مع الجائحة، تبيّنت الأرباح والخسائر في فواتير تداعياتها، وتبيّن الخيط الأبيض من الأسود في فجر انحسارها، وبعد أعوام الصبر والمعاناة، كان لفيروس «كورونا» الذي خطف أرواح الملايين حول العالم، فوائد لا تخفى على عين المتابع، حيث يقطف المجتمع الكويتي الآن أهم ثمارها، وهي ظاهرة بذخ الأعراس التي ولّت، وفخفخة حفلات عقد القران التي تقننت، بعد أن كان ينفق عليها آلاف الدنانير.

ولئن تقوقعت الأعراس من استقطاب آلاف الناس من الأقارب والأصدقاء، في محيط العائلة والمقربين فقط، وفي أضيق الحدود، رأى البعض أن هذه التحولات الجديدة التي فرضتها الجائحة، ظاهرة صحية، والحفلات كان يجب أن تقنن منذ البداية، لحفظ خصوصية العائلات، وتوفير الحياة الكريمة للمقبلين على الزواج، بلا ديون أو قروض، قد تثقل كاهل الأسرة، وتنشر ظاهرة العزوف عن الزواج عند معظم الشباب.

«الراي» سلّطت الضوء على الموضوع، مستمعة إلى بعض الآراء الشبابية في شأن التحولات المجتمعية في ظاهرة إقامة الأعراس عند كثير من الناس، ودور الأزمة الصحية في تحقيق هذا التغيير الإيجابي في تلك العادات والممارسات المجتمعية المكلفة مادياً.

1000 دينار فقط

بداية، قال فهد محمد (مواطن غير متزوج) إن أزمة «كورونا» دفعت الكثير من الناس إلى إعادة ترتيب أوراقهم والتفكير في المستقبل، عبر تقنين الإنفاق ومحاولة الادخار، مؤكداً «أن الأزمة أزالت الغشاوة عن عيون كثير من الأسر، التي كانت تبالغ في إقامة حفلات الزواج، وتدفع ابنها في كثير من الأحيان إلى الاقتراض، كي تجاري قريناتها في إقامة الحفل والبذخ غير المبرّر فيه».

واستغرب فهد إنفاق نحو 15 ألف دينار وأكثر، على إقامة حفل مدته يوم واحد وتبعاته المالية تمتد ربما إلى 5 سنوات أو أكثر، فيما لم تكلف الأعراس خلال الأزمة الصحية أكثر من 1000 دينار للحفل، بحضور الأصدقاء والأقارب من الدرجة الأولى فقط.

تحول في السلوك

وأيده الرأي أحمد الرميح الذي رأى أن إقامة الأعراس بعد انحسار الجائحة أخذت منحى إيجابياً غير مكلف، حيث عمد كثير من الأسر إلى إقامة حفلاتها في نطاق ضيق، من دون الاضطرار إلى حجز الفرق الموسيقية المكلفة والخدمات الكمالية غير الضرورية، مع منح الأسرة الوليدة فرصة التقاط أنفاسها وترتيب شؤونها المالية، بكل يسر وسهولة.

وأوضح أحمد أن هذا السلوك المجتمعي، من أهم التحولات التي كان يجب أن تتم منذ زمن، لمنح كثير من الشباب فرصة الزواج والقدرة على تكوين الأسرة، من دون الدخول في متاهات الصرف والإنفاق التي لا تنتهي، مشيراً إلى دور الأزمة الصحية في توعية الناس.

بوفيهات لـ 4 آلاف

بدوره، أكد مساعد الشمري أن أعراس أصدقائه، ستعقد بالطريقة ذاتها التي تمت بها عند كثير من الأسر خلال الأزمة الصحية، وهذا هو الإجراء الصحيح لتلافي جميع السلبيات والعادات الخاطئة التي كانت تسود المجتمع من باب «التطاول بالعمران» و«الإسراف»، الذي يدفع فاتورته كل شاب قرّر تكوين أسرته وتحقيق الاستقرار لها.

