في قلب العاصمة البحرينية المنامة، اجتمع قادة دول الخليج في الدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون، في لحظة تحمل أبعاداً تاريخية كبيرة. لقد جاءت القمة في ظرف إقليمي ودولي دقيق، حيث تتصارع تحديات الأمن، الاقتصاد، والاستقرار الإقليمي، فكان لزاماً أن تُعيد دول الخليج تأكيد وحدتها، وتجديد التزامها المشترك بمصير واحد.
خلال افتتاح القمة، أكد العاهل البحريني، «رئيس الدورة الحالية» أن العمل الخليجي لايزال مرتكزاً على روابط تاريخية، مؤسسة على الدين، العرق، اللغة، والهوية المشتركة، وأن الهدف هو الوصول إلى تكامل أعمق يخدم شعوب دول المجلس ويحقق لهم الاستقرار والازدهار. وقد جاءت القمة استجابة لتطلعات المواطنين الخليجيين في العيش الكريم، الأمن، والتنمية المستدامة.
برز في ختام القمة إعلان رسمي — إعلان الصخير — يؤكد تصميم الدول الأعضاء على تعزيز التنسيق والتكامل في مجالات السياسة، الأمن، الاقتصاد، والاجتماع. وكان من أبرز ما ورد فيه أن أمن دول الخليج «كل لا يتجزأ»، وأن أي عبث بسيادة دولة عضو يُعد تهديداً للأمن الجماعي. هذا التأكيد يعكس إدراك القادة بأن مواجهة التحديات الإقليمية تتطلب مناعة جماعية وتضامناً حقيقياً.
فعلى الجانب الاقتصادي وضعت القمة نصب أعينها التحوّل من التعاون إلى تكامل اقتصادي فعلي. وتؤشر مواقف القادة وبيانهم الختامي إلى رغبة صادقة في توحيد الأسواق، وتسهيل حركة التجارة والاستثمار بين الدول، وهو ما يتطلب تعزيز البنية التحتية المشتركة، الربط بين المشاريع الحيوية، وتوسيع الشراكات داخل الخليج ومع دول ودوليات خارجية. هذا التوجه يحمل في طياته فرصة لتعزيز النمو، تنويع مصادر الدخل بعيداً عن الاعتماد على النفط، وتأمين مستقبل اقتصادي مستقر لأجيال قادمة.
وعلى الصعيد الاجتماعي والتشريعي، تناقشت القمة في سُبُل تيسير حركة الأفراد بين دول المجلس، من خلال توحيد المعايير والأنظمة القانونية، ما من شأنه أن يسهّل تنقل العمالة والخبرات، الاعتراف بالشهادات، وتوسيع آفاق الفرص أمام المواطن الخليجي. بهذا يُعاد تأكيد فكرة «الخليج الواحد» — ليس فقط في السياسة والاقتصاد، بل في معيشة الشعوب وحياتهم اليومية.
أما في الملف الإقليمي والدولي، فقد جدّدت القمة موقف الخليج الموحّد من القضايا المهمة، لاسيّما القضية الفلسطينية، مطالبة بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. كما دعت إلى احترام سيادة الدول، ورفض التدخل في شؤونها الداخلية، مؤكدين أن الخليج يرفض استخدام القوة أو التهديد ضد أي دولة عضو.
ما ميّز القمة الـ 46 وضعها آليات واضحة للعمل المشترك، وخارطة طريق للتكامل. هذا يعكس نضجاً في الرؤية الخليجية بعد سنوات من التعاون، لتنتقل بها إلى مرحلة أكثر عملية — حيث تُترجم المواقف إلى خطوات ملموسة تهدف إلى تحويل التكتل من مجرد إطار سياسي إلى كيان متكامل قادر على مواجهة التحديات المُستجدة والبناء على الفرص.
إن ما خرج في القمة من قرارات ورؤى يمنح دول الخليج فرصة لإعادة تشكيل مستقبلها: اقتصادياً أكثر تنوعاً، أمنياً أكثر تماسُكاً، اجتماعيّاً أكثر وحدة، وسياسياً أكثر فاعلية.
في نهاية المطاف، القمة الخليجية 46 ليست مجرد اجتماع زعماء، بل بوابة نحو مرحلة جديدة من التكامل الخليجي — مرحلة تستجيب لتطلعات الشعوب نحو أمن، استقرار، ورفاهية. وبناءً على ذلك، فإن الخليج يمكن أن يشهد تحوّلاً نوعياً في مكانته الإقليمية والدولية، ويحقق لمواطنيه مستقبلاً يستحق أن يُكافأ عليه.