كل كلمة يطلقها الإنسان مُحاسَب عليها...

فإن كانت خيراً كُتبت له أجراً، وإن كانت شراً أُحصيت عليه وِزراً، غير أنّ اللسان قد يزل أحياناً بفلتات تُسيء إلى صاحبها وتُسيء إلى الآخرين، متأثراً باندفاع الغضب أو جموح العاطفة، أو ربما بقلة وعي بما يترتب على القول في ظل القوانين الحديثة، لا سيّما قانون الجرائم الإلكترونية.

وفي زمن السرعة، أو ما أحب أن أسميه عصر السوشيال ميديا، بات الإنسان أكثر انقياداً لانفعالاته، تثيره مشاهد أو مقاطع عابرة فتشعل ثائرته سريعاً، فيظهر بعض المشاهير متجاوزين حدود الأدب مستخدمين لغة جارحة ولو بالتلميح الفج، فيما يلهو آخرون بأساليب مستفزة غير لائقة بعيدةً كل البعد عن العفوية، أو يطلق بعضهم آراءً عقيمة لا فائدة منها سوى إثارة الجدل الأجوف وصناعة العداوات، مستغلين ازدياد أعداد المتابعين الغاضبين.

وعلى إثر هذا السباب والشتم والنقد الحاد، لا يتوانى بعض المتضررين «المزعومين» عن اللجوء إلى القضاء، فيرفعون دعاوى أمام النيابة العامة كأصل عام دفاعاً عن سمعتهم أو رداً على ما لحق بهم من إساءة.

ومن يتعرض لإساءة يتوجّه إمّا إلى أقرب مخفر في منطقته أو مباشرة إلى إدارة المباحث الإلكترونية، مصطحباً بطاقته المدنية والأدلة كالتعليقات أو المقاطع محل الإساءة، ليُحرر له محضر رسمي بالواقعة... وتختلف الجهة بحسب طبيعة الفعل، فإذا كانت الإساءة في محادثة خاصة تُسجَّل في المخفر، أما إذا كانت علنية فتُحال على المباحث، ثم تتولى المباحث التحقيق وتتبع مصدر الإساءة قبل أن يُحال الملف على النيابة العامة التي تستدعي المتهم وتواجهه بما ورد في الشكوى، فإذا رأت جدية في البلاغ أحالته على المحكمة، وإن لم ترَ ذلك، تحفّظت عليه.

والأدهى أن الفئة الأكثر عرضة لمثل هذه المواقف، هم النشء والمراهقون، إذ قد يجدون أنفسهم في مواجهة قانونية تفوق أعمارهم وخبراتهم إلخ... بينما لا يُغفر لهم الطرف الآخر أخطاءهم أو هفواتهم، بل يُصرّ أحياناً على التصعيد طمعاً في مكاسب مادية من ذويهم.

وهنا تبرز مسؤولية أولياء الأمور في متابعة أبنائهم وحمايتهم من خطورة هذا السلاح ذي الحدّين المسمّى اليوم بـ «السوشيال ميديا»

ولأنني امرأة، لا يسعني إلا أن أتوقف عند ما تتعرّض له النساء على وجه الخصوص من هذه السموم الكلامية، إذ تطولهن عبارات التحرش اللفظي والغزل الفج وصولاً إلى إيحاءات لا تمت للإعجاب أو الاطراء أو التقدير بصلة، بل تتعدى حدود الأدب والاحترام والحشمة، ومن حق المرأة أن تواجه هذه التجاوزات وأن تجعل القانون وسيلتها لفرض حدودها واحترامها، لأن السكوت في مثل هذه المواقف لا يُفسَّر حشمة أو حياء، بل يُفهم ضعفاً لا يليق بالمرأة الحُرة، إضافة إلى خيار «البلوك».

وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ «ق: 18»

فلنجعل الكلمة الطيبة هي الأصل، والوازع الأخلاقي والديني هو الرادع الأول، أما القانون فسيبقى السيف البتار في وجه كل من يتعدى، واللجوء إليه حق مكفول دستورياً للجميع.