تؤشر عملية قصف مطار بغداد، وسقوط ست قذائف على المدرج وإصابة طائرة مدنية، إلى أنها حركة غير موجهة إلى القوات الأميركية المتمركزة في قاعدة فيكتوري، البعيدة عن مكان سقوط الصواريخ، بل هي رسالة بالنار إلى العملية السياسية والخلاف الشيعي - الشيعي، الذي ينذر بالذهاب نحو احتمال الصدام السياسي أو العسكري، بسبب النفوس المشحونة بين أطراف النزاع.

فهل من مخرج قريب للعراق أم أن بلاد ما بين النهرين تتجه نحو اللا استقرار، أو ما هو أسوأ من ذلك؟

منذ أن أعلن السيد مقتدى الصدر عن فوزه بالكتلة النيابية الأكبر (73 نائباً من أصل 329) وعن أحقيته باختيار رئيس الوزراء المقبل ونائبي رئيس البرلمان والجمهورية، بدأت الخلافات تنشط داخل البيئة الشيعية في العراق.

واشتدت الخلافات بعد إفصاح الصدر تكراراً بأنه سيتجه نحو حكومة وطنية وليس حكومة محاصصة، كما كان يقضي العرف عند اختيار رئيس الحكومة وأعضائها.

إلا أنه اصطدم بحقيقة اضطراره إلى التحالف مع السنة ومع الأكراد وإعطائهما الحصة التي يريدانها لانتخاب رئيس المجلس النيابي محمد الحلبوسي، وكذلك بالنسبة إلى رئاسة الجمهورية في استحقاقها في السابع من فبراير المقبل.

إلا أن الطامة الكبرى بدأت عند دعوة الصدر الأحزاب الشيعية التي اجتمعت تحت مسمى «الإطار التنسيقي» إلى الاتفاق على الحكومة الجديدة والاتحاد مع «التيار الصدري» شرط إبقاء نوري المالكي خارج هذه الوحدة.

لكن «الإطار» رفض العرض، بقوله إنه يحق للمالكي بثلاث وزارات لامتلاكه 34 نائباً، وأن «الإطار» يأتي مجتمعاً أو لا يأتي أبداً، وأن المعارضة التي يجب أن تتشكل، من المفترض أن تؤلف من الشيعة والسنة والأكراد، وهو أمر غير قائم، لأن السنة اجتمعوا واتفقوا في ما بينهم، والأكراد لا يريدون البقاء خارج الحكومة، وتالياً فإن ما يعرضه الصدر يعتبر بنظر «الإطار» غير واقعي بل إقصائي للمالكي عن العملية السياسية، وهذا ما لن يقبله أعضاؤه ولن يستسلموا له.

وبدا الأمر أكثر تعقيداً أيضاً مع مناداة الصدر بسحب سلاح الفصائل التي تعد بالعشرات وإلغاء دورها وتسليم سلاحها إلى القوات الأمنية الرسمية الممثلة بـ«الحشد الشعبي» إلا أن هذه الفصائل الممثلة داخل «الإطار التنسيقي» لن ترضى بإلغاء دورها ما دامت هناك قوات أميركية غير راغبة بالخروج من العراق وقوات احتلال تركية، وقوات «البشمركة» الكردية في السليمانية وأربيل خارجة عن سيطرة حكومة بغداد. هذا من دون ذكر «داعش» الذي عاد نشاطه أقوى من قبل.

وهذا يعني أن زعيم «التيار الصدري» في مأزق حرج، فهو يستطيع الذهاب إلى الأكراد والسنة وعزل «الإطار»، وأن يختار رئيس الجمهورية والحكومة وأعضاء الحكومة المقبلة، إلا أنه لن يستطيع أبداً سحب الفصائل من الشارع، لأنها تمتلك قوة عسكرية لا يستهان بها، وكذلك غطاءً سياسياً من أحزاب شيعية عدة تتمتع بسلطة قوية داخل القوات الأمنية الرسمية على أنواعها.

ما يستطيع فعله الصدر هو الإيعاز لـ«جيش المهدي» (أو «السرايا» أو أي اسم يطلق على قوات الصدر العسكرية) فرض الأمن بالقوة، وهذا يعني إراقة دماء وصدام شيعي - شيعي، وهو الأمر الذي من المستبعد أن يكون الصدر يسعى إليه.

وثمة اعتقاد بأنه لا يمكن للفصائل الشيعية انهاء دورها وتسليم أسلحتها إلا بقرار سياسي يجتمع عليه القادة الشيعة. وأنه في خضم الخلافات بين «الإطار» والصدر، يبدو أن تحجيم دور تلك الفصائل لا يزال بعيد المنال.

والسؤال الآن: هل يذهب الصدر إلى تشكيل حكومة تصطدم بواقع فشلها في السيطرة الأمنية، وما يؤدي تالياً إلى فشله عبر إخفاق حكومته المقبلة؟ وهل يبادر إلى تقديم تنازلات للمالكي لإشراكه في الحكم لتبدأ المفاوضات بين الأحزاب الشيعية من دون أي ضمانة لنجاحها في إلغاء دور الفصائل؟

أمام زعيم «التيار الصدري» تحديات لا يُحسد عليها وليست سهلة. فقد اختار التصادم مع الفصائل المسلحة والمالكي والتمسك بشروطه ورفع سقف طلباته وتوقعاته التي يصعب تحقيقها من دون إراقة دماء في «معركة دموية» شيعية - شيعية.

وهذا ما يضعه أمام خيارات صعبة، منها أن يذهب هو إلى المعارضة ويدع «الإطار» يختار حكومته ويفشلها بعد ذلك بأشهر قليلة من خلال تظاهرات ومساءلات برلمانية وقفل الشوارع، وهي ممارسات تعود عليها التيار الصدري.

فإذا أردت أن تطاع، فاطلب المُستطاع... فهل ذهب الصدر بأهدافه وطلباته نحو المستحيل لعدم نضوج واقع سياسي بعيد عن المحاصصة وبناء الدولة؟