ربما كانت الانتخابات التركية هي الانتخابات الفريدة التي استنفرت كل وسائل الإعلام العالمية، ونالت متابعة كل دول العالم في الشرق والغرب والدول العربية بمشهد استثنائي لم تعهده أي انتخابات في دول العالم بمن فيها انتخابات الرئاسة الأميركية الأكثر إثارة عادة.
الانتخابات الحالية في جمهورية تركيا هي الوحيدة التي أشاد فيها غالب دول العالم لشفافيتها العالية ومصداقيتها، وهي الوحيدة التي خلت من أي مشاكل بين أنصار المرشحين في مقارها الانتخابية الكثيرة المنتشرة في أنحاء تركيا.
ومما يؤكد هذه المثالية في نجاح هذه الانتخابات هي النتيجة العادلة التي انتهت إليها الجولة الأولى التي أرجأت إعلان الفائز حتى إجراء الجولة الثانية، بل حتى خصوم الرئيس أردوغان كانت النتيجة مطمئنة لهم إلى حد كبير رغم سيطرة الرئيس على كل مفاصل الدولة وحزبه الحاكم، إلا أنه قدم نموذجاً للحيادية والقبول بكل آليات ولوائح اللجنة العليا للانتخابات والاحتكام للشعب في تقرير مصيره باختيار رئيسه وأعضاء برلمانه.
المرشح الرئاسي رجب طيب أردوغان، كان يحتاج فقط إلى نصف في المئة حتى يعبر للفوز، وهي كفيلة بأن تعطي لهذا المرشح الرئاسي الذي يرأس كل السلطات أن يتدخل في النتائج ويمارس هيمنته ويفوز ولكنه استمر في تقديم نموذج مثالي لإرادة الشعب حتى وإن كان على حساب تعثره في العبور بالفوز.
المرشح الرئاسي رجب طيب أردوغان، رغم تاريخه السياسي الممتد لعشرين عاماً والذي تحولت فيه تركيا من بلد متأخر تنموياً واقتصادياً وسياسياً إلى بلد يزاحم دول العشرين ما استطاع أن يحصل على الخمسين في المئة المؤهلة للنجاح.
النتيجة كانت صورة من صور الديموقراطيات الحقيقية وانعكاساً حقيقياً للغة الصناديق دون العبث بالأرقام الفلكية كما يحصل في بعض الانتخابات الصورية في بعض البلدان، أو عسكرة كثير من هذه الانتخابات.
التنظيم العالي الذي شهدته الانتخابات التركية في عمليات الاقتراع وانسيابيتها ووصول مراكز الاقتراع إلى أصعب الأماكن الجغرافية والأقاليم وتمكين المقعدين والمرضى في بيوتهم من ممارسة حقوقهم الانتخابية هو نموذج راق ومتميز في عالم الانتخابات.
حينما نشاهد الأجواء الانتخابية التركية وإبداع آلياتها وتنظيمها واحترافيتها رغم أعداد من يحق لهم التصويت الذي يصل الى ستين مليون مواطن تركي وانتهت في تسع ساعات فقط وانتهاء الفرز في غضون عشر ساعات ولمؤسستين سياسيتين هما الرئاسة والبرلمان ونقارن بينها وبين الانتخابات عندنا في الكويت رغم محدودية أعداد الناخبين وقلة مراكز الاقتراع وما زلنا نجريها بطرقها التقليدية المليئة بأخطائها الإجرائية التي عادة ما تدخلنا في إشكاليات دستورية وقانونية.
الانتخابات التركية كانت مدرسة للعالم الديموقراطي في نجاحها وشفافيتها، ورسالة للعالم الاستبدادي الذي لا يجعل للإرادة الشعبية قيمة سياسية في صنع القرار السياسي وبناء المجتمعات وينفرد بمسرحيات هزلية للعمليات الانتخابية التي عادة ما تكون مادة للسخرية والتهكم.
meq8i173@gmail.com