نقطة على الحرف

محمد الصباح حاضراً ومستقبلاً

تصغير
تكبير

حظيت بقراءة مقال معالي السفير الفاضل والأستاذ القدير صاحب الخبرات والقدرات الديبلوماسية والسياسية الواسعة عبدالله بشارة، بعنوان «محمد الصباح وعتاب التاريخ».... المقال رائع بديبلوماسيته الناعمة وبمفرداته المتناغمة وبمعانيه الوافية وهو ما اعتاده القارئ من شخصية كاتبه والتي تحمل صفاء القلب ونقاء السريرة ووطنيته العالية تعلّمنا منه الكثير.

والموجه إليه المقال صاحب إرث سياسي وديبلوماسي رفيع وأكاديمي له صولات وجولات في أعرق الجامعات جمع العلم والتواضع والصراحة والبساطة، لم يكن يوماً من الأيام متعالياً على مرؤوسيه.

عملت معه مباشرة لمدة عقد من الزمان في مرحلة مصيرية شهدت سقوط النظام العراقي وعودة العلاقات الديبلوماسية مع العراق، صاحبها مؤتمرات ولقاءات وحوارات كان لسموه دور بارز في مشاركاته ومداخلاته، كان لها الدور الكبير في أداء الديبلوماسية الكويتية في حينه.

مقال الأستاذ الفاضل بومعتز، يحمل في طياته وخطوطه العريضة معنى واحداً، وهو لماذا تستقيل كما فعلت بالمرة الأولى، ولماذا لم تواجه الواقع بقدرات السياسي المتمكن والمتسامح بسلاح العلم والإرث السياسي الغني؟

مقال يحمل العتاب(!) وله الحق كما للرأي الآخر الحق في الاختلاف(!) لكن السؤال العريض الذي يجب أن يطرح هو: لماذا كثرت الاعتذارات في الفترة الأخيرة عن قبول هذا المنصب؟ الاعتذار أضحى «ظاهرة» وهي بحاجة إلى تمحيص وتحليل لمعرفة أسبابها؟

لنقف على هذه الأسباب التي تعيق أبناء الأسرة الأكفاء وتمنعهم من قيادة مركب مجلس الوزراء؟ لا يمكن أن نكون في موقف العتاب من دون معرفة الأسباب(!)، لا يمكن أن تقاس تجارب سبعينات وثمانينات القرن الماضي بواقع معطيات القرن الحاضر(!)، هناك فوارق كثيرة اجتماعية وعلميّة ومعلوماتية تحتم أن تكون العقول على قدر هذه المتغيرات والمعطيات!

الربان لا يمكن أن يبحر بالمركب منفرداً وإلّا مصيره الغرق...

يقول الشعر النبطي:

«يمنا بلا يسرى تراها ضعيفة..

ورجل (ن) بلا ربع (ن) على الغبن صبار

والطير بالجنحان ما أحلى رفيفه

وإذا انكسر حدا الجناحين ما طار»

النوخذة هو المسؤول عن اختيار المجدمي والنهام والسيب والغواصة...الخ، فما بالك إذا تداخلت المصالح الفئوية والقبلية والطائفية وألقت بظلالها على هذا الاختيار وفرضت نفسها على حساب الكفاءة والقدرة فما مصير المركب؟ نحن منذ عقود ونحن نعاني من آفة التدخلات وعلاتها وهي السبب في التقهقر على المستويات كافة؟ نسمع عن عدم وجود تضامن حكومي في بعض الأحيان وهذا أمر طبيعي في ظل هذه الآلية والتي أصبحت سمة من سمات واقعنا السياسي، فالكل يحتمي بالقوة التي تحميه سواءً تاجر أو عائلة أو قبيلة أو طائفة على حساب المصلحة المجتمعية والوطنية... السؤال مَن المسؤول عن طغيان الولاءات الفئوية على حساب الولاء للوطن؟

... ذابت هذه الولاءات في الثاني من أغسطس 1990 ولكنها عادت بقوة وعلى مناحي الحياة كافة، نراها في الانتخابات البرلمانية والجمعيات التعاونية ووصلت وللأسف إلى مراكز العلم في الجامعات والمعاهد التربوية ولا أحد يحرّك ساكناً... لن تستطيع شخصية واحدة مهما بلغت من العلم والخبرات الديبلوماسية والسياسية والمالية والاقتصادية أن تحدث تغييراً إيجابياً في واقع مليء بالفوضى ما لم يكن هناك إرادة جماعية ومصداقية حقيقية للتعاون.

قد يكون الانسحاب في هذا الوقت رسالة استغاثة واستشعار للواقع ليتحمل الجميع مسؤولية إنقاذ المجتمع من العلل والأمراض التي تفشت في مكوناته.

حفظ الله الكويت وقيادتها وشعبها من كل مكروه.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي