منذ بدء انتشار فيروس كورونا حول العالم، والولايات المتحدة الأميركية في عداء دائم مع الصين، كانت بداية شرارته مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، حينما فرضت التعريفات الضريبية، وهي أول خطوة نحو الحرب التجارية بين أكبر بلدين في العالم من حيث الصناعة والقدرات الاقتصادية، ورغم توقّع الصين إلغاء التعريفات الضريبية التي فرضتها إدارة ترامب بمجرد تسلم الرئيس الأميركي جو بايدن السلطة، كونه أكثر مرونة من سلفه، إلا أن إدارته قد أعلنت صراحة أنها ليست مستعدة لإلغاء هذه الضريبة على الصين!

ففي ظل تعنّت البلدين الكبيرين أعلن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، أنه يرى عداء متزايداً في ظل العلاقة التنافسية مع الصين، رغم وجود التعاون المتبادل بين البلدين، وأن عاصفة الخلافات الجانبية لم تهدأ في ظل التراشقات والاتهامات الحادة بين البلدين، وكان آخرها جلسة المباحثات الساخنة التي جرت بين كبار الديبلوماسيين الصينيين والأميركيين في «ألاسكا»، حيث اشتعل الحديث عن قضية تايوان تحديداً، والتي تسعى الصين إلى ضمّها باعتبارها جزءا لا يتجزّأ من أرضها بينما عارضتها الولايات المتحدة بشدة وبالتالي فإن اللهجة الحادة التي بدأتها الصين في اجتماع ألاسكا هي ناتجة من مواقف وخلافات عدة سابقة، تعوق أي تقدّم سياسي بين البلدين، في حين أعلن الوفد الصيني المشارك في الاجتماع أن الوفد الأميركي قد انتهك بروتوكول الاستقبال في بداية اجتماع ألاسكا.

علماً بأن الصين ما زالت تحقّق تقدماً ملحوظاً على الساحة الدولية في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد، ونجحت أيضاً بالتصدّي لأزمة فيروس كورونا التي عصفت بالعالم أجمع، بينما تحتفظ الولايات المتحدة بتقدّم كبير اقتصادياً وتكنولوجيا، وهذا يبيّن لنا جلياً أن التنافس الشرس ما زال موجوداً بين البلدين، فيما اقترح الرئيس الأميركي جو بايدن مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن تكون لدى الدول الديموقراطية خطّة للبنية التحتية، مثلما بدأت الصين في ذلك بمبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي واحدة من أكبر الحملات في التاريخ لبناء بنى تحتية حديثة.

ويعتبر اقتراح بايدن بمثابة مبادرة نابعة من الدول الديموقراطية لمساعدة الدول الأخرى، التي تحتاج المساعدة حول العالم إلا أن الصين ترى من جانبها أن هذه الدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا والاتحاد الأوروبي تمارس احتيالاً سياسياً من أجل زعزعة قوة واستقرار الصين في المنطقة، غير أن هناك مؤشرات في الأفق تشير إلى وقوع إبادة جماعية في شينجيانغ الصين، وقد أعلنتها حكومات غربية في شأن بعض الانتهاكات لحقوق الإنسان، تحدث في الصين، حيث هناك أقلية الإويغور تعاني من سياسات وممارسات قمعية، ويبلغ عددهم مليون شخصاً، وهم معتقلون في معسكرات ويعملون تحت نظام السخرة أي إجبارهم على عمل يؤدونه من دون مقابل مادي ويطعمونهم طعاماً رديئاً، فضلاً عن إجراء عمليات تعقيم للنساء، وبالتالي تطالب الأمم المتحدة الانتهاء من هذه المزاعم الإنسانية، في حين لم تتردّد الصين في الردّ على ذلك وفي مساعدة فريق المكتب السامي لحقوق الإنسان عند زيارته لشينجيانغ من دون أي قيود أو معوقات.

وفي ضوء ما سبق نلاحظ أن جهود الرئيس جو بايدن الديبلوماسية، جاءت لتجنّب المنطقة من اندلاع حرب بين أميركا والصين، بعد صعود الصين إلى القمة العالمية في جميع المجالات، فمنذ بداية القرن الحادي والعشرين وهي أكبر اقتصاد في العالم، بحسب نظام القياس الذي تحدد من خلاله وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، واليوم أصبحت الصين الخصم الأكثر شراسة في مواجهة ضياع القرار في واشنطن، وأيضاً هي ورشة التصنيع في العالم والشريك التجاري الأول لمعظم الاقتصادات الرئيسية والمحرّك الأول لنمو الاقتصاد العالمي، ومن هذا المنطلق ليس أمام الولايات المتحدة الأميركية سوى أن تجد سبلاً للتعايش السلمي معها بدلاً من الصراع المتبادل بينهما، وهناك أوساط أميركية مقرّبة تفيد أنه إذا لم يتمّ اقناع الصين بأن تكبح جماح نفسها من أجل أن تتعاون حقاً مع الولايات المتحدة، فسيكون من قبيل المستحيل تحاشي اندلاع حرب كارثية بينهما، ولكن يعتزم الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إعادة الولايات المتحدة كسابق مجدها، والسعي للتعاون الجاد مع الصين من أجل تحقيق المزيد من الأهداف. ولكل حادث حديث.

alifairouz1961@outlook.COM