تبقى مشكلة تسكين الوظائف الإشرافية في الجهات الحكومية، الشغل الشاغل للموظفين الحالمين بالترقي في سلّم وظائفهم من جهة، وللجهات الحكومية وقيادييها الذين يتعرّضون، في كثير من الأحيان، إلى ضغوط لتعيين محسوبين على هذا الطرف أو ذاك في مناصب قيادية عليا، حتى لو كانوا لا ينتمون إلى الجهة المعنية، من جهة ثانية.
ويُصطلح على تسمية الإجراء الأخير من قبل الموظفين بـ «التعيين الباراشوتي» الذي يحرم الموظف من حقه الدستوري في صعود سلم وظيفته، وأخيراً ظهرت الاختبارات التحريرية التي يرى موظفون أنها تفصّل على مقاسات موظفين بعينهم، وفق رغبة مسؤولي الإدارة أو القطاع.
فبالرغم من صدور قرارات منظمة لمسألة تسكين المناصب الإشرافية، أبرزها القرار 25 /2006 في شأن الشروط التي تضمنها لشغل تلك الوظائف في الوزارات والإدارات الحكومية والهيئات والمؤسسات، والقرار 30 /2015 المعدل للقانون السابق الذي أجاز وضع قواعد ومعايير للمفاضلة بين المرشحين لشغل الوظائف الإشرافية، حسب مقتضيات المصلحة العامة، على ألا يكون من شأنها الإخلال بالشروط والضوابط والأحكام الأخرى الواردة بهذا القرار، إلا أن المشكلة ما زالت على حالها، وأن الحسم في تحديد أحقية الموظف بالمنصب يكون في النهاية بيد القضاء، وليس وفق الضوابط المنظمة لهذه المسألة.
وبدأت، أخيراً، مشاكل المسميات الإشرافية تتفاقم بشكل غير مألوف، خصوصاً مع بدء بعض جهات العمل تنفيذ نظام الاختبارات التحريرية التي يراها بعض الموظفين الذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم لـ«الراي» فرصة لإنجاح الموظف الذي يرغب فيه وكيل القطاع المعني، إذا كان المنصب الشاغر بمسمى مدير، أو الذي يرغب فيه مدير الإدارة إذا كان المنصب الشاغر هو مراقب أو رئيس قسم، من خلال تمرير بعض الأسئلة للشخص المرغوب فيه.
وعلى الرغم من تطرق سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد، قبل أشهر عدة، لهذه المشكلة، على مرأى ومسمع من الجميع، خلال لقائه بقياديي الدولة، في مركز جابر الثقافي، وعزمه العمل على حلها، من خلال تكليف ديوان الخدمة المدنية بوضع ضوابط ومعايير جديدة لشغل المناصب القيادية أو الوظائف الإشرافية في الجهات الحكومية، لوضع حل لهذه المعضلة التي باتت تؤرق موظفي الوزارات والهيئات والمؤسسات، لاسيما في ظل كثرة الوظائف الإشرافية الشاغرة في جميع الجهات الحكومية، إلا أن هذه الضوابط لم تر النور حتى الآن، الأمر الذي يجعل باب شغل الوظائف الإشرافية مفتوحاً على كل الاتجاهات.
وربما تكون عشرات التظلمات التي قدمت، احتجاجاً على سير إجراءات الاختبارات المنظمة لشغل الوظائف الإشرافية، في إحدى الجهات الحكومية، فضلاً عن مئات الدعاوى القضائية المنظورة أمام المحاكم بدرجاتها المختلفة، خير دليل على وجود هذه المشكلة، وان إيجاد حل لها أصبح أمراً ملحّاً.
ديوان الخدمة يعكف على وضع الضوابط والمعايير
قالت مصادر مسؤولة في ديوان الخدمة المدنية لـ «الراي» إن الديوان يعكف حالياً على وضبع الضوابط والمعايير المنظمة، لشغل المناصب القيادية والوظائف الإشرافية في الجهات الحكومية، مع الأخذ بعين الاعتبار القرارين رقمي 25/2006 و 30/2015، مشيرة إلى اهتمام رئيسة الديوان مريم العقيل بإنجاز تكليف سمو رئيس مجلس الوزراء للديوان بوضع تلك الضوابط والمعايير.
القضاء يعيد الحق لأصحابه
قال المحامي الدكتور دويم المويزري إن «الكلمة الأخيرة الخاصة بفصل الخلافات على أحقية شغل الوظائف الإشرافية تكون لحكم التمييز، الذي يحكم عادة في مثل هذه القضايا بناء على اعتبارات أقدمية الموظفين والكفاءة التي يمتعون بها».
وأوضح المويزري «أن القضاء يضع في اعتباراته أيضاً مبدأ الحيادية، في شأن الإجراءات التي قامت بها الجهة المعنية لتنظيم عملية شغل الوظائف الإشرافية لديها، فإذا اكتشف القاضي وجود التفاف أو تحايل في تلك الإجراءات، لتسكين شخص معين على حساب آخر، يأتي الحكم لصالح الموظف الأقدم».
وأضاف: «عادة تقوم الجهة المعنية بتسكين شخص معين على حساب شخص آخر بطريقة ما، الأمر الذي يعد مخالفاً للقانون»، داعياً إلى ضرورة أن تجرى مسألة تسكين الوظائف في مناخ تسوده الشفافية ومبدأ تكافؤ الفرص حتى يتم اختيار الشخص المستحق.
اختبارات... «بيبي كير»
اعتبر الموظف في وزارة الأشغال (م. ر) الذي أجرى اختباراً تحريرياً لشغل إحدى الوظائف الإشرافية في أحد قطاعات الوزارة، أن الاختبار التحريري لا يمثل مقياساً حقيقياً لقدرات الموظف، مستغرباً من نوعية الأسئلة الواردة في الاختبار، كونها ليس لها علاقة بالمنصب المراد شغله.
وتساءل «ما علاقة (البيبي كير) مربية الأطفال ونسب البروتينات في الأكل الواردة، بوظائف وزارة الأشغال حتى تأتي ضمن أسئلة الاختبارات التحريرية؟».
من جانبه، قال الموظف في وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة (ف.ع) إن نسبة كبيرة من الموظفين الذين نجحوا في الاختبارات التحريرية التي أجريت قبل أشهر لا يستحقون المناصب التي شغلوها، مشيراً إلى أن «تظلم قسم كبير من المرشحين على نتائج الاختبارات يؤكد عدم وجود شفافية وحيادية في تلك الاختبارات».