قبل أن يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، اجتمعت الأسر الكويتية على موائد السحور، وصوت الأطباق يرن في المسامع، مستذكرة رمضان المبارك خلال العام الماضي، وأكف أفرادها ترتفع إلى بارئها بكل كلمات الشكر والعرفان، «الحمد لله على نعمة انحسار الجائحة بكل تداعياتها».

مائدة السحور الأول في الشهر الفضيل، حملت من نعم الله ما حملت، وتنوعت بين المأكولات الخفيفة والدسمة، لكنها تجنبت المشويات ومسببات العطش، فجاء اليوم الأول للشهر الفضيل خفيفاً لا يحمل المشقة والتعب، ولا سيما مع اعتدال الطقس وملاءمة درجات الحرارة. وتزامن النهار الأول لشهر الفرقان مع عطلة يوم السبت، ففرّ الصائمون من مشقة الدوام إلى قراءة القرآن والعبادات، ومشاهدة بعض المسلسلات الرمضانية، فيما استنفرت ربات البيوت في المطابخ، فكانت أطباق الهريس والتشريب و«مطبق السمك» و«المجبوس» تزين الموائد الكويتية وتمنح الصائم شعورا بحلاوة الشهر الكريم وجمال طقوسه المباركة.

عصراً، كانت الزيارات العائلية قد بدأت تنشط لدى كثير من الناس، فكانت الموائد العائلية التي عززت صلات الرحم في اليوم الأول للشهر الفضيل، وكان الحديث الأهم بين الأهل والزوار، استذكار موتى كورونا بالدعاء والرحمة والاستغفار مع الابتهال إلى الله بانتهاء الجائحة كلياً، وزوال البلاء عن البشرية قاطبة.

وقبل أن تجنح شمس اليوم الأول للمغيب، وفيما تنتظر آلاف الأسر إطلالة مدفع الإفطار من قصر نايف، كانت أطباق الطعام تتنقل بين الجيران في عادة سنوية متوارثة جبل عليها الكويتيون جيلا بعد جيل، وإن انحسرت بعض الشيء خلال السنوات الأخيرة، إلا أن رؤيتها المحدودة في بعض الأحياء السكنية مع الخيم الرمضانية لإفطار الصائم كانت مدعاة للغبطة، وقد أنزلت السكينة في نفوس الكثيرين ممن استذكروا رمضان الماضي الذي كان رمزاً للإغلاق، فكان الإفطار الأول على صوت مدفع الإفطار، هنيئاً مريئاً امتزجت فيه الدعوات بطلب المغفرة والقبول وكانت فيه «لمة الأهل» بمثابة الشموع المضيئة على موائد رمضان.

وفي ظاهرة كويتية متفرّدة، اقترن شهر الصيام في الكويت بالبرنامج الشهير الذي يبث سنوياً من قصر نايف «مدفع الإفطار» وكان استمرار البرنامج بأولى حلقاته أول من أمس، مدعاة للتفاؤل لدى كثير من الناس الذين تمنوا أن تعود العائلات بأطفالها إلى ساحة القصر لتشاهد بأعينها مدفع الإفطار كما في الأعوام السابقة... وها هم قد عادوا من بعد الحظر. فمع حلول شهر رمضان المبارك، وقبيل مغيب شمس كل يوم، يقصد الأهالي والأطفال ساحة قصر نايف في العاصمة، لمشاهدة لحظة إطلاق مدفع الإفطار الذي تحول إلى تقليد تتوارثه الأجيال، منذ عهد الشيخ مبارك الصباح، الحاكم السابع لدولة الكويت. وعلى مدى أيام الشهر الفضيل، يتوافد على قصر نايف جمهور من الكبار والصغار، يجتمعون في أجواء تراثية لمشاهدة مدفع الإفطار الذي أطلقه للمرة الأولى علي بن عقاب بن علي الخزرجي، بحسب ماذكره الفلكي والمؤرخ عادل السعدون في كتابه «موسوعة الأوائل الكويتية».

وفور إعلان دخول الشهر المبارك، مساء يوم الجمعة، توجه الآلاف من الرجال والنساء لأداء صلاة التراويح في المساجد، بعد الخروج من تداعيات الأزمة الصحية التي منعت خلالها الصلاة في المساجد في وقت من الأوقات، وارتفعت مع أذانها عبارة «صلوا في رحالكم» ثم كان فيها التباعد بعد ذلك، ولكن المساجد في رمضان هذا كانت مكتظة بالمصلين من دون تباعد، فكانت صورة للأيام الجميلة التي عاشتها الكويت سابقاً في كل رمضاناتها.

سلوكيات إيجابية لتعويض حرمان سنتين

لاحظ أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت الدكتور سعود الغانم ان المظاهر النفسية لدى عموم الناس إيجابية للغاية، ويبدو ذلك من استعداداتهم المميزة التي سبقت حلول الشهر المبارك بعد رفع القيود التي رافقت الجائحة ما يدفعهم لممارسة حياتهم كما هي العادة في هذا الشهر.

ورأى الغانم في تصريح لـ«كونا» أن ما يعرف اجتماعياً بالشخصيات الانبساطية، وهي التي تحب أن تختلط بالناس، تعيش الآن سعادة لا توصف إذ إنها تسر بالحياة البعيدة عن العزلة والانغلاق، ما يعني أنهم «سيزاولون كل ما حرموا منه في العامين الماضيين وبالتالي سوف تزدحم بهم الشوارع والأماكن العامة والدواوين والأسواق وأماكن الترفيه».

وذكر أن عودة الأنشطة الاجتماعية فيما بين الأهل والأصدقاء وزملاء العمل بقوة خلال الشهر الفضيل، سببها الحرمان الاجتماعي في العامين الماضيين، مستذكرا المقولة الشهيرة «رمضان يجمعنا».

وتطرق إلى المظاهر الاقتصادية المرافقة عادة لشهر رمضان والمتعلقة «بازدهار الأسواق لمتطلبات إعداد الموائد المختلفة عن بقية شهور السنة، والمهرجان الشعبي (القرقيعان) وتفصيل ملابس الغبقات والعيد والزينة والديكورات، لتعويض ما فات من مناسبات وهذا سلوك إنساني معتاد».

قوّة التجمعات العائلية

قال استاذ علم النفس بجامعة الكويت الدكتور خضر البارون إن «اختلاف شهر رمضان الحالي عما كان عليه خلال العامين الماضيين، يرجع إلى رفع القيود المرافقة لجائحة كورونا، خصوصاً ما يتعلق بفرقة الناس عن بعضها البعض في السابق»، مبيناً «أهمية الإفطار الجماعي للأسر في بث روح البهجة وتحسين النفس البشرية، وهو ما جعل هذا الشهر الكريم مختلفاً عن بقية شهور السنة».

وأوضح البارون لـ«كونا» أن «زوال الخوف من الجائحة، كما كان في شهري رمضان الماضيين، يساهم بشكل كبير في قوة التجمعات الاسرية والعائلية وبين الأصدقاء والمعارف في شهر رمضان المقبل». ودعا الى نسيان الماضي الاليم المتعلق بالجائحة والتواصل والتراحم فيما بين الأحبة خلال الشهر الفضيل وحضور التجمعات وزيادة الألفة بينهم في جو روحاني واجتماعي يتميز به هذا الشهر كما كان بالسابق.