لعل اليوم العالمي لحفظة السلام التابعين الأمميين، الذي يوافق 29 مايو من كل عام، فرصة لاستذكار حقبة من تاريخ الكويت ليست بعيدة، تتعلق بما بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي، ووجود أولئك الرجال ضمن قوات UNIKOM (بعثة الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار بين الكويت والعراق)، كما أنها فرصة للإشادة بمساهمات أفراد تلك القوة من عسكريين ومدنيين التي لا تقدر بثمن في أعمال المنظمة، ولتكريم أكثر من 3900 فرد من حفظة السلام الذين قضوا في أثناء الخدمة تحت راية الأمم المتحدة منذ العام 1948، بمن في ذلك 102 فرد لقَوا حتفهم العام الماضي فقط.

«الراي» تلقي الضوء على إنشاء UNIKOM عبر لقاء مع أحد أوائل المشاركين في هذه البعثة، وهو الضابط الفرنسي كريستيان دي كوكبورن الذي شارك في حرب تحرير الكويت، ولم يكد يصل فرنسا حتى عاد للكويت مرة أخرى، للمشاركة في انشاء بعثة الأمم المتحدة الجديدة، حيث أكد أنه لم يكن بحاجة إلى تفريغ حقائبه وغادر فوراً للشرق الأوسط.

وأوضح كوكبورن أن مهمته كانت إمداد جميع نقاط المراقبة في المنطقة بالوقود والماء والغذاء وغيرها من المعدات، لافتاً إلى أنه تم تخصيص سيارة دفع رباعي له شخصياً فقام بصبغها باللون الأبيض (حتى تكون شبيهة بالمركبات التابعة للأمم المتحدة). وذكر ان «رؤية بلد يعود للحياة بعد حرب مدمرة كانت تجربة مثيرة للغاية»، معرباً عن تأثره بالسرعة التي عادت بها الحياة إلى مسارها الطبيعي بعد انتهاء الأعمال العدائية في الكويت.

وفي ما يلي تفاصيل الحوار:

عرّفنا عن نفسك؟

اسمي كريستيان دي كوكبورن، التحقت بالجيش الفرنسي في العام 1979، وأصبحت ضابط مشاة، شاركت في حرب الخليج الثانية ضمن الفيلق الأجنبي، وكنت قد خدمت سابقاً في مهمة مدتها ثلاث سنوات إلى القدس وسورية.

لماذا تم تعيينكم في مهمة الأمم المتحدة هذه؟

عدت من عملية «داجيت» (القوة الفرنسية المشاركة في حرب تحرير الكويت) في مارس 1991 بعد قضاء 6 أشهر في الصحراء، ولم أكن أعرف ما الذي سأفعله بعد ذلك. وكانت رئاسة الأركان الفرنسية تبحث عن 12 ضابطاً لإرسالهم ضمن بعثة الأمم المتحدة التي قررها مجلس الأمن الدولي «يونيكوم» وذلك لحراسة الحدود البرية ومعبر خورعبدالله البحري.

وبما أنني كنت أعرف العراق والكويت ومنظمة الأمم المتحدة، تطوعت وتم تعييني، ولم أكن بحاجة حتى إلى تفريغ حقائبي، فغادرت على الفور إلى الشرق الأوسط.

كيف كان وصولكم وإقامتكم في الكويت ؟

غادرت قاعدة أورليان الجوية في 10 أبريل متوجهاً إلى الرياض، وكنا 12 مراقباً فرنسياً، وفي اليوم التالي (11 أبريل)، أخذنا طائرة مروحية إلى مدينة الكويت، حيث كانت السماء ما زالت مظلمة بسبب أدخنة آبار النفط المشتعلة، وتم إسكاننا في فندق لا يزال أيضاً في حالة جيدة رغم الحرب.

واستقبلنا العقيد «لومان» قائد المفرزة الفرنسية (التي كانت في الواقع ما تبقى من عملية داجيت) حيث أطلعنا على الوضع التكتيكي المحلي، واتصلنا بقيادة «اليونيكوم» التي كانت قد وصلت للتو إلى فندق موفنبيك، حيث تم تكليف الجنود الفرنسيين الاثني عشر بمهام مختلفة.

من ناحيتي، اهتممت أولاً باستقبال وإسكان فرق المراقبين القادمة من جميع البلدان، وبعد ذلك في شهر مايو، عندما بدأت «اليونيكوم» عملها واستقرت في أم قصر، تم إرسالي إلى الميدان، وكان لدي دور لوجستي في الغالب، وكان علي إمداد جميع نقاط المراقبة في المنطقة بالوقود والماء والغذاء وغيرها من المعدات، وتم تخصيص سيارة دفع رباعي لي شخصياً، حيث قمت بصبغها باللون الأبيض (حتى تكون شبيهة بالمركبات التابعة للأمم المتحدة)، ثم عدت في شهر أغسطس إلى مدينة الكويت، حيث تم وضعي مع عقيد صيني لضمان مهام الارتباط مع السلطات الكويتية، وكنا تحت قيادة الجنرال غريندل (النمسا).

ماذا تتذكر من هذه المهمة؟

لقد كانت تجربة مثيرة للغاية، أن أرى بلداً يعود إلى الحياة بعد حرب مدمرة، إعادة الإعمار وعودة العائلات إلى منازلها وما إلى ذلك، لقد تأثرت بالسرعة التي عادت بها الحياة إلى مسارها الطبيعي بعد انتهاء الأعمال العدائية.

ومن ناحية أخرى، لقد استمتعت فعلاً بالعمل مع جنود من جميع بلدان العالم، لضمان مهمة مراقبة وقف إطلاق النار هذه، كنا نسافر في كلا البلدين عبر حدود لم تعد مرسومة. بالنسبة لنا، كنا نجسد المجتمع الدولي الراغب في السلام.