وتساءل مستغرباً «ماذا نستفيد من دفع مصاريف ليس لها أي مبرر؟»، مضيفاً أن «1200 دينار للطقاقة و500 دينار لتجهيز قاعة النساء، ومثلها لخدمات أخرى غير ضرورية، وبوفيهات تكفي 4 آلاف شخص»، مبيناً أن العرس يجب أن يتم بحضور الأصدقاء والأقارب، وعدد مقبول نوعاً ما، وليس المجتمع كله.

صباح العنتري: عادة مكلفة جداً... وعُرس ولدي كلّف 30 ألف دينار

وصف مختار منطقة القيروان صباح العنتري، إقامة حفلات الأعراس بشكلها المعتاد قبل «كورونا» بأنها عادة اجتماعية مكلفة جداً جداً، ومرهقة للأسرة وينتج عنها كثير من التوتر والقلق في توجيه دعوات الحضور وإقامة الحفل ككل، مضيفاً «كلفني عرس ولدي 30 ألف دينار، وبصراحة أؤيد إقامتها في الديوانيات على غرار الوضع الحالي».

وقال العنتري إن بعض الشباب كانوا يضطرون إلى الاقتراض من البنوك لإقامة العرس، في مصاريف كانت تنفق بلا طائل، على حفل مدته يوم واحد، والأدهى والأمّر أن البعض يُطلّق بعد أسبوع واحد من الزواج، وهذه أزمة أخرى.

وأكد أن الأزمة أعطت الناس درساً في كيفية الادخار وعدم الإسراف، متمنياً أن تتغير هذه العادة الاجتماعية، وأن تقتصر حفلات الأعراس على الأقارب والأصدقاء، في نطاق الديوانيات فقط.

هادي خلف: الإسراف «ماله داعي»... وأعراس ما بعد «كورونا» أفضل

فضّل مختار منطقة الفردوس هادي خلف، إقامة حفلات الأعراس بشكلها الحالي، سواء في الديوانيات أو في أي مكان، يقتصر فيه الحضور على الأقارب والأصدقاء المقربين جداً، ضمن الإطار العائلي فقط، مؤكداً أنه «رغم أنها فرحة للجميع، لكن من الناحيتين الاقتصادية والصحية أفضل».

ورأى خلف أن الإسراف ليس له أي داع في حفلات ما قبل «كورونا»، مبيناً أن الوباء في فترة انحسار وليس انتهاء، ويجب أخذ الحيطة والحذر، والحرص على إقامة العرس في أجواء صحية آمنة.

طلال القحص: 6 ساعات واقفاً أستقبل المهنئين في عرس ولدي

فيما أكد مختار منطقة النعيم طلال القحص أن إقامة حفلات الأعراس يجب أن تكون ضمن النطاق العائلي فقط، لتلافي التعب والجهد الكبير المصاحب لإقامتها، وكذلك أوفر من الناحية المادية، قال إن «التواصل الاجتماعي كالدين يجب الوفاء به، والناس التي تزور تحب أن تزار، ولا نملك أن نغير هذه العادات».

وأضاف القحص: «في عرس ولدي وقفت 6 ساعات على قدمي استقبل المهنئين، والحمد لله على نعمة المحبة والتواصل، لكن تقنين الحفلات جيد، والتغيير بعد الأزمة الصحية أفضل، حيث يجب أن تكون الأعراس ضمن نطاق العائلة فقط».

خالد الحجاج: موروث اجتماعي جُبل عليه أهل الكويت

يرى مختار منطقة القصر خالد الحجاج، أن التوسع بإقامة حفلات الأعراس مثلما كانت قبل «كورونا»، موروث اجتماعي جُبل عليه أهل الكويت، وعادة اجتماعية محببة لدى الناس، الذين بطبيعتهم يميلون إلى التواصل الاجتماعي، والمشاركة «ولا أعتقد أنها سوف تتغير».

ورفض الحجاج انتقاد هذه العادة التي يجب أن تقنن فقط خلال الظروف الصحية، لكن في الظروف الطبيعية الناس تحب التواصل والمشاركة وتقديم الواجب.