أدرجت الكويت ملف «الديوانية» على القائمة التمثيلية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، وكان ذلك خلال أعمال الدورة الـ 20 للجنة الحكومية الدولية لاتفاقية 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي المنعقدة في القلعة الحمراء بالعاصمة الهندية (نيودلهي).

وقال رئيس وفد الكويت الأمين العام المساعد لقطاع الآثار والمتاحف بالتكليف في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب محمد بن رضا، في كلمته، إن «هذا اليوم يعد محطة استثنائية في المسيرة الثقافية لدولة الكويت، إذ يمثل إدراج الديوانية أول ترشيح فردي تتقدم به البلاد إلى اللجنة الدولية لاعتماده ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية».

وتكمن أهمية هذا الأمر أنه يعزز الإدراج مكانة الديوانية كعنصر أساسي في التراث الكويتي الحي ويرسخ دورها كملتقى اجتماعي وسياسي مهم عبر التاريخ وتعلم الشباب العادات والتقاليد وكيفية التعامل مع الآخرين، وجاء الإدراج بعد سنوات من العمل على إعداد الملف وتقديمه، بالتعاون مع اتحاد دواوين الكويت. إلى جانب إعلان إدراج «البشت» ضمن ملف قدم بشكل عربي مشترك بمشاركة الكويت ودول الخليج وبعض الدول العربية.

والديوانية الكويتية تعتبر مؤسسة اجتماعية تمثل قلب الحياة في الكويت، وهي ليست مجرد مكان وملتقى للضيافة بل منتدى عائلي واقتصادي وثقافي، ومكان لتعزيز الترابط بين الجيران عبر جلسات يومية أو أسبوعية تجمع مختلف أطياف المجتمع لمناقشة قضاياهم، وتطورت من مجالس خاصة لفئات معينة مثل الأثرياء والوجهاء إلى ظاهرة تشمل الجميع، خصوصاً في رمضان مع الغبقات، وشهدت تطورات مع الحداثة مع الحفاظ على جوهرها ومراكز للتكافل والتعارف، كما لعبت أدواراً محورية في فترات تاريخية مهمة في تاريخ الكويت.

وبعد النفط والحداثة وانتشار الثروة أدى إلى تحديث الدواوين وتزيينها، وتنوعت لتشمل دواوين للشباب، وكبار السن، والمثقفين، مع ظهور «اتحاد دواوين الكويت» للحفاظ على التقاليد، ودور الديوانية يكمن في تعزيز الروابط الأسرية والقبلية، وتكوين التحالفات الاجتماعية، وتسهيل الزواج.

لكن في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة مثيرة للدهشة والاستغراب، فقد أصبح زوار الدواوين والمجالس مهتمين بالتقاط صور للديوانية وديكوراتها وشكلها وصور شخصية لأنفسهم (سيلفي) مع هذه الأعمال أكثر من اهتمامهم بالجلوس مع بعض والحديث مع صاحب الديوان، وأصبح هناك تسابق وتفاخر في تصوير الدواوين والطعام الذي يقدم للضيوف مع كل أسف، وهذا السلوك أدى إلى سرقة اللحظة الحالية. ورغم أن التقاط الصور يبدو حلاً مثالياً لإشباع جزء من رغبتنا في الامتلاك والنشر في وسائل التواصل، لكنه يجعلنا منشغلين بالتصوير فنغفل عن الحديث مع الموجودين في الديوان.

والواقع يقول إن معظم الناس أصبحوا مضطرين مع كل أسف إلى وضع الكاميرا بينهم وبين أي شيء مثير للانتباه أو مميز يقابلهم، ويصورون كل شيء يقابلهم في الحياة، حتى أصبح تقييمهم للمكان بناء على الصورة التي يودون التقاطها وليس الاستمتاع بالمكان. وما يجعل التصوير يعميناً عن رؤية الجمال الموجود.

لذلك أصبحنا في عصر هوس التصوير والانغماس المفرط في التقاط الصور ونشرها ما تفقدنا اللحظة الحقيقية، وتشويه الهوية الذاتية نتيجة التركيز على الصورة المثالية للآخرين وقد تصل لمخاطر نفسية، ما يستدعي الاعتدال والوعي بأهمية الاستمتاع بالحياة بدلاً من توثيقها فقط.

وللعلم، فإن ليس كل شيء قابلاً للتصوير والنشر خصوصاً إن لم يتم الاستئذان من صاحب الديوان، بل على العكس لا بد من التأني في مشاركة المحتوى المفيد أو المميز، والذي يحمل قيمة وإضافة للآخرين.