في ظل تزايد الحضور الخليجي على الساحة الدولية، وحرص دول المنطقة على تمثيل كفاءاتها في المنظمات الإقليمية والدولية، يبرز تساؤل مهم لدينا في الكويت: لماذا لا يُستثمر في خبرات المتقاعدين الكويتيين لترشيحهم لمناصب قيادية خارجية؟
هذا السؤال أسمعه دائماً من كفاءات وطنية تستغرب خلو المناصب الدولية من تواجد وطني، فالكويت تمتلك رصيداً كبيراً من الكفاءات في مجالات عديدة، الدبلوماسية، الاقتصاد، الطب، التعليم والقانون. كل هذه الكفاءات تظل محبوسة في الوطن بينما تنتشر في المنظمات الدولية، شخصيات أقل مما نملك، فقط لأن دولها دفعت بأسمائها إلى تلك المناصب.
إن تحويل مرحلة «ما بعد الخدمة» إلى مرحلة «العطاء الدولي»مطلباً وطنياً يساهم في نشر الخبرات الوطنية ويشكل عمقاً للكويت في المحافل الدولية. عشرات الشخصيات الكويتية خرجت من مؤسسات الدولة بعد مسيرة غنية، هؤلاء لا تنتهي قيمتهم بالتقاعد، بل هي مرحلة جديدة يخدمون فيها الكويت في الخارج، عبر تمثيلها في منظمات مثل:
- الأمم المتحدة ووكالاتها ومنها منظمة الصحة العالمية، والبنك الدولي، الإيسيسكو والألكسو.
- منظمات الرياضية الدولية وغيرها.
الكويت تساهم بالدعم لكثير من المنظمات ولا تكاد تجد فيها عناصر وطنية حقيقة تتوازى مع ما تنفقه الكويت لتلك المنظمات. للأسف واقعنا يكشف أن الكويت لم تُفعّل بعد آلية واضحة لترشيح مثل هذه الكفاءات، مقارنة بدول شقيقة نجحت في ترسيخ حضور مواطنيها في الساحة الدولية.
هناك عوامل عدة تقف حائلاً دون تحرك فاعل في هذا الاتجاه، أبرزها:
غياب لجنة وطنية مختصة بترشيح الكفاءات للمناصب الدولية؛ قصور في التنسيق بين الجهات الحكومية والمنظمات الدولية، وأيضاً تلك الأفكار الخاطئة التي تعتبر التقاعد نهاية الخدمة، لا بدايتها على مستوى آخر.
إذاً ما هو الحل حتى نرى الوجه الكويتي المحترف يطل علينا في أروقة المحافل الدولية ليعكس صور وطن صغير كبير في ثقافته؟ الحل يكمن عبر تأسيس لجنة وطنية لترشيح الكويتيين للمناصب الدولية؛ تبني هذه اللجنة قاعدة بيانات شاملة للمتقاعدين ذوي الخبرات العالية، كما تقوم بتفعيل دور وزارة الخارجية ومكتب الأمم المتحدة بالكويت في متابعة الشواغر الدولية وتعمل على تحفيز المجتمع المدني على ترشيح ودعم الكفاءات الوطنية.
إن الاستثمار في المتقاعدين ليس رفاهية، بل خطوة إستراتيجية تعزز مكانة الكويت دولياً، وتُبقي صوتها حاضرة في المحافل العالمية، وفي ظل التوجهات الجديدة نحو التمكين والتمثيل العادل، فإن ترشيح الكفاءات الوطنية المتقاعدة للمناصب الدولية لم يعد خياراً ثانوياً، بل ضرورة وطنية.