في كل يوم يمرّ، تتردد صرخات غزة في فضاء عالمي أصم، لا يسمع، ولا يحرك ساكناً. مأساة كشفت أننا نعيش في عالم قاتم المزاج، «دستوبي» بامتياز، أصم لا يشفق ولا يترفق، عالم يستخدم الأنانية لمواجهة مأساة فاقت كل الحدود، من تجويع وتعذيب إلى كل أشكال التنكيل والإيذاء، على مرأى ومسمع من مجتمع دولي يتخذ التجاهل سياسته الأولى، ويدعم الكيان المحتل بحجة الدبلوماسية المزعومة، تلك التي ترتدي بدْلات رسمية مغطاة بالدماء، وتعلق مشانق على شكل ربطات عنق، على موائد تناقش قائمة أصناف القتل.

عالَم قاسٍ لا يهتز، يضع مصالحه فوق دماء من تنزف حياتهم من أقصاها إلى أقصاها. يومياً تتزايد الأرقام ويتجاهلها المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية بشعاراتها الرنانة المزعومة، ومثاليتها المتكلفة، تلك التي تقصي غزة من تعاطفها وكأنهم اعتادوا المشهد، أو أنها فوق مبادئها «إذا كانت لها مبادئ حقة!»

كالقوانين والمعاهدات الدولية، المكتوبة بحبر هش من كذب ونفاق محض، التي تُطبق وفق الأهواء وتلتزم الصمت عن ما عداه، في صمت أشبه بصمت القبور.

أرقام خلفها بشر من لحم ودم، رجال ونساء وأطفال وشيوخ، لكل منهم قصة وحياة، أحلام وتطلعات قُتلت بأبشع الطرق. أي خذلان حملوه؟! وأي آمال سُفكت داخلهم؟! هنا يتجلى فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين وفق القانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استهداف المدنيين وينص على حماية الأرواح والممتلكات أثناء النزاعات المسلحة. هذا الفشل يتضح يومياً، حين يُترك المدنيون لمصيرهم بين انتظار دولة تحميهم، أو وحدة عربية تنتقم لدمائهم، أو أمل في شفقة المجتمع الدولي باسم الإنسانية على الأقل.

رُبما، وألف رُبما كانت في نفوسهم... قبل أن يموتوا موتتهم الأخيرة. وسط هذا الصمت الدولي، تتزايد المأساة البشرية. كم أم ثكلى فقدت قطعاً من روحها قبل أن تبلغ محطتها الأخيرة؟ وأي شاب وشابة قُتلت أحلامهما في أوجها، وأي طفل تيتم وحُرم من براءة الطفولة، فبدل أن يلعب ويكتب الحروف، اضطر لتعلّم الهرب من الموت، حتى أودى به أخيراً ما تُسميه الأخبار، بحياد بارد...

وفي خضم هذا الألم والدمار، تتجلى في خيالي قصص صمود الشيوخ الذين شهدوا مصرع أرضهم وأرض أجدادهم، وظلوا ثابتين كأشجار فلسطين العريقة، شامخة واقفة رغم الحزن والغبن... حتى تمكن منهم الموت.

ماساة غزة ليست مجرد أرقام؛ إنها وجوه ودماء وقصص وأحلام انطفأت. إنها المشهد الذي يعكس وجع الإنسانية بأسره، ويكشف حجم الخذلان العالمي، وإهمال الالتزامات القانونية تجاه المدنيين، وانتهاك المواثيق الدولية التي تنص على حماية الأرواح وكرامة الإنسان.

هي دعوة لضمائرنا كي نستيقظ، وندرك أن صمتنا وتعاطفنا الإنساني ربما لن يغير الكثير، ولكن على الأقل أفضل من موت الضمير، وغمض العينين، وكتم الأصوات الصارخة من أعماق حناجرٍ مذبوحة: «أنقذونا»!