ما زالت تتوالى وتستحكم الردود الفردية والإعلامية الكويتية على ادعاءات وزير التجارة الأميركي Howard Lutnick بشأن المبالغ التي تحملتها بلاده لتحرير الكويت وبشأن السياسة الجمركية الكويتية تجاه بلاده.
في المجمل، هذه الردود موضوعية وإيجابية، ويمكن فرزها إلى مجموعتين. الأولى غرضها كشف زيف الادعاءات، وتباعاً تحفيز وتعظيم الحاجز الشعبي أمام المطالبات الأميركية المحتملة من وراء المغالطات. والمجموعة الثانية من الردود متمحورة حول ماهية الدوافع والمطالبات الأميركية المحتملة، ومنهجية تعاطي الحكومة الكويتية معها.
لذلك، بعض ردود المجموعة الثانية أشبه بمداخلات، في حلقة حوارية علنية «حول المغالطات»، مُنظّمة من قبل أحد مراكز الفكر والدراسات الإستراتيجية (Think Tank)، غرضها تحذير ومساندة وزارة الخارجية ومجلس الوزراء الكويتيّين في التصدّي لما وراء المغالطات.
من بين ردود المجموعة الثانية، تغريدة النائب السابق صالح الملا، التي دعا فيها إلى التمعّن في «قراءة الرسائل» واعتبارها «جرس انذار» من المتغيرات العالمية التي تتطلب «التلاحم ووحدة الصف والاستقرار السياسي داخلياً، وإعادة الاعتبار لسياسة التوازنات وتنوع الشراكات خارجياً».
ما يعنيني في هذا المقال – من تغريدة الملا – هو تأكيده على ضرورة صون وتعزيز «التلاحم ووحدة الصف والاستقرار السياسي داخلياً»، لأن عدداً من ردود المجموعة الأولى تضمّن إشارات «مبتورة» إلى الدور الإيجابي المفقود لمجلس الأمّة في التصدّي للتحديات الخارجية عموماً، والتحديّات المماثلة خصوصاً. حيث يرى مراقبون سياسيون أن هذه الإشارات المبتورة قد تُستغل من قبل أطراف داخلية وخارجية للإضرار بالاستقرار السياسي. لذلك، وجب بيان الحقيقتين المغيّبتين في تلك الإشارات.
نحن متفقون في أن لمجلس الأمة مواقف إيجابية تجاه الكثير من التحديات الخارجية، ومن بين أبرزها تحدّيات القضية الفلسطينية. ولكن الموضوعية في الطرح تتطلب أن تقترن الإشارة إلى تلك «المواقف الإيجابية» بالإشارة إلى «المواقف السلبية والكارثية» – على المستويين الداخلي والخارجي – لمجلس الأمّة، تجاه العديد من القضايا الخارجية الأخرى، كالحرب السورية.
كما تستوجب الموضوعية الإشارة أيضاً إلى الأداء البرلماني الغوغائي، الذي زعزع الاستقرار السياسي، واستذكار الخطاب السامي في جلسة تنصيب سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح، وتحديداً قول سموّه «تعاونت السلطتان التشريعية والتنفيذية، واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد».
وهنا، أود أن أشير إلى رأي صالح الملا، حول أثر الأداء البرلماني في الأزمة البرلمانية الجارية. حيث أكد قبل قرابة ثلاثة شهور في لقاء متلفز (بودكاست) أن الحالة السياسية الداخلية الجارية لا يمكن فصلها عن الأحداث التي سبقت هذه الحالة الاستثنائية، وأنها نتيجة تراكم أحداث وأخطاء عديدة على مدى سنوات، تتحملها حكومات ومجالس أمة سابقة، من وزراء ونواب ورؤساء حكومات ورؤساء مجالس أمة. كما أوضح أن بعض النواب لم يتعامل بالقدر المطلوب من المسؤولية تجاه التحذيرات المتتالية التي وردت في الخطابات السامية.
رغم اتفاقي مع الملا في تشخيصه لمُقدمات ومُسببات تعليق مجلس الأمة، إلا أنني أختلف معه في شأن آخر ذكره في اللقاء ذاته، وهو تحليله لنتائج ما يعرف بمرسوم «الصوت الواحد». حيث ادعى أن مجالس الأمة التي شُكلت بعد صدور المرسوم، كان الطرح الطائفي فيها أكثر من المجالس التي شكلت قبل صدور المرسوم. ومن أجل تقويم تحليله، أكتفي بالإشارة إلى الأداء البرلماني الطائفي داخل وخارج قاعة عبدالله السالم ابان المجلس المبطل الأول، بل أكتفي بالإشارة إلى «قانون إعدام المسيء» الذي أقره ذلك المجلس، وأضع في مقابله قانون الأحوال الشخصية الجعفرية الذي أقرّه مجلس 2016.
في الخاتمة، من أجل ترسيخ الاستقرار السياسي أمام التحدّيات الداخلية والخارجية، خلال مرحلة ترميم وإصلاح الممارسة الديمقراطية الكويتية، أؤكّد على ضرورة استذكار مُقدّمات ومُسبّبات التعليق الموقّـت لمجلس الأمّة، مع كل تذكير بدور برلماني دستوري إيجابي مفقود... «اللهم أرنا الحقّ حقّا وارزقنا اتّباعه».
abdnakhi@yahoo.com