بعد عمله في مجال الإعلام لفترة طويلة، منذ تسعينات القرن الماضي، بداية في الإعلام اليوغوسلافي ووكالة الأنباء الكويتية، حيث كان معنياً بأخبار العلاقات الدولية وكان شاهداً على تفكك الاتحاد السوفياتي، تطوع السفير الدكتور ياسين رواشدة، للدفاع عن الشعوب المقهورة في يوغوسلافيا، خصوصا شعوب كرواتيا والبوسنة وكوسوفو، ثم عمل كمستشار في الحكومة البوسنية للإعلام والعلاقات العامة.

بعد الحرب عمل في مكتب رئاسة الوزراء البوسنية ومن ثم في ديوان رئاسة الجمهورية. وتم ترشيحه كسفير للبوسنة في الكويت لـ 5 سنوات، ويرأس حالياً مركز «دراسات أمة للسلام وفض النزاعات»، المعني بفض النزاعات ونشر السلام، خاصة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط، ويقدم استشارات لمنظمات عدة، منها منظمة التعاون الأوروبي OSCE، وتقارير شهرية حول أوضاع السلام في العالم، في أبحاث أكاديمية متخصصة.​

رواشدة الذي زار الكويت، التقته «الراي» للوقوف على رأيه في الحرب الروسية - الأوكرانية من منطلق تجربته الواسعة واطلاعه على الخلفيات التاريخية.

وأوضح في هذا السياق أن طلب أوكرانيا الانضمام لحلف شمال الأطلسي، ليس سبب الاعتداء الروسي عليها، مشيراً إلى أن هذا الطلب جاء بعد احتلال روسيا للقرم في 2014 وليس قبل ذلك.

ورأى أنه لا يوجد عداء أيديولوجي بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا، لا سيما مع وجود تمثيل عسكري لروسيا في مقر الحلف، مشيراً إلى أن ثلاث دول من الاتحاد السوفياتي السابق لصيقة لروسيا، انضمت لـ «الناتو» منذ عام 1999 وقريبة جداً من أكبر المدن الروسية سانت بطرسبورغ، على بحر البلطيق، ولم تعترض روسيا، ما يؤكد أن السبب الحقيقي هو موقع أوكرانيا وشبه جزيرة القرم الاستراتيجي المهم على البحر الأسود.

وتحدث رواشدة كشاهد على ما يحدث، بسبب تواجده في قلب معظم الأحداث التي جرت منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، الذي عايشه، وكان أبرز إفرازاته كما يقول، وراثة روسيا للمقعد الدائم في مجلس الأمن، بموافقة الدول السوفياتية السابقة.

وفي ما يلي نص اللقاء:

هل ما زلنا نعيش تداعيات انهيار الاتحاد السوفياتي؟

- في العام 1991 انهارت المنظومة الاشتراكية، وتخلصت دول شرق أوروبا من الإرث الاشتراكي، وعادت لشكلها الديموقراطي التقليدي تقريباً، وانعكس الأمر على جمهوريات الاتحاد السوفياتي التي كانت تتطلع منذ زمن للتخلص من الإرث السوفياتي المتشدد، ونظام حزب ورأي واحد، لذلك فرياح التغيير التي مرت بأوروبا الشرقية وصلت للاتحاد السوفياتي.

وكان الرئيس ميخائيل غورباتشوف (آخر رئيس للاتحاد السوفياتي)، يشجع على التحولات الديموقراطية والتغيير. وكان يريد إيجاد بديل للاتحاد السوفياتي على شكل منظومة اتحاد جمهوريات متحالفة، واجتمع 16 من ممثلي الجمهوريات السوفياتية في موسكو نهاية ديسمبر العام 1991.

وكان بوريس يلتسن (رئيس روسيا)، واتفقوا على أن يستقلوا عن الاتحاد السوفياتي بطريقة سلمية، وليس كما حدث في يوغوسلافيا، وأن يتم الاعتراف المتبادل بحسب الحدود الإدارية لكل جمهورية، وأن يخيّر المواطنون الروس في كل جمهورية، إن أرادوا البقاء فيها أو العودة لروسيا، وكذلك أن تعترف روسيا بحدود كل جمهورية وسلامة أراضيها، وتتبادل التمثيل الديبلوماسي. وبعدها تقدمت هذه الجمهوريات لعضوية الأمم المتحدة.

كيف نالت روسيا المقعد الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؟

- بقيت قضية واحدة وهي مقعد الاتحاد السوفياتي الدائم في مجلس الأمن. وطلبت روسيا أن تكون هي الوريث لهذا المقعد، وتنازلت هذه الجمهوريات سلمياً لروسيا، فأصبحت روسيا الوريث المالي للدولة السوفياتية.

ما أسباب الأزمة بين روسيا وأوكرانيا برأيك؟

- مع مجيء الرئيس (فلاديمير) بوتين للسلطة العام 2000، بدأ بفتح الملفات والاتفاقيات السابقة، ولم تكن مشكلته التخلص من الإرث السوفياتي بل الخصومة معه، معتبراً أن الاتحاد السوفياتي أضعف الدولة القومية الروسية الكبيرة، وحاول أن يعيد الأمجاد القيصرية القديمة، حيث إن الفكر الاشتراكي معارض ومعادٍ للقومية، كونه يؤمن بالطبقية ويرفض التعصب القومي، لذلك عمل بوتين على إثارة الشعور بالقومية لدى جميع الروس، ومنهم المتواجدون في الجمهوريات السوفياتية السابقة.

وهذا ما ظهر عندما تدخل في منطقتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في جورجيا العام 2008، مناقضاً اتفاقية الحدود الموقعة بين روسيا والدول التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي، حيث إنه يعتبر القومية الروسية أهم من الحدود السياسية للدول.

ما دور التحولات الداخلية في أوكرانيا في النزاع مع روسيا؟

- ظهرت في أوكرانيا رؤيتان سياسيتان واجتماعيتان. الأولى في غرب أوكرانيا من الكاثوليك، والثانية في الشرق من الأرثوذكس وأوكرانيين من أصول روسية. فكان جناحان أحدهما مؤيد لروسيا والآخر للغرب. وفي العام 2014 جاء الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، الذي تحدث في برنامجه الانتخابي، عن أن أوكرانيا جزء من أوروبا، ولكنه تراجع بعد نجاحه، وأراد التوجه نحو روسيا وغيّر خطابه السياسي، فظهرت احتجاجات من التيار المعارض له، وتم إسقاطه وهرب إلى روسيا.

إثر ذلك، احتلت روسيا شبه جزيرة القرم، ودعمت انفصال إقليمين في شرق أوكرانيا، رغم وجود اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين، ما شكل صدمة للأوكرانيين الذين تذكروا اتفاقية 1994 والتي تخلوا فيها عن سلاحهم النووي، فلجأوا إلى أميركا وبريطانيا وألمانيا، كون الدول الثلاث كانت شهوداً على الاتفاقية، وطالبت أوكرانيا حينها بعضوية الناتو أو تسليحها أو الضغط على روسيا لإعادة القرم، وهذا يعني أن طلب الانضمام لـ«ناتو» جاء بعد احتلال روسيا للقرم، وليس قبل ذلك.

وما يثبت أن سبب الغزو الروسي لأوكرانيا لا علاقة له بطلبها الانضمام للحلف، هو أن هناك 3 دول من الاتحاد السوفياتي السابق ولصيقة لروسيا، أصبحت أعضاء في الحلف منذ عام 1999 وقريبة جداً من أكبر المدن الروسية سانت بطرسبورغ، وهي ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا على بحر البلطيق، ولم تعترض روسيا على ذلك، وهذا ما يؤكد أن السبب الحقيقي هو موقع أوكرانيا وشبه جزيرة القرم الاستراتيجي على البحر الأسود.

هكذا تخلت أوكرانيا عن سلاحها النووي

أوضح الرواشدة أنه «بعد تنازل الجمهوريات السوفياتية لروسيا عن المقعد الدائم في مجلس الأمن، بقيت قضية واحدة معلقة وهي السلاح النووي، حيث إن روسيا كانت تريد أن تكون الوحيدة التي تحتفظ بالسلاح النووي الموجود فقط في روسيا وأوكرانيا، فطلبت من أوكرانيا التنازل عن السلاح النووي فتلكأت، فاستعانت روسيا بالولايات المتحدة، التي شجعت الاتحاد السوفياتي على الانهيار، وشجعت دول أوروبا الشرقية على التحول، فضغطت الولايات المتحدة وأوروبا على أوكرانيا للتنازل عن سلاحها النووي، ضمن اتفاقية بودابست في 2 أكتوبر 1994، التي تضمنت تقديم كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية ضمانات بأنهما سوف تضمنا سيادة وسلامة أراضي الدولة الأوكرانية، وحمايتها من أي اعتداء خارجي محتمل، ووقع الاتفاقية كل من بريطانيا وألمانيا كشهود. وغطت الولايات المتحدة تكلفة تدمير الأسلحة النووية، بإشراف خبراء من روسيا وأميركا، ثم وقّعت أوكرانيا اتفاقية الأمم المتحدة للحد من انتشار الأسلحة النووية».

من الصداقة إلى الحرب

لفت الرواشدة إلى أن العلاقات الروسية - الأوكرانية شهدت مرحلة ممتازة، لدرجة أن البلدين وقّعا عام 1997 اتفاقية تحالف وصداقة، وبدأ ضخ النفط عبر أوكرانيا، التي حصلت على أسعار تفضيلية للنفط والغاز الروسي.

وأوضح أنه «في تلك الفترة ظهرت جميع أشكال التعصب الديني والقومي في أوروبا الشرقية، ومنها دول الاتحاد السوفياتي السابق. وبدأت دول النظام الاشتراكي بالتحول إلى نظام اقتصاد السوق الرأسمالي التقليدي، ما تسبب بانتشار المافيات واللوبيات والفساد في معظم دول المنطقة. وكانت أوكرانيا الأقرب عرقياً وثقافياً لروسيا وبيلاروسيا، علماً أن كييف كانت عاصمة الإمبراطورية الروسية في مرحلة من مراحلها».

شروط عضوية «الأطلسي»

ذكر الرواشدة أن الدول الأوروبية لم تستجب للطلب الأوكراني لانضمامها إلى حلف شمال الأطسي، حيث إن هناك إجراءات يجب أن تنفذ قبل قبول العضوية، قد تستغرق 5 سنوات. ومن شروط الانضمام:

- ألا تكون الدولة في صراع مسلح مع أي دولة أخرى.

- أن توافق جميع دول «ناتو» بالإجماع على العضوية، وهذا صعب كون بعض الدول صديقة لروسيا في ذاك الوقت، مثل هنغاريا وسلوفاكيا واليونان.

- الشرط الأخير بعد استيفاء جميع الشروط، أن يحدث استفتاء شعبي في البلد الراغب بالانضمام، وأن تكون نسبة الموافقة 75 في المئة من الشعب على الانضمام، وهذه نسبة من الصعب تحقيقها في أوكرانيا.

لماذا لم يُحل الحلف؟

رأى الرواشدة أنه «كان من المفترض أن ينهار حلف شمال الأطلسي (ناتو) بعد حل حلف وارسو، ولكن جرت إعادة صياغة لاستراتيجيته وأهدافه، فليست هناك خصومة بين روسيا وحلف الناتو أو عداء أيديولوجي، وهناك اتفاقية تعاون بين (الناتو) وروسيا، اسمها شركاء من أجل السلام، وهناك بعثة روسية عسكرية في الحلف».