قلّب الصحافي الفرنسي هنري ويل دفتر مذكراته، على صفحات تغطيته لحرب تحرير الكويت، بمناسبة الذكرى الثلاثين لانطلاق عملية «عاصفة الصحراء» حيث كان في قلب الحدث، وزوّد «الراي» بصور لم تعرض من قبل، التقطها بعدسة كاميرته لتوثيق الأحداث.

ويل، المراسل الخاص للتلفزيون الفرنسي، يروي لـ «الراي» ذكرياته وهو شاهد في أرض الميدان لما حدث، ويقول إنه فور شن الهجوم البري تدخل مع زملائه في التلفزيون الفرنسي في نقل حي على الهواء مباشرة على القنوات التلفزيونية، وكان ذلك في منتصف الليل عند انطلاق العملية. ويقول «لديّ ذاكرة قوية مرتبطة بالكويت، فقد تجسدت حرب التحرير عبر إرسال قوة حليفة لمساعدة هذا البلد، وتم دمج الجنود الفرنسيين في التحالف، نحو 15 ألف رجل شكّلوا فرقة (داجيت) في فرنسا، وكانت هذه هي المرة الأولى منذ الحرب الجزائرية التي تقوم قواتنا فيها بعملية خلال 38 عاماً، حيث كانت تشارك من قبل في قوات حفظ السلام». ويضيف أن «هذا التدخل لتحرير الكويت حصد تعاطفاً حقيقياً في فرنسا، وأعتقد أنه كان حقاً بداية حقبة جديدة».

وعما رصده لدى دخوله الكويت، يذكر أنه فوجئ بشكل خاص بما حل بقافلة عراقية غادرت الكويت على عَجَل، وقد أخذوا كل شيء لكن قافلتهم تعرّضت للقصف، ويقول إنهم وجدوا كل شيء على الأرض في موقع القافلة المدمرة: مئات المركبات والأسلحة الخفيفة والثقيلة والذخيرة وأيضاً الملابس وأدوات المطبخ والغسالات والطعام، والكثير مما تم نهبه من الكويت.

وفي ما يلي تفاصيل اللقاء:

• في الذكرى الثلاثين لتحرير الكويت، حدثنا عن مشاركتك في تغطية أحداث حرب التحرير؟

- كنت في الرياض (المملكة العربية السعودية) من منتصف يناير إلى منتصف مارس 1991، حيث قمت بالتنسيق بين فرق القناة الخامسة، وهي قناة فرنسية لم تعد موجودة حالياً. كما قدمت مداخلات مباشرة على القناة، وقمت بعمل بعض التقارير الإخبارية والمصورة.

• متى دخلت الكويت؟ ومتى غادرتها خلال الحرب؟

- رافقت عملية التحرير مع الجيش الفرنسي، وأتيت من الرياض جوا لمنطقة قريبة من الكويت وبعد بضعة أيام، ذهبنا بالسيارة ليس عن طريق الساحل والظهران بل الطريق المركزي (الصحراء)، حضرت حينها لإعداد تقريرعن الأضرار التي لحقت بالبلد إبان الاحتلال العراقي، ولدي ذكرى خاصة أثناء عبوري الحدود فقد ارتديت الزي NBC (نووي / بيولوجي / كيميائي) الذي تم تجهيزنا به، وكان هذا هو الزي الرسمي للجنود الفرنسيين. ومع ذلك، ولعبور الحدود، قمت بوضع شعار عسكري برتبة ضابط في الجيش الفرنسي كان جندياً قد أعارني إياها، وبالتالي تمكنت من عبور الحدود بسهولة أكبر ودخول الكويت.

• اذكر لنا ما رأيته لدى دخولك للمنطقة؟

- فوجئت بشكل خاص بما حل بقافلة عراقية غادرت الكويت على عجل، وقد أخذوا كل شيء لكن قافلتهم تعرّضت للقصف، ووجدت كل شيء على الأرض: مئات المركبات والأسلحة الخفيفة والثقيلة والذخيرة وأيضاً الملابس وأدوات المطبخ والغسالات والطعام... والكثير مما تم نهبه من الكويت.

• هل شعرت بالخوف من تواجدك في منطقة الحرب؟

- بصراحة لا، لم يكن أول مسرح حرب أزوره، وكنت قلقاً جداً قبل المغادرة لاننا كنا نسمع أن صدام حسين قد يقصف بصواريخ سكود الرياض، وانه من الممكن أن يستخدم الأسلحة البيولوجية، نظراً لأننا لم نتلق ملابس «NBC» الخاصة بنا في اليوم المحدد لمغادرتنا فرنسا، وقرّرت تأجيل رحلتنا إلى الرياض لمدة 24 ساعة، فقد كنت مسؤولاً عن عشرة موظفين ولم أرغب في المخاطرة، وبمجرد وصولنا إلى الرياض، تلقينا تعليمات عندما انطلقت صفارة الإنذار في فندق حياة بالنزول إلى الملجأ الموجود في الطابق السفلي من الفندق. لكننا لم نفعل ذلك، كنا نذهب إلى السطح لرؤية صواريخ سكود يتم اعتراضها بواسطة صواريخ باتريوت. إلا أنه في الساعات الأخيرة من الهجوم البري سقط صاروخ عراقي على بعد مئات الأمتار من الفندق.

• ما أصعب موقف واجهك خلال الحرب؟

- أنا أفكر دائماً بالمدنيين الذين يخضعون لقانون المحتل في كل الحروب التي غطيتها، وكانت التأثيرات واحدة، كان وضعهم أصعب من حالتي.

• ما الذي لا تستطيع محوه من ذاكرتك عن هذه الحرب؟

- لديّ ذاكرة قوية مرتبطة بالكويت، فقد تجسّدت حرب التحرير عبر إرسال قوة حليفة لمساعدة هذا البلد، وتم دمج الجنود الفرنسيين في التحالف، نحو 15 ألف رجل شكّلوا فرقة «داجيت» في فرنسا، وكانت هذه هي المرة الأولى منذ الحرب الجزائرية التي تقوم قواتنا فيها بعملية خلال 38 عاماً، حيث كانت تشارك من قبل في قوات حفظ السلام. وحصد هذا التدخل لتحرير الكويت تعاطفاً حقيقياً في فرنسا، وأعتقد أن هذا التدخل كان حقاً بداية حقبة جديدة.

وفي بداية عام 1991 كانت المطاعم الكويتية خالية، وكذلك المحلات الكبيرة، وفي بداية فبراير 1991، اتصلت (من الرياض) بزوجتي التي كانت تحضر حفلة عيد ميلاد مع الأصدقاء، وعندما أخبرت ضيوفها أنها كانت تتحدث إلى محاور كان في المملكة العربية السعودية وكان يغطي هذه الحرب، اعتقدوا في البداية أنها كانت مزحة... ما زلنا نستذكرها حتى اليوم.

• هل التقيت بمسؤولين كويتيين خلال تغطيتك حرب التحرير؟

- لا، لكنني سأكون مهتماً جداً بلقائهم اليوم، لأتمكن من قياس الأثر الذي تركته مشاركة فرنسا في التحالف على المجتمع الكويتي، وما الذاكرة المتبقية منه، وماذا تعتقد الأجيال الشابة.

• كيف كنت ترى تأثير ما تنقله من أحداث؟

- المراسل الخاص هو شاهد يروي ما يراه، وهكذا فور شن الهجوم البري تدخلت مثل كل زملائي في التلفزيون الفرنسي على الهواء مباشرة على قنواتنا التلفزيونية، وكان ذلك في منتصف الليل، وكنا لا نعرف الكثير لذلك كنت دائماً أفضل الحذر. فعندما تقاتل قوات من بلدك، يصعب إعطاء المشاهدين أي معلومات قد تعرض أمنهم للخطر إنها رؤية أخلاقية.

• ما النصيحة التي تقدمها لكل زميل صحافي جديد؟

- كن فضولياً وقادراً على ربط ما تراه عيناك على أرض الواقع بما تكتبه.

• حدثنا عن عائلتك، وكيف تشعر وأنت تغادرهم للمناطق الملتهبة؟

- لديّ ابنتان إحداهما محامية والأخرى مهندسة معمارية، كلتاهما موهوبة، عندما ولد طفلي الأكبر عام 1983، كنت في بيروت، حيث غطيت مقتل 58 مظلياً فرنسياً قتلوا في الهجوم على مبنى دراكار (مقر القوات الفرنسية)، كما غطيت مقتل 241 عسكرياً أميركيّا في 23 أكتوبر في هجوم آخر، ومكثت بضعة أيام في العاصمة اللبنانية. كان القتال في كل مكان. كان الأمر خطيرا للغاية (عانى بعض الزملاء للأسف)، كانت زوجتي ستلد، كانت وقتها قوية جدا! وكانت أيضاً عندما كنت محظوظاً في عام 1987 في هايتي!

الرحلة الأولى للكويت بعد انتهاء الحرب

رحلتي الأولى إلى الكويت بالطائرة العسكرية (VAM)، وآبار النفط لا تزال مشتعلة، والمدارج في مطار مدينة الكويت مليئة بحطام الطائرات التي دمرها العراقيون الذين كانوا غادروا البلاد منذ وقت قصير، وعند مغادرتهم الكويت قصفت قافلتهم الأخيرة من قبل قوات الحلفاء. وفي محيط كبير جدا، كان هناك أسلحة ثقيلة وخفيفة، وذخيرة، وخوذات، وجميع أنواع المركبات، مهجورة، وأيضاً كل ما نهبوه من ملابس ومغاسل وغسالات، وفي اليوم التالي، عدنا إلى الكويت.

وعند المعبر الحدودي نزلت من سيارة رينج روفر، وذهبت إلى جندي كويتي وأخبرته أننا ذاهبون إلى السفارة الفرنسية، وكان المصور ومهندس الصوت يرتديان ملابس مدنية، وسمح لنا بالدخول.

من هو هنري ويل؟

الصحافي هنري ويل ولد عام 1955 جنوب غربي فرنسا في مدينة بوردو في عائلة متواضعة وكان طفلها الوحيد. قرر في التاسعة من عمره أن يصبح صحافياً عندما يكبر، استكمل دراسته بعد عمر الأربعين في الجامعة «شُعبة التاريخ المعاصر»، وبدأ مسيرته المهنية بعد خدمته العسكرية في الإذاعة والتلفزيون العام الإقليمي في تولوز، ثم تمت إعارته، بناءً على طلبه، إلى كاليدونيا الجديدة (الأراضي الفرنسية في جنوب المحيط الهادئ) على بعد 22 ألف كيلومتر من فرنسا. واشتهر بعد كتابته خبراً صحافياً ناجحاً في نيوزيلندا، ما ساعده على العمل في القناة الناشئة 5 في باريس لدى عودته لأوروبا في أغسطس 1987، وسرعان ما أصبح مراسلاً وحقّق حلم الطفولة.

غطى أحداثاً كبرى، منها البيريسترويكا في الاتحاد السوفييتي، وسقوط جدار برلين (جانب برلين الشرقية وبالتالي جمهورية ألمانيا الديموقراطية)، و«الثورة المخملية» في تشيكوسلوفاكيا، وربيع بكين، وحرب تحرير الكويت.