معركة الرؤية، التي بات الكل فيها خاسراً وأول الخاسرين هم فلذات الأكباد، تطل برأسها مع تواتر جرائم العنف الأسري التي تفتح أبواباً لا تغلق من التساؤلات عن آباء يتوسلون الحظ لسرقة سويعات لرؤية أبنائهم، من دون منغصات أو عقبات أو تحايل على القانون.

«الراي» وضعت الملف أمام طاولة عدد من القانونيين الذين أكدوا أن «الشرطة المجتمعية تحاول ضبط هذه الأمور»، محذرين في الوقت ذاته من أن «القانون يشجع أحياناً على الطلاق بسبب المغريات المادية للمطلقة».

وأقروا بأن «ثمة حاجة لتعديلات تشريعية لقانون الأحوال المدنية وقانون الأسرة، خاصة في ظل صعوبات قد يجدها الآباء أمامهم أحياناً، في حال الرغبة برؤية أبنائهم»، مؤكدين أنه «من الأفضل أن يكون مكان تسليم الأبناء لآبائهم هي مراكز الرؤية الرسمية، منعاً لحدوث أي تحايل، لأنه إذا مَنَعت الأم هذا الحق فيحق للأب طلب إسقاط الحضانة لعدم تنفيذ الحكم القضائي وبذلك تنتقل الحضانة إليه أو لمن يستحقها بعد الأم».

فقد أوضح الدكتور فيصل الحيدر لـ «الراي»، أن «المادة 196 من قانون الأحوال الشخصية تجيز حق الرؤية للأبوين والأجداد، وبات الآن في كل محافظة محكمة أسرة بعد صدور قانون الأسرة»، مشيراً إلى أنه «على الأب أن يلجأ لمبنى مركز تسوية المنازعات الأسرية حسب عنوان كل أب، وسيجد موظفين مختصين للتعامل بحرفية ورقي مع مثل هذه المشاكل، وهم من سيقومون بالاتصال بزوجته وإحضار الأبناء، وتقديم المشورة القانونية في حال تطلب الأمر رفع دعوى قضائية».

وأضاف: «لا أعتقد أننا بحاجة لمزيد من التشريعات، فالتشريعات القائمة كافية وحتى الدستور نص في المادة التاسعة على أن الأسرة هي أساس المجتمع»، معتبراً أن «الأمر واضح وميسر ولا يحتاج للتهويل أو التعقيد».

من جانبها، أكدت المحامية مريم المؤمن لـ«الراي» أن «هناك حالات منع من الحاضن سواء كان الأب أو الأم، من رؤية الأبناء من قبل الطرف الآخر غير الحاضن، خصوصاً إذا كان الطرفان في مرحلة التقاضي حتى تصدر أحكام بالرؤية، لتكون عملية الرؤية وانتقال الأبناء من منزل الأم والأب منظمة»، مشيرة إلى أن «الحاضن يلجأ لمنع الأبناء خصوصاً قبل حكم الحضانة، لأن هذه الفترة غير منظمة بحكم قضائي، وأي طرف يستطيع استلام الأبناء وعدم إرجاعهم للطرف الآخر».

وأضافت أن «القانون لا يحتاج إلى تعديل من جانب الرؤية»، مشيرة إلى أنه «إذا رفض الحاضن تسليم الأبناء لصاحب حق الرؤية لأكثر من ثلاث أو أربع مرات، يستطيع صاحب الحق إسقاط الحضانة من الحاضن».

ولفتت إلى أن «الشرطة المجتمعية تحتاج آلية جديدة ومتطورة، لتفعيل قانون العنف الأسري، كما أن القانون يحتاج تحديد عقوبة لبعض الأفعال مثل حرمان الحاضن لصاحب حق الرؤية من رؤية أبنائه».

وشددت على أن عدم استخدام الحق القانوني من قبل البعض «لا يعني أن هناك قصوراً بالقانون».

بدوره، قال المحامي محمد الصواغ لـ «الراي»، إن «حق الرؤية هو حق ديني وقانوني وإنساني لكلا الطرفين، بل إن للأجداد حق رؤية أيضاً لأحفادهم»، لافتاً إلى أن «المرأة هي القادرة على رعاية الأبناء وخاصة الصغار أو حديثي الولادة ممن لم يكملوا سن الفطام ولذلك جُعلت الحضانة لها، والهدف من الحضانة هو ضمان الشخص المناسب القادر على رعاية المحضونين والتفرغ لهم، وهذا مالا يستطيعه الرجل غالباً وبذلك تكون الحضانة للأم».

وأوضح أنه «في القانون الكويتي بشكل عام وقانون الأحوال الشخصية بشكل خاص، لا يوجد منع للأب من رؤية أبنائه، بل إن الحضانة قد تسقط عن الأم إذا امتنعت من تمكين الأب من رؤية أبنائه في حال ما إذا كانت هذه الرؤية ممنوحة بحكم قضائي وتم إثبات ذلك بمحضر إثبات حالة في المخفر، لأنه في نهاية الأمر هو أب وهؤلاء أبناؤه».

وذكر أنه «من الناحية التشريعية، فإن القانون بشكل عام يصب لصالح المحضونين ولكنه يشجع أحياناً على الطلاق بسبب المغريات المادية التي تتحصل عليها المطلقة من نفقة عدة ومتعة ونفقة الأبناء وأجرة المسكن وأجرة الخادمة وثمن استقدامها وأجرة السائق وثمن شراء سيارة ونفقة تأثيث.. أليس ذلك كثيراً ومرهقاً؟»، معتبراً أن «هذا ما جعل حالات الطلاق بازدياد كبير ومخيف جداً وخطر، ويجب الالتفات لهذا الأمر وعدم إرهاق كاهل الأب الذي قد تتراكم عليه النفقات المتجمدة، ويشجع المتزوجات على الطلاق بحثاً عن المردود المالي الذي سيأتي المرأة وإن كان حقاً لها ومن حقوقها وحقوق أبنائها إلا أنه قد يُستغل بشكل آخر».

ورأت المحامية نيفين معرفي، في تصريحات لـ «الراي»، أن «قانون الأحوال الشخصية وضع آلية معينة للرؤية، والشريعة الإسلامية أعطت حق الحضانة للأم، ومستحق الحضانة قد يكون الأب في حال عدم توافر شروط الحضانة في الأم»، مشيرة إلى أنه «يستطيع أن يرى الأب أبناءه بعد الانفصال عن زوجته مرة أو مرتين في الأسبوع بحسب حكم المحكمة».

وتابعت أنه «في حال قيام الأم بتصنع حجج لمنع الأب من رؤية أبنائه، يجوز للأب أن يقوم بعمل محضر إثبات حالة ومن ثم يمكن أن يرفع دعوى إسقاط حضانة وطلب تعويض»، مشيرة إلى أن «التعديل التشريعي الذي نحتاجه هو الإشارة إلى جواز مبيت الأبناء عند أبيهم، خاصة في ظل ظروف الزحام وطبيعة عمل الآباء، لأن النصوص الحالية لا تنص على المبيت وتمنع ذلك».

وأشارت إلى أن «الشرطة المجتمعية تحاول تنظيم الأمر، فلو كان الحكم أخذ الأولاد من مركز الرؤية يكون أفضل وأسهل في حال الرغبة في عمل محضر إثبات حالة ومن ثم رفع دعوى»، مؤكدة ضرورة أن «يتعامل الطرفان باللين وعدم التعامل بروح الندية والانتقام، لأن ذلك يعود بالسلب على الأبناء».

آباء يتقاعسون

قالت المحامية نيفين معرفي في معرض حديثها عن السلبيات التي تحدث من الطرفين أثناء تنفيذ عملية الرؤية، «نحتاج نصاً تشريعياً يلزم الأب بتنفيذ حكم الرؤية وسحبها منه في حال تقاعس مرات عدة عن ذلك، لأن هذا التقاعس يصيب الأبناء بخيبة أمل بعد أن يشاهدوا والدهم يتقاعس عن المجيء لأخذهم لرؤيتهم».

الامتناع يسقط الحضانة

أكد المحامي محمد الصواغ أنه بإمكان والد الأطفال «الطلب من القاضي بتمكينه من رؤية أبنائه في مركز الرؤية، وإذا امتنعت الأم عن ذلك فيحق له طلب إسقاط الحضانة لعدم تنفيذ الحكم القضائي، وبذلك تنتقل الحضانة إليه».

المنع جائز في حالة واحدة

لفت الصواغ إلى أن «المنع يكون جائزاً في حالة واحدة فقط، وهي إذا كان يُخشى على الأبناء من أبيهم إذا ما كان مدمن مخدرات أو به مرض نفسي لا يدرك أفعاله، وقس على ذلك الأمور التي قد تصيب الأبناء بالضرر، فهنا قام المشرع بجواز منع الأب من الرؤية حفاظاً على سلامة المحضونين».