... ما من مؤشر يدل على إمكان استقرار العراق في المستقبل القريب، خصوصاً بعد إعلان مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي عن «انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف وانسحابها من العراق»، ورد السكرتير الإعلامي للبنتاغون جون كيري، بقوله «لا يوجد تغيير كبير في الموقف في العراق، والأرقام (الجنود) مازالت في مكانها ولا تغير الوضع الجسدي».

يأتي ذلك في وقت أُعلن عن نتائج الانتخابات التشريعية العراقية التي من شأنها تحديد هوية رئيس الوزراء المقبل، بالإضافة إلى رئيسي البرلمان والجمهورية، لكن من دون أن تبدأ المشاورات بسبب الطعون والخلافات بين الأطراف كافة، والتي من المتوقع أن تحول دون ولادة الحكومة المقبلة قبل مارس أو أبريل من السنة المقبلة... فإلى أين يتجه العراق؟

يربط العديد من الشرق أوسطيين، الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، باتجاهات الوضع في العراق وما ستتعرّض له القوات الأميركية إذا لم تخرج، كما كان مقرراً تبعاً لقرار صدر عن مجلس النواب العراقي في العام الماضي، غداة اغتيال اللواء قاسم سليماني وأبومهدي المهندس في مطار بغداد.

غير أن ثمة مَنْ يعتقد أنه لا بد، في مقاربة هذه التطورات، من فصل الأمور. فإخراج القوات الأميركية من غرب آسيا هو هدف بذاته قطعه على نفسه السيد علي خامنئي بعد عملية الاغتيال، التي تلاها قصف إيران لـ«عين الأسد»، أكبر قاعدة عسكرية أميركية في العراق، والذي أوقع أكثر من 110 جرحى في صفوف الجنود الأميركيين.

والواضح أن الحكومة العراقية تجد نفسها أمام واقع لا تريد مواجهته، ألا وهو إرغام القوات الأميركية على مغادرة البلاد وكسب عداء الولايات المتحدة التي هددت بعودة العقوبات على بغداد إذا خرجت من دون إرادتها.

ويخضع العراق للفصل السادس، حيث تصب كل عائدات النفط - التي يعتمد الاقتصاد عليها بنسبة 95 في المئة - في المصارف الأميركية أولاً، وتالياً فان فرض عقوبات يُرهق كاهل بغداد اقتصادياً في وقت بدأت تتعافى من ديونها (تراجعت من 133 مليار دولار عام 2020 إلى 20 ملياراً في نهاية السنة الحالية).

والصحيح أن نجاح الاتفاق النووي لن يمنع أبداً حلفاء إيران في العراق، من تنفيذ ما وعدوا به حول إجبار القوات الأميركية على الخروج بعد منتصف ليل31 ديسمبر 2021، الموعد المتفق عليه بين الحكومتين الأميركية والعراقية - كما أعلنت بغداد.

وينبغي القول، في هذا السياق، ان حال العداء بين أميركا وإيران قائمة منذ عام 1979، يوم انتصار «الثورة الإيرانية»، وهي باقية، ومن المقدر لها أن تستمر إلى ما بعد الاتفاق النووي، إذا حصل، وتالياً فان الاتفاق من عدمه لا يغير في الأمور شيئاً، لأن طهران تعتقد أن وجود القوات الأميركية على حدودها داخل العراق يعني أن الخطر على أمنها القومي سيبقى قائماً. وتستفيد الولايات المتحدة من الخلافات السياسية القائمة بين الكتل العراقية وعدم ظهور بوادر حلحلة قريبة أو ملامح اتفاقات في الأفق، وتالياً فإنها تستفيد وجود حكومة تصريف الأعمال المنتهية صلاحيتها لتبقى في العراق إلى أمد غير محدد. كذلك تستفيد من ضبابية موقف الحكومة العراقية التي تقرّ بوجود قوات قتالية في وقت لم يعلن يوماً طبيعة القوات الأميركية ووجودها القتالي الذي يخولها القيام بعمليات عسكرية حين تشاء.

وكان رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي طلب من أميركا - بعد موافقة البرلمان العراقي - الخروج برسالة رسمية موجهة إلى قيادتها، من دون أن تلقى أي صدى إيجابي لذلك. وحاول بعض السياسيين العراقيين التلاعب على التوصيف بالطلب من قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) الحلول محل الأميركيين في مهماتهم، إلا أن ذلك يعني إعادة السيطرة الأميركية على الأجواء العراقية، تحت ذريعة مقاتلة «داعش» وتدريب الجيش العراقي.

إن الانقسام الداخلي لن يمنع حقيقة قائمة ألا وهي أن استقرار العراق السياسي والعسكري سيبقى مهيمناً إلى حين خروج القوات الأجنبية منه، واطمئنان إيران على أمنها القومي وتنفيذ طلب البرلمان العراقي. وإلى حين تحقيق ذلك، فإن العراق سيبقى ساحة تجاذب داخلية بين الفرقاء السياسيين، وكذلك بين الولايات المتحدة وإيران.