بعد سبع سنوات من المعاناة في شوارع مدينتنا، ما بين تطاير الحصى، وكثرة الحفر التي كدتُ أعتقد أنها لوحةٌ تراجيدية، ثبتت لتدخل في قائمة اليونيسكو، وبعد هذا الانتظار الطويل، أخيراً أغلق الفريج، ودخل العمال والمعدات كالفرسان، ليقتلعوه من أساسه، ويعيدوا إعماره.

سبقهم منشورات التنبيه، بضرورة التعجيل بإخلاء الفريج من السيارات، لمباشرة الأعمال.

واستجاب السكان لأوامر «الأشغال»، رغبة في سرعة الإنجاز والإصلاح.

ويغلب المستأجرون في الفريج، فكثرة السيارات تسببت في ازدحام المواقف والطرق، وتساءلت... أين أركن سيارتي؟ تركت الأمر للحظ، فيومٌ قريبة وأيامٌ بعيدة.

وسمعنا أصوات المعدات التي كدنا ننساها، ومع أصواتها دخل الفرح الفريج كأنه يومُ عيد، فانهالت الضيافةُ كغيمةٍ تهطل من ذاكرة الأجداد.

وبدأت الأعمال، فأزيل الأسفلت من أساسه، وأصبح لزاماً عليَ ألا أمشي إلا على رصيف معبد، سهل الممشى، يوصلني إلى البيت.

فما وجدت!

فاضطررت للمشي وسط الشارع المكتظ بالسيارات، مع حذرٍ شديد في الصباح، خوفاً من المسرعين، وما إن دخلت الفريج حتى اضطررت للمشي على الرمل، وصولاً إلى البيت.

واستمر الحال حتى كدت أعتاد على الحال، وإذ هاهم العمال يسكبون البيتومين وفاحت رائحته في الأرجاء حتى اخترق الجدران، وهذا كله تمهيد ليوم الفرش العظيم.

وتعقد الأمر، فالرصيف مسدود، والشارع غارق بالبيتومين، فكيف الوصول؟ فكرت وتفكرت، واقتنعت أنه لا وسيلة للوصول إلا بالعبور، فمضيتُ أقطع الطريق، متحملاً مشقة السير، وتلف الحذاء، فواصلت حتى وصلت، وتطلعت من حولي وتأملت، وقلت هل فعلاً كل مدننا بلا رصيف؟ هو موجود... لكنه ليس للمشي!