فإن المرحلة الأولى من إعطاء دونباس استقلاليتها ستتبعها خطوات أخرى تهدف لإسقاط النظام الموالي للغرب في كييف.

ومن غير المفاجئ أن المسؤولين الأوروبيين والأميركيين وآخرين شجبوا العملية الروسية داخل دونباس، إلا أن الجميع أوضح أنهم لن يشتركوا مباشرة في الحرب.

وهذا يعني أن أوكرانيا تجابه لوحدها التقدم الروسي من جهات عدة ومحاور، تبدأ من الشمال الشرقي في خاركيف وحتى خيرسون في الجنوب الشرقي على البحر الأسود شمال جزيرة القرم.

وتقدمت القوات في شكل دفرسوار في الوسط لتبلغ عمق 35 كيلومتراً داخل دونباس ما يدل على سرعة حركة القوات المتقدمة التي يتولى الطيران الروسي فتح الطريق أمامها عبر تدمير كل الرادارات ومراكز القيادة والسيطرة الأوكرانية.

ولن يجلس الرئيس الروسي إلى طاولة المفاوضات لأن صوت السلاح يعلو فوق كل شيء، إلا حين انتهاء المرحلة الأولى من المعركة ليرى ما سيفعله الغرب، (خصوصاً أوروبا)، في ملاقاة طلباته التي رفضت في شأن توسع حلف «الناتو» في مناطق ودول الاتحاد السوفياتي السابق.

من الرابح ومن الخاسر؟

روسيا تتعرّض كل يوم لعقوبات ستزداد تباعاً لأن معركة دونباس ستستمر لأيام عدة بسبب المئات من القرى المنتشرة فيها.

وتمثل المنطقة التي كان يسيطر عليها الانفصاليون قبل بدء المعركة نحو 38 في المئة من أراضي المقاطعة، بينما تمثل حدود المقاطعة الإدارية نحو 58 في المئة فقط. ولذلك، يمكن أن تتوقف المعارك عند هذه الحدود أو تستمر للسيطرة على منطقة دونباس بأكملها.

وهذا يعني أن مسؤولية روسيا تجاه دونباس ستزداد خصوصاً أنها منطقة أصبحت فقيرة منذ عام 2014 عندما اندلعت الاشتباكات وأدت إلى «اتفاقات منسك» لإيقاف النار بين قوات المقاطعة وكييف.

بالإضافة إلى ذلك، فإن خطر انتشار حلف شمال الأطلسي لن يتوقف عن التمدد في اتجاه أوكرانيا. وهذا ما قد يدفع بوتين إلى العمل على تغيير النظام أو التقدم في مرحلة مستقبلية أخرى بقواته العسكرية لتحقيق ذلك.

وهذا سيلقي على موسكو تبعات أكبر وكلفة عسكرية وبشرية كبيرة، وهذا ما لا يريده الرئيس الروسي، بل هو يريد تحقيق هدفه بإرجاع «الناتو» إلى حدود عام 1996 قبل انضمام دول «حلف وارسو» إلى الحلف الغربي، الذي توسع ليضم كل الدول التي تحد روسيا، ما عدا بيلاروسيا وأوكرانيا وجورجيا (بالإضافة إلى البوسنة والهرسك التي لا ترتبط بحدود مع روسيا). ويمتلك بوتين أكثر من 630 مليار دولار، وما زال يزود أوروبا بالغاز من خلال «نورد ستريم - 1» عن طريق أوكرانيا، والذي لم يتوقف رغم الحرب.

إلا أن وضع عقوبات مصرفية على روسيا ستمنعها من التعامل المالي ما يضعها في موقف المطالبة بالدفع النقدي أو أخذ تدابير أخرى يمكن أن تضر بالاحتياط النقدي الروسي أو بأوروبا، إذا ما استمرت الأزمة. مما لا شك فيه أن موسكو تعلم أن هناك هدفاً لجرها إلى معركة في أوكرانيا شبيهة باحتلال أفغانستان في ديسمبر عام 1979، ومحاولة لتكبير حجم الأثمان الاقتصادية والعسكرية لدخول القوات الروسية إلى دونباس.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الإعلام سيركز على اتهام بوتين بإعلانه الذهاب إلى «حرب عالمية ثالثة» أو إعادة أوروبا إلى ذكريات الحرب المؤلمة، وهذا ما قد يقلب الرأي العام ضده، لفترة طويلة. وتبقى الولايات المتحدة التي تدفع أوروبا نحو «حافة الهاوية» لتتخلى عن روسيا كشريك اقتصادي وتتفرج على القارة الأوروبية تتخبط بحرب جديدة لا حول لها ولا قوة لتغيير اتجاهها أو استيعابها.

وتستفيد أميركا من بيع الغاز إلى أوروبا وعزل روسيا عن الصين ما استطاعت إذا ما أصبحت موسكو ضعيفة تنوء تحت عبء العقوبات الاقتصادية لتعود واشنطن تتربع على عرش العالم من جديد.

إلا أن «الرياح تجري بما لا تشتهي السفن» في أحيان كثيرة، ومن الممكن أن يظهر الرئيس جو بايدن «ضعيفاً»، لأن العقوبات لم تنجح يوماً في قلب النظام - وتجربة إيران وكوبا وفنزويلا أفضل أمثلة - وتالياً، فإنه يمكن أن يخرج بوتين غير ضعيف كما تريده أميركا. إلا أن الحكم على النتائج ما زال مبكراً. ر

وسيا تقصف كل المراكز العسكرية المهمة التابعة للجيش والاستخبارات الأوكرانية أينما كانت، حتى داخل العاصمة كييف. والهدف هو شل القوة العسكرية قبل الدخول في معركة واحداث الفوضى والإرباك في صفوف المسؤولين والقوات الأمنية.

ومن المتوقع أن تبدأ حملة «التشويه الإعلامية» تماماً كما حدث في الحرب السورية، التي قدمت الخبرة الكافية للغرب وبرعت بها لتستخدمها في أوكرانيا ضد روسيا.

وتالياً، فإن عدد الطائرات المدمرة والخسائر البشرية ستكون مبالغاً فيها لأن المعركة الإعلامية تشكل جزءاً كبيراً من الحرب.

إلا أنه من الواضح أن أياماً طويلة تنتظر أوكرانيا وروسيا وأوروبا إلى حين الإعلان عن انتهاء العملية العسكرية المستمرة في وتيرة سريعة.