أشاركك اليوم تجربة قمت بها منذ فترة، وهي صيام ثلاثة أيام عن الكلام، والتحدث مع الناس رمزاً، وكانت نصيحة من أحد الأصدقاء عندما أخبرته بأنني «مشوش»، فأشار عليّ بالصيام عن الكلام.

فعالم الصمت هو العالم الذي تتوافر فيه النباهة والتفكير والنقد مع النفس، والإنصات لإشارات الله سبحانه وتعالى وندائه الداخلي.

إذا تكلمت مع نفسك بطريقة صحيحة، فسوف تفكر بطريقة صحيحة، وإذا فكرت بطريقة صحيحة فسوف تتكلم بطريقة صحيحة، واذا تكلمت أو كتبت بطريقة صحيحة فسوف تفعل وتنجز بطريقة صحيحة، ولا تكون ردة فعل تجاه الأشياء... بل تكون فعلاً واعياً وقصديّاً.

ما بين فعل «صُمت عن الكلام»، وما بين فعل «صَمت عن الكلام»، تشابه كامل في الأحرف واختلاف بسيط في التشكيل، ولهذا دلالة كبيرة في علم اللغة.

لا أحدثك هنا عن تجربة في الثقة بالنفس وما تقوله، فالنفس لا يُوثق بها، ولا أحدثك عن تجربة صوفية تدعوك لأن تلتف حول «الشيخ»، ولا تجربة ثقافية تدعوك للالتفات حول «النص»، إنما أحدثك حول تجربة امتناع عن الكلام لمدة ثلاثة أيام أو أربعة أو خمسة أو ما تراه مناسباً حسب حالك، وأجد أنه من غير المجدي أن أحدثك بماذا خرجت في تجربتي، فلكل منا عالم صمته، واختلاف حاله ومقاله ومآله، وما يميز الأشياء والأحداث في قوتها وفي ضعفها، وفي قدر الإنسان ومساره، إنه الاختلاف أو الاتفاق في ما بينه وبين نفسه... فقط ادعوك أن تخوض التجربة في عالم مليء بالثرثرة.

يذهب الكثيرون إلى الصحراء من أجل خوض تجارب مثل هذه، وبالتأكيد فإن البيئة في جبل أو صحراء أو عرض البحر تساعد على تأمل داخلي أكثر، ولكن الصمت في المدينة وبين الناس يقدم لك نباهة أكبر، وهناك فرق بين السكوت وبين الصمت، فالسكوت هو أن تسكت لأنه ليس لديك ما تقوله، أما الصمت فهو أن تسكت رغم أن لديك ما تقوله... فالصمت هو بيت السكوت الواعي... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

@Moh1alatwan