في زمنٍ لم تعد فيه المعلومة حِكراً على المعلّم أو الكتاب، تبرز الحاجة إلى ثورة هادئة في التعليم.

فالمناهج الدراسية، التي كانت يوماً ما وسيلة لبناء الإنسان، أصبحت في كثير من الأحيان عبئاً يثقل المتعلّم، لأنها لم تواكب التحوّلات الهائلة في المعرفة والتكنولوجيا وسوق العمل.

إن تطوير المناهج اليوم لم يعد خياراً، بل ضرورة وجودية لأي دولة تطمح إلى صناعة جيل قادر على المنافسة والإنتاج والابتكار، لا جيلٍ يجترّ الحفظ والتلقين ويعيش على فتات الماضي.

إن التعليم ليس مجرد عملية تلقين للحِفظ والاستظهار، بل هو بناء وتوجيه لعقول تُؤهل لمواجهة التغيير، والانخراط الفاعل في الحياة. وعندما يصبح المنهج جامداً، غير مواكب للمتغيّرات، فإنه يتحول من أداة تمكين إلى عبء على المتعلّمين والمعلمين على حدٍّ سواء.

لذا فإنّ عملية تحديث المناهج - ومواكبتها للتحدّيات الوطنية والعالمية - باتت ضرورة لا غنى عنها.

كثير من المناهج في دولنا العربية وغيرها، لا يعبّر بالقدر الكافي عن المتغيّرات السريعة في سوق العمل، والتقنيات الحديثة، والمهارات المطلوبة لعصر ما بعد الصناعة. هذا ما تؤكّده دراسات متخصصة بأن المناهج «قديمة المحتوى ولا تعكس الواقع أو المستقبل».

رغم الجهود المتكرّرة لتحديث المناهج، إلا أنّ الواقع يشير إلى فجوة واضحة بين ما يُدرَّس في المدارس والجامعات وبين ما يحتاجه المجتمع وسوق العمل. ففي الكويت، على سبيل المثال، تُطرح منذ سنوات دعوات لتطوير المناهج بما يتناسب مع «رؤية الكويت 2035» التي تهدف إلى بناء اقتصاد معرفي قائم على الإبداع والابتكار.

التعليم اليوم لا يمكن أن ينفصل عن الذكاء الاصطناعي، البرمجة، والبيانات. بينما ما زال بعض المناهج في مدارسنا يتجاهل هذه المفاهيم تماماً.

تطوير المناهج لتشمل المهارات الرقمية والبحث العلمي لم يعد رفاهية، بل شرط أساسي لتأهيل جيلٍ قادر على خوض سوق العمل العالمي. والمنهج الحديث كذلك يجب أن يوازن بين المعرفة الأكاديمية والقيم الإنسانية. وتغذية عقل الطالب لا تقل أهمية عن بناء وعيه الوطني والأخلاقي والاجتماعي. وهذا لا يتحقق بالمواعظ فحسب، بل بمحتوى تعليمي حديث يُرسّخ القيم من خلال التجربة والتفاعل والممارسة. وكلما تطورت المناهج، ارتفعت جودة المخرجات البشرية، وتراجع الاعتماد على العمالة الوافدة.

وفي دولة مثل الكويت التي تسعى لتنويع اقتصادها، لا يمكن تحقيق «التحوّل المعرفي» من دون تعليم حديث ينتج عقولاً منتجة ومبتكرة. والكثير من الخريجين اليوم يعانون من فجوة بين مؤهلاتهم النظرية واحتياجات السوق.

إنّ تطوير المناهج أشبه ما يكون بالجسر الواصل بين المدرسة وسوق العمل، فيتحول التعليم إلى مصنع للفرص لا مصدر للبطالة.

يقول أحد التربويين الكويتيين: «ما نحتاجه ليس فقط تحديث الكتب، بل تغيير فلسفة التعليم نفسها. نريد أن نعلّم الطفل كيف يفكر، لا ماذا يحفظ».