تفضل الله -سبحانه- على الناس، وسخّر لهم كثيراً مما خلق، وهيأه لينتفعوا به، وكلنا يعلم أن الكون بكل تفاصيله مخلوق لله تعالى، وكل ما ننتفع به اليوم من تراب وماء وهواء ومعادن وغابات لم يُسخر ويُهيأ لعصر من العصور، وإنما هو مسخّر للبشرية حتى قيام الساعة.
إنّ قضية الاهتمام بالبيئة والمسؤولية الجماعية عنها تشكل اليوم واحدة من أهم المسائل التي يجب على الوعي الإنساني التوقف عندها بسبب ارتفاع المخاطر التي تحيط بكوكبنا. علماء البيئة يتخوفون من تغيرات بيئية ومناخية لا رجعة فيها، ويتخوفون من الآثار الكارثية التي يمكن أن تترتب عليها. إنّ ارتفاع درجة حرارة الأرض، سيؤدي إلى إغراق الكثير من المدن الساحلية، بالإضافة إلى حدوث أعاصير قوية وانقراض الكثير من الكائنات الحية والنباتات، وارتفاع مستوى الغازات الدفيئة يهدد بذوبان الجليد.
إنّ تأثيرات التغير المناخي على البشر جعلت الدول والمنظمات وكل المهتمين بالسلامة العامة يحثون الناس على التصرف بالحكمة والوعي للتقليل من المخاطر التي قد تنتج من هذه التغيرات، وهنا يبرز دور ديننا الحنيف، ونصوصنا الإسلامية في توجيه السلوك الإنساني، والتي هي مصدر اعتزاز لكل مسلم. اهتم الدين الإسلامي بترشيد التعامل مع الموارد والمرافق العامة، والحقيقة أن ما لدينا من توجيهات وأدبيات يتسم بالريادة العالمية.
نجد في سياق الآية الكريمة: «لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (المائدة 120). أن الكون كله والحياة والأحياء مخلوقة لله تعالى، ومملوكة له، وهذا يقتضي أن نعيش على هذه الأرض، ونستفيد من خيرات الوجود وفق توجيهات المالك لنا ولها -جل جلاله- فنحن لسنا مفوضين بالعيش بالطريقة التي نراها، وإنما هناك تعليمات وقيود يجب علينا الالتزام بها وإلا وقعنا في الخطيئة والمعصية.
الحقيقة التي لا أحد فينا يغفل عنها أن مدة وجودنا على هذه الأرض محدودة، وسيأتي يوم ما نترك المكان لمن سيأتي بعدنا من مخلوقات الله تعالى، وسيكون لهم الحق في التمتع بخيرات الأرض كما تمتعنا بها، وهذا يتطلب منّا سلوكاً رشيداً على مستوى تنمية موارد الأرض والبيئة، وعلى مستوى استهلاكها والانتفاع بها، ونجد نص الآية التالية حول هذا المعنى، قال الله تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ». (الأعراف 31). إن الإسراف يكون عبارة عن تجاوز حد الاعتدال فيما هو مباح في الأصل، مثل أن يبالغ الإنسان في الإنفاق على أمر من أمور الدنيا، وهذا يعتبر عدواناً على الموارد، وسوء استخدام لما أنعم الله تعالى به علينا.
البيئة التي نعيش فيها ليست عبارة عن موارد استهلاكية فحسب، وقد تتعرض البيئة لتلوث الماء أو الهواء أو التربة، كما أن الناس الذين يعيشون فيها قد يتعرضون لتلوث سمعي أو بصري، ونجد في هذا السياق قول لقمان الحكيم لابنه: «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» (لقمان 19).
لقمان طلب من ابنه أن يخفض صوته، لأن الصوت حين يزيد عن قدر الحاجة يتحول إلى مصدر إزعاج للسامعين، فيتعكر صفوهم ويشعرون بالضيق، كما أن تلويث السمع يكون بأمور أخرى لا تقل إزعاجاً عن الضجيج، وذلك مثل السب والشتم والكلام الفاحش، وكل كلام لا يراعي أذواق الناس ومشاعرهم وأقدارهم.
إن الهدف من هذا المقال هو المسؤولية المجتمعية تجاه البيئة التي نعيش فيها، ومن المهم نشوء شعور ذاتي داخلي لدى كل فرد في المجتمع بأهمية حماية البيئة بكل الوسائل المتاحة، والأهم من هذا أنه يعكس نمو الضمير والوازع الداخلي، وهذا شيء متصل بالإيمان والتقرب إلى الله تعالى.
M.alwohaib@gmail.com
mona_alwohaib@