في معظم الصفحات أقرأ «ننعي رحيل فلان»... أو «بكل أسى غادرنا فلان... فلانة»...

موت وأسى وشقاء ورثاء يحيط بنا ويأكل كل أخضر في أيامنا... يحول حياتنا لجفاف عاطفي وقحط إنساني يابس.

لكننا لا نحتفي بالحياة والحاضر والأمل.

لا ننعش الروابط والصداقات.

لا نحتفل بها أثناء وجودها إلا نادراً...

ثم نتسارع ونتسابق لسطر الرثاء بكل فنون الأسى وزخرفة حروف الرثاء لتجري جنائز مطرزة بفنون الكلام.

لماذا نحب الأسى والشقاء

ولا نحب الحياة؟

لماذا نوجز في الحب ونكتم في الصداقة

ثم نكون كرماء مع الموت...؟

هل لأن الذي رحل لن يقرأ... لن يكشف مشاعرنا...

أما الموجود فنبخل بالتعبير عنه ومعه...؟

لا شك أن تاريخنا الذي نجتره عبر مناهج الدراسة البالية ثم النقل والاقتباس والتقمص وإعادة الاحياء، يجعلنا متمسكين بالمآسي التي نعشقها ونعيد تجديدها وتصويرها... أكثر وأكثر.

ولم يقصر الإعلام بأنواعه من برامج ودراما في تجسيد هذا الشقاء.

وكذلك الآداب والفنون والمسرح والسينما.

حتى أننا نضحك على تلك المآسي ونسميها كوميديا سوداء... لكننا في الحقيقة نضحك على أنفسنا لأننا بها نغذي عشقنا للنواح والبكاء واجترار المعاناة.

ومن كل هذا ابتكرنا جلد الذات.

ليس لشيء سوى أننا عجزنا عن التسامح والتصالح مع الذات.

لذا نجدد العتاب واللوم حتى نستعيد الألم. مثل كائنات ماسوشية بل ممسوخة.

وفي الوقت نفسه، وعبر اللاوعي، نتعالى على ذلك وندعي الثقافة والاستنارة بتبني الإبداع والاجتهاد والتعلم والقراءة...

يا لنا من بؤساء... وأشقياء متناقضين ومعتوهين وغير أسوياء

والرحمة للجميع أحياء وأموات...