بعد 42 عاماً من «الحرب الباردة» بين إيران والولايات المتحدة، وعلاقات غير منتظمة مع دول منطقة الشرق الأوسط، عُقدت لقاءات إيرانية ـ سعودية، في بغداد وعمان، من دون أن تضخ هذه اللقاءات، حتى الآن، الحرارة اللازمة لحدوث دفء حقيقي... ورغم خفض التصعيد الواضح، إلا أن العلاقات ما زالت خجولة جداً، حيث توجهت دول المنطقة إلى اتخاذ موقف صارم من «حلفاء إيران»، في انتظار أن تقدم طهران ضمانات تطمئن محيطها.

عندما انتخب إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران، قال إن أولويته هي عودة العلاقات مع دول الجوار بعد أن قطعت العلاقات الديبلوماسية بين طهران والرياض منذ أكثر من 6 أعوام.

إلا أن هذه الأولوية تحتاج لمعطيات جديدة ما زالت غائبة لغاية اليوم، ولذلك يجب البحث عن منطقة مشتركة تستطيع الأطراف المختلفة الانطلاق منها قبل عودة العلاقات إلى مجراها الطبيعي.

ولا يمكن وصف اللقاءات السعودية ـ الإيرانية بأنها لقاءات تقارب وحل للأزمة بين البلدين، بل هي لتبادل الرؤى وتعبير عن النوايا التي ما زال بناؤها في مرحلة المهد.

ومما لا شك فيه أن الاتفاق النووي يلعب دوراً كبيراً من شأنه تسريع العلاقة بين دول الشرق الأوسط أو إبطاؤها، هذا إذا تم التوصل إلى اتفاق ما بين الولايات المتحدة وإيران.

تشعر دول المنطقة، بأن إيران تريد السيطرة مما يعرض أمنها للخطر وعدم الاستقرار. وقد أقرت طهران بأنها تمتلك حلفاء أقوياء في لبنان وسورية والعراق واليمن، وتالياً فإن ثمة مخاوف من أن يتحول هذا السلاح الذي انتشر بيد الحلفاء، نحو الداخل العربي لضرب الاستقرار.

من هنا، فإن أي تقارب يحتاج إلى مراجعة إيرانية ودراسة لمخاوف هذه الدول للبدء بتبديدها وإحداث استقرار متوسط إلى البعيد الأجل، بغض النظر عن الصراع الإيراني ـ الأميركي.

فقد أثبتت واشنطن بأنها لم تأخذ في الاعتبار مخاوف الدول العربية في عام 2015 عندما وقع الرئيس باراك أوباما الاتفاق النووي.

وبعد أوباما جاء رئيس آخر، هو دونالد ترامب، الذي لم يأخذ في الاعتبار مصالح حلفائه، حتى في علاقته بأوروبا نفسها. وجل ما فعله هو اغتيال قائد «لواء القدس» في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني.

هذا الاغتيال، على الرغم من أنه شكل ضربة قاسية أصابت إيران، فإنها تعاملت معه على أنه يضخ زخماً جديداً لـ«الثورة الإسلامية»، وهي تحدت خصمها الأميركي بقصف أحد قواعده في العراق من دون أن تحدث أي رد فعل. بل أكثر من ذلك، قال ترامب إنه أصيب بخيبة أمل لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو لم يذهب إلى الحرب أولاً ضد إيران.

ويسود الاعتقاد بأن شبه الاكتفاء في الولايات المتحدة من إنتاجها الخاص للنفط واستدارتها نحو أفريقيا لاستكمال حاجتها وتعزيز مخزونها، أعاد ترتيب سلم الأولويات الأميركية، مما يدل على تقلص أهدافها الإستراتيجية تجاه المنطقة.

وقد بدأت طهران سلسلة حوارات مع الجوار، لكسر الجمود، إلا أن عدم إحداث أي اختراق، يعود إلى القناعة بأن دورها وأداءها لن يتغيرا، وأن بعض الدول تعتبر أن الخطر الإيراني ما زال في ذروته، وتالياً، لن تستطيع طهران، في الوقت الراهن، الاستفادة من هذه اللقاءات والتعويل عليها لتقديم صورة أفضل لنفسها، إلى حين توافر ظروف أفضل ملموسة تجعلها تقدم بعضا من الضمانات والثقة للأطراف جميعها.

وفي تقدير من هم على دراية بتطورات الشرق الأوسط، ان ما من خيار سوى التوجه لحل المشكلات في ما بين دول المنطقة، خصوصاً، عندما يقرر الرئيس الأميركي جو بايدن إعادة إحياء الاتفاق النووي، هو الذي لم يأخذ في الاعتبار مخاوف دول المنطقة وحتى حليف أميركا المدلل، إسرائيل.

ولم يكن عادياً بروز تطور آخر أثار مخاوف وتمثل في أن أميركا تمنع إسرائيل من ضرب إيران، وغضت النظر عن السعي إلى تغيير النظام، والاكتفاء بفرض عقوبات اقتصادية قصوى لا تتقيد بها دول عدة، وهذا ما جعلها قليلة التأثير، بحسب مسؤولون إيرانيون.

ولن تقدم طهران تنازلات في الملف النووي ولا في برنامجها الصاروخي ولا في دعمها لحلفائها، وتالياً فإن أي تقدم في هذا المسار أصبح من دون جدوى.

وعندما امتلكت أميركا مئات الآلاف من الجنود في أفغانستان والعراق وسورية، لم تتمكن من تغيير النظام الإيراني، وتالياً لن تتمكن اليوم من ذلك لأنها اختبرت طرق الحرب مع دول عدة، وفشلت. بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة، تستدير نحو روسيا والصين، لتمنع تمدد نفوذهما. وفي حال فشل الاتفاق النووي، فإن التقارب بين دول المنطقة يبقى مؤجلاً.

تبحث دول المنطقة عن نقاط تقارب مع إيران لتترجم على الأرض، أملاً ببناء جسور الثقة، خصوصاً أن التوقيت جيد للأطراف كافة. وإذا لم يحصل ذلك، فان الفرصة تكون قد دفنت في مهدها في زمن تكون الظروف مُهيأة في ضوء تقلص الدور الأميركي الحاد.

فهل تمتلك إيران الشجاعة لأخذ المبادرة لبناء جسور الثقة من دون انتظار الخطوات الإيجابية من الآخرين؟ فإذا أرادت مشاهدة الولايات المتحدة تخرج من غرب آسيا، فإن المبادرة أصبحت في ملعبها